الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم يسلم عن يمينه، فيقول: السلام عليكم ورحمة الله،
ويسلم عن يساره مثل ذلك،
ــ
[البناية]
[الحكم لو ترك بعض التشهد وأتى بالبعض]
1
فروع أخر: لو ترك بعض التشهد وأتى بالبعض يجوز في ظاهر الرواية، وقيل: يجوز على قول أبي يوسف، ولا يجوز على قول محمد ذكره المرغيناني، وإذا فرغ من التشهد والصلاة على النبي عليه السلام دعا لنفسه وللمؤمنين وللمؤمنات، ولوالديه المؤمنين ولا يخص نفسه بالدعاء، وقراءة الأدعية المأثورة التي فيها صورة الأمر مستحبة. وقالت الظاهرية: تعد الصلاة بذكرها عندهم رجوعا إلى ظاهر الأمر.
م: (ثم يسلم عن يمينه فيقول: السلام عليكم ورحمة الله) ش: أي بعد فراغ المصلي من التشهد والصلاة على النبي عليه السلام، والدعاء لنفسه وللمؤمنين يسلم، والحكمة فيه أن السلام سنة لمن حضر القوم بعد غيبة عنهم، والقادم على حضرة رب العالمين مشتغلا بمناجاته بمنزلة الغائب عن الخلق، ويحضرهم عند التحليل، والسلام سنة من حضرهم بعد الغيبة عنهم، وشرطوا كل مقيم بفرض أو سنة أن يقول العمل بالسنة؛ لأن يؤم الأعمال بها وأنه مخاطب القوم المشاركين له في الصلاة فينوبهم على ما يجيء مزيد الكلام فيه عن قريب.
وفي " المحيط" و" المرغيناني ": المختار أن يكون السلام في التشهد والتسليم بالألف واللام، وتكون الثانية أخفض من الأولى، ولو سلم عن يساره أولا يسلم عن يمينه ما لم يتكلم، ولا يعيد التسليم عن يساره، ولو سلم تلقاء وجهه يسلم على يساره وهو مروي عن علي رضي الله عنه وهو الصحيح من قول أحمد، وقال النووي: لو سلم عن يساره أولا أجزأه، ويكره. ولو سلم التسليمتين عن يمينه أو عن يساره، أو تلقاء وجهه أجزأه، ويكون تاركا للسنة.
ولو نكر السلام قال القاضي أبو محمد وغيره من المالكية: لا يجزئه وقيل: يجزئه. وفي " جمل النوازل ": لو قال: السلام ودخل رجل في صلاته لا يصير داخلا، فثبت بهذا أن الخروج لا يتوقف على عليكم، ولو سلم تلقاء وجهه يعيده.
م: (ويسلم عن يساره مثل ذلك) ش: أي ويسلم عن يساره مثل ما سلم عن يمينه، وقال ابن المنذر: هذا قول أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وأبي ذر رضي الله عنهم، وبه قال الشعبي، والثوري، وعطاء، وعلقمة، والأسود، ونافع بن عبد الحارث، وإسحاق بن أبي ليلى، وأبو ثور، وأحمد.
وقالت طائفة: يسلم تسليمة واحدة فقط تلقاء وجهه، يميل به إلى يمينه شيئا قليلا، وروي ذلك عن ابن عمر، وأنس، وعائشة رضي الله عنهم، وهو قول مالك، والليث، والأوزاعي.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال: والصحيح المشهور ونصه في الجديد مثل قول الجماعة، والثاني: تسليمة واحدة، قاله في القديم، والثالث: إن كان منفردا، أو في جماعة قليلة، ولفظه عندهم فواحدة، والاثنان قاله في القديم، والواحدة تلقاء وجهه حكي ذلك عن النووي.
لما روى ابن مسعود رضي الله عنه «أن النبي عليه السلام "كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن، وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر» ،
ــ
[البناية]
وفي " المبسوط " عن ابن سيرين أن المقتدي يسلم ثلاث تسليمات إحداهن يرد سلام الإمام، وهذا ضعيف.
م: (لما روى ابن مسعود رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر» ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة واللفظ للنسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيسر» وفي لفظ أبي داود، وابن ماجه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه، وعن شماله، حتى يرى بياض خده السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله» وهو لفظ الترمذي إلا أنه ترك - «حتى يرى بياض خده» - ورواه ابن حبان " في صحيحه " ولفظه: «ثم يسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله، وكأني أنظر إلى بياض خديه صلى الله عليه وسلم» -.
ورواه مسلم في "صحيحه «عن عامر بن سعد، عن أبيه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم قال: كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده» .
وروي أحاديث في التسليمة الواحدة منها: ما أخرجه ابن ماجه، عن عبد المهيمن بن عباس، عن أبيه، عن جده «سهل بن سعد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم تسليمة واحدة لا يزيد عليها» وقال الدارقطني: عبد المهيمن ليس بالقوي. وقال ابن حبان: بطل الاحتجاج به.
ومنها: ما أخرجه ابن عدي في " الكامل "، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن الحسن، عن سمرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة لا يزيد عليها» قال الدارقطني: قبل وجهه. وقال عبد الحق: عطاء ضعيف قدري.
ومنها ما أخرجه البيهقي في " المعرفة " من حديث حميد عن أنس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة» .
ومنها: ما أخرجه الترمذي، وابن ماجه، عن زهير بن محمد، عن هشام بن عروة، عن عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة بتلقاء وجهه»
وينوي في الأولى من عن يمينه من الرجال والنساء والحفظة، وكذلك في الثانية؛ لأن الأعمال بالنيات،
ــ
[البناية]
ورواه الحاكم في " المستدرك "، وقال: على شرط الشيخين، قال صاحب " التنقيح ": وزهير بن محمد وإن كان من رجال الصحيحين لكن له مناكير، وهذا الحديث منها. وقال أبو حاتم: هو حديث منكر، وقال الطحاوي في " شرح الآثار ": وزهير بن محمد وإن كان معه ثقة، لكن عمرو بن سلمة يضعفه قاله ابن معين، والحديث أصله الوقف على عائشة رضي الله عنها هكذا رواه الحفاظ، وقال ابن عبد البر في " التمهيد ": لم يرفعه إلا زهير بن محمد وحده، وهو ضعيف عند الجميع كثير الخطأ لا يحتج به.
وأجاب بعض أصحابنا عن حديث عائشة رضي الله عنها بأنها كانت تقف في صف النساء. وعن حديث سهل بأنه كان من جملة الصبيان فيحمل على أنهما لم يسمعا التسليمة الثانية مع أنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم الثانية أخفض من الأولى.
وقال النووي: لا يقبل تصحيح الحاكم حديث عائشة رضي الله عنها وليس في الاقتصار على تسليمة واحدة شيء ثابت.
وأجاب بعضهم عن أحاديث التسليمة الواحدة بأنها محمولة على الجواز، وأحاديث التسليمتين على بيان الفضل والكمال، وبعضهم قال في أحاديث التسليمتين زيادة صحيحة وهي مقبولة من العدل:
م: (وينوي في الأولى) ش: أي في التسليمة الأولى ولا بد من النية؛ لأن السلام قربة وهي لا تكون إلا بالنية م: (من على يمينه) ش: بفتح الميم في محل النصب؛ لأنه مفعول ينوي م: (من الرجال والنساء والحفظة) ش: كلمة من للبيان، والحفظة جمع حافظ وهم الملائكة، وإنما قدم بني آدم على الحفظة اتباعا " للجامع الصغير " و" القدوري " وفي الأصل قدم الحفظة على بني آدم. وقال الأترازي: وفي تقديم بني آدم تنبيه على أنهم أفضل من الملائكة وهو المذهب عند أهل السنة خلافا للمعتزلة.
قلت: هذا ليس على الخلاف، وإنما فيه تفصيل على ما عرف في موضعه، وفي " الدراية ": ظن بعض مشايخنا أن ما ذكر في " المبسوط " بناء على قول أبي حنيفة الأول في تفضيل الملائكة على البشر، وما ذكر في " الجامع الصغير " بناء على قوله الآخر في تفضيل البشر عليهم، وليس كما ظن؛ لأن الواو لا توجب الترتيب، وإن سلم على جماعة لا يمكنه أن يرتب النية.
م: (وكذلك في الثانية) ش: أي وكذلك ينوي من عن يساره من الرجال والنساء والحفظة في التسليمة الثانية م: (لأن الأعمال بالنيات) ش: والسلام عمل فلا بد من النية.
ولا ينوي النساء في زماننا ولا من لا شركة له في صلاته، هو الصحيح؛ لأن الخطاب حظ الحاضرين. ولا بد للمقتدي من نية إمامه، فإن كان الإمام من الجانب الأيمن أو الأيسر نواه فيهم،
ــ
[البناية]
فإن قلت: منعتم اشتراط النية في الوضوء مع وجود هذا الحديث، فكيف استدللتم به.
قلت: إما استئنافا عن العمل به هناك لاستلزمه الزيادة على الكتاب، وهاهنا ما جعلناها شرطا، وإنما أخذنا بظاهر لفظه على النية فلا يلزم ذلك المحذور.
م: (ولا ينوي النساء في زماننا) ش: لعدم حضورهن الجماعات؛ لأنهن منعن من ذلك في هذا الزمان؛ لظهور الفساد. فلا يصح خطاب الغائبين، وقيل: ينوي بالتسليمتين جميع المؤمنين والمؤمنات؛ لأن بالتحريم حرم عليه الكلام، وهو اختيار الحاكم الشهيد، وفي " التحفة ": وهو اختيار الحاكم الخليل.
قال شمس الأئمة: هذا عندنا في سلام التشهد، أما سلام التحليل فيخص الحاضرين لأجل الخطاب. قلت: وعلى هذا ينبغي أن ينوي المؤمنين من الجن أيضا، وقد مضت الشافعية على هذا في كتبهم، ومذهب أهل السنة اعتقاد وجودهم.
م: (ولا من لا شركة له في صلاته) ش: أي ولا ينوي أيضا من لا شركة له في صلاته م: (هو الصحيح) ش: واحترز به عن قول الحاكم الخليل: أنه ينوي من يشارك ومن لا يشاركه في صلاته.
وقال ابن عبد البر في "جامعه ": هذا شيء تركه جميع الناس؛ لأنه قل ما ينوي أحد قط. وفي " المجتبى ": قيل: ينوي بالسلام الأول الحضور. وفي الثاني جميع عباد الله الصالحين.
وقيل: ينوي بهما جميع عباد الله المؤمنين. وقيل: لا ينوي الفسقة وكفى بالفسقة مبعدة وشنأ حيث لا نصيب لهم في الدنيا من سلام المصلين، والأولى أن يقدم الحفظة لفضلهم أو لقربهم أو لكونهم أحق بالدعاء لعصمتهم عن الكبائر والصغائر. قلت: هذا مذهب المعتزلة.
م: (لأن الخطاب حظ الحاضرين) ش: هذا التعليل يتأتى في النساء لأنهن منعن عن الحضور في هذا الزمان، ولا يتأتى فيمن لا شركة له في الصلاة؛ لأن عدم الشركة في الصلاة لا يستلزم الغيبة.
م: (ولا بد للمتقدي من نية إمامه) ش: لأنه قدامه وهو أكثر استحقاقا من غيره، وقوله:"لا بد" ليس للدلالة على وجوب نية إمامه وتخصيص الإمام بالذكر، يؤيد قول من يقول: إنه ينوي من يشاركه في الصلاة دون غيره كذا في " الجامع الصغير " للقاضي خان، وابن سيرين شرط التسليمة لرد سلام الإمام، وقلنا: إنه ضعيف فإن مقصود الرجل حاصل بالتسليمتين؛ إذ لا فرق في الجواب بين أن يقول: عليكم السلام وبين أن يقول السلام عليكم، قال السغناقي: في هذه الرواية مما تحفظ فإن جواب السلام لا يفارق بين تقديم السلام عليكم وبين تأخيره.
م: (فإن كان الإمام من الجانب الإيمن) ش: الفاء للتفصيل أي في الجانب الأيمن من المقتدي م: (أو الأيسر) ش: أي أو كان الإمام في الجانب الأيسر من المتقدي م: (نواه فيهم) ش: أي نوى الإمامة
وإن كان بحذائه نواه في الأولى عند أبي يوسف رحمه الله ترجيحا للجانب الأيمن، وعند محمد رحمه الله وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله نواه فيهما؛ لأنه ذو حظ من الجانبين،
والمنفرد ينوي الحفظة لا غير؛ لأنه ليس معه سواهم.
والإمام ينوي بالتسليمتين، هو الصحيح،
ــ
[البناية]
في الجملة القوم الذين في الجانب الأيمن أو الأيسر م: (وإن كان بحذائه) ش: أي وإن كان المقتدي بحذاء الإمام لم يذكر في " الجامع الصغير " ذكره المصنف بقوله م: (نواه في الأولى عند أبي يوسف) ش: أي نوى الإمام في التسليمة الأولى عند أبي يوسف م: (ترجيحا لجانب الأيمن) ش: إذ اليمين في الأيمن، وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في كل شيء، وكذلك يؤتى أهل الجنة الصحف بأيمانهم وهو اختيار الطحاوي رحمه الله.
م: (وعند محمد رحمه الله وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله نواه فيهما) ش: أي نوى المقتدي الإمام فيهما أي في اليمين واليسار، وقال الشافعي: ينويه في أيهما شاء، ويستحب جانب الأيمن م:(لأنه) ش: أي لأن الإمام م: (ذو حظ من الجانبين) ش: يعني له جانبان يستوجب الحظ من كل منهما.
م: (والمنفرد ينوي الحفظة لا غير؛ لأنه ليس معه سواهم) ش: وقال الحاكم: ينوي جميع المسلمين في الدنيا، ثم قيل: الحفظة اثنان: أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، فالذي يكتب عن يمينه بغير شهادة صاحبه، والذي عن يساره لا يكتب إلا بشهادة من صاحبه إن قعد فأحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، وإن مشى فأحدهما أمامه والآخر خلفه، وإن قام فأحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه.
فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن يذكر صيغة اثنين، ولم يذكرهما بالجمع وأعاد الضمير إليهم بالجمع.
قلت: إما باعتبار ما قيل: إنهم أربعة: اثنان بالنهار واثنان بالليل، وعن عبد الله بن المبارك خمسة: اثنان بالنهار، واثنان بالليل، والخامس لا يفارقه ليلا، ولا نهارا، وإما باعتبار أن الاثنين يطلق عليهما الجمع كما في قَوْله تَعَالَى:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4](التحريم: الآية 4) والمراد قلباكما ومع هذا المراد من قوله: الحفظة هم الملائكة الموكلون ببني آدم بدليل قوله فيما بعد: وينوي في الملائكة عددا محصورا، غير أن أعمالهم مختلفة منهم الكتبة، ومنهم الحفظة على ما نبينه.
م: (والإمام ينوي بالتسليمتين) ش: أي ينوي القوم والحفظة في التسليمة الأولى والثانية م: (هو الصحيح) ش: احترز به عما قال بعضهم في " الجامع الصغير " أنه ينوي بالتسليمة الأولى ترجيحا لجانب الأيمن والأصح الجمع؛ لأنه لا يمكن فلا يصار إلى الترجيح. وقال أبو اليسر: لا يجب أن ينوي الإمام؛ لأنه يجهر بالتسليمتين ويشير إليهم، وهو فوق النية فلا حاجة إليها.
ولا ينوي في الملائكة عددا محصورا؛ لأن الأخبار في عددهم قد اختلفت، فأشبه الإيمان بالأنبياء عليهم السلام،
ــ
[البناية]
م: (ولا ينوي في الملائكة عددا محصورا) ش: لاختلاف العدد الواقع في عدد الملائكة الذين وكلوا ببني آدم، وأخرج الطبراني في "معجمه " عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه ما لم يقدر له من ذلك، عليه سبعة أملاك يذبون عنه كما يذبون عن قصعة العسل الذباب في اليوم الصائف، ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين» ".
م: (لأن الأخبار في عددهم قد اختلفت) ش: أي في عدد الملائكة الموكلين ببني آدم كما ذكرنا م: (فأشبه الإيمان بالأنبياء عليهم السلام) ش: أي فأشبه حكم هذا حكم الإيمان بالأنبياء عليهم السلام حيث يقال في كلمة الإيمان آمنت بجميع الأنبياء أولهم آدم وآخرهم محمد عليهما السلام ولا يعد عددا محصورا لئلا يلزم دخول من لم يكن منهم فيهم.
لأن في نبوة بعض الأنبياء خلافا كما في ذي القرنين ولقمان، قيل: هما نبيان وأكثرهم على أنهما ليسا بنبيين، ولقمان حكيم، وذو القرنين ملك صالح. وقيل: عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا.
قلت: في تعليله نظر، وروي «عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال: "مائة وأربعة وعشرون ألفا» . الحديث رواه ابن حبان في صحيحه، وابن مردويه في
ثم إصابة لفظة السلام واجبة عندنا، وليست بفرض. خلافا للشافعي رحمه الله هو يتمسك بقوله عليه الصلاة والسلام:«تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» ، ولنا ما رويناه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه
ــ
[البناية]
"تفسيره ".
م: (ثم إصابة لفظة السلام واجبة عندنا) ش: قال في " المحيط ": وهو الأصح، وقيل: سنة وهو المروي عن علي رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب، والنخعي، والثوري، والأوزاعي ويصح الخروج من الصلاة بدونها، وعن ابن القاسم إذا أحدث الإمام متعمدا قبل السلام صحت صلاته.
م: (وليست بفرض خلافا للشافعي رحمه الله) ش: فإنها عنده فرض وبه قال أحمد، وقال الثوري: لو أحدث بحرف من حروف السلام عليكم لم يصح سلامه كما لو قال: السلام عليك، أو سلامي عليك أو سلام الله عليكم، أو السلام عليهم، فإنه لا يجزئه بلا خلاف، وتبطل صلاته إن تعمد، وهذا منه ظاهر محض، ولو قال: عليكم السلام ففيه وجهان، وقال الوردي قولان، والصحيح أنه يجزؤه، ولو سلم التسليمتين واحدة أو بدأ باليسار قبل اليمين أجزأه مع الكراهة فقد ترك الظاهرية في هذه الصورة واعتبر المعنى.
م: (وهو يتمسك) ش: أي الشافعي رحمه الله يحتج م: (بقوله عليه السلام تحريمها التكبير وتحليلها التسليم) ش: فقد تقدم في أول باب صفة الصلاة أن هذا الحديث رواه علي بن أبي طالب، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن زيد، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم واحتج به المصنف هناك على شرطية تكبيرة الإحرام، وهنا احتج به الشافعي على فرضية السلام ووجه ذلك أنه لما قال: تحريمها التكبير كان لا يصح الدخول في الصلاة إلا بالتكبير فكذلك قوله: وتحليلها التسليم - أي لا يخرج من الصلاة إلا به، وأجاب عنه السروجي بأنه ضعيف وكذلك قال صاحب " الدراية " وتعلق الشافعي رحمه الله بهذا الحديث لا يصح إذا مداره، على عبد الله بن محمد بن عقيل، وعلى أبي سيعد طريف بن شهاب، وكلاهما ضعيف الرواية عند نقلة الحديث.
قلت: ليس كذلك فإن الترمذي لما رواه قال هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسنه، وأيضا فلا وجه أن يستدل بحديث في موضع ويتركه في موضع آخر مدعيا ضعفه ويتبين عن قريب الوجه في ذلك.
م: (ولنا ما رويناه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه) ش: وقد ذكره في أول باب الصلاة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وذكرنا هناك أن أبا داود أخرجه في "سننه " وأحمد في "مسنده " والحاكم في "مستدركه"، واستدل به المصنف هناك في فرضية القعدة الأخيرة في الصلاة واستدل به هاهنا على أن إصابة لفظه واجب فقال:
والتخيير ينافي الفرضية والوجوب إلا أنا أثبتنا الوجوب بما رواه احتياطا وبمثله لا تثبت الفرضية والله أعلم.
ــ
[البناية]
م: (والتخيير ينافي الفرضية والوجوب) ش: أي التخيير الذي يفهم من قوله عليه السلام إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك ينافي بقاء الفرض أو الواجب عليه م: (إلا أنا أثبتنا الوجوب) ش: أي وجوب السلام في آخر الصلاة م: (بما رواه) ش: أي بما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بالحديث المذكور م: (احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط في ترك العمل به بالكلية فقلنا بوجوب السلام به ولم يقل بفرضيته؛ لأنها تثبت بخبر الواحد، وهو معني قوله م:(وبمثله) ش: أي وبمثل هذا الحديث الذي هو خبر واحد م: (لا تثبت الفرضية) ش: لأن الفرض لا يثبت إلا بدليل قطعي والواجب دون الفرض فيثبت بخبر الواحد، وقد استدل الأترازي في وجوب السلام بقوله: وإنما قلنا بوجوب إصابة لفظ السلام لمواظبة النبي عليه السلام ولم يبين وجه استدلال المصنف به - وبحديث ما قاله ما روي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا فلما أخبر - ثنى رجله فسجد سجدتين فقد خرج منها إلى الخامسة لا بتسليم» .
فإن قلت: لم لا تقيس التحليل على التحريم نجعل كليهما فرضا. قلت: لا يصح القياس؛ لأن الذي يقع به التحريم وهو التكبير عبادة خالصة، وثناء محض مخصوص بصيغته ومحله؛ لأنه يؤدى مع استقبال القبلة فصلح فرضا.
وأما السلام فتردد الشارحان [......] صلح ثناء لكن كونه خطابا للقوم أخرجه إلى كلام الناس، وكذلك كان محظورا في محظور في الصلاة، ويؤدى مع الانحراف عن القبلة، وأمره خروج من العبارة، فلما تردد أمره جعله فوق النفل دون الفرض، فكان واجبا، فلم يصح قياسه بالتكبير.
فإن قلت: هاهنا إشكال على قول أبي حنيفة يقول الخروج من الصلاة بفعل المصلي فرض، وقد قال المصنف والتخيير ينافيه، فيكف يتم الاستدلال على مذهبه، قلت: قال الكرخي الخروج عنها بفعل المصلي ليس بفرض عنده، إذ لو كان فرضا لاختص بما هو قربة كالخروج من الحج، ولما كان الحدث العمد مخرجا قال شمس الأئمة: والصحيح ما قاله الكرخي، وقول أبي سعيد البردعي وأكثر المشايخ وهو أن الخروج منها بفعل المصلي فرض ليس بمنصوص عن أبي حنيفة رحمه الله، والجواب على قول أبي سعيد إنما صار فرضا لأداء صلاة أخرى؛ لأن الأداء لا يمكن إلا بالخروج منها، فقال: فرضا لأجل صلاة أخرى لا لأجل هذا الاستدلال على مذهبهما فوق مذهب أبي حنيفة، وأبو حنفية يتمسك في المسألة بحديث الأعرابي حيث علمه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر لفظ السلام، وبالقياس على التسليم الثاني فإنه ليس بفرض إجماعا.
1 -
فروع: المسبوق يتابع الإمام في التشهد إلى قوله: عبده ورسوله بلا خلاف، وفي الزيادة ذكر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
القدوري أنه لا يتابعه وإليه مال الكرخي وخواهر زاده، وروى إبراهيم بن رستم عن محمد رحمه الله أنه يدعو بدعوات القرآن، وروى هشام عنه أنه يدعو بذلك ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: يسكت، وعنه هشام في قوله ومحمد بن شجاع البلخي أن يكرر التشهد إلى أن يسلم الإمام، قال: لا معنى للسكوت في الصلاة بلا استماع فينبغي أن يكرر التشهد مرة بعد مرة.
قلت: يشكل عليهما بالقيام فإن المقتدي يسكت فيه من غير استماع، وقيل يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم هو بالخيار إن شاء يأتي بالدعوات المذكورة في القرآن مثل الآيات التي أولها ربنا، وإن شاء صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إذا سلم الإمام لا بالقيام وينظر هل يفعل الإمام بعض ما يشبه فإذا تيقن فراغه يقوم إلى قضاء ما سبق به ولا يسلم مع الإمام، قال البريد في نظمه:
تمكث حتى تقوم الإمام إلى أن
…
تطوعه إن كان بعدها تطوع
ويستند إلى المحراب إن كان لا يتطوع بعدها، ولو قام قبل سلامه جازت صلاته ويكون مسيئا. وعند الشافعي يقوم بعد التسليمتين، نص عليه في " مختصر البويطي "، ولو قام بعد التسليمة الأولى جاز.
ولم يذكر المصنف أن المقتدي متى يسلم، فعن أبي حنيفة روايتان، في رواية: يسلم مع الإمام كالتكبير، وفي رواية: يسلم بعد سلام إمامه، وقال الشافعي: المقتدي يسلم بعد فراغ الإمام من التسليمة الأولى، فلو سلم مقارنا بسلامه إن قلنا: إن نية الخروج بالسلام شرط لا يجزئه، كما لو كبر مع الإمام لا تنعقد له صلاة الجماعة، فعلى هذا تبطل صلاته، وإن قلنا: إن نية الخروج غير واجبة فتجزئه كما لو ركع معه، وفي وجوب نية الخروج عن الصلاة بالسلام وجهان، أحدهما: يجب، والثاني: لا يجب، كذا في "تتمتهم". وذكر في " المبسوط ": المقتدي يخرج من الصلاة بسلام الإمام، وقيل: هو قول محمد، أما عندهما يخرج بسلام نفسه. وتظهر ثمرة الخلاف من انتقاض الوضوء بسلام الإمام قبل سلام نفسه بالقهقهة، فعنده لا ينتقض.