الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن كرر تلاوة سجدة واحدة في مجلس واحد أجزأته سجدة واحدة، فإن قرأها في مجلسه فسجدها ثم ذهب ورجع، فقرأها سجد ثانية وإن لم يكن سجد للأولى فعليه سجدتان، فالأصل أن مبنى السجدة على التداخل دفعا للحرج،
ــ
[البناية]
الصلاة تجري في التلاوتين جميعًا يلزم تقدم الحكم وهو السجدة على السبب وهو التلاوة، وتقديمه عليه لا يجوز، ثم قال: وفي هذا التعليل نظر عندي، لأنا لا نسلم تقدم الحكم على السبب، لأن مبنى السجدة على التداخل في السبب، فعلى تقدير إلحاق الثانية بالأولى لا يلزم ما قال، لأنه يكون السبب هو الأولى وحدها وقد تقدم السبب، فتلاه بحكمه، انتهى كلامه.
قلت: الصواب كما قاله الأكمل والأصوب من كلامهما أن تقول: لما لم يمكن القول بالتداخل هاهنا وجبت لكل تلاوة سجدة على حدة، على أن في بعض النسخ ولا وجه إلى كونها مستتبعة للأولى، فافهم.
[تكرار تلاوة سجدة التلاوة في المجلس الواحد]
م: (ومن كرر تلاوة سجدة واحدة في مجلس واحد أجزأته سجدة واحدة) ش: قيد بقوله: سجدة واحدة، لأنه إذا كرر سجدات مختلفة يجب لكل واحدة سجدة، وبقوله: في مجلس واحد؛ لأنه إذا كان في مجالس مختلفة تعدد السجود على ما سيجيء بيانه إن شاء الله تعالى.
وقال النووي: إن لم يسجد للأولى كفته سجدة واحدة، وإن سجد لها ثلاثة أوجه:
أصحها: يسجد، وبه قال مالك وأحمد.
والثاني: يكفيه الأولى، قال ابن شريح: ورجحه صاحب " العدة "، وقطع به أبو حامد.
الثالث: إن طال الفصل قرأها فسجد ثم ذهب يعني أنه مشى ثلاث خطوات، ورجع فقرأها وسجد ثانيًا، وإن لم يسجد للأولى فعليه سجدتان.
م: (فإن قرأها في مجلسه فسجدها فذهب ورجع فقرأها سجد ثانية) ش: لتعدد السبب.
م: (وإن لم يكن سجد للأولى فعليه سجدتان) ش: أراد أنه ذهب عن مجلسه بعد قراءته ولم يسجد لها ثم رجع إليه فقرأها ثانيًا، فعليه أن يسجد لكل تلاوة سجدة م:(والأصل) ش: في هذا م: (أن مبنى السجدة على التداخل) ش: يعني في الاستحسان والقياس أن يجب لكل تلاوة سجدة، سواء كانت في مجلس واحد أو لم تكن، لأن للسجدة حكم التلاوة، والحكم يتكرر بتكرر السبب.
وأما وجه الاستحسان فهو قوله: م: (دفعًا للحرج) ش: وذلك أن المسلمين يحتاجون إلى تعليم القرآن وتعلمه، وذلك يحتاج إلى التكرار غالبًا، فإلزام التكرار في السجدة يفضي إلى الحرج لا محالة، والحرج مدفوع ويؤيد هذا ما روي أن جبريل عليه السلام كان يقرأ على
وهو تداخل في السبب دون الحكم وهو أليق بالعبادات، والثاني بالعقوبات
ــ
[البناية]
النبي عليه السلام ويقرأ النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه ويسجد مرة واحدة.
وقال الأكمل: وقد صح أن جبريل صلى الله عليه وسلم كان ينزل بآية السجدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكرر عليه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد لها مرة واحدة تعليمًا لجواز التداخل.
قلت: نزول جبريل صلى الله عليه وسلم بآية السجدة وغيرها من القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم صحيح لا شك فيه، ولكن صحة بقية القضية من أين؟، ولم يتعرض إليه فاكتفي بمجرد النقل، وكان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يلقن الناس القرآن في مسجد البصرة وتكرر السجدة مرة واحدة.
وروي عن أبي عبد الرحمن السلمي وهو معلم الحسن والحسين رضي الله عنهما أنه كان يعلم الآية الواحدة مرارًا ولا يزيد على سجدة واحدة، وقد أخذ التلاوة عن الصحابة، فالظاهر أنه أخذ حكمها عنهم.
م: (وهو تداخل في السبب دون الحكم) ش: أي التداخل الذي عليه مبنى السجدة هو تداخل في السبب وهو التلاوة دون الحكم، وهو وجوب السجدة، وهو أن يجعل التلاوات الموجودة في المجلس تلاوة واحدة، فلم تكن الثانية والثالثة، سببًا للوجوب، إذا السبب إذا تحقق لا يجوز ترك حكمه في العبادات احتياطًا. وضعف السرخسي التداخل، وقال: الصحيح أن سبب الوجوب حرمة المتلوة، فالثانية تكرار محض فلم تكن سببًا، فلا يجب بها شيء.
وقال الماتريدي: سبب وجوبها تلاوة مقصودة، ولم يوجد في الثانية لأنها تبع للأولى وتكرير للحفظ والتفكر وذلك وسيلة.
م: (وهذا) ش: أي التداخل في السبب م: (أليق بالعبادات) ش: لأنه لو حكم بتعدد الأسباب يلزمه ترك الاحتياط في أمر العبادة، لأنه يلزم الإسقاط بعد وجوب سبب الإثبات، فلا يجوز لأن العبادة يحتاط في إثباتها لا في إسقاطها.
م (والثاني بالعقوبات) ش: أي التداخل في الحكم دون السبب أليق بالعقوبات، لأنها ليست مما يحتاط فيها بل في درئها فيجعل التداخل في الحكم ليكون عدم الحكم مع وجود الموجب مضافًا إلى عفو الله وكرمه، فإنه هو الموصوف بسبوغ العفو وكمال الكرم.
وثمرة هذين الفصلين تظهر في:
الأول: فيما إذا تلا آية سجدة فسجد، ثم قرأ تلك الآية في ذلك المجلس مرات تكفيه تلك السجدة عن التلاوة التي توجد بعدها.
وإمكان التداخل عند اتحاد المجلس لكونه جامعا للمتفرقات، فإذا اختلف عاد الحكم إلى الأصل، ولا يختلف بمجرد القيام بخلاف المخيرة؛ لأنه دليل الإعراض وهو المبطل هناك،
ــ
[البناية]
في الثاني: إذا زنى فجلد ثم زنى ثانيًا يجلد ثانيًا، وكذلك ثالثًا ورابعًا بعدم التداخل في الأسباب، بخلاف ما إذا زنى ولم يحد ثم زنى يحد مرة واحدة لتداخل الحكم والعقوبة.
م: (وإمكان التداخل) ش: أراد به الإمكان الشرعي م: (عند اتحاد المجلس لكونه جامعًا للمتفرقات) ش: أي ألا ترى أن شطري العقد يجمعهما المجلس وإن تفرقا بالأقوال، واتحاد المجلس له أثر في جميع المقدورات كما في الإيجاب والقبول والأقادير، ألا ترى أن من أقر بالزنا أربع مرات في مجلس واحد يجعل مقرا مرة واحدة، وفي المجالس المختلفة يجعل مقرا أربع مرات، فكذا هاهنا م:(فإذا اختلف) ش: أي المجلس م: (عاد الحكم إلى الأصل) ش: وهو وجوب التكرار لعدم الجامع.
فإن قلت: لم لا يجمع الجامع بين الآيات في المجلس كما جمع بين المرات فيه؟.
قلت: لعدم الحرج، فإن آية السجدة محصورة، والغالب عدم تلاوة الجميع في المجلس، بخلاف التكرار للتعليم، فإنه ليس بمحصور.
م: (ولا يختلف) ش: أي المجلس م: (بمجرد القيام) ش: ولهذا لو باع وهو قاعد وقام ثم قبل المشتري صح قبوله. كذا في " الكافي "، ولو قرأها وهو قاعد ثم قام فقرأها لا يجب إلا سجدة واحدة م:(بخلاف المخيرة) ش: وهي التي قال لها زوجها اختاري، فقامت فقالت اخترت نفسي لا يقع الطلاق م:(لأنه) ش: أي لأن قيام المخيرة م: (دليل الإعراض) ش: لأن المجلس تبدل حقيقة م: (وهو) ش: أي الإعراض م: (يبطل هناك) ش: أي في المخيرة، ثم المجلس إنما يختلف إذا ذهب عن ذلك المجلس بعيدًا، فإن كان قريبًا لا يختلف، فالفاصل بينهما ما ذكر في " المحيط " إذا مشى خطوتين أو ثلاثًا فهو قريب، وإن كان أكثر من ذلك فهو بعيد.
وفي " المبسوط " في رواية ابن رستم عن محمد قال محمد نحو عرض المسجد أو طوله فهو قريب.
وفي " المبسوط " فإن نام قاعدًا أو أكل لقمة أو شرب شربة أو عمل عملًا يسيرًا ثم قرأ فليس عليه أخرى، لأن هذا القدر لا يبدل المجلس وفي الروضة بالأكل لا يختلف المجلس حتى يشبع، وبالشرب حتى يروى، وبالكلام والعمل يكثر استحسانًا.
وفي " شرح المجمع " الأمكنة التي تتحد حكمها كالمجسد والجامع والبيت والسفينة سائرة كانت أو واقفة والحوض والغدير والنهر الواسع والدابة السائرة وراكبها في الصلاة قال: في هذه الأماكن إذا كرر التلاوة لا يلزمه إلا سجدة واحدة وهو مخير إن شاء سجدها عند التلاوة الأولى،
وفي تسدية الثوب يتكرر الوجوب، وفي المنتقل من غصن إلى غصن كذلك في الأصل، وكذا في الدياسة للاحتياط،
ــ
[البناية]
وإن شاء سجدها عند الأخيرة، والأمكنة التي يختلف حكمها ويتعدد الوجوب كالدابة السائرة وراكبها ليس في الصلاة، والماشي في الصحراء، أو السباح في البحر والنهر العظيم.
م: (وفي تسدية الثوب يتكرر الوجوب) ش: قال شيخ الإسلام خواهر زاده: في "مبسوطه" إن كان يسدي الكرباس ويقرأ آية واحدة مرارًا اختلف المشايخ، قال بعضهم: يكفيه سجدة واحدة، لأن المجلس واحد من حيث الاسم.
وقال بعضهم: يلزمه بكل تلاوة سجدة، لأن المجلس تبدل حقيقة بتبدل المكان، ولا يعتبر اتحاد العمل كما في سير الدابة وهو الأصح.
م: (وفي المنتقل من غصن إلى غصن كذلك في الأصل) ش: أي يتكرر الوجوب في الأصح يرجع إلى المذكورين تسدية الثوب والمنتقل م: (وكذا في الدياسة) ش:
وقال الأترازي: واختلف في تسدية الثوب والدياسة، والذي يدور حول الرحى والذي يسبح في الحوض أو النهر، والذي علا على غصن ثم انتقل إلى غصن آخر والأصح هو الإيجاب م:(للاحتياط) ش: أي بالنظر إلى اتحاد العمل واتحاد والمجلس لا يتبدل المجلس، فلا يتكرر الوجوب بالنظر إلى حقيقة اختلاف المكان يتكرر الوجوب فقلنا بالتكرار احتياطًا.
وفي " الدراية " وفي لفظ الكتاب إشارة إلى أنه لا خلاف في التسدية لأنه قطعها بالجواب من غير تردد، ويدل على أن اختلاف المشايخ في المنتقل من غصن إلى غصن وفي الدياسة وفي النهاية وهذا اللفظ أشار به إلى التسدية والمنتقل كما ترى يدل على أن اختلاف المشايخ في المنتقل من غصن إلى غصن وفي الدياسة لا في تسدية الثوب، لأنه قطعها بالجواب من غير تردد، ثم شبه الجواب الثاني بذكر الأصح، ولكن ذكر الاختلاف في " شروح الجامع الصغير " في المسائل الثلاث كلها.
وقال الأكمل: وقال صاحب " الدراية " وذكره...... إلخ ما ذكره ثم قال: وليس بواضح جواز أن يكون قوله في الأصح متعلقًا بالمسلمين جميعًا.
وقوله: للاحتياط يجوز أن يكون وجه الأصح في الصور الثلاث المذكورة.
قلت: الظاهر أن قوله في الأصح متعلق بمسألة المنتقل من غصن إلى غصن.
وقوله: للاحتياط متعلق بمسألة الدياسة، وقطع صاحب " الهداية " بالجواب في مسألة بنفي أو إثبات لا يستلزم نفي كون الخلاف فيه في الحقيقة.
ولو تبدل مجلس السامع دون التالي يتكرر الوجوب على السامع؛ لأن السبب في حقه السماع، وكذا إذا تبدل مجلس التالي دون السامع على ما قيل، والأصح أنه لا يتكرر الوجوب على السامع لما قلنا، ومن أراد السجود كبر، ولم يرفع يديه، وسجد ثم كبر ورفع رأسه اعتبارا بسجدة الصلاة،
ــ
[البناية]
م: (ولو تبدل مجلس السامع دون التالي يتكرر الوجوب على السامع) ش: باتفاق المشايخ، وبه صرح الإمام الزاهد السغناقي، فعلى قول من يقول السبب في حق السامع السماع فظاهر، وعلى قول من يقول السبب في حقه التلاوة فكذلك الظاهر، لأن الشرع أبطل تعدد التلاوة المتكررة في حق التالي حكمًا لاتحاد مجلسه لا حقيقة، فلم يظهر ذلك في حق السامع، فاعتبرت حقيقة التعدد فكرر الوجوب عليه م:(لأن السبب) ش: أي سبب وجوب السجدة م: (في حقه) ش: أي في حق السامع م: (السماع) ش: فتكرر السبب بتكرار الوجوب م: (وكذا) ش: يتكرر الوجوب. م: (إذا تبدل مجلس التالي دون السامع على ما قلنا) ش: على قول بعض المشايخ، وهو قول فخر الإسلام أيضًا.
م: (والأصح أن لا يتكرر الوجوب على السامع لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله لأن السبب في حقه السماع، ومكان السماع متحد فلا يتكرر الوجوب، وهذا قول القاضي الأسبيجابي صاحب " شرح الطحاوي ".
م: (ومن أراد السجود) ش: أي سجود التلاوة م: (كبر ولم يرفع يديه وسجد ثم كبر ورفع رأسه اعتبارًا بسجدة الصلاة) ش: يعني اعتبروه اعتبارًا بسجدة الصلاة.
وقوله: كبر إشارة إلى أن التكبير فيها سنة كما في المسببة به.
وقال الأسبيجابي: ويرفع صوته، وفيه إشارة إلى التكبير ليس بواجب بل هو سنة لما ذكرنا، وأيد ذلك ما ذكره في " المحيط "، فقال: ورى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يكبر عند الانحطاط، لأن تكبير الانتقال من الركن، وعند الانحطاط، وهاهنا لا ينتقل، وهي رواية الحسن عن أبي يوسف.
وفي " الذخيرة ": وقيل: يكبر في الابتداء ولا يكبر في الانتهاء، وهي رواية الحسن عن أبي حنيفة، وقيل: يكبر في الابتداء بلا خلاف، وفي الانتهاء خلاف بين أبي يوسف ومحمد على قول أبي يوسف لا يكبر، وعلى قول محمد يكبر.
وعند جمهور الشافعية يكبر للهوي إلى السجود، وعند رفعه. وقال ابن أبي هريرة: منهم من لا يكبر فيهما وفي غير الصلاة يكبر للافتتاح ثم للهوي ثم للرفع، وهو قول أحمد وهو شرط في المشهور، وفي وجه يستحب، وفي الثالث لا يشرع أصلًا وهو قول أبي جعفر منهم.
وهو المروي عن ابن مسعود رضي الله عنه
ولا تشهد عليه ولا سلام؛
ــ
[البناية]
وقوله: ولم يرفع يديه احترازا عن قول الشافعي، فإن عنده حقها أن يسجد سجدة واحدة فيكبر رافعًا يديه ناويًا، ثم يكبر للسجود ولا يرفع يديه ثم يكبر للرفع ويسلم، وأقلها وضع الجبهة على الأرض بلا شروع ولا سلام، كذا في " الخلاصة الغزالية ".
وقال القاضي من الحنابلة: وقياس المذهب أن لا يرفع يديه [....] لم يرد به الشروع، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما «كان عليه السلام لا يقعد في السجود حتى لا يرفع يديه» وهو حديث متفق عليه، وبقولنا قال إبراهيم والحسن وأبو قلابة وابن سيرين وأبو عبد الرحمن وعامر، ذكر ذلك كله ابن أبي شيبة.
م: (وهو المروي عن ابن مسعود رضي الله عنه) ش: يعني المذكور من صفة سجدة التلاوة هو مروي عن عبد الله بن مسعود، وهذا غريب لم يثبت، وإنما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا» رواه أبو داود.
م: (ولا تشهد عليه) ش: أي على من يسجد للتلاوة، وبه قال مالك، وعن الشافعي فيه قولان، وقال البويطي: لا يتشهد.
وقال خواهر زاده: قال الشافعي في كتابه: ليس فيها تسليم ولا تشهد، وبه أخذ بعض أصحابه، ومن أصحابه من لم يأخذ بما قال الشافعي: لكن قال: فيها تشهد وتسليم، وكان ابن شريح يقول فيها تسليم، ولكن لا يحتاج فيها إلى تشهد.
وفي " التنبيه " قيل: يتشهد ويسلم، وقيل: يسلم ولا يتشهد، والمنصوص أنه لا يتشهد ولا يسلم.
واعترض على صاحب " التنبيه " فيه بشيئين:
أحدهما: أنه صرح بنص الشافعي أنه لا يسلم وأنه ليس له نص غيره، وليس الأمر كذلك بل القولان مشهوران في اشتراط السلام.
الثاني: أنه صرح بأن الراجح في المذهب أنه لا يسلم.
وليس كذلك، بل الصحيح عند الأصحاب على ما حكاه النووي اشتراط السلام، قال: وممن صححه أبو حامد وأبو الطيب في تعليقهما والرافعي وآخرون، ولا يتشهد عند الحنابلة، نص عليه في رواية الأثرم.
م: (ولا سلام) ش: أي ولا سلام عليه أيضًا، وبه قال النخعي والحسن وسعيد ويحيى ابن وثاب ومالك وعطاء وأبو صالح، وقال ابن المنذر: قال أحمد أما التسليم فلا أدري ما هو، وعنه أنه فرض ويجزئه تسليمة، وعنه تسليمتان ولا يسلم في البويطي، وقال المزني: يسلم.
لأن ذلك للتحلل وهو يستدعي سبق التحريمة وهي منعدمة، قال: ويكره أن يقرأ السورة في الصلاة أو غيرها، ويدع آية السجدة؛ لأنه يشبه الاستنكاف عنها، ولا بأس بأن يقرأ آية السجدة ويدع ما سواها؛ لأنه مبادرة إليها، قال محمد رحمه الله: أحب إليّ أن يقرأ قبلها آية، أو آيتين دفعا لوهم التفضيل، واستحسنوا إخفاءها شفقة على السامعين، والله أعلم.
ــ
[البناية]
م: (لأن ذلك) ش: أي السلام م: (للتحلل وهو) ش: أي التحليل م: (يستدعي) ش: أي يقتضي م: (سبق التحريمة) ش: لأنها معتبرة بسجود الصلاة وسجود الصلاة لا يقتضي التسليم م: (وهي) ش: أي التحريمة م: (منعدمة) ش: هذا اللفظ خطأ عند أهل التصريف، وصوابه معدومة.
فإن قلت: كيف يكون معدومة وقد ذكر من أراد السجود كبر، والتكبير للتحريمة كما في الشروع في الصلاة.
قلت: ذاك التبكير لا للتحريمة بل للمشابهة بينهما وبين سجدة الصلاة، والتكبير لها ليس للتحريمة بل للانتقال إلى السجود فكذا هاهنا.
م: (وقال) ش: أي محمد رحمه الله في " الجامع الصغير ": م: (ويكره أن يقرأ السورة في الصلاة أو غيرها أو يدع) ش: أي يترك، ولم يستعمل معنى هذه اللفظة إلا في قراءة:{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى: 3](الضحى: الآية 3) ، بالتخفيف، وهي شاذة ويدع م:(آية السجدة لأنه يشبه الاستنكاف عنها) ش: أي الإعراض عن السجدة، وليس ذلك من أخلاق المؤمنين، وهو يؤدي أيضًا إلى هجران بعض القرآن.
وقال الشافعي: يكره قراءة آية السجدة في الصلاة، سواء كانت صلاة السر أو الجهر.
وقال مالك: يكره قراءتها في جميع الصلوات، وعندنا يكره فيما يسر دون ما يجهر، وبه قال أحمد.
م: (ولا بأس بأن يقرأ آية السجدة ويدع ما سواها، لأنه مبادرة) ش: أي مسارعة م: (إليها) ش: أي إلى السجدة م: (قال) ش: أي قال محمد: في كتاب الصلاة م: (وأحب إلي أن يقرأ قبلها آية أو آيتين دفعًا لوهم التفضيل) ش: أي تفضيل بعض الآيات على البعض م: (واستحسنوا) ش: أي استحسن المشايخ.
م: (إخفاءها) ش: أي إخفاء آية السجدة م: (شفقة) ش: أي لأجل الشفقة م: (على السامعين) ش: لأن السامع ربما لا يؤديها في الحال لمانع فلا يؤديها بعد ذلك بسبب النسيان فيبقى عليه الواجب فيأثم.
وفي " المحيط ": إذا كان التالي وحده يقرأ كيف شاء جهر أو أخفى، وإن كان معه جماعة، قال مشايخنا: إن كان القوم مهيئين للسجود، ووقع في قبله أنه لا يشق عليهم أداؤها ينبغي أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
يجهر حتى يسجد القوم معه، وإن كانوا محدثين ويظن أنهم لا يسجدون أو يشق عليهم أداؤها ينبغي أن يقرأها في نفسه ولا يجهر تحرزًا عن إتيانهم بالسلام.
1 -
فروع: يختلف المجلس بالنوم مضطجعًا. وقاعدًا لا يختلف ذكره في " المحيط ". وفي "جوامع الفقه " القيام والقعود والاتكاء والركوب والنزول لا يوجب اختلاف المجلس، وكذا الانتقال في البيت والمسجد من زاوية إلى زاوية، أو من جانب طولًا أو عرضًا.
وقيل: إن كان البيت كبيرًا أو المسجد كثيرًا كالمسجد الجامع تختلف. وفي " المنتقى " عن محمد في المسجد الجامع لا يتكرر من غير تفصيل. وفي " جوامع الفقه " سئل أبو بكر عمن قرأ القرآن كله وسجد لكل سجدة ثم قرأ ثانيًا يجب ثانيًا.
وفي " المرغيناني " لو تلاها ثم سبح أو هلل كثيرًا ثم تلاها يكفيه سجدة، وفيه ولا يجوز أداؤها في الأوقات المكروهة، إلا يقرأها فيها، فإن قرأها في وقت مكروه سجدها في وقت غير مكروه.
قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز، وقيل: إن قرأها عند الطلوع وسجدها عند الغروب يجوز ولا يجوز العكس.
وفي الأصل إذ قرأ سجدة في آخر السورة في صلاته إن كان بعدها آية أو آيتان إلى آخر السورة إن شاء ركع وإن شاء سجد، يعني إن شاء ركع لها ركوعًا على حدة، وإن شاء سجد لها سجدة على حدة والسجدة أفضل، وإن سجد يعود إلى القيام، لأنه يحتاج إلى الركوع ويقرأ بنفسه السورة ثم يركع وإن شاء ضم إليها آية من السورة الأخرى حتى يصير ثلاث آيات، ويكره لو لم يقم بعدها شيئًا إلى الركوع يحتاج إلى النية لمخالفة بينهما، وفي السجدة لا يحتاج إليها.
وقيل: إن شاء أقام ركوع الصلاة مقام سجدة التلاوة، نقله عن أبي حنيفة وأبي يوسف.
وروى الحسن عن أبي حنيفة ما يدل على أن سجدة الركعة تنوب عن سجدة التلاوة، وقد روي عنه إذا كانت السجدة في آخر السورة كالأعراف والنجم أو قريبًا منه كبني إسرائيل وانشقت، فركع حين فرغ من السورة أجزأته سجدة الركعة عن التلاوة.
واختلف المشايخ فيما إذا ركع وسجد للصلاة دون التلاوة فالركوع ينوب عنها أو سجدة الصلاة قبل الركوع لقربه منها، ثم اتفقوا على أن الركوع لا ينوب عن السجدة بدون النية، واختلفوا في السجود.
قال ابن سماعة وجماعة من أئمة بلخ: لا ينوب ما لم ينوب في ركوعه أو بعد استوائه قائمًا إذا سجد لصلاته وتلاوته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وقال غيرهم: إن النية فيها ليست بشرط، والصلاتية أقوى فتنوب عنهما، كذا في " الذخيرة " وفي " المحيط " لو لم ينو في السجود لم يجزه، نص عليه في " النوادر "، لأن الصلاتية تخالفها حكمًا فلا ينوب عنها شيئًا إلا بالنية.
وقيل: يجوز بدون النية، وروى الحسن عن أبي حنيفة أن السجود ينوب دون الركوع وفي المبسوط الأصح أن سجدة الصلاة تنوب عنها دون الركوع.
وفي قاضي خان وقال عامة المشايخ: لا يحتاج إلى النية، وتصير مؤادة بالصلاتية لأنها أقوى، إلا إذا انقطع العود فيحتاج إلى النية، وإن كان بعدها ثلاث آيات إلى آخر السورة، أو كانت في آخر السورة، أو كانت في وسط السورة فالحكم في هذا كله ما ذكرناه.
فلو أنه لم يركع لها ولم يسجد لها في هذه الوجوه على الفور، ولكن قرأ ربعًا من السورة أو خرج إلى سورة أخرى فقرأ منها شيئًا إن قرأ بعدها ثلاث آيات، أو كانت السجدة في وسط السورة لم يجزئه الركوع وسجدة الصلاة عن التلاوة، لأنها صارت دينًا عليه لفوات محلها، وفي الأصل والبحر أن الآيات الثلاث إنما تصير فاصلة ومانعة وقوع الركوع والسجود عن التلاوة، وإذا كانت في وسط السورة ولا تصير مانعة في آخرها.
وفي "المرغيناني " عن شيخ الإسلام إذا قرأ ثلاث آيات بعدها سقط العود ولا ينوب الركوع عن التلاوة، وقال الحلواني: لا ينقطع ما لم يقرأ أكثر من ثلاث آيات، وكذا في قاضي خان.
وفي " جوامع الفقه ": ينوي بها عند الركوع، ولو قرأها في الركوع اختلفوا فيه وبعدما رفع رأسه لا يجوز إلا رواية عن أبي حنيفة، ولا ينبغي للإمام أن يقرأ سجدة في صلاة لا يجهر بها، لأنه إذا لم يسجد يصير تاركًا للواجب، وإن سجد يظن القوم أنها صلاتية يأتي بها قبل الركوع فلا يتابعونه.
يشترط في السجد الطهارة من الأحداث والأنجاس بدنًا ومكانًا وثيابًا، وستر العورة واستقبال القبلة والنية، وكل ما يفسد الصلاة يفسدها. وفي " المفيد " المحاذاة لا يفسدها.
وفي رواية ابن السكن عن ابن عمر أنه كان يسجد على غير وضوء. وعن الشعبي مثله، وفي " مصنف ابن أبي شيبة " عن عثمان بن عفان وابن المسيب أن الحائض تومئ برأسها. قال ابن المسيب ويقول اللهم لك سجدت، هذا خلاف ما عليه الجمهور من أصحاب المذاهب الأربعة.
وعن النخعي في رواية يتمم ثم يسجد كما في الجنازة، وذكر ابن بطال عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن أنه يشترط فيها استقبال القبلة، وقال ابن المنذر: وقد روينا عن الشعبي أنه كان يسجد حيث كان وجهه ذكره في "الأشراف "، وفي " خزانة الأكمل " لو سجدها بغير القبلة جهلًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
جازت، وذكر ابن تيمية الحنبلي أن القارئ إذا كان محدثًا، لم يسجد ولم يقضها إذا توضأ، وكذا المستمع، وكذا المتطهر إذا طال الفصل، وقال الثوري: إن لم يسجد وطال الفصل لم يسجد، ويروى ذلك عن النخعي والأوزاعي، وعندنا يسجد إذا توضأ، وبه قال مكحول والثوري وإسحاق وجماعة.
وفي " مختصر البحر " يستحب تقدم التالي في السجود على السامعين، ويصطف السامعون خلفه ولا يرفعون رؤوسهم قبله، فإذا سجد التالي يسجدون معه حيث كانوا، وفي "جوامع الفقه " خلفه أو قدامه ولا يرون تسوية الصف خلفه.
وفي خزانة الأكمل: لا يرفع السامع رأسه قبل التالي استحسانًا ومثله في " المبسوط " وذكره النووي أنه لا ينوي الاقتداء به والرفع قبله ولو ذهب التالي ولم يسجد سجد السامع، وبه قال الشافعي، ولو قرأ على المنبر إن شاء سجد عليه، وإن شاء نزل وسجد على الأرض، وفي الأصل إمام صلى وقرأ سجدة ونسي أن يسجد بها فتذكر ذلك وهو راكع يخر ساجدًا لها ثم يقوم فيعود في ركوعه ويمضي في صلاته، وعليه سجدتا السهو.
وفي " الذخيرة " عن السعدي أن المصلي إذا تلا آية السجدة ونسي أن يسجدها فليس عليه سهو، وفيه رأى الأبكم والأصم [....] يسجد والتلاوة لا يجب عليه أن يسجدها.
مسألة غريبة: ذكرها في " عدة المفتي " رجل صلى الفجر بعشرين سجدة كيف هذا، قال الشهيد: هذا رجل أدرك الإمام في السجدة في الركعة الثانية، وعلى الإمام سهو فسجد سجدتين، ثم تذكر الإمام أنه ترك سجدة تلاوة فسجد لها ثم تشهد وسجد للسهو ثم أقام المسبوق وقرأ آية السجدة، ونسي أن يسجد لها وسجد سجدتي الركعة الثانية، ثم تذكر أنه قعد بين الركعتين ناسيًا فسجد سجدتين ثم تذكر سجدة التلاوة، فسجد لها ثم تشهد وسلم وسجد للسهو سجدتين والله أعلم.
ولو سبقه الحدث فيها توضأ وأعاد، قيل: هذا قول محمد، وعند أبي يوسف لا يعيدها لتمامها بالوضع عنده، ولو قرأها على الدابة يومئ لها، قال الحلواني: هذا في خارج المصر، فإن كان في المصر فأولى لتلاوته لا يجزئه في قول أبي حنيفة، ولو تلاها المصلي للراكب مرارًا في ركعة، والدابة تسير ورجل يسوقها فعلى التالي واحدة، وعلى السائق لكل تلاوة سجدة.
وفي "المنتقى ": لو كان كل واحد منهما على دابة يصلي فقرأها كل واحد مرارًا يصلي كل واحد منهما بتلاوته سجدة، وتلاوة صاحبه بعدد قراءتها على الدابة، ولو ضحك في سجدة التلاوة يكون حدثًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وفي " المجتبى " يعيدها ولا يعيد الوضوء وأداؤها في الصلاة على الفور، وكذا خارجها عند أبي يوسف وعند محمد والكرخي على التراخي، ثم على رواية الفور مثل مباح الاشتغال بالحوائج، ولا يباح التأخير عند النزاع والاستطاعة، والصحيح خلافه، وذكر الطحاوي أن تأخيرها مكروه مطلقًا، والمرأة تصلح إمامًا للرجل فيها.
وفي " المبسوط " لم يذكر محمد رحمه الله ماذا يقول في سجوده، والأصح أن يقول في سجوده من التسبيح ما يقول في سجود الصلاة وبه قال الشافعي، واستحسنوا أن يقوم فيسجد، لأن الخرور سقوط من القيام، والقرآن ورد به، وإن لم يفعل فلا يضر به.
وفي " المجتبى " وإن أتى بغير تسبيح الصلاة جاز، وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن: "سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته» ، وعن ابن عمر أنه كان يقول في "سجوده اللهم لك سجد سوادي ربك آمن فؤادي، اللهم ارزقني علما ينفعني، وعملا يرفعني"، وعن قتادة أنه كان يقول إذا قرأ السجدة: سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولًا، سبحان الله وبحمده ثلاثًا، وعن عبد الله أنه كان يقول في سجوده: لبيك وسعديك والخير في يديك، وعن داود عليه السلام أنه كان يقول: سجد وجهي مستغفرًا في التراب خالقي، وحق له.
تم المجلد الثاني من تجزئة المحقق
يليه المجلد الثالث أوله: "باب صلاة المسافر"
`