المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[قول سبحان ربي الأعلى في السجود] - البناية شرح الهداية - جـ ٢

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصلاة

- ‌[تعريف الصلاة]

- ‌باب المواقيت

- ‌أول وقت الفجر

- ‌[وقت صلاة الفجر]

- ‌[آخر وقت صلاة الفجر]

- ‌أول وقت الظهر

- ‌[وقت صلاة الظهر]

- ‌[آخر وقت الظهر]

- ‌أول وقت العصر

- ‌[وقت صلاة العصر]

- ‌[آخر وقت العصر]

- ‌[وقت صلاة المغرب]

- ‌[أول وقت المغرب وآخره]

- ‌أول وقت العشاء

- ‌[وقت صلاة العشاء]

- ‌آخر وقت العشاء

- ‌[وقت صلاة الوتر]

- ‌فصل ويستحب الإسفار بالفجر

- ‌[الإبراد بالظهر وأخير العصر في الصيف]

- ‌[تعجيل المغرب]

- ‌تأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل

- ‌فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة

- ‌باب الأذان

- ‌[حكم الأذان]

- ‌صفة الأذان

- ‌[ما يشرع له الأذان من الصلوات]

- ‌[زيادة الصلاة خير من النوم في أذان الفجر]

- ‌[ما يسن في الأذان والإقامة]

- ‌[شروط المؤذن]

- ‌[ما يستحب لمن سمع الأذان]

- ‌[التثويب في أذان الفجر]

- ‌[الفصل بين الأذان والإقامة]

- ‌[ما ينبغي للمؤذن والمقيم]

- ‌[أذان الجنب]

- ‌[الأذان قبل دخول الوقت]

- ‌المسافر يؤذن ويقيم

- ‌باب شروط الصلاة التي تتقدمها

- ‌ الطهارة من الأحداث والأنجاس

- ‌[ستر العورة]

- ‌عورة الرجل

- ‌[عورة الحرة]

- ‌[عورة الأمة]

- ‌[صلاة العريان]

- ‌[النية من شروط الصلاة]

- ‌[تعريف النية]

- ‌[استقبال القبلة من شروط الصلاة]

- ‌ حكم من اشتبهت عليه القبلة

- ‌باب في صفة الصلاة

- ‌فرائض الصلاة

- ‌[تكبيرة الإحرام]

- ‌[القيام في صلاة الفرض]

- ‌[قراءة القرآن والركوع والسجود في الصلاة]

- ‌[القعدة في آخر الصلاة والتشهد والسلام]

- ‌[سنن الصلاة]

- ‌[رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام]

- ‌[وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة]

- ‌[دعاء الاستفتاح]

- ‌[حكم الاستعاذة في الصلاة]

- ‌[البسملة في الصلاة]

- ‌[الواجب من القراءة في الصلاة]

- ‌[قول المأموم آمين]

- ‌[التكبير قبل الركوع وبعد الرفع منه]

- ‌[قول سبحان ربي العظيم في الركوع]

- ‌قول: سمع الله لمن حمده

- ‌[قول سبحان ربي الأعلى في السجود]

- ‌[الافتراش عند التشهد الأوسط]

- ‌[التشهد الأوسط وصيغته]

- ‌[القراءة في الأخيرتين بفاتحة الكتاب فقط]

- ‌[الصلاة على النبي في التشهد الأخير]

- ‌[حكم الصلاة على النبي خارج الصلاة]

- ‌[الدعاء بعد التشهد الأخير وقبل السلام]

- ‌[كيفية الصلاة على النبي]

- ‌[الحكم لو ترك بعض التشهد وأتى بالبعض]

- ‌فصل في القراءة

- ‌[الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة والتي يسر فيها]

- ‌[المنفرد هل يجهر بصلاته أم يسر فيها]

- ‌[الإسرار بالقراءة في الظهر والعصر]

- ‌[الجهر في الجمع بعرفة]

- ‌[الجهر في الجمعة والعيدين]

- ‌[تطوعات النهار سرية]

- ‌[حكم من قرأ في العشاء في الأوليين السورة ولم يقرأ بالفاتحة]

- ‌أدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة

- ‌[مقدار القراءة في الصلوات الخمس]

- ‌[قراءة نفس السورة مع الفاتحة في الركعة الثانية]

- ‌[تعيين سورة أو آية من القرآن لشيء من الصلوات]

- ‌[قراءة المؤتم خلف الإمام]

- ‌باب في الإمامة

- ‌[حكم صلاة الجماعة]

- ‌أولى الناس بالإمامة

- ‌[إمامة العبد والفاسق والأعمى وولد الزنا]

- ‌[تخفيف الإمام في الصلاة]

- ‌[إمامة المرأة للنساء في صلاة الجماعة]

- ‌[موقف الإمام والمأموم في الصلاة]

- ‌[إمامة المرأة والصبي في الصلاة]

- ‌[إمامة الصبي في النوافل كالتراويح ونحوها]

- ‌[كيفية ترتيب الصفوف في الصلاة]

- ‌[محاذاة المرأة للرجل في الصلاة]

- ‌[حضور النساء للجماعات]

- ‌[صلاة الصحيح خلف صاحب العذر]

- ‌[صلاة القارئ خلف الأمي]

- ‌[صلاة المكتسي خلف العاري]

- ‌[إمام المتيمم للمتوضئين]

- ‌[صلاة القائم خلف القاعد]

- ‌[صلاة المفترض خلف المتنفل والعكس]

- ‌ اقتدى بإمام ثم علم أن إمامه محدث

- ‌[إمامة الأمي]

- ‌باب الحدث في الصلاة

- ‌[حكم من ظن أنه أحدث فخرج من المسجد ثم علم أنه لم يحدث]

- ‌[حكم الحدث من الإمام أو المأموم في الصحراء]

- ‌[الحكم لو حصر الإمام عن القراءة فقدم غيره]

- ‌[رؤية المتيمم للماء أثناء الصلاة]

- ‌[حكم من أحدث في ركوعه أو سجوده]

- ‌[حكم من أم رجلا واحدا فأحدث]

- ‌باب ما يفسد الصلاة، وما يكره فيها

- ‌[حكم الكلام في الصلاة]

- ‌[التنحنح في الصلاة]

- ‌[تشميت العاطس في الصلاة]

- ‌[الفتح على الإمام]

- ‌[حكم الفتح على الإمام]

- ‌[حكم من صلى ركعة من الظهر ثم افتتح العصر]

- ‌[حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق في الصلاة]

- ‌[اتخاذ السترة ومرور المرأة ونحوها بين يدي المصلي]

- ‌[اتخاذ المصلي للسترة في الصحراء]

- ‌ وسترة الإمام سترة للقوم

- ‌[دفع المصلي المار بين يديه]

- ‌[فصل في العوارض التي تكره في الصلاة]

- ‌ العبث في الصلاة

- ‌[التخصر في الصلاة]

- ‌ الالتفات في الصلاة

- ‌[الإقعاء في الصلاة]

- ‌[رد السلام للمصلي]

- ‌[التربع للمصلي]

- ‌[لا يصلي وهو معقوص الشعر]

- ‌[كف الثوب في الصلاة]

- ‌[الأكل والشرب في الصلاة]

- ‌[الحكم لو صلى وفوقه أو بين يديه أو بحذائه تصاوير]

- ‌[اتخاذ الصور في البيوت وقتل الحيات في الصلاة]

- ‌فصل ويكره استقبال القبلة بالفرج في الخلاء

- ‌ المجامعة فوق المسجد والبول والتخلي

- ‌[أحكام المساجد]

- ‌[إغلاق باب المسجد]

- ‌باب صلاة الوتر

- ‌[حكم صلاة الوتر]

- ‌[عدد ركعات الوتر]

- ‌[أحكام القنوت في الصلاة]

- ‌[القراءة في صلاة الوتر]

- ‌[القنوت في الوتر]

- ‌[حكم من أوتر ثم قام يصلي يجعل آخر صلاته وترا أم لا]

- ‌باب النوافل

- ‌[عدد ركعات التطوع المرتبطة بالصلوات وكيفيتها]

- ‌فصل في القراءة

- ‌[حكم القراءة في الفرض]

- ‌[حكم القراءة في صلاة النفل]

- ‌[صلاة النافلة على الدابة وفي حال القعود]

- ‌[حكم السنن الرواتب]

- ‌فصل في قيام شهر رمضان

- ‌[حكم صلاة التراويح وكيفيتها]

- ‌[صلاة الوتر جماعة في غير رمضان]

- ‌باب إدراك الفريضة

- ‌[حكم من أقيمت عليه الصلاة وهو في صلاة نفل]

- ‌[حكم من انتهى إلى الإمام في صلاة الفجر وهو لم يصل ركعتي الفجر]

- ‌باب قضاء الفوائت

- ‌[كيفية قضاء الفوائت]

- ‌باب سجود السهو

- ‌[كيفية سجود السهو]

- ‌[متى يلزم سجود السهو]

- ‌[حكم الشك في عدد ركعات الصلاة]

- ‌باب صلاة المريض

- ‌[كيفية صلاة المريض]

- ‌[حكم من أغمي عليه خمس صلوات أو دونها]

- ‌باب سجود التلاوة

- ‌[عدد سجدات القرآن]

- ‌[من تلزمه سجدة التلاوة]

- ‌[قضاء سجدة التلاوة]

- ‌[تكرار تلاوة سجدة التلاوة في المجلس الواحد]

الفصل: ‌[قول سبحان ربي الأعلى في السجود]

وقيل: إذا كان في الصف لا يجافي كيلا يؤذي جاره.

ويوجه أصابع رجليه نحو القبلة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا سجد المؤمن سجد كل عضو منه، فليوجه من أعضائه القبلة ما استطاع»

ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثلاثا، وذلك أدناه.

ــ

[البناية]

في "مستدركه " والطبراني في "معجمه " وقالا فيه: بهيمة بالياء الساكنة بعد الهاء المكسورة، والصواب: بهيمة بضم الباء تصغير بهمة، والبهمة واحدة البهم وهي صغار الضأن والمعز جميعا، وربما خص الضأن بذلك، كذا في " الجهيرة "، واقتصر الجوهري على أولاد الضأن، وخصه القاضي عياض بأولاد المعز.

م: (وقيل: إذا كان) ش: أي المصلي (في الصف لا يجافي كيلا يؤذي جاره) ش: هذا إذا كان في الصف ازدحام وقرب البعض من البعض، وإذا لم يكن كذلك لا يترك السنة لأنه حينئذ لا إيذاء، وفي " الروضة ": إن أعيا فاستعان بركبتيه فوضع ذارعيه عليهما فلا بأس به.

م: (ويوجه أصابع رجليه نحو القبلة لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا سجد المؤمن سجد كل عضو منه، فليوجه من أعضائه القبلة ما استطاع» ش: هذا الحديث غريب، نعم جاء في رواية النسائي عن عبد الله بن عمر عن أبيه قال:«من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة ما استطاع والجلوس على اليسرى» وبوب على باب الاستقبال بأطراف الأصابع القدم القبلة عند القعود للتشهد. وجاء في حديث أبي حميد الذي أخرجه البخاري: «واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة» .

[قول سبحان ربي الأعلى في السجود]

(ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدناه) ش: أي ثلاث مرات، وقال الشافعي: يضيف إلى ذلك وهو الأفضل: «اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين» لحديث على رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سجد قال ذلك، رواه مسلم، قلنا: هذا وأمثاله محمولة على النوافل لأن بابها أوسع.

قوله: شق سمعه وبصره أي فتقهما ومعنى تبارك وتعالى قال ابن الأنباري: يتبرك العباد بتوحيده وذكر اسمه، وقال الخليل: تمجيده، وقال إسحاق: أحسن الخالقين أي المصورين والمقدرين.

فروع: وفي الأسبيجابي: لو خفف سجوده وهو إلى القعود أقرب يجوز، وإن كان إلى السجود والأرض أقرب لا يجوز، روي ذلك عن أبي حنيفة رحمه الله وقال محمد بن

ص: 247

لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا سجد أحدكم فليقل في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثلاثا، وذلك أدناه» أي

ــ

[البناية]

سلمة: لو رفع رأسه وهو لا يشكل على الناظر أنه رفع رأسه، يجوز، ذكرها في " العيون ". وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه إذا رفع رأسه من السجود مقدار ما يمر الريح بينه وبين الأرض جازت صلاته. وروى أبو يوسف عنه إذا رفع مقدار ما سمي به رافعا جاز لوجود الفصل بين السجدتين، قال في " المحيط: وهو الأصح بخلاف الركوع، حيث ترجح بالأكثر، وقيل: إذا أزيلت جبهته عن الأرض ثم عادت جاز، ذكره المرغيناني، وفي " الروضة ": لا يجوز ذلك عندهما.

وفي " جمل النوازل ": يستحب البكاء في السجود لأنه تعالى أثنى بقوله: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58](مريم: الآية 58) ، ويسن النظر إلى أرنبة الأنف فيه، وفي " فتاوى الظاهرية ": وليس بين السجدتين ذكر مسنون. وعن الحسن بن أبي مطيع أنه يقول: سبحان الله والحمد لله أستغفر الله العظيم. وعند الشافعي: يستحب أن يدعو في جلوسه بين السجدتين لما روى حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول بينهما: «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وعافني وارزقني» وفي "تتمتهم": ولا يتعين عليه دعاء، ولكن يستحب أن يدعو كما وردت به السنة.

قلنا: هذا كله وارد في التهجد لا في الفرائض والأمر فيه واسع.

فإن قلت: ما الحكمة في تكرار السجود دون الركوع.

قلت: مذهب الفقهاء أنه تعبد لا يطلب فيه المعنى كعدد الركعات، والسجدة الثانية فرض كالأولى بالإجماع، والجلوس بينهما قدر التسبيح، وأما عند أهل الحكمة فقد اختلفوا فيه فقيل: ترغيما للشيطان؛ فإنه أمر بالسجود فلم يفعل، فنحن نسجد مرتين ترغيما له، وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم في سجود السهو، وقال: هما سجدتان ترغيما للشيطان، وقيل: الأولى إشارة إلى أنه خلق من الأرض والثانية إشارة إلى أنه يعود إليها، قال تعالى:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55](طه: الآية 55) وقيل: لما أخذ الله الميثاق على ذرية آدم عليه السلام حيث قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 172](الأعراف: الآية 172) ، أمرهم بالسجود تصديقا لما قالوا، فسجد الملائكة والمؤمنون كلهم ولم يسجد الكفار، فلما رفعوا رؤوسهم ورأوهم لم يسجدوا، سجدوا ثانيا شكرا لما وفقهم الله تعالى، صار المفروض سجدتين وذلك أدناه، وقد استقصينا الكلام فيه عند ذكر الركوع.

(لقوله عليه السلام «إذا سجد أحدكم فليقل في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثلاثا، وذلك أدناه؛» أي

ص: 248

أدنى كمال الجمع. ويستحب أن يزيد على الثلاث في الركوع والسجود بعد أن يختم بالوتر؛ «لأنه عليه الصلاة والسلام: "كان يختم بالوتر» وإن كان إماما لا يزيد على وجه يمل القوم حتى لا يؤدي إلى التنفير، ثم تسبيحات الركوع والسجود سنة لأن النص تناولهما دون تسبيحاتهما، فلا يزاد على النص. والمرأة تنخفض في سجودها وتلزق بطنها بفخذيها؛ لأن ذلك أستر لها. قال: ثم يرفع رأسه من السجدة

ــ

[البناية]

أدنى كمال الجمع) ش: وقد تقدم الحديث هناك، ووقع في أكثر النسخ: وإذا سجد أحدكم، بواو العطف، عطف على قوله عليه السلام إذا ركع أحدكم؛ لأنها في حديث واحد وإنما ذكره المصنف رحمه الله مقطعا لأن نصفه الركوع ونصفه السجود.

(ويستحب أن يزيد على الثلاث) ش: أي ثلاث تسبيحات بأن يقول خمسا أو سبعا أو تسعا، وهي سنة عند أكثر العلماء، وقال أبو مطيع تلميذ أبي حنيفة رحمه الله: فرض، ولم يجزه أقل من ثلاث، فقال أحمد وداود: ويستحب مرة إذ الأمر لا يوجب التكرار، إلا أن عند أحمد إذا تركه ناسيا لا تبطل صلاته، وعنه ولو كان عامدا.

(في الركوع والسجود بعد أن يختم بالوتر) ش: أي بعد أن يختم تسبيحه بالأوتار كما قلنا م: (لأن النبي عليه السلام كان يختم بالوتر) ش: يعني في تسبيحات الركوع والسجود، وهذا الحديث غريب جدا م:(وإن كان المصلي إماما لا يزيد على وجه يمل القوم) ش: بضم الياء من الإملال، والقوم منصوب على المفعولية (حتى لا يؤدي إلى التنفير) ش: أي حتى لا يؤدي مجاوزته عن الثلاث إلى تنفير الجماعة، وعن سفيان: يقول الإمام خمسا حتى يمكن القوم من الثلاث.

م: (ثم تسبيحات الركوع والسجود سنة) ش: عند أكثر العلماء، والآن مضى الكلام فيه (لأن النص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] م: (الحج: الآية 77) . م: (تناولهما) ش: أي تناول الركوع والسجود م: (دون تسبيحاتهما) ش: أي لم يتناول تسبيحات الركوع والسجود. م: (فلا يزداد على النص) ش: بخبر الواحد وهو قوله عليه السلام: «اجعلوها في ركوعكم واجعلوها في سجودكم» قالوا: إنما قال ذلك حين نزل قَوْله تَعَالَى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74]، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] (الأعلى: الآية 1) ، وإنما لا يزاد على النص بخبر الواحد لأنها تكون نسخا فلا يجوز، ويؤيده أنه عليه الصلاة والسلام لما علم الأعرابي واجبات الصلاة لم يعلمه تسبيحات الركوع والسجود، ولأنه ذكر جائز على كل حال فيكون كالتأمين، وهذا لأن مبنى الفرائض على الشهرة والإعلان، ومبنى التطوعات على الخفية والكتمان.

م: (والمرأة تنخفض في سجودها وتلزق بطنها) ش: أي تلصق بطنها (بفخذيها لأن ذلك) ش: أي الانخفاض والإلزاق (أستر لها) ش: أي لأن مبنى حالها على الستر.

م: (قال) ش: أي القدوري (ثم يرفع رأسه من السجدة) ش: وقد بينا مقدار الرفع، ويذكره

ص: 249

ويكبر؛ لما روينا، فإذا اطمأن جالسا كبر وسجد؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث الأعرابي:«ثم ارفع رأسك حتى تستوي جالسا» ولو لم يستو جالسا وكبر وسجد أخرى أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقد ذكرناه، وتكلموا في مقدار الرفع. والأصح أنه إذا كان إلى السجود أقرب لا يجوز؛ لأنه يعد ساجدا، وإن كان إلى الجلوس أقرب جاز؛ لأنه يعد جالسا، فتتحقق الثانية، قال: فإذا اطمأن ساجدا كبر، وقد ذكرناه، واستوى قائما على صدور قدميه، ولا يقعد ولا يعتمد بيديه على الأرض،

ــ

[البناية]

المصنف على ما يجيء الآن، وقوله (ويكبر) ش: حال (لما روينا) : أشار به إلى قوله «أن النبي عليه السلام كان يكبر عند كل خفض ورفع» .

م: (فإذا اطمأن جالسا) ش: أي حال كونه جالسا عقيب السجدة الأولى (كبر وسجد) ش: السجدة الثانية، وقد ذكرنا أن الجلوس بين السجدتين قدر تسبيحة (لقوله عليه السلام في حديث الأعرابي:«ثم ارفع رأسك حتى تستوي جالسا» ش: وقد تقدم حديث الأعرابي مستقصى، وفيه: ثم اجلس حتى تطمئن جالسا، وعند النسائي:«ثم ارفع رأسك حتى تطمئن قاعدا» وعند البيهقي: «حتى تطمئن جالسا» .

م: (ولو لم يستو جالسا وسجد أخرى) ش: أي لو لم يستو في الجلوس بعد السجدة الأخرى (أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقد ذكرناه) ش: أي في قوله: وأما الاستواء قائما فليس بفرض، وكذا الجلسة بين السجدتين.

م: (وتكلموا في مقدار الرفع) ش: يعنى قد تكلم علماؤنا في مقدار الرفع الذي يكون فاصلا بين السجدتين فقال بعضهم: إذا زالت جبهته عن الأرض ثم أعادها جاز، وعن القدوري: أدنى ما يطلق عليه اسم الرفع، وهو رواية عن أبي يوسف، وفيه أقوال أخرى قد ذكرناها عن قريب، وأشار المصنف إلى الأصح من ذلك بقوله: م: (والأصح أنه إذا كان إلى السجود أقرب لا يجوز) ش: أي سجوده م: (لأنه يعد ساجدا وإن كان إلى الجلوس أقرب جاز لأنه يعد ساجدا وإن كان إلى الجلوس أقرب جاز لأنه يعد جالسا) ش: فتتحقق السجدة الثانية.

م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإذا اطمأن ساجدا كبر، وقد ذكرناه) ش: أراد بأنه عليه الصلاة والسلام كان يكبر عند كل خفض ورفع، وفي حديث مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه «أنه كان يكبر كلما خفض ورفع، ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك» م: (واستوى قائما على صدور قدميه ولا يقعد ولا يعتمد بيديه على الأرض) ش: يعني بعد رفع رأسه من السجدة الثانية، وفي " جمل النوازل ": جلسة الاستراحة مكروهة عندنا لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا ينهضون على صدور أقدامهم.

م: (ولا يعتمد بيديه على الأرض) ش: بأن يعتمد براحتيه على الأرض، منصوص عليه عن أبي

ص: 250

وقال الشافعي رحمه الله: يجلس جلسة خفيفة، ثم ينهض معتمدا على يديه على الأرض، لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام فعل ذلك. ولنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه «أن النبي عليه الصلاة والسلام: "كان ينهض في الصلاة معتمدا على صدور قدميه» .

ــ

[البناية]

حنيفة رحمه الله وفي " الوبري ": لا بأس بأن يعتمد على الأرض عند النهوض من غير فصل، وقال مالك: ينهض على صدور قدميه من غير اعتماد، وهو قول أحمد رحمه الله.

م: (وقال الشافعي يجلس جلسة خفيفة ثم ينهض معتمدا على يديه على الأرض لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك) ش: أي الاعتماد على الأرض، والمروي هنا ما أخرجه البخاري «عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في الوتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا» .

وقال النووي: وقال الأكثر: لا يستحب ذلك؛ أي الجلسة بعد السجدة الثانية، قال: حكاه ابن المنذر عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، وأبي الزناد والثوري والنخعي ومالك وإسحاق وأحمد، وقال النعمان بن أبي عياش: أدركت غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هذا، وقال أحمد: أكثر الأحاديث على هذا، ولم يذكر ذلك في حديث المسيء في صلاته. وقال أبو إسحاق المروزي والشافعي: إن كان ضعيفا جلس للاستراحة وإن كان قويا لا يجلس، وقال الإمام حميد الدين في "شرحه " ناقلا عن شمس الأئمة الحلوائي: الخلاف في الأفضلية حتى إذا جلس لا بأس به عندنا، وإذا لم يجلس لا بأس به عند الشافعي.

م: (ولنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه «أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينهض في الصلاة معتمدا على صدور قدميه» ش: هذا الحديث رواه الترمذي عن خالد بن إياس عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهض في الصلاة على صدور قدميه» وقال الترمذي: هذا حديث عليه العمل عند أهل العلم.

فإن قلت: خالد ويقال ابن إياس وقيل إلياس، ضعيف ضعفه البخاري والنسائي وأحمد وابن معين.

قلت: قاله الترمذي، ومع ضعفه يكتب حديثه، ويقويه ما روي عن الصحابة في ذلك، فأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه ولم يجلس، وأخرج نحوه عن علي وابن الزبير وعمر بن الخطاب رضي الله

ص: 251

وما رواه محمول على حالة الكبر، ولأن هذه قعدة استراحة، والصلاة ما وضعت لها.

ويفعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الركعة الأولى؛ لأنه تكرار الأركان، إلا أنه لا يستفتح ولا يتعوذ، لأنهما لم يشرعا إلا مرة واحدة. ولا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى، خلافا للشافعي رحمه الله في الركوع وفي الرفع منه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:«لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: تكبيرة الافتتاح، وتكبيرة القنوت، وتكبيرات العيدين» . وذكر الأربع في الحج والذي يروى من الرفع محمول على الابتداء. كذا نقل عن ابن الزبير رضي الله عنه.

ــ

[البناية]

تعالى عنهم وأخرج عن الشعبي قال: كان عمر وعلي وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهضون في الصلاة على صدور أقدامهم. وأخرج عن النعمان عن ابن عباس قال: أدركت غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع أحدهم رأسه من السجود الثاني في الركعة الأولى ينهض كما هو ولم يجلس. وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه " عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر نحوه. وأخرج البيهقي عن عبد الرحمن بن يزيد أنه رأى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقوم على صدور قدميه في الصلاة ولم يجلس إذا صلى في أول ركعة حتى يقضي السجود.

م: (وما رواه محمول على حالة الكبر) ش: وما رواه الشافعي وهو حديث مالك بن الحويرث محمول على فعله عليه السلام بعدما كبر وأسن، وفيه تأمل، لأن نهاية عمر النبي عليه السلام ثلاث وستون سنة، وفي هذا القدر لا يعجز الرجل عن النهوض، اللهم إذا كان لعذر مرض أو جراحة أو نحوها.

والدليل الثاني أوجه وهو قوله: م: (ولأن هذه قعدة استراحة والصلاة ما وضعت لها) ش: أي للاستراحة، بل هي مشقة في نفسها، ولأنه اعتمد على غيره في صلاته فيكون مسيئا قياسا على ما قالوا: لو اتكأ على حائط أو على عصا، بخلاف ما لو اعتمد على ركبتيه.

م: (ويفعل في الركعة الثانية) ش: أي يفعل المصلي في الركعة الثانية م: (مثل ما فعل في الأولى) ش: أي في الركعة الأولى (لأنه) ش: أي لأن الركعة الثانية، وذكر الضمير باعتبار الخبر وهو قوله:(تكرار الأركان) ش: والتكرار يقتضي إعادة الأولى، وكان ينبغي أن يزاد عليه ولا ينوي ولا يكبر للإحرام.

م: (إلا أنه لا يستفتح ولا يتعوذ لأنهما لم يشرعا إلا مرة واحدة، ولا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى؛ خلافا للشافعي رحمه الله في الركوع والرفع منه، لقوله عليه السلام: «لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: تكبيرة الافتتاح، وتكبيرة القنوت، وتكبيرات العيدين» . وذكر الأربع في الحج، والذي يروى من الرفع محمول على الابتداء، كذا نقل عن ابن الزبير رضي الله عنه) ش: أي إلا أن المصلي لا يقول: سبحانك اللهم، اهـ. وهذا الدعاء يسمى الاستفتاح، وعلى هذا قيل: لكل صلاة مفتاح وافتتاح

ص: 252

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

واستفتاح، فمفتاح الصلاة الطهور، وافتتاحها تكبيرة الإحرام، واستفتاحها سبحانك اللهم اهـ، وأخرجه الترمذي أيضا.

وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه ابن ماجه والطحاوي عنه، قال:«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الصلاة حذاء منكبيه حين يفتتح الصلاة وحين يركع وحين يسجد» .

وبحديث وائل بن حجر قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين يكبر للصلاة وحين يركع وحين يرفع رأسه من الركوع يرفع يديه حذاء أذنيه» أخرجه أبو داود والنسائي.

وبحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخرجه الأربعة وفيه: «ورفع يديه حذو منكبيه، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته إذا أراد أن يركع، ويضعه إذا فرغ ورفع من الركوع» واحتج أصحابنا بحديث البراء بن عازب قال: «كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا كبر لافتتاح الصلاة رفع يديه حتى يكون إبهاماه قريبا من شحمتي أذنيه ثم لا يعود» أخرجه أبو داود والطحاوي من ثلاث طرق، وابن أبي شيبة في "مصنفه " ومحمد بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود» أخرجه أبو داود والطحاوي وابن أبي شيبة في "مصنفه ".

وبالحديث الذي ذكره المصنف ولكنه بغير اللفظ الذي ذكره، فروى البخاري معلقا في كتابه المفرد في "رفع اليدين" وقال: قال وكيع: عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: في افتتاح الصلاة، وفي استقبال الكعبة، وعلى الصفا والمروة وبجمع، وفي المقامين، وعند الجمرتين» ، رواه البزار عن نعيم عن ابن عباس.

وعن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ترفع الأيدي في سبع مواطن: افتتاح الصلاة واستقبال البيت، والصفا والمروة، والموقفين وعند الحجر» . ورواه الطبراني في "معجمه " عن نعيم عن ابن عباس عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: حين يفتتح الصلاة، وحين يدخل المسجد الحرام فينظر إلى البيت، وحين يقوم على الصفا والمروة مع الناس عشية عرفة وبجمع والمقامين حين يرمي الجمرة» ورواه ابن أبي شيبة موقوفا في "مصنفه" حدثنا ابن فضيل عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «ترفع الأيدي في سبع مواطن: إذا قام إلى الصلاة، وإذا رأى البيت، وعلى الصفا والمروة، وفي جمع، وفي عرفات، وعند الجمار» . وقال السروجي: ورواية أصحابنا في كتب الفقه: لا يرفع الأيدي إلا في سبع مواطن.

ص: 253

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

قلت: ليس كما قاله؛ فإن اللفظين رويا كما ذكرناه، قول المصنف، وذكر الأربع في الحج: وهي عند استلام الحجر، وعند الصفا والمروة، وفي الموقفين، وعند الجمرتين، وعند المقامين، والمتنازع فيه خارج عن السبع على ما ذكره البخاري والبزار والطبراني وغيرهم، فانظر إلى باقي رواياتهم هل تجد فيها ذكر رفع اليدين عند القنوت؟ وإنما يوجد هذا عند أصحابنا في كتبهم، منهم المصنف، ويذكر رفع اليدين عند تكبيرة تكون المواطن ثمانية، وسنذكر بقية الكلام فيه في باب صلاة الوتر إن شاء الله تعالى.

واستدل أصحابنا بحديث جابر بن سمرة قال: «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي أراكم رافعين أيديكم كأنها أذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة» ، أخرجه مسلم.

فإن قالوا في حديث البراء: قال أبو داود: روى هذا الحديث هشيم وخالد بن إدريس عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلي عن البراء، ولم يذكروا: ثم لا يعود، وقال الخطابي: لم يقل رجل في هذا: ثم لا يعود، غير شريك، وقال أبو عمر في " التمهيد ": تفرد به يزيد ورواه عنه الحفاظ فلم يذكر واحد منهم قوله: ثم لا يعود وقال البراز: لا يصح حديث يزيد في رفع اليدين: ثم لا يعود، وقال عباس الدوري عن يحيى: ليس هو بصحيح الإسناد. وقال البيهقي عن أحمد: هذا حديث واه، قد كان يزيد يحدث به لا يذكر: ثم لا يعود، فلما كبر أخذ يذكره فيه. وقال جماعة: إن يزيد يحدث به لا يذكر: ثم لا يعود، فلما لقن أخذ يذكره فيه.

وقال غيره: إن يزيد كان تغير بآخره وصار يتلقن، واحتجوا على ذلك بأنه أنكر الزيادة كما أخرجه الدارقطني عن علي بن عاصم: ثنا محمد بن أبي ليلى عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه» فقلت: أخبرني ابن أبي ليلى أنك قلت: ثم لم يعد، قال: لا أحفظ هذا، ثم عاودته فقال: لا أحفظه.

وقال البيهقي: سمعت الحاكم أبا عبد الله يقول: يزيد بن أبي زياد كان يذكر الحفظ، فلما كبر نسي حفظه، وكان يقلب عليه الأسانيد ويزيد في المتون ولا يميز.

قلت: تعارض قول أبي داود وقول ابن عدي في " الكامل " رواه هشيم وشريك وجماعة معهما عن يزيد بإسناده، وقالوا فيه: لم يعد، يظهر أن شريكا لم يتفرد برواية هذه الزيادة، فسقط

ص: 254

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

أيضا بذلك كلام الخطابي: لم يقل في هذا: ثم لا يعود غير شريك؛ لأن شريكا قد توقع عليها كما أخرجه الدارقطني عن إسماعيل بن زكريا ثنا يزيد بن أبي زياد نحوه، أخرجه البيهقي في " الخلافيات " من طريق النضر بن شميل عن إسرائيل، هو ابن يونس بن إسحاق عن يزيد بلفظ:«رفع يديه حذو أذنيه ثم لم يعد» وأخرجه الطبراني في " الأوسط " من حديث حفص بن عمر: ثنا حمزة الزيات كذلك، وقال: لم يروه عنه إلا حفص، تفرد به محمد بن حرب.

فإن قلت: تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف.

قلت: لا نسلم ذلك لأن عيسي بن عبد الرحمن رواه أيضا عن ابن أبي ليلى، فلذلك أخرجه الطحاوي إشارة إلى أن يزيد قد توقف في هذا، وأما يزيد في نفسه فهو ثقة يقال جائز الحديث، وقال يعقوب بن سفيان: هو وإن تكلم فيه لتغيره فهو مقبول القول عدل ثقة. وقال أبو داود: ثبت لا أعلم أحدا ترك حديثه، وغيره أحب إلي منه. وقال ابن معين في كتاب " الثقات ": قال أحمد بن صالح: يزيد ثقة ولا يعجبني قول من تكلم فيه. وخرج حديثه ابن خزيمة في "صحيحه".

وقال الساجي: صدوق، وكذا قال ابن حبان، وخرج مسلم حديثه في "صحيحه" واستشهد به البخاري، فإذا كان حاله كذلك جاز أن يحمل أمره على أنه حدث ببعض الحديث تارة وبجملة أخرى، أو يكون قد نسي أولا ثم ذكر.

فإن قلت: إن عارضونا برواية إبراهيم بن بشار عن سفيان: ثنا يزيد بن أبي زياد بمكة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع» . قال سفيان: فلما أتيت الكوفة سمعته يقول: يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود، فظننت أنه يخيره.

قلت: هذا لا يخير لأنه لم يرو هذا المتن بهذه الزيادة غير إبراهيم بن بشار، كذا قال الشيخ في " الإمام " عن الحاكم، وابن بشار، قال النسائي فيه: ليس بالقوي، وذمه أحمد ذما شديدا. وقال ابن معين: ليس بشيء، لم يكن يكتب عند سفيان وما رأيت في يده قلما قط، وكان يحكي على الناس ما لم يقله سفيان، وما رواه البخاري وابن الجارود بالوهم فجاز أن يكون وهم في هذا.

فإن قلت: قال ابن قدامة في " المغني " ما ملخصه: حديث يزيد بن أبي زياد ضعيف، ولئن سلمنا فأحاديثنا ترجح عليه بصحة الإسناد وعند أكثر الرواة، وظن الصدق في الكثير أقوى والغلط منهم أبعد والمثبت يخبر عن شيء شاهده ورواه، والنافي لم ير شيئا فلا يؤخذ بقوله، ورواه حديثا فصلوا في روايتهم ونصبوا في الرفع على الحالتين المختلف فيهما، والمخالف لهم عمم رواية

ص: 255

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

المختلف فيه وغيره، فيجب تقديم أحاديثنا لنصها وخصوصها على أحاديثهم العامة التي لا نص فيها، كما يقدم الخاص على العام والنص على الظاهر المحتمل، والسلف من الصحابة والتابعين تحملوا بها، فدل ذلك كله على قولنا.

قلت: حديث ابن مسعود رضي الله عنه صحيح، نص عليه الترمذي وغيره، وما يذكره الرواة في الترجيح إنما يكون إذا كان راوي الخبر واحدا، وراوي الخبر الذي يعارضه صفة اثنان أو أكثر، فالذي نحن فيه روي عن جماعة، وهم عبد الله بن مسعود والبراء بن عازب وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، فحينئذ تساوت الأخبار في ظن الصدق بقولهم وبعدم الغلط، ولا نسلم تقديم خبر المثبت على خبر النافي مطلقا، وإذا كان خبر النفي عن دليل يوجب العلم به يتساوى مع المثبت فتتحقق المعارضة بينهما، ثم يجب طلب المخلص، فإن كان خبر النافي لا عن دليل يوجب العلم، يقدم خبر المثبت كما في حديث بلال أنه عليه الصلاة والسلام لم يصل في الكعبة، مع حديث ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام صلى فيها عام الفتح، فإنهم اتفقوا أنه عليه الصلاة والسلام ما دخلها يومئذ إلا مرة واحدة، ومن آخر أنه لم يصل فيها فإنه لم يعتمد دليلا موجبا للعلم لأنه لم يعاين صلاته فيها، والآخر عاين ذلك، وكان المثبت أولى من النافي.

وأما الذي نحن فيه عن دليل يوجب العلم به لأن ابن مسعود رضي الله عنه شاهد النبي صلى الله عليه وسلم وعاينه أنه رفع يديه في أول تكبيرة ثم لم يعد، فحينئذ تساويا في القوة والضعف، فكيف يرجح الإثبات على النفي، وكما أن الخاص يوجب الحكم فيما تناوله مطلقا، فكذلك العام يوجب له فيما تناوله مطلقا، وكل واحد من الحديثين نص، فكيف يقال: والنص يقدم على الظاهر المحتمل؟ وأحاديثنا أيضا عمل بها السلف من الصحابة والتابعين، وقد ذكرناه عن قريب.

فإن قلت: حديث ابن مسعود رضي الله عنه معترض فيه بما رواه الترمذي بسنده عن ابن المبارك قال: لم يثبت عندي حديث ابن مسعود أنه عليه السلام لم يرفع يديه إلا في أول مرة، وثبت حديث ابن عمر أنه رفع عند الركوع وعند الرفع وعند القيام من الركعتين.

وقال المنذري: وعبد الرحمن لم يسمع من علقمة قاله. وقال الحاكم: عاصم بن كليب لم يخرج حديثه في " الصحيحين " وكان يختصر الأحكام فيؤديها بالمعنى، وأن لفظة: ثم لا يعود غير محفوظة، قاله البيهقي عن الحاكم.

قلت: عدم ثبوت الخبر عند ابن المبارك لا يمنع ثبوته عند غيره، فقد قال الترمذي: حديث ابن مسعود رضي الله عنه حديث صحيح، وصححه ابن حزم في " المحلى " وهو يدور على عاصم بن كليب وقد وثقه ابن معين، وأخرج له مسلم، فلا يسأل عنه للاتفاق على الاحتجاج به، وقول

ص: 256

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

المنذري غير قادح عن رجل مجهول وهو قول عجيب؛ لأنه تعليل برجل مجهول شهد على النفي، وقال الشيخ في " الإمام " تتبعت هذا القائل فلم أجده، وقد صرح في كتاب " المتفق والمفترق " في ترجمة عبد الرحمن هذا أنه سمع أباه وعلقمة وكذا قال في الحمال سمع عائشة وأباه وعلقمة بن قيس، وعاصم بن كليب وثقه ابن معين، وأنه من رجال الصحيح وقول الحاكم أن حديثه لم يخرج في الصحيح غير صحيح فقد أخرج له مسلم حديثه عن أبي بردة عن الهذلي.

فإن قلت: الحديث الذي ذكره المصنف فيه الحكم عن نعيم قال البخاري: قال شعبة لم يسمع الحكم من نعيم إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها فهو مرسل وغير محفوظ؛ لأن أصحاب نافع خالفوا، وأيضا فهم قد خالفوا هذا الحديث ولم يعتمدوا عليه في تكبيرات العيدين وتكبيرة القنوت.

قلت: قول شعبة مجرد دعوى ولئن سلمنا فمرسل الثقات مقبول يحتج به، وكونهم لم يعتمدوا عليه في تكبيرات العيدين وتكبيرة القنوت لا توجب المخالفة؛ لأن الحديث لا يدل على الحصر.

فإن قالوا: هذا الحديث رواه غير واحد موقوفا وابن أبي ليلى لم يكن بالحافظ. قلنا: ابن أبي ليلى من كبار التابعين أدرك مائة وعشرين رجلا من الصحابة رضي الله عنهم فإن لم يعمل يرفع مثله يعمل يرفع من.

إن قلت: حديث جابر بن سلمة لا يدل على ما ادعيتم؛ لأنه لم يرو لما ذكرتم وإنما ورد لمنع الإشارة؛ لأنهم كانوا يشيرون بأيديهم إلى الجانبين يرون بذلك السلام على من على الجانبين، والدليل على رواية مسلم أيضا عن جابر بن سمرة أنه قال:«كنا إذ صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيده إلى الجانبين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم علام تفعلون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ وإنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من يمينه وشماله» .

وقال النووي: واحتجاجهم بحديث جابر بن سمرة من أعظم الأشياء وأقبح أنواع الجهالة بالسنة؛ لأن الحديث لم يرو في رفع الأيدي في الركوع والرفع عنه، ولكنهم كانوا يرفعون أيديهم في حالة السلام من الصلاة ويشيرون بها إلى الجانبين يريدون بذلك السلام، وهذا لا خلاف بين أهل الحديث ومن له أدنى اختلاط بأهل الحديث، قال ومثله عن البخاري.

قلت: في الحديث الأول إنكار لرفع اليد في الصلاة وأمر بالسكون فيها فكيف يحمل هذا على الإيماء باليد والإشارة بهما بعد السلام كما في الحديث الثاني؟ وليس فيه ذكر رفع الأيدي ولا

ص: 257

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

الأمر بالسكون إذا خرجوا من الصلاة بالسلام، وحديث إنكار رفع اليدين والأمر بالسكون مقيد بداخل الصلاة، وحديث إنكار الإيماء والإشارة بالأيدي مقيد بحال السلام الذي قد خرجوا به من الصلاة، والمقيد بقيد لا يندرج تحته مقيد آخر بقيد آخر، فالحديث الثاني غير الحديث الأول قطعا، فكيف يجعل هو فاتحة بيان يختلفان في الحكم الذي يحمل أحدهما على الآخر بلا دليل مع إنكار إفادتهما تأييد بين منقلبين هو الذي أتي بأعظم الأشياء وأقبح أنواع الجهالة بالسنة، على أن الثوري، ومالك بن أنس شيخ إمام، وأجيد بالحديث، وأعلم بالسنة، وقد رفع اليدين في الصلاة إلا عند التحريمة وهي رواية ابن القاسم عنه ورواية متقدمة على المالكية على جميع أصحابه حتى كانت القضاة بالضرب يكتبون في تقاليدهم أن لا يحكموا إلا برواية ابن القاسم الذي روى من الرفع محمول على الابتداء.

هذا جواب عما احتج به الشافعي من الذي روي من رفع اليدين في الركوع وفي الرفع سنة. وأراد بقوله: - محمول على الابتداء - أنه كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ كذا نقل عن ابن الزبير بن العوام رضي الله عنهما، وابن الزبير من الأسماء العالية على بعض [.....] المسلمين به كابن عمر وابن عباس والذي نقل عن ابن الزبير هو ما نقله البعض «أن ابن الزبير رأى رجلا يرفع يديه في الصلاة عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع فقال له: لا تفعل فإن هذا شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تركه» قال ابن الجوزي في " التحقيق ": زعمت الحنفية أن أحاديث الرفع منسوخة بحديثين رووا.

أحدهما: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه كلما ركع وكلما رفع، ثم صار إلى افتتاح الصلاة ترك ما سوى ذلك» .

والثاني: رووه «عن ابن الزبير أنه رأى رجلا يرفع يديه من الركوع فقال: مه فإن هذا شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تركه» وهذان الحديثان لا يعرفان أصلا، وإنما المحفوظ عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهما خلاف ذلك فأخرج أبو داود عن ميمون، لكن أنه رأى ابن الزبير وصلى بهم يشير بكفيه حين يقوم وحين يركع وحين يسجد، قال: فذهبت إلى ابن عباس فأخبرته بذلك فقال: إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتد بصلاة عبد الله بن الزبير، ولو صح ذلك لم يصح دعوى النسخ؛ لأن شرط الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ.

قلت: قوله: لا يعرفان أصلا لا يستلزم عدم معرفة أصحابنا هذا ودعوى النافي ليست بحجة على المثبت وأصحابنا أيضا ثقات لا يرون الاحتجاج بما لم يثبت عندهم صحته،؛ لأن هذا أمر الدين، فالمسلم لا يستهزئ فيه، ويؤيد ما روي من عدم الرفع عند الركوع وعند الرفع منه ما رواه الطحاوي رحمه الله حديث ابن أبي داود قال: أنبأ أحمد بن عبد الله بن يونس قال: ثنا أبو بكر

ص: 258

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

بن عياش، عن حصين، عن مجاهد قال: صليت خلف ابن عمر رضي الله عنه فلم يكن يرفع يديه في التكبير الأول من الصلاة.

قال الطحاوي: فهذا ابن عمر قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع ثم ترك هو الرفع بعد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخ ما قد كان رأى النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وإسناد ما رواه الطحاوي صحيح وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة في "مصنفه " ثنا أبو بكر بن عياش، عن مجاهد قال: ما رأيت ابن عمر يرفع يديه إلا في أول ما يفتح.

فإن قلت: هذا حديث مسند؛ لأن طاوسا قد ذكر أنه رأى ابن عمر يفعل ما يوافق ما روي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك.

قلت: يجوز أن يكون ابن عمر فعل ما رواه طاوس يفعلها قبل أن تقوم الحجة عنده بنسخه، ثم قامت الحجة عنده بنسخه فيه له وفعل ما ذكره عنه مجاهد وهكذا ينبغي أن يحمل ما روى عنهم وينفي عنهم الوهم حتى يتحقق ذلك، ولا يكثر أكثر الروايات.

وأما الجواب عن أحاديث الخصم فنقول: أما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فإنه روي عنه خلاف ذلك فقال الطحاوي: أما ابن أبي داود إلى آخر ما ذكرناه الآن.

أما حديث أبي حميد الساعدي، فإن أبا داود وقد أخرجه من وجوه كثيرة أحدها عن أحمد بن حنبل، وليس فيه ذكر رفع اليدين عند الركوع والطريق الذي فيه عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد في عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. الحديث، وعبد الحميد عندهم ضعيف فكيف يحتجون به في مثل هذا الموضع في معرض الاحتجاج على خصمهم؟ وقالوا: عبد الحق مطعون في حديثه، روى ذلك عن يحيى بن معين، وهو إمام في هذا الباب.

فإن قلت: عبد الحميد من رجال مسلم، واحتجت به الأربعة، واستشهد به البخاري في "الصحيح "، وعن أحمد ويحيى: ثقة.

قلت: إن سلمنا ذلك ولكن الحديث معلول بحجة أخرى، وهو محمد بن عمرو بن عطاء لم يسمع هذا الحديث من أبي حميد بن عدي، ولا ممن ذكر معه في هذا الحديث مثل: أبي قتادة وغيره، وذلك؛ لأن سنده لا يحتمل ذلك؛ لأن أبا قتادة قتل مع على رضي الله عنه وصلي عليه كذا قال الهيثم بن عدي.

وقال ابن عبد البر: هو الصحيح، وقيل: توفى بالكوفة سنة ثمان وثلاثين، ومحمد بن عمرو بن عطاء توفي في خلافة وليد بن يزيد بن عبد الملك، وكانت خلافته في سنة خمس وعشرين ومائة، ولهذا قاله ابن حزم ولعله وهم يعني عبد الحميد.

ص: 259

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

فإن قلت: قال البيهقي في " المعرفة " حكم البخاري في "تاريخه " أنه سمع أبا حميد، وأبا قتادة، وابن عباس رضي الله عنهم وقوله: - قتل مع على - رواية شاذة رواه الشعبي، والصحيح الذي أجمع عليه أهل التاريخ أنه بقي إلى سنة أربع وخمسين، ونقله عن الترمذي، والواقدي، والليث، وابن منده.

قلت: القائل بأنه لم يسمع من أبي حميد هو بين الحجة في هذا الباب، وهو قول الهيثم بن عدي، وهذا صححه ابن عبد البر، فكيف يقول البيهقي هذه رواية شاذة، فلم لا يجوز أن تكون رواية البخاري شاذة؟ بل هي شاذة بلا شك؛ لأن قوله لا يرجح على قول الشعبي، والهيثم بن عدي، وفي هذا الحديث علة أخرى وهي أن بين محمد بن عمرو بن عطاء، وبين أبي حميد رجل مجهول، بين ذلك الطحاوي، فقال: حدثنا سهيل بن سليمان، ثنا يحيى وسعيد بن أبي مريم، قال: ثنا عطاف بن خالد، قال: حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء، قال حدثنا رجل أنه وجد عشرة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام جلوسا.. الحديث. وعطاف وثقة ابن معين، وعنه صالح، وليس به بأس. وقال أحمد: من أهل مكة ثقة صحيح الحديث.

والدليل على أن بينهما واسطة أن أبا حاتم بن حبان أخرج هذا الحديث في "صحيحه" من طريق عيسى بن عبد الله، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عباس بن سهل الساعدي أنه كان في مجلس فيه أبوه، وأبو هريرة، وأبو أسيد، وأبو حميد الساعدي. الحديث، وذكر المزني، ومحمد بن طاهر المقدسي في أطرافها، عن أبي داود أخرجه من هذا الطريق، فظهر من ذلك أن هذا الحديث منقطع ومضطرب السند والمتن أيضا.

وأما حديث أبي هريرة فإنه من طريق إسماعيل بن عياش عن صالح بن كيسان وهم لا يجعلون إسماعيل فيما روى عن غير الشاميين حجة، فكيف يحتجون على خصمهم بما لو احتج بمثله عليهم لم يسوغني إياه، وقال [......] إسماعيل في الشاميين غاية وخلط عن المدنيين وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن حبان: كثير الخطأ في حديثه، فخرج عن حد الاحتجاج به. وقال ابن خزيمة لا يحتج به.

وأما حديث وائل بن حجر فقد ضاده ما رواه إبراهيم النخغي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أنه لم يكن رأى النبي عليه الصلاة والسلام نقل مما ذكرنا من رفع اليدين من غير تكبيرة الإحرام فعبد الله أقدم صحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأفهم بأفعاله من وائل، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون ليحفظوا عنه، وكان عبد الله أكثر الولوج على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووائل بن حجر أسلم في المدينة في سنة تسع من الهجرة وبين إسلامهما اثنان وعشرون سنة، فحينئذ حفظ ابن مسعود رضي الله عنهما لم يحفظه وائل وأمثاله، ولهذا قال إبراهيم للمغيرة حين

ص: 260

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

قال: إن وائلا حدث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، إن كان وائل رآه مرة يفعل ذلك فقد رآه عبد الله خمسين مرة لا يفعل ذلك.

فإن قلت: ما ذكرتموه عن إبراهيم لم يدرك عبد الله؛ لأن عبد الله توفي سنة اثنين وثلاثين من الهجرة بالمدينة، وقيل: بالكوفة وولد إبراهيم سنة خمسين كما صرح به ابن حبان.

قلت: كانت عادة إبراهيم إذا أرسل حديثا عن عبد الله لم يرسله إلا بعد صحته عنده من الرواة عنه بعد تكاثر الرواة عنه، ولا شك أن خبر الجماعة أقوى من خبر الواحد وأولى.

وأما حديث علي رضي الله عنه المذكور فقد روي عنه ما ينافيه ويعارضه أيضا فإن عاصم بن كليب روى عن أبيه أن عليا رضي الله عنه كان يرفع يديه في تكبيره من الصلاة، ثم لا يرفعه فقد رواه الطحاوي، وأبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه "، ولا يجوز لعلي رضي الله عنه أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع ثم يترك هو الرفع بعده، ولا يجوز ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخ الرفع في غير تكبيرة الإحرام؛ لأن هذا هو حسن الظن بالصحابة، وحديث عاصم بن كليب صحيح على شرط مسلم.

وفي سنن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عبد الله بن المبارك، عن الأعمش، عن الشعبي أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يرفعهما فيما بقي. وعن شعبة، عن أبي إسحاق قال: كان أصحاب عبد الله وأصحاب علي رضي الله عنهم لا يرفعون أيديهم إلا في افتتاح الصلاة.

وقال وكيع: ثم لا يعودون، وعن إبراهيم أنه كان يقول: إذا كبرت في فاتحة الكتاب فارفع يديك، ثم لا ترفعهما فيما بقي وبغيره عن إبراهيم: لا ترفع يديك إلا في افتتاح الأولى.

وعن طلحة، عن خيثمة كان لا يرفع يديه إلا في بدء الصلاة. وعن يحيى بن سعيد، عن إسماعيل كان قيس يرفع يديه أول ما يدخل في الصلاة، ثم لا يرفعهما.

وعن مسلم الجهني قال كان ابن أبي ليلى يرفع يديه في أول شيء إذا كبر، قال عبد الملك: ورأيت الشعبي، وإبراهيم، وأبا إسحاق لا يرفعون أيديهم إلا حين يفتتحون الصلاة، ذكر ذلك كله أبو بكر بن أبي شيبة. ويحكى في " المبسوط " أن الأوزاعي لقي أبا حنيفة في المسجد الحرام فقال: ما بال أهل العراق لا يرفعون أيديهم عند الركوع، وعند رفع الرأس من الركوع، وقد حدثني الزهري، عن سالم، عن ابن عمر أنه عليه السلام كان يرفع يديه عندهما، فقال أبو حنيفة حدثني حماد، عن إبراهيم النخغي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم «أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يرفع يديه عند تكبيرة الافتتاح ثم لا يعود» .

قال عجبا من أبي حنيفة أحدثه بحديث الزهري عن سالم، وهو يحدثني بحديث حماد عن إبراهيم، فأشار إلى علو إسناده.

ص: 261