الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يأكل ولا يشرب؛ لأنه ليس من أعمال الصلاة، فإن أكل أو شرب عامدا أو ناسيا فسدت صلاته؛
ــ
[البناية]
فإن قلت: روى مسلم من حديث عائشة عنه عليه السلام: «لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان» .
قلت: هو محمول على الكراهة عند عامة العلماء. وفي " مختصر البحر المحيط " إن اشتغل الحاقن بالوضوء يفوته الوقت يصلي؛ لأن الأداء مع الكراهة أولى من القضاء، ويكره لبسة الصماء، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها كالاضطباع، وإنما كرهها؛ لأنها من لبس أهل الأشر والبطر، وفي " البخاري «أنه عليه السلام نهى عن لبسة الصماء فقال: إنما يكون الصماء إذا لم يكن عليك إزار» . قيل: هي اشتمال اليهود. وقال الجوهري عن أبي عبيد: اشتمال الصماء أن تخلل جسدك بثوبك نحو سلمة الأعراب بأكيستهم وهي أن يرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى أو عاتقه الأيمن فيغطيها.
وقيل: أن يشتمل بثوبه فيخلل جسده كله ولا يرفع جانبا يخرج يده منه. وقيل: أن يشتمل ثوب واحد ليس عليه إزار، وفي " مشارق الأنوار " هو الالتفاف في ثوب واحد من رأسه إلى قدميه يخلل به جسده كله وهو التلفف، قال سميت بذلك والله أعلم لاشتمالها على أعضائه حتى لا يجد مستقرا كالصخرة الصماء أو يشدها وضمها جميع الجسد، ومنه صمام القارورة الذي تسد به فوها.
وتكره الصلاة حاسرا رأسه تذللا، وكذا في ثياب البذلة وفي ثوب فيه تصاوير. ويستحب أن يصلي في ثلاثة أثواب إزار وقميص وعمامة، والمرأة في قميص وخمار ومقنعة كذا في " المجتبى ".
وفي " فتاوى السغناقي " ويكره له شد وسطه لأنه صنيع أهل الكتاب. [وفي " الخلاصة " أنه لا يكره، كذا في شرح " منية المصلي " و " البحر الرائق " وكذا في " القنية "] .
[الأكل والشرب في الصلاة]
م: (ولا يأكل ولا يشرب) ش: بالإجماع م: (لأنه ليس من أعمال الصلاة) ش: أي لأن كل واحد من الأكل والشرب ليس من أفعال الصلاة، وعن سعيد بن جبير أنه شرب [الماء] في النافلة، وعن طاوس لا بأس بالشرب في النافلة وهو رواية عن أحمد، وقال ابن المنذر: لا يجوز ذلك، ولعل من حكى ذلك عنه أنه كان فعله ناسيا أو سهوا، وروي أيضا عن ابن الزبير: أنه شرب في التطوع، وقال إسحاق: لا بأس به.
م: (فإن أكل أو شرب عامدا) ش: أي حال كونه عامدا م: (أو ناسيا فسدت صلاته) ش: قل أكله أو كثر وهو قول الأوزاعي، وعند الشافعي: إن كان ناسيا للصلاة أو جاهلا بتحريمه إن كان قليلا لم يبطلها، وإن كان كثيرا أبطلها في أصح الوجهين، وتعرف القلة والكثرة بالعرف، ذكره
لأنه عمل كثير وحالة الصلاة مذكرة،
ــ
[البناية]
النووي.
وقال ابن القاسم: إن أكل أو شرب يتبدئ، قال: ولم أحفظه عن مالك، وقال ابن حبيب: يبني [عليه] ما لم يبطل، وقال أحمد: لا تبطل بهما إذا كان ناسيا وفي " الذخيرة " لو ابتلع شيئا بين أسنانه لا تفسد صلاته؛ لأنه تبع لريقه، ولهذا لا يفسد به الصوم إذا كان قليلا كالحمصة، فإن كان أكثر من ذلك يفسد، وقيل لا تفسد الصلاة بما دون ملء الفم، وفرق هذا القائل بين الصلاة والصوم، وفي " أجناس الناطقي " إذا ابتلع المصلي ما بين أسنانه أو فضل طعام أكله أو شراب شربه فصلاته تامة، وإن أخذ سمسمة فوضعها في فمه فابتلعها تفسد، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف لا تفسد، ذكره في " جوامع الفقه ".
وقال الشافعي: إن ابتلع شيئا من بين أسنانه أو نخامة من رأسه تفسد صلاته، وفي " الذخيرة " لو قاء دون ملء الفم فعاد إلى جوفه لا تفسد، وإن أعاده وهو يقدر على دفعه قال المرغيناني: يجب أن يكون على قياس الصوم، لا يفسد عند أبي يوسف، وتفسد عند محمد، وإن تقيأ أقل من ملء الفم لا تفسد وهو المختار، ولو كان في فمه سكرة فذابت ودخلت في حلقه فسدت وبه قال أحمد وهو الصحيح من وجهي الشافعية، ولو بقيت حلاوة السكر ونحوه في فمه بعد الشروع ولا يدخل حلقه مع ريقه لا تفسد، ولو كان في فمه هليلجة فلاكها فسدت صلاته وإن لم يكلها لا تفسد إلا إذا كثر ذلك، وإن مضغ علكا تفسد إذا أكثر ولو وقع في فمه بردة أو ثلج أو قطرة من مطر فابتلعه فسدت.
م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الأكل والشرب م: (عمل كثير) ش: لا محالة فتفسد به م: (وحالة الصلاة مذكرة) ش: هذا جواب عما يقال: ينبغي أن يكون أكل الناسي وشربه عفوا في الصلاة كما في الصيام، وتقرير الجواب أن يقال: لا نسلم بصحة القياس لوجود الفارق، وهو أن حالة الصوم ليست بمذكرة فجعل النسيان عذرا بخلاف حالة الصلاة فإنها مذكرة فلم يجعل عفوا، ثم اعلم أن لأصحابنا خمسة أقوال في التفرقة بين العمل الكثير والقليل في الصلاة: أحدها: أن ما يقام باليدين عادة كثير، وإن ما يقام بيد واحدة قليل ما لم يتكرر.
1 -
وفي " الذخيرة ": لو فعل ما يقام باليدين بيد واحدة لا تفسد الصلاة، ولو لبس قميصا أو شد سراويل تفسد، ولو نزع القميص أو حل السراويل لا تفسد، ولو سرح لحيته أو لبس خفيه أو أسرج دابته أو نزعه أو ألجمها أو دهن رأسه بيده بأن أخذ الدهن وصبه على يده ومسح به رأسه تفسد. وفي " الأجناس ": لو نزع لجام دابته أو أمسكها أو خلع خفيه وهو واسع أو نعليه أو زرر قميصا أو قباء أو لبس قلنسوة أو نزعها أو فتح بابا أو رده أو أغلق قفلا أو جعل فتيلة في مسرجه لا تفسد لأنه عمل قليل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وفي " جوامع الفقه ": سئل أبو بكر عمن شد إزاره بيديه، قال: لا عبرة لليدين وإنما العبرة بكثرة العمل، وقيل: اعتبار اليدين، قول أبي يوسف رحمه الله ولو أخذ قوسا فرمى به [تفسد صلاته. وقال المرغيناني: إن كان القوس بيده والسهم في الوتر فرمى به] لا تفسد، وهو اختيار الشيخ أبي بكر محمد بن الفضل.
الثاني: أن الثلاث كثير، واستدل على هذا بما روى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: إذا تروح مرتين لا تفسد، فإن زاد فسدت، وقليله لا يفسد، وذكر الأستاذ حسام الدين الشهيد، إذا حك موضعا من جسده ثلاث مرات بدفعة واحدة تفسد صلاته. وفي " الذخيرة ": لو عبث بلحيته أو حك بعض جسده لا تفسد، قيل: هذا إذا فعله مرة أو مرتين، وكذا لو فعله إذا فصل بين كل مرتين، فإن كان ذلك متواليا تفسد وعلى هذا قتل القملة، وعلى هذا رمي الحجار الثلاثة على الولاء، ونتف ثلاث شعرات على الولاء تفسد ذكره في " جوامع الفقه ".
الثالث: أنه مفوض إلى رأي المصلي المبتلى به، فإن استكثره كان كثيرا وإن استقله كان قليلا، قال الحلواني: هذا أقرب إلى قول أبي حنيفة لأنه مفوض في مثل ذلك إلى رأي المبتلى به، ويخرج على هذا ما ذكره في " الذخيرة " أنه لو تروح بكمه ثلاثا تفسد، ولو نتف من شعره ثلاث شعرات تفسد، ولو ضرب إنسانا بيده أو بسوط تفسد، ولو رمى طيرا بحجر لا تفسد، ذكره في " المبسوط " فإن ضرب دابة مرة أو مرتين لا تفسد، وثلاثا، ولو حرك رجلا واحدة لا على الدوام لا تفسد ورجلين تفسد.
الرابع: أن الكثير ما يكون مقصودا لفاعل بأن يفرد له مجلسا، قال في " الذخيرة " واستدل هذا القائل بامرأة لمسها زوجها بشهوة أو قبلها بشهوة فسدت صلاتها، وكذا لو مس صبي ثديها فخرج منها اللبن تفسد، وذكر المعلى عن أبي يوسف أن قليل المباشرة لا تفسد وكثيرها يفسد، وكذا القبلة والمباشرة عن شهوة تفسد قليلها وكثيرها، وروى ابن سماعة عن أبي يوسف: أن القبلة تفسد بشهوة كانت أو بغير شهوة، وعن أبي يوسف لو مسته امرأة بشهوة ولم تشتهه أو قبلت فمه ولم يقبلها لا تفسد صلاته، وفي " المرغيناني " ولو قبل امرأة لم يشتهها لا تفسد.
الخامس: أنه لو نظر إليه ناظران بعيدان إن كان لا يشك أنه في غير الصلاة فهو كثير مفسد للصلاة، ولو شك لا يفسد، [قال المرغيناني: هو الأصح، ولو حملت امرأة صبيها فأرضعته أو قطع ثوبا أو خاطه] قال المرغيناني: فهذا كله عمل كثير على الأقوال كلها، ولو [خلع] عمامته فوضعها على الأرض أو على رأسه أو كتب خطا [......] لا تفسد إلا أن يطول فيزيد على ثلاث كلمات، وفي الملتقط فإن زاد على مرة أو هو على [
…
] لا تفسد، وإن كثر، وحركة الأصابع عمل قليل. وروى المعلى عن أبي يوسف: إن كتب في شيء يقرأ تفسد وفي شيء لا يقرأ لا
ولا بأس بأن يكون مقام الإمام في المسجد وسجوده في الطاق
ــ
[البناية]
تفسد. وذكر محمد بن الحسن في " السير الكبير " عن الأزرق بن قيس الأسلمي أنه رأى أبا برزة يصلي آخذا بقياد فرسه، حتى صلى ركعتين فانسل قياده من يده، فمضى الفرس نحو القبلة، فتبعه أبو برزة حتى أخذ بقياده ثم رجع ناكصا عن عقبيه حتى صلى الباقيتين، ثم قال محمد: وبهذا نأخذ إذا لم يستدبر القبلة بوجهه ولم يفصل بين القليل والكثير، فهذا يبين لنا أن المشي مستقبل القبلة لا تفسد وإن كثر، ومن المشايخ من روى هذا الأثر، واختلفوا في تأويله. قيل: معناه أنه لم يجاوز الصفوف أو موضع سجوده. وقال المرغيناني في " المختار " أنه إذا كثر يفسد. وقيل: تأويله أنه إذا مشى خطوة أو خطوتين فوقف ثم مشى مثل ذلك حتى أخذه وذلك قليل، أم إذا مشى متلاحقا يفسدها. وقيل: إذا كان مقدار ما يكون بين الصفين لا تفسد كما لو رأى في الصف الأول فرجة وهو في الثاني فمشى إليه فسدها لا يفسد ومن الثالث يفسد، وحكى القاضي ركن الإسلام أبو الحسن علي المفدى عن أستاذه أنه إذا مشى مستقبل القبلة وهو غاز أو حاج أو سفر طاعة وعبادة وإن كثر.
قلت: الأثر المذكور رواه البخاري في باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة، حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا الأزرق بن قيس قال: كنا بالأهواز نقاتل الحرورية، فبينما كنا على حرف نهر إذا رجل يصلي وإذا لجام دابته بيده، فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها، (قال شعبة: هو أبو برزة الأسلمي) الحديث. وذكر المرغيناني هذا، وقال: الذي رووه لا يصح، والصحيح أبو بردة، واسم أبي برزة نضلة بن عبيد وقيل نضلة بن عابد وقيل: ابن عبد الله والأول هو الصحيح، وأبو بردة اسمه هانئ بن دينار، ويقال: اسمه الحارث من شهداء بدر، وفي التابعين أبو بردة بن أبي موسى الأشعري قاضي الكوفة، اسمه عامر، وقيل الحارث، وذكرت الشافعية في الفصل بين القليل والكثير أربعة أقوال: الأول: الكثير ما يسع زمانه فعل ركعة حكاه الرافعي. قال النووي: وهو ضعيف أو غلط.
الثاني: ما يحتاج في عمله إلى بدنه كتكوير عمامته وعقد إزاره وسراويله، حكاه الرافعي.
الثالث: ما يظن للثاني نظر إليه أنه كثير في الصلاة وضعفوه كقتل الحية وحمل الصبي.
الرابع: وهو المشهور أن الرجوع إلى العرف في القلة والكثرة، ذكر هذا الأقوال النووي في " شرح المهذب ".
م: (ولا بأس بأن يكون مقام الإمام في المسجد وسجوده في الطاق) ش: شرع من هاهنا في مسائل " الجامع الصغير "، والمراد بمقام الإمام موضع القدم وبالطاق المحراب، وقوله وسجوده في الطاق أي ورأسه في الطاق عند السجود وهذه صورتان الأولى هذه وهي أن يقوم الإمام في المسجد بقدميه ولكن عند سجوده يكون رأسه في المحراب، فهذه لا تكره؛ لأن الاعتبار بموضع القيام
ويكره أن يقوم في الطاق؛ لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب من حيث تخصيص الإمام بالمكان، بخلاف ما إذا كان سجوده في الطاق
ــ
[البناية]
لا بموضع السجود، ألا ترى إن قدم المقتدي إذا كانت مؤخرة عن قدم الإمام ورأسه مقدما على رأس الإمام بسبب طول المقتدي تجوز صلاته، وإذا كانت قدم المقتدي مقدمة عن قدم الإمام فلا تجوز صلاته، ألا ترى أن الطير إذا كان رجله في الحرم ورأسه خارج الحرم يكون من صيد الحرم حتى يجب الجزاء بقتله، ألا ترى أن من حلف لا يدخل دار فلان فأدخل جميع أعضائه فيها دون القدمين لا يحنث، فعلم أن الاعتبار بموضع القدم.
وفي " الجنازية ": طعن بعض من خالف أبا حنيفة في قوله لا بأس بأن يكون مقام الإمام في المسجد وسجوده في الطاق يعني لم يجعل الطاق من المسجد وليس كذلك، فإن المراد من المسجد هاهنا مصلى الناس وموضع سجودهم، والطاق ليس بمسجد بهذا الاعتبار، وبه تندفع شبهة الصورة الثانية.
هي قوله: م: (ويكره أن يقوم في الطاق) ش: أي ويكره أن يقوم الإمام وحده في المحراب وتعليل هذه الصورة بشيئين: أحدهما: ما ذكره المصنف بقوله م: (لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب) ش: أي لأن قيام الإمام في الطاق يشبه صنيع أهل الكتاب، وأشار إلى وجه التشبيه بصنيعهم بقوله م:(من حيث تخصيص الإمام بالمكان) ش: لأنهم يتخذون لإمامهم مكانا والتشبه بهم مكروه، وقال عليه السلام:«من تشبه بقوم فهو منهم» ، ولهذا يكره الاعتجاز وتغطيه الفم؛ لأنه تشبيه بهم، وكذا يكره التمايل عن اليمين واليسار، وقد صح عن أبي بكر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:«إذا صلى أحدكم فليسكن أطرافه فلا يتمايل تمايل اليهود» .
والتعليل الثاني: ما حكي عن أبي جعفر أنه قال: إن حاله تشتبه على من عن يمينه وعن يساره [حتى إذا كان بجنبي الطاق عمودان، ووراء ذلك فرجة يطلع فيهما من عن يمينه أو عن يساره] على حال فلا بأس به؛ لأن الإمام إذا كان إماما ليعلم بحاله فيتحقق الائتمام به، وهذا بالعراق؛ لأن محاريبهم مجوفة مطوقة بنيت باللبن والآجر.
فإن قلت: لم اختار المصنف الوجه الأول.
قلت: لأنه مطرد بخلاف الثاني؛ لأنه إذا أمكن الإطلاع على حاله بالفرجة لم يطرد فيه.
وقال شمس الأئمة السرخسي: من اختار الطريقة الثانية لم يكره عند عدم الاشتباه وإن كان مقام الأول في الطاق، ومن اختار الطريقة الأولى يكره في الوجهين جميعا [في الثانية] قال: هذا هو الأصح.
م: (بخلاف ما إذا كان سجوده في الطاق) ش: أي لا يكره في هذه الصورة وهي الصورة الأولى لما قلنا إن العبرة للقدمين. وفي " فتاوى الولوالجي " إذا ضاق المسجد بمن خلف الإمام
ويكره أن يكون الإمام وحده على الدكان لما قلنا، وكذا على القلب في ظاهر الرواية؛ لأنه ازدراء بالإمام.
ــ
[البناية]
على القوم لا بأس بأن يقوم الإمام في الطاق؛ لأنه يشتبه بقدر الأمرين، وإن لم يضق المسجد بمن خلف الإمام لا ينبغي للإمام أن يقوم في الطاق؛ لأنه يشتبه بين المكانين. انتهى.
وبالكراهة ففي هذه الصورة وهي ما إذا أقام في الطاق وحده، قال علي وابن مسعود وكعب وعلقمة والحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وسليمان التيمي وليث بن أبي سليم ومحمد بن جرير الطبري وابن حزم، وقال الطحاوي: هذا في محاريب الكوفة فإنها كانت خارجة عن حد المسجد؛ لأنه يشبه اختلاف المكانين، ولأنه يشتبه على من كان في جانبي الإمام، فإن كان مكشوفا لا يشتبه حاله فلا يكره، وعلى الأول يكره، وقال السرخسي: الكراهة في الوجهين؛ لأنه تشبه بأهل الكتاب، والتشبه بهم مكروه خارج الصلاة فكذا في الصلاة بل أولي.
م: (ويكره أن يكون الإمام وحده على الدكان) ش: وقد ذكرنا أن المراد من الدكان الموضع، والموضع مبتنى يجلس عليه مثل الدكة، واختلفوا في نونه هل أصلية أم زائدة، وقيل: بقوله وحده؛ لأنه لو كان معه بعض القوم لا يكره، وبه قال مالك وأحمد والأوزاعي، فإن فعل بطل صلاته عند الأوزاعي وهو قول أبي حامد من الحنابلة.
وقال الشافعي: يكره أن يكون موضع الإمام والمأموم أعلى من موضع الآخر، إلا إذا أراد تعليم أفعال الصلاة وأراد المأموم تبليغ القوم، فقال في " المهذب ": إذا كره أن يعلو الإمام فالمأموم أولى، ولم يذكر المصنف مقدار ارتفاع الدكان الذي يكره عليه، فقيل: قدر ارتفاع قامة الرجل الذي هو متوسط القامة فلا بأس بما دونها، ذكره في " المحيط " وكذا ذكره الطحاوي، وهكذا روي عن أبي يوسف، وقيل: إنه مقدر بقدر ما يقع الامتياز، وقيل: مقدر بقدر ذراع اعتبارا بالسترة. قال قاضي خان: وعليه الاعتماد.
م: (لما ذكرنا) ش: وهو قوله: لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب من حيث تخصيص الإمام بالمكان، وفي بعض النسخ لما قلنا. م:(وكذا على القلب) ش: وكذا يكره على قلب الحكم المذكور، أي عكسه وهو أن يكون الإمام أسفل الدكان والقوم عليه م:(في ظاهر الرواية) ش: احترز به عما روي عن الطحاوي أنه لا يكره لعدم التشبيه بصنع أهل الكتاب، فإنهم لا يفعلون هكذا، وعليه عامة المشايخ م:(لأنه) ش: أي لأن كون الإمام أسفل الدكان والقوم عليه م: (ازدراء بالإمام) ش: أي استخفافا به، يقال: ازدراه أي استخف به واحتقره.
وذكر شيخ الإسلام إنما يكره هذا إذا لم يكن من عذر فلا يكره، كما في الجمعة إذا كان القوم على الرف، وبعضهم على الأرض لضيق مكان الرف بفتح الراء المهملة وتشديد الفاء. قال الجوهري: الرف شبه الطاق والجمع الرفوف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
فإن قلت: روى البخاري ومسلم من حديث أبي حازم بن دينار «أن رجالا أتوا سهل بن سعد الساعدي وقد امتروا في المنبر مم عوده، فسألوه عن ذاك، فقال: " والله إني لأعرف مما هو، ولقد رأيته أول يوم وضع وأول يوم جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.. الحديث، وفي آخره: ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها وكبر وهو عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر، ثم عاد فلما فرغ أقبل على الناس، فقال: " أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي» ، فهذا يدل على ما ذكره الطحاوي، وهو مذهب ابن حزم الظاهري، وحكاه في " المحلى " عن الشافعي وأحمد قال: وقال أبو حنيفة ومالك رحمهما الله: لا يجوز، ويجوز الاقتداء من سطح المسجد ورفه، وبه قال الشافعي وأحمد وفي " المغني " صلى أبو هريرة رضي الله عنه على سطح المسجد بصلاة القوم، وفعله سالم.
قلت: روى أبو داود في " سننه " من حديث همام أن حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان، فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك، قال بلى قد ذكرت حين مددتني، وروى أيضا من «حديث عدي بن ثابت الأنصاري حدثني رجل أنه كان مع عمار بن ياسر رضي الله عنهما بالمدائن فأقيمت الصلاة فتقدم عمار بن ياسر، وقام على دكان يصلي والناس أسفل منه، فتقدم حذيفة فأخذ على يديه، فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة، فلما فرغ عمار من صلاته، قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم " أو نحو ذلك، قال عمار رضي الله عنه: لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم الإمام فوق شيء، والناس خلفه يعني أسفل منه» رواه الدارقطني.
والجواب عن حديث سهل رضي الله عنه أنه كان فعله عليه الصلاة والسلام للحاجة إلى تعليم القوم وقد قلنا: إنه لا يكره للضرورة، وأيضا قد يحتمل أنه كان في الدرجة السفلى؛ لأنه لا يحتاج إلى عمل كثير في النزول والصعود، والعمل الكثير مفسد للصلاة بلا خلاف، وأيضا هو فعل، والذي قاله الأكثرون قول، والقول مقدم على الفعل، وقال ابن قدامة لاحتمال اختصاصه بفعله عليه السلام.
قلت: هذا لا يمكن مع قوله: إنما فعلت هذا لتقتدوا بي ولتعلموا صلاتي فقد نص عليه السلام أنه غير مختص به، بل فعله كذلك لتقتدوا به فيما فعله، والذي نقله ابن حزم عن الشافعي وأحمد وعطاء وعن أبي حنيفة غلط.
ولا بأس أن يصلي إلى ظهر رجل قاعد يتحدث؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما ربما كان يستتر بنافع في بعض أسفاره.
ــ
[البناية]
م: (ولا بأس أن يصلي إلى ظهر رجل قاعد يتحدث) ش: قاعد بالجر صفة رجل وقوله يتحدث جملة في محل النصب على الحال، ولا يقال: إن هذا الحال نكرة فكيف يجوز الحال عنه؟ لأنا نقول إنه قد اتصف بالصفة، ويجوز أن يكون في محل الجر على أنها صفة أخرى، وقيد بقوله إلى ظهر رجل لأنه لو صلى إلى وجه رجل يكره، وفيه إشارة أيضا إلى أنه لا بأس بأن يصلي وبقربه قوم يتحدثون، وبه قالت الأئمة الأربعة إلا ما روي عن مالك [فإنه يقول] في رواية: إن كان أمامه مجنونا أو صبيا أو كافرا أو امرأة غير محرمة يكره، ومن الناس من كره ذلك؛ لأنه «عليه السلام نهى أن يصلي الرجل وعنده قوم يتحدثون أو نائمون» ورواه ابن عباس رضي الله عنهما، وتأويل ذلك أنهم إذا رفعوا أصواتهم على وجه يخاف وقوع الغلط، ولهذا قال في " الجامع البرهاني ": قال: هذا إذا لم يشوشه حديثهم فإن كان يشوشه فيكره، [و] في النائمين إذا كان يخاف أن يظهر صوت من النائم فيضحك في صلاته ويخجل النائم إذا انتبه، فإن لم يكن كذلك فلا بأس به.
فإن قلت: روى سعيد بن منصور في " سننه " أنه عليه السلام «نهى عن أن يصلوا إلى قوم يتحدثون أو نائمون» .
قلت: هذا محمول على ما إذا رفعوا أصواتهم بالحديث كما ذكرنا، وفي النائم لأجل ما ذكرنا.
فإن قلت: هذا في النافلة أو مطلقا.
قلت: قال ابن قدامة: والأشبه أنه لا فرق بين الفريضة والنافلة في ذلك، يعني في عدم الكراهة. قلت: قد صح عن عائشة رضي الله عنها في الصلاة إلى النائم من غير كراهة في النافلة.
م: (لأن ابن عمر رضي الله عنهما ربما كان يستتر بنافع في بعض أسفاره) ش: هذا الأثر رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن نافع ولفظه: كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلا إلى سارية من سواري المسجد، قال لي: ولني ظهرك. وروى أيضا عنه أن ابن عمر كان يقعد رجلا ويصلي خلفه والناس يمرون بين يدي ذلك الرجل. وفي " الجامع الصغير " لقاضي خان: «كان عليه السلام إذا أراد أن يصلي في الصحراء أمر عكرمة أن يجلس بين يديه ويصلي» . قلت: إن كان مراده عكرمة _ وهو ابن أبي جهل _ الصحابي فليس له حديث في ذلك، وإن كان مراده من عكرمة هو مولى ابن عباس فهو تابعي ليس له صحبة.
ولا بأس أن يصلي وبين يديه مصحف معلق أو سيف معلق لأنهما لا يعبدان، وباعتباره تثبت الكراهة، ولا بأس بأن يصلي على بساط فيه تصاوير،
ــ
[البناية]
فإن قلت: روى أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه السلام قال: «لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث» . قلت: في سند أبي داود رجل مجهول، وفي سند ابن ماجه أبو المقدام هشام بن زياد البصري لا يحتج بحديثه، وقال الخطابي: هذا الحديث لا يصح عن النبي عليه السلام وقد صح «أنه عليه السلام صلى وعائشة نائمة معترضة بينه وبين القبلة» .
فإن قلت: روى البزار في " مسنده " من حديث محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي إلى رجل فأمره أن يعيد الصلاة، قال: يا رسول الله إني صليت وأنت تنظر إلي» .
قلت: قال البزار: هذا حديث لا نحفظه إلا بهذا الإسناد، وكأن هذا المصلي كان مستقبل الرجل في وجهه فلم يتنح عن حياله.
م: (ولا بأس بأن يصلي وبين يديه مصحف معلق أو سيف معلق) ش: وهو قول الجمهور، وقال أحمد: يكره ذلك إلا أن يكون موضوعا بالأرض، وقيل: هو قول إبراهيم النخعي، وقال بعضهم يكره ذلك لأن [......] آلة الحرب والحديد فيه بأس شديد، فلا يليق تقديمه في مقام الامتهان، وقيل هو قول ابن عمر رضي الله عنهما وفي استقبال المصحف تشبه بأهل الكتاب فإنهم يفعلون ذلك بكتبهم م:(لأنهما لا يعبدان) ش: أي لأن المصحف والسيف لا يعبدان م: (وباعتباره) ش: أي وباعتبار معنى الكراهة في الأشياء التي تعبد م: (تثبت الكراهة) ش: فالسيف لا يعبد لأنه سلاح، فلا يكره التوجه إليه، ألا ترى أن «النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى عنزة» وهي سلاح، والموضع موضع الحرب أيضا، وكذلك سمي المحراب محرابا فبان تقديم آلة الحرب، وكيف يقال بالكراهة وقد «صلى صلى الله عليه وسلم إلى عنزة؟» على أنا نقول قد ورد أخذ الأسلحة في صلاة الخوف، وقال تعالى:{وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102](النساء: الآية 102) ، وأما المصحف فلأن في تقديمه تعظيمه وتعظيمه عبادة، فانضمت عبادة إلى عبادة فلا تكره.
م: (ولا بأس بأن يصلي على بساط فيه تصاوير) ش: قال الجوهري: التصاوير: التماثيل، وقال غيره: التمثال ما يصور على الجدار، والصورة ما على الثوب. وفي " المغرب ": التمثال ما يصور تشبيها بخلق الله تعالى من ذوات الروح والصورة عام، وروي عن ابن عباس ما يدل على أن التمثال والصورة واحد، وهو أنه نهى مصورا عن التصوير، فقال كيف أصنع وهو كسبي؟ قال: إن لم يكن لك بد فعليك بتمثال الأشجار، والتمثال بكسر التاء في أوله وقد جاء على هذا