الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جلست على إليتها اليسرى وأخرجت رجليها من الجانب الأيمن؛ لأنه أستر لها.
والتشهد: التحيات لله، والصلوات
ــ
[البناية]
م: (جلست على إليتها اليسرى وأخرجت رجليها من الجانب الأيمن؛ لأنه أستر لها) ش: لأن مراعاة فرض الستر أولى من مراعاة سنية القعدة. وفي " المرغيناني " وجهت ما فيها، وكانت أم الدرداء تجلس كالرجل، وكانت فقيهة، ذكره ابن بطال، وهو قول النخعي ومالك ومن الصحابة أنس رضي الله عنه، وكانت صفية، ونساء ابن عمر رضي الله عنهم يجلسن متربعات؛ لأن ذلك أستر لهن. وعن سلمة: الأمة كالرجل في رفع اليد، وكالحرة في الركوع والسجود والقعود.
[التشهد الأوسط وصيغته]
م: (والتشهد التحيات لله) ش: أي التشهد الذي هو جزء أطلق عليه الكل، قراءة التحيات هذا، وهو جمع تحية من حي يحيي تحية.
وعن الليث معان: الأول: البقاء من قولهم: حياك الله، أي أبقاك الله، روي ذلك عن الأزهري، الثاني: الملك أي الملك لله من قولهم: حياك الله أي ملك الله، وروى ذلك الأزهري عن أبي علي. الثالث: السلامة من الآفات، كما قاله خالد بن يزيد. الرابع: السلام على الله من قولهم: حياك الله أي سلام الله عليك. قال الأترازي: فيه نظر عندي لأنه عليه السلام نهى في صدر حديثي ابن مسعود رضي الله عنه عن أن يقال: السلام على الله.
قلت: وجه النهي أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، فمن هذا الوجه لا يوجه القول بالسلام على الله، وأما إذا قصد معنى السلامات من الآفات والزوالات والعوارض لله تعالى فلا يبعد.
فإن قلت: ما معنى الجمع فيه؟ قلت: لأنه كان في الأرض ملوك يحيون بتحيات مختلفة فيقال لبعضهم: أبيت اللعن، ولبعضهم: أسلم وأنعم صباحا، ولبعضهم عش ألف سنة، فقيل لنا: قولوا: التحيات لله أي: الألفاظ التي تدل على الملك والبقاء والسلامة عن الآفات لله عز وجل، نقل ذلك عن العقبي، وعن الخطابي.
روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه في تفسير التحيات لله والصلوات والطيبات. فقيل: هي أسماء الله السلام المؤمن المهيمن الحي القيوم العزيز الأحد الصمد، قال: التحيات لله بهذه الأسماء وهي الطيبات التي لا يحيا بها غيره.
م: (والصلوات) ش: أي الأدعية وهي جمع صلاة وهي الدعاء الذي أصل معناه هذا في كلام العرب، وفي " المغربين " الصلاة رحمة، قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56](الأحزاب: الآية 56) أي يترحمون.
وعن الأزهري الصلاة من الملائكة دعاء واستغفار ومن الله رحمة. وعن ابن المبارك في قوله: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 157](البقرة: الآية 157) ، أي رحمات، وقوله في التشهد التحيات لله والصلوات أي: الثناء
والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته إلى آخره،
وهذا تشهد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فإنه قال: «أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، وعلمني التشهد كما كان يعلمني سورة من القرآن، وقال: قل: التحيات لله إلى آخره»
ــ
[البناية]
الحسن والحمد والتسبيح لله تعالى.
م: (والطيبات) ش: أي الطيبات من الكلام مصروفات إلى الله تعالى. وعن الليث: وأحسن الكلام وأفضله لله تعالى. وعن مشايخنا الفقهاء: التحيات لله أي: العبادات القولية لله تعالى لا يستحقها غيره، والصلوات أي: العبادات البدنية لله تعالى، والطيبات أي: العبادات المالية لله تعالى، يعني الجميع لله تعالى لا يستحقها غيره. وهذا على مثال من يدخل على الملوك يقدم السلام والثناء أولا، ثم يقوم في الخدمة، ثم يبذل المال.
م: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته إلى آخره) ش: هذا من الله تعالى على نبيه عليه السلام ليلة المعراج فإنه عليه السلام لما قال: التحيات لله، والصلوات والطيبات، رد الله تعالى من مقابلته بقوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته والزيادة، ولما زاد عليه السلام بهذه الألفاظ أشرك النبي عليه السلام أمته فيه بقوله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ثم لما سمعت الملائكة بذلك فرحوا وقالوا: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وذكر زين الأئمة الفرودي في ثواب العبادات عن النبي عليه السلام أنه قال: «لما عرج بي ليلة المعراج إلى السماء أمرني جبريل عليه السلام أن أسلم على ربي فقلت: كيف أسلم؟ فقال: قل: التحيات لله والصلوات والطيبات، قال: قلت: فقال جبريل عليه السلام، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقال جبريل عليه السلام: أشهد أن لا إله الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» ".
م: (وهذا تشهد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فإنه قال: «أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي وعلمني التشهد كما كان يعلمني سورة من القرآن، وقال: قل: التحيات لله إلى آخره» ش: تشهد ابن مسعود رضي الله عنه أخرجه الأئمة الستة عن ابن مسعود واللفظ لمسلم، قال:«علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كما يعلمني السورة من القرآن، فقال: "إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإذا قالها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» . زاد في رواية [إلا] الترمذي وابن ماجه «ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به» .
والأخذ بهذا أولى من الأخذ بتشهد ابن عباس رضي الله عنهما، وهو قوله: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا.. إلى آخره؛
ــ
[البناية]
م: (والأخذ بهذا) ش: أي بتشهد ابن مسعود رضي الله عنه م: (أولى من الأخذ بتشهد ابن عباس -رضي الله عنهما) - ش: ولهذا قال الترمذي أصح حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام في التشهد حديث ابن مسعود رضي الله عنه والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، ثم أخرج عن معمر عن خصيف قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له: إن الناس قد اختلفوا في التشهد، فقال: عليك بتشهد ابن مسعود.
وأخرج الطبراني في "معجمه " عن بشر بن المهاجر عن ابن بريدة عن أبيه قال: ما سمعت من التشهد أحسن من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وذلك لأنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووافق ابن مسعود في روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا التشهد جماعة من الصحابة والتابعين - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -.
فمنهم معاوية وحديثه عند الطبراني في "معجمه " أخرجه عن إسماعيل بن عياش، عن حريز ابن عثمان، عن راشد بن سعد، «عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنه كان يعلم الناس التشهد وهو على المنبر عن النبي صلى الله عليه وسلم التحيات لله والصلوات والطيبات..» الخ سواء.
ومنهم سلمان الفارسي رضي الله عنه وحديثه عند البزار في "مسنده "، والطبراني في "معجمه " أيضا عن سلمة بن الصلت، عن عمر بن يزيد الأزدي «عن أبي راشد قال: سألت سلمان الفارسي رضي الله عنه عن التشهد، فقال: أعلمكم كما علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم، التحيات لله والصلوات والطيبات» .. إلخ سواء.
ومنهم عائشة رضي الله عنها وحديثها عند البيهقي في "سننه" عن القاسم عنها قالت: «هذا تشهد النبي صلى الله عليه وسلم التحيات لله.. الخ» . وقال النووي في " الخلاصة ": إسناده جيد.
م: (وهو قوله) ش: أي تشهد ابن عباس هو قوله. م: (التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله إلخ) ش: تشهد ابن عباس أخرجه الجماعة إلا البخاري عن سعيد بن جبير وطاوس «عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، وكان يقول: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» ". وهاهنا تشهد آخر لأبي موسى الأشعرى، وتشهد لجابر، وتشهد لعمر بن الخطاب رضي الله عنهم.
وتشهد أبي موسى رضي الله عنه أخرجه مسلم وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن عطاء بن عبد الله الرقاشي، «عن أبي موسى قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال:"إذا صليتم فكان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم التحيات، الطيبات، الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» ".
الرابع: تشهد جابر، أخرجه النسائي وابن ماجه عن أيمن بن نابل، ثنا أبو الزبير، «عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن "بسم الله وبالله التحيات لله والصلوات والطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أسأل الله الجنة أعوذ بالله من النار» . رواه الحاكم في "مستدركه " وصححه، وضعفه جماعة من الحفاظ أجل من الحاكم، وأتقى منهم: البخاري، والترمذي، والبيهقي، وقال الترمذي: سألت البخاري [عنه] فقال: هو خطأ.
والخامس: تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه رواه مالك في " الموطأ " أخبرنا الزهري عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على المنبر ويعلم الناس التشهد يقول: قولوا: التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وهذا إسناد صحيح.
والسادس: تشهد ابن عمر رواه الطحاوي، بسم الله التحيات لله والصلوات لله، الزاكيات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، شهدت أن لا إله إلا الله، شهدت أن محمدا رسول الله.
السابع: تشهد علي رضي الله عنه ذكره الكرخي، التحيات لله والصلوات والطيبات الغاديات الزاكيات.
والثامن: تشهد سمرة، التحيات الطيبات الصلوات، السلام والملك لله.
لأن فيه الأمر، وأقله الاستحباب والألف واللام وهما للاستغراق، وزيادة الواو وهي لتجديد الكلام، كما في القسم وتأكيد التعليم
ــ
[البناية]
والتاسع: تشهد ابن الزبير، بسم الله وبالله خير الأسماء التحيات الصلوات الطيبات لله أشهد أن لا إله إلا الله.
م: (لأن فيه الأمر وأقله الاستحباب) ش: هذا شروع في تشهد ابن مسعود، أي؛ لأن في تشهد ابن مسعود صيغة الأمر، وهو قوله عليه السلام قل التحيات لله إلى آخره، وللأمر مراتب وأقلها الاستحباب، ولترجيح تشهد ابن مسعود وجوه كثيرة:
الأول: هو ما ذكره.
والثاني هو قوله: م: (والألف واللام) ش: أي ولأن فيه الألف واللام وهو معطوف على قوله: الأمر فلذلك نصب (وهما للاستغراق) ش: أي والألف واللام لاستغراق الجنس، وسلام بدون الألف واللام نكرة.
والثالث: فيه زيادة أشار إليه بقوله:
م: (وزيادة الواو) ش: أي واو العطف فيها يصير كل كلام على حدة؛ لأن العطف للمغايرة، وبغير الواو يصير الكل ثناء واحدا بعضه صفة بعض م:(وهي) ش: أي الواو م: (لتجديد الكلام) ش: أي الاستئنافية يعني: أن الكل لفظ ثناء بنفسه م: (كما في القسم) ش: يعني إذا قال الرجل: والله الرحمن الرحيم يكون يمينا واحدة، وإذا قال: والله والرحمن والرحيم بثلاث واوات يكون ثلاثة أيمان.
والرابع: فيه التأكيد أشار إليه بقوله:
م: (وتأكيد التعليم) ش: بنصب تأكيد أي ولأن فيه تأكيد التعليم وهو قوله: - علمني التشهد كما يعلمني سورة من القرآن - وهذه الوجوه الأربعة التي ذكرها المصنف. وهاهنا وجوه أخر الأول فيه الأخذ باليد فإن أبا حنيفة قال: «أخذ حماد بيدي، فقال حماد: أخذ إبراهيم بيدي، وقال إبراهيم: أخذ علقمة بيدي، وقال علقمة: أخذ ابن مسعود رضي الله عنه بيدي، وقال ابن مسعود: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي وعلمني التشهد» .
الثاني: أنه علق تمام الصلاة به، فدل على أن التمام لا يوجد بدونه.
الثالث: أن تشهد ابن مسعود رضي الله عنه أحسن إسنادا كذا قال أئمة الحديث وهم يجمعون عليه، وقد ذكر في " الصحيحين ".
الرابع: أن عامة الصحابة أخذوا به فإنه روي أن أبا بكر رضي الله عنه علم الناس على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تشهد ابن مسعود رضي الله عنه وهكذا روى سلمان الفارسي، وجابر، ومعاوية رضي الله عنهم.
الخامس: أن في تشهد غيره نقصانا.
السادس: تقديم اسم الله تعالى فإنه إذا تقدم على الممدوح في ابتداء الكلام ومتى أخر كان مجملا وإزالة الإجمال بأول الكلام أولى.
السابع: أن التحيات عام شمل كل [.....] الصلاة، وغيرها وذلك عند وجود الواو، فإن كان بغير الواو صارت الصلاة مخصصة أو ما [
..] فلا يكون عاما.
الثامن: أنه موافق للقياس؛ لأن ذكره ممتد مشروع في آخر طرفي الصلاة فيكون بالواو كالاستفتاح اعتبارا لآخر المذكورين للآخر.
التاسع: ليس فيه اضطراب ولا وقف، وحديث ابن عباس رضي الله عنه مضطرب جدا وهو أن مسلما وأبا داود ورياه مثل ما ذكرنا، والترمذي ذكر السلام منكرا، والشافعي وأحمد روياه مثل الترمذي ولم يذكرا وأشهد، وروى ابن ماجه كمسلم، لكنه قال: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، والنسائي كمسلم، لكنه صح نكر السلام، وقال: وأن محمدا عبده ورسوله، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، وهو موقوف أيضا.
قال الطحاوي: رواه ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس موقوفا، والذي رواه مرفوعا أبو الزبير ولا يكافئ الأعمش، ولا منصور، ولا مغيرة، ولا أشباههم ممن روى حديث ابن مسعود.
العاشر: فيه تشهد به عبد الله على أصحابه حين أخذ عليهم بالواو والألف واللام ليوافق لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عبد الرحمن بن يزيد كنا نحفظ عن عبد الله التشهد كما نحفظ حروف القرآن، وهذا يدل على ضبطه ولا يوجد مثله بغيره، فصارت الوجوه في ترجيح تشهد ابن مسعود رضي الله عنه أربعة عشر وجها.
فإن قلت: قالت الشافعية: تشهد ابن عباس رضي الله عنهم الذي اختاره الشافعي رواه مسلم.
قلت: ليس الأمر كما زعموا؛ لأن مسلما روى السلام معرفا في الكتابين، ومذهبهم تنكيره فيهما.
ورواه الترمذي والشافعي وأحمد، ولم يخرجه لذلك من التزم إخراج الصحيح في كتابه، فكيف يعارض الجمع على صحة مثل هذا؟
فإن قلت: قالوا: فيه زيادة المباركات، وهي موافقة للفظة القرآن في قَوْله تَعَالَى:{تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61]
ولا يزيد على هذا في القعدة الأولى؛ «لقول ابن مسعود رضي الله عنه: علمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في وسط الصلاة وآخرها» فإذا كان وسط الصلاة نهض إذا فرغ من التشهد، وإذا كان في آخر الصلاة دعا لنفسه بما شاء.
ــ
[البناية]
قلت: في حديث جابر رضي الله عنهم زيادات، فإن كانت علة الترجيح هي الزيادات، فحديث جابر أولى.
فإن قلت: حجة البيهقي بتعليم النبي عليه السلام لابن عباس رضي الله عنه وهو حديث أنس متأخر عن تعليم ابن مسعود رضي الله عنه.
قلت: هذا لا شيء؛ لأن أحدا من الفقهاء وأهل الأثر لم يقل بترجيح رواية ابن عباس والعبادلة صغار الصحابة وأحدثهم على رواية أبي بكر الصديق، وعمر، وعثمان، وعلي، وعبد الله بن مسعود وغيرهم من كبار الصحابة رضي الله عنهم عند التعارض ويجوز أن يكون تعليم ابن مسعود رضي الله عنه بعد تعليم ابن عباس رضي الله عنه، ولا يلزم من صغر سنة تأخر تعلمه وسماعه من غيره، قد أخذوا برواية غيره وتركوا روايته في عدة مواضع. منها أنهم أخذوا الحديث عن أبي قتادة في القراءة في الظهر والعصر، ورجحوه على رواية ابن عباس رضي الله عنه.
م: (ولا يزيد على هذا في القعدة الأولى) ش: أي لا يزيد المصلي على التشهد المذكور في القعدة الأولى من الثلاثية والرباعية، وبه قال أحمد إسحاق، وهذا مذهب عطاء، والشعبي، والنخغي، والثوري في القديم. وعن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا تشهد قال: بسم الله خير الأسماء، وعن ابنه أنه أباح الدعاء فيه بما بدا له، وقال: زدت فيه وحده لا شريك له. وقال أيوب، وسعيد، وهشام: يقول عمر فيه التسمية، وبه قال مالك وأهل المدينة. وقال الشافعي في الجديد: يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي الصلاة على الأول خلاف عندهم.
م: (لقول ابن مسعود رضي الله عنه: «علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في وسط الصلاة وآخرها، فإن كانت وسط الصلاة نهض إذا فرغ من التشهد، وإذا كان في آخر الصلاة دعا لنفسه بما شاء» ش: من الدعاء، الحديث رواه أحمد في "مسنده" من حديث ابن مسعود أنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم.. إلخ، وهذا حجة على الشافعي فيما ذهب إليه.
فإن قلت: روي عن أم سلمة رضي الله عنها من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «في كل ركعتين تشهد وسلام على المرسلين، وعلى من يتبعهم من عباد الله الصالحين» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
قلت: هذا محمول على التطوع إذا كل شفع منه صلاة على حدة.
قوله: - وإن كان في آخر الصلاة - إلى آخره لما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال» .
1 -
فروع: هل يشير بالمسبحة إذا انتهى إلى قوله - أشهد أن لا إله إلا الله؟ - فقال بعض مشايخنا: لا يشير؛ لأن في الإشارة زيادة لا يحتاج إليها فيكون تركه أولى. وفي " المنية " و " الواقعات " وعليه الفتوى لا إشارة في الصلاة إلا عند الشهادة في التشهد وأنه حسن.
وفي " الذخيرة " لم يذكر محمد الإشارة في الأصل، وذكر محمد في غير رواية الأصول حديثا أنه عليه السلام كان يشير، قال محمد نصنع بصنع النبي عليه السلام قال: وهو قول أبي حنيفة ومثله في " المحيط " وفي " الفتاوى ". قال أبو بكر بن سعيد: الإشارة عند قوله أشهد أن لا إله إلا الله حسن.
1 -
واتفق الأئمة الثلاثة على أصل الإشارة بالمسبحة، ثم كيف يشير يقبض خنصره والتي تليها، ويحلق الوسطى بالإبهام، ويقيم السبابة ويشير بها، هكذا روى الفقيه أبو جعفر أنه عليه السلام فعله هكذا وهو أحد وجوه قول الشافعي، وفي تتمة أصحاب الشافعي لما في كيفية قبض الأصابع ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يقبض الأصابع كلها إلا المسبحة ويشير بها، فعلى هذا في كيفية القبض وجهان: أحدهما: يقبض كأنه يعقد ثلاثة وخمسين، وهو رواية ابن عمر رضي الله عنه عن النبي عليه السلام والثاني يقبض كأنه يعقد ثلاثة وعشرين، وهو رواية ابن الزبير عن النبي عليه السلام.
والثاني: أنه يقبض الخنصر والوسطى ويرسل الإبهام والمسبحة، وهذه رواية أبي حميد الساعدي عن النبي عليه السلام.
والقول الثالث: أنه يقبض الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى والإبهام ويرسل المسبحة، وهذه رواية وائل بن حجر عنه عليه السلام وهذه الأخبار تدل على أن فعله عليه السلام كان يختلف فكيف ما فعل أجزأه، ولو ترك لا شيء عليه. وفي " المجتبى " العمل بها أولى من الترك، ويكره أن يشير بالسبابة من اليدين؛ لقوله عليه السلام أحد أحد ولا يستحب تحريك الأصابع وعن بعضهم يقيم أصبعيه عند قوله لا إله، ويضعها عند قوله إلا الله؛ ليكون النصب كالنفي، والوضع كالإثبات والمسبحة بكسر الباء سميت بها؛ لأنها يشار بها إلى التوحيد، ويقال لها: السبابة أيضا؛ لأنهم كانوا يشيرون بها إلى السب في الخصومات ونحوها.