المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[البسملة في الصلاة] - البناية شرح الهداية - جـ ٢

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصلاة

- ‌[تعريف الصلاة]

- ‌باب المواقيت

- ‌أول وقت الفجر

- ‌[وقت صلاة الفجر]

- ‌[آخر وقت صلاة الفجر]

- ‌أول وقت الظهر

- ‌[وقت صلاة الظهر]

- ‌[آخر وقت الظهر]

- ‌أول وقت العصر

- ‌[وقت صلاة العصر]

- ‌[آخر وقت العصر]

- ‌[وقت صلاة المغرب]

- ‌[أول وقت المغرب وآخره]

- ‌أول وقت العشاء

- ‌[وقت صلاة العشاء]

- ‌آخر وقت العشاء

- ‌[وقت صلاة الوتر]

- ‌فصل ويستحب الإسفار بالفجر

- ‌[الإبراد بالظهر وأخير العصر في الصيف]

- ‌[تعجيل المغرب]

- ‌تأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل

- ‌فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة

- ‌باب الأذان

- ‌[حكم الأذان]

- ‌صفة الأذان

- ‌[ما يشرع له الأذان من الصلوات]

- ‌[زيادة الصلاة خير من النوم في أذان الفجر]

- ‌[ما يسن في الأذان والإقامة]

- ‌[شروط المؤذن]

- ‌[ما يستحب لمن سمع الأذان]

- ‌[التثويب في أذان الفجر]

- ‌[الفصل بين الأذان والإقامة]

- ‌[ما ينبغي للمؤذن والمقيم]

- ‌[أذان الجنب]

- ‌[الأذان قبل دخول الوقت]

- ‌المسافر يؤذن ويقيم

- ‌باب شروط الصلاة التي تتقدمها

- ‌ الطهارة من الأحداث والأنجاس

- ‌[ستر العورة]

- ‌عورة الرجل

- ‌[عورة الحرة]

- ‌[عورة الأمة]

- ‌[صلاة العريان]

- ‌[النية من شروط الصلاة]

- ‌[تعريف النية]

- ‌[استقبال القبلة من شروط الصلاة]

- ‌ حكم من اشتبهت عليه القبلة

- ‌باب في صفة الصلاة

- ‌فرائض الصلاة

- ‌[تكبيرة الإحرام]

- ‌[القيام في صلاة الفرض]

- ‌[قراءة القرآن والركوع والسجود في الصلاة]

- ‌[القعدة في آخر الصلاة والتشهد والسلام]

- ‌[سنن الصلاة]

- ‌[رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام]

- ‌[وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة]

- ‌[دعاء الاستفتاح]

- ‌[حكم الاستعاذة في الصلاة]

- ‌[البسملة في الصلاة]

- ‌[الواجب من القراءة في الصلاة]

- ‌[قول المأموم آمين]

- ‌[التكبير قبل الركوع وبعد الرفع منه]

- ‌[قول سبحان ربي العظيم في الركوع]

- ‌قول: سمع الله لمن حمده

- ‌[قول سبحان ربي الأعلى في السجود]

- ‌[الافتراش عند التشهد الأوسط]

- ‌[التشهد الأوسط وصيغته]

- ‌[القراءة في الأخيرتين بفاتحة الكتاب فقط]

- ‌[الصلاة على النبي في التشهد الأخير]

- ‌[حكم الصلاة على النبي خارج الصلاة]

- ‌[الدعاء بعد التشهد الأخير وقبل السلام]

- ‌[كيفية الصلاة على النبي]

- ‌[الحكم لو ترك بعض التشهد وأتى بالبعض]

- ‌فصل في القراءة

- ‌[الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة والتي يسر فيها]

- ‌[المنفرد هل يجهر بصلاته أم يسر فيها]

- ‌[الإسرار بالقراءة في الظهر والعصر]

- ‌[الجهر في الجمع بعرفة]

- ‌[الجهر في الجمعة والعيدين]

- ‌[تطوعات النهار سرية]

- ‌[حكم من قرأ في العشاء في الأوليين السورة ولم يقرأ بالفاتحة]

- ‌أدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة

- ‌[مقدار القراءة في الصلوات الخمس]

- ‌[قراءة نفس السورة مع الفاتحة في الركعة الثانية]

- ‌[تعيين سورة أو آية من القرآن لشيء من الصلوات]

- ‌[قراءة المؤتم خلف الإمام]

- ‌باب في الإمامة

- ‌[حكم صلاة الجماعة]

- ‌أولى الناس بالإمامة

- ‌[إمامة العبد والفاسق والأعمى وولد الزنا]

- ‌[تخفيف الإمام في الصلاة]

- ‌[إمامة المرأة للنساء في صلاة الجماعة]

- ‌[موقف الإمام والمأموم في الصلاة]

- ‌[إمامة المرأة والصبي في الصلاة]

- ‌[إمامة الصبي في النوافل كالتراويح ونحوها]

- ‌[كيفية ترتيب الصفوف في الصلاة]

- ‌[محاذاة المرأة للرجل في الصلاة]

- ‌[حضور النساء للجماعات]

- ‌[صلاة الصحيح خلف صاحب العذر]

- ‌[صلاة القارئ خلف الأمي]

- ‌[صلاة المكتسي خلف العاري]

- ‌[إمام المتيمم للمتوضئين]

- ‌[صلاة القائم خلف القاعد]

- ‌[صلاة المفترض خلف المتنفل والعكس]

- ‌ اقتدى بإمام ثم علم أن إمامه محدث

- ‌[إمامة الأمي]

- ‌باب الحدث في الصلاة

- ‌[حكم من ظن أنه أحدث فخرج من المسجد ثم علم أنه لم يحدث]

- ‌[حكم الحدث من الإمام أو المأموم في الصحراء]

- ‌[الحكم لو حصر الإمام عن القراءة فقدم غيره]

- ‌[رؤية المتيمم للماء أثناء الصلاة]

- ‌[حكم من أحدث في ركوعه أو سجوده]

- ‌[حكم من أم رجلا واحدا فأحدث]

- ‌باب ما يفسد الصلاة، وما يكره فيها

- ‌[حكم الكلام في الصلاة]

- ‌[التنحنح في الصلاة]

- ‌[تشميت العاطس في الصلاة]

- ‌[الفتح على الإمام]

- ‌[حكم الفتح على الإمام]

- ‌[حكم من صلى ركعة من الظهر ثم افتتح العصر]

- ‌[حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق في الصلاة]

- ‌[اتخاذ السترة ومرور المرأة ونحوها بين يدي المصلي]

- ‌[اتخاذ المصلي للسترة في الصحراء]

- ‌ وسترة الإمام سترة للقوم

- ‌[دفع المصلي المار بين يديه]

- ‌[فصل في العوارض التي تكره في الصلاة]

- ‌ العبث في الصلاة

- ‌[التخصر في الصلاة]

- ‌ الالتفات في الصلاة

- ‌[الإقعاء في الصلاة]

- ‌[رد السلام للمصلي]

- ‌[التربع للمصلي]

- ‌[لا يصلي وهو معقوص الشعر]

- ‌[كف الثوب في الصلاة]

- ‌[الأكل والشرب في الصلاة]

- ‌[الحكم لو صلى وفوقه أو بين يديه أو بحذائه تصاوير]

- ‌[اتخاذ الصور في البيوت وقتل الحيات في الصلاة]

- ‌فصل ويكره استقبال القبلة بالفرج في الخلاء

- ‌ المجامعة فوق المسجد والبول والتخلي

- ‌[أحكام المساجد]

- ‌[إغلاق باب المسجد]

- ‌باب صلاة الوتر

- ‌[حكم صلاة الوتر]

- ‌[عدد ركعات الوتر]

- ‌[أحكام القنوت في الصلاة]

- ‌[القراءة في صلاة الوتر]

- ‌[القنوت في الوتر]

- ‌[حكم من أوتر ثم قام يصلي يجعل آخر صلاته وترا أم لا]

- ‌باب النوافل

- ‌[عدد ركعات التطوع المرتبطة بالصلوات وكيفيتها]

- ‌فصل في القراءة

- ‌[حكم القراءة في الفرض]

- ‌[حكم القراءة في صلاة النفل]

- ‌[صلاة النافلة على الدابة وفي حال القعود]

- ‌[حكم السنن الرواتب]

- ‌فصل في قيام شهر رمضان

- ‌[حكم صلاة التراويح وكيفيتها]

- ‌[صلاة الوتر جماعة في غير رمضان]

- ‌باب إدراك الفريضة

- ‌[حكم من أقيمت عليه الصلاة وهو في صلاة نفل]

- ‌[حكم من انتهى إلى الإمام في صلاة الفجر وهو لم يصل ركعتي الفجر]

- ‌باب قضاء الفوائت

- ‌[كيفية قضاء الفوائت]

- ‌باب سجود السهو

- ‌[كيفية سجود السهو]

- ‌[متى يلزم سجود السهو]

- ‌[حكم الشك في عدد ركعات الصلاة]

- ‌باب صلاة المريض

- ‌[كيفية صلاة المريض]

- ‌[حكم من أغمي عليه خمس صلوات أو دونها]

- ‌باب سجود التلاوة

- ‌[عدد سجدات القرآن]

- ‌[من تلزمه سجدة التلاوة]

- ‌[قضاء سجدة التلاوة]

- ‌[تكرار تلاوة سجدة التلاوة في المجلس الواحد]

الفصل: ‌[البسملة في الصلاة]

ويقرب منه: أعوذ بالله، ثم التعوذ تبع للقراءة دون الثناء عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لما تلونا، حتى يأتي به المسبوق دون المقتدي، ويؤخر عن تكبيرات العيد خلافا لأبي يوسف رحمه الله

قال: ويقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هكذا نقل في المشاهير.

ــ

[البناية]

سفيان الثوري، واختار حمزة: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وهو قول ابن سيرين، وبكل ذلك ورد الأثر، وفي " المجتبى " وبقول حمزة نفتي، ولكن ورد في أكثر الأخبار والآثار: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فلذلك قال المصنف:

م: (ويقرب منه: أعوذ بالله) ش: أي يقرب من أستعيذ، أعوذ بالله لأن المزيد قريب من الثلاثي، ومعنى كل منهما طلب الإعاذة منهما، قاله بعض الشراح.

قلت: معنى الطيب في أستعيذ ظاهر بخلاف أعوذ.

م: (ثم التعوذ تبع للقراءة دون الثناء عند أبي حنيفة ومحمد لما تلونا) ش: أي وهو قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] جعل الاستعاذة جزاء لقراءة القرآن فيكون تابعا للقراءة لا للثناء. وعند أبي يوسف تبع للثناء لأنها شرعت بعد الثناء م: (حتى يأتي به المسبوق دون المقتدي) ش: ثمرة ما قبله في قوله تبع للقراءة، فالمسبوق عليه القراءة فيأتي به. وعند أبي يوسف يأتي به المقتدي لأنه يسبح.

م: (ويؤخر عن تكبيرات العيد خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ش: أي يؤخر الاستعاذة عن تكبيرات الزوائد فيأتي بها بعد التكبيرات عندهما، وعند أبي يوسف يؤتي بها عقيب الثناء بعد تكبيرة الافتتاح.

وقال صاحب " الخلاصة ": الأصح قول أبي يوسف، وهذا الخلاف كما رأيت بين أبي حنيفة ومحمد وبين أبي يوسف كما ذكره المصنف، وفي بعض نسخ الفقه وفي عامة النسخ " كالمبسوط " و " المنظومة " وشروحها بين أبي يوسف ومحمد، ولم يذكر قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، والتعوذ في الركعة الأولي لا غير، إلا عند ابن سيرين والشافعي على المذهب، ذكره النووي. ولا يجهر بالثناء والتعوذ اتفاقا، وعند أبي ليلى يخير، وقال أبو هريرة: يجهر وخارج الصلاة يجهر اتفاقا. وعند أحمد: المسبوق لا يستفتح ولا يتعوذ مع الإمام، فإذا قام ليقضي استفتح واستعاذ لأن ما يقضيه أول صلاته وما أدرك آخرها.

[البسملة في الصلاة]

م قال: (ويقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ش: أي بعد التعوذ يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ م: (وهكذا نقل في المشاهير) ش: أي في الأخبار المشهور، منها ما روى نعيم بن المجمر: «والذي نفسي

ص: 190

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

بيده لأنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم» - ".

رواه ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما " والحاكم في " المستدرك " وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

ومنها: ما رواه ابن عباس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم» ، أخرجه الترمذي وقال: ليس إسناده بذاك، فكأنه قال هكذا لأجل أبي خالد الوالبي الكوفي، وهو من رواته. وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وذكره ابن حبان في "الثقات" واسم أبي خالد هرمز ويقال هرم، ومنها ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في صلاته» وأخرجه الدارقطني فقال: "إسناده علوي لا بأس به، ومنها ما روته أم سلمة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في الفاتحة في الصلاة» .

وأخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه ".

ومنها ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «كان إذا افتتح الصلاة يبتدئ ببسم الله الرحمن الرحيم» . أخرجه الدارقطني في "سننه ".

ومنها: ما روي عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بآية، أو بسورة لم تنزل على نبي بعد سليمان صلى الله عليه وسلم غيري، فمشى وتبعته حتى انتهى إلى باب المسجد، فأخرج رجله وبقيت الأخرى فقلت: أنسي؟ فأقبل علي بوجهه فقال: بأي شيء تفتتح القرآن إذا افتتحت الصلاة؟ قلت: ببسم الله الرحمن الرحيم. قال: هي هي ثم خرج» وفي إسناده صالح وعبد الكريم، قال أحمد ويحيى: ليسا بشيء، وفيه يزيد أبو خالد، قال النسائي:

ص: 191

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

متروك الحديث.

اعلم أن الكلام في التسمية على وجوه، الأول في كونها من القرآن أم لا؟ والثاني أنها من الفاتحة أم لا؟ والثالث أنها من أول كل سورة أم لا؟ والرابع: يجهر بها أم لا؟.

أما الأول: فالصحيح من مذهب أصحابنا أنها من القرآن لأن الأمة اجتمعت على أن ما كان مكتوبا بين الدفتين بقلم الوتر، فهو من القرآن والتسمية كذلك. وكذلك روى المعلى عن محمد فقال: قلت لمحمد: التسمية آية من القرآن؟ فقال: ما بين الدفتين كله من القرآن، وكذا روى الجصاص عن محمد أنه قال: التسمية من القرآن، أنزلت للفصل بين السور والبداية منها تبركا، وليست بآية من كل واحدة منها، ويبنى على هذا أن فرض القراءة يتأدى بها عند أبي حنيفة إذا قرأها على قصد القراءة دون الثناء لأنها آية من القرآن.

وقال بعض أصحابنا: لا يتأدى لأن في كونها آية تامة احتمال، فإنه روي عن الأوزاعي أنه قال: ما أنزل الله تعالى في القرآن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إلا في سورة النمل وحدها، وليست بآية تامة، في قوله:{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30](النمل: الآية 30) ، فوقع الشك في كونها آية تامة، فلا يجوز بالشك، ولذا يحرم على الجنب والحائض والنفساء قراءتها على قصد القرآن. أما على قول الكرخي فظاهر لأن ما دون الآية محرم عليهم، وكذا على رواية الطحاوي؛ لاحتمال كونها آية تامة، فيحرم عليهم قراءتها احتياطا.

الثاني: أنها من الفاتحة أم لا؟ قال الشيخ أبو بكر الرازي: عن أصحابنا رواية منصوصة أنها من الفاتحة أو ليست منها. وذكر السرخسي في " أصول الفقه " عن الرازي أن الصحيح من المذهب عندنا: آية منزلة للفصل لا من أول السورة ولا من آخرها. وقال الشافعي: إنها من الفاتحة قولا واحدا، وبه قال أبو ثور. وقال أحمد في رواية: إنها من الفاتحة دون غيرها تجب قراءتها حيث تجب قراءة الفاتحة، وفي رواية وهي الأصح، أنه لا فرق بين الفاتحة وغيرها في ذلك، وإن قرأ بها في أول القراءة كقراءتها في أول السورة وللفصل بين السور وليست من القرآن إلا في النمل، فإنها بعض آية منها.

1 -

الثالث: أنها ليست من أول كل سورة عندنا. وقال الشافعي وأصحابنا: هي من أول كل سورة على الصحيح من المذهب عندهم، وبه قال عطاء والزهري وعبد الله بن المبارك، وهو مذهب ابن كثير وعاصم والكسائي من القراء، ووافقهم حمزة على أنها من الفاتحة خاصة، وبه قال الشافعي في قول في " المجتبى ". قال الأسبيجابي: أكثر مشايخنا على أنها من الفاتحة، ومذهب باقي القراء كمذهب مالك لكن يلزم قراءتها قالون ومن تابعه.

ص: 192

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

واحتج الشافعي ومن تابعه بحديث أبي الجوزاء عن عائشة رضي الله عنها «أنه صلى الله عليه وسلم قرأ الفاتحة فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وعدها آية منها» .

واحتج أصحابه بما رواه الشافعي عن مسلم عن ابن جريح عن عبد الله بن أبي مليكة عن أم سلمة أم المؤمنين قالت: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب فعد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آية والحمد لله رب العلمين آية، الرحمن الرحيم آية، إياك نعبد وإياك نستعين آية، اهدنا الصراط المستقيم آية، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين» ذكره فخر الدين الرازي في " تفسيره الكبير ". واحتجوا أيضا بما رواه الشعبي في تفسيره عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبرك بحديث. وقد ذكرناه عن قريب.

والجواب عن هذه الأحاديث، أما حديث عائشة فالصحيح ما رواه مسلم عن بديل بن مسلمة عن أبي الجوزاء عن عائشة رضي الله عنها قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين» وهذا ظاهر في كون التسمية من الفاتحة.

فإن قلت: تأويله على إرادة اسم السورة.

قلت: لا يعدل عن حقيقة اللفظ وظاهره إلا بدليل.

فإن قلت: أبو الجوزاء لا يعرف له سماع عن عائشة رضي الله عنها ولئن سلم فإنه روي عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر بها.

قلت: يكفينا أنه حديث أودعه مسلم في "صحيحه ".

وأبو الجوزاء اسمه أوس بن عبد الله الربعي، ثقة كبير لا ينكر سماعه من عائشة رضي الله عنها وقد احتج به جماعة، وبديل بن ميسرة تابعي صغير مجمع على عدالته وثقته، وقد حدث عنه هذا الحديث الأئمة الكبار وتلقاه العلماء بالقبول ولم يتكلم فيه أحد منهم وما روي عن عائشة رضي الله عنها من الجهر فكذب بلا شك، فيه الحكم بن عبد الله بن سعد، وهو كذاب دجال لا يحل الاحتجاج به، ومن العجب القدح في الحديث الصحيح والاحتجاج بالباطل. وأما حديث أم سلمة فليس بصحيح لأنه يرويه عمر بن مروان البلخي عن ابن جريج قال يحيى: ليس بشيء.

وأما حديث أبي هريرة فقد ذكرنا ما فيه من العلل، وإنما استدللنا به فيما مضى لأنه يدل على أن التسمية من القرآن وهو المختار عند بعضهم، ولا يدل على أنها من الفاتحة.

ص: 193

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

ونقل الخطب عدة أحاديث في ذلك من تفسير الثعلبي وليس لها صحة ولا يثبت شيء منها، والثعلبي حاطب ليل يذكر الغث والسمين.

وأما احتجاجات أصحابنا فيما ذهبوا إليه فأحاديث كثيرة، منها ما رواه مسلم في "صحيحه " من حديث أبي هريرة رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، نصفها إلي ونصفها لعبدي، يقول العبد: الحمد لله رب العالمين، يقول الله: حمدني عبدي، يقول العبد: الرحمن الرحيم، يقول الله: أثنى علي عبدي، يقول العبد: مالك يوم الدين، يقول الله: مجدني عبدي، يقول العبد: إياك نعبد وإياك نستعين، يقول الله: هذه بيني وبين عبدي، يقول العبد اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال الله: فهؤلاء لعبدي» .

قال ابن عبد البر: هذا حديث قد رفع الإشكال في سقوط بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من الفاتحة، وهو نص لا يحتمل التأويل، ولا أعلم حديثا في سقوط البسملة أبين منه.

قلت: وجه التمسك به أنه ابتدأ القسمة بالحمد لله رب العالمين دون البسملة، فلو كانت منها لابتدأ بها. وأيضا فقد جعل النصف {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] فيكون ثلاث آيات لله تعالى في الثناء عليه وثلاث آيات للعبد، وآية بينهما، وفي جعل التسمية منها إبطال هذه القسمة فيكون باطلا. وأيضا أنه قال: يقول العبد: اهدنا الصراط المستقيم إلى آخرها، ثم قال: هؤلاء لعبدي، هكذا ذكره أبو داود والنسائي بإسنادين صحيحين، وهو جمع، فيقتضي ثلاث آيات، وعلى قول الشافعي يكون اثنين وللباري أربع ونصف إذا لم يعدوا {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] آية، وإن عدوها آية تصير ثماني آيات، وهذا كله خلاف تصريح الحديث بالنصف. والمراد بالصلاة القراءة، ألا تراه كيف فسر القراءة وقسم الآيات، ولم الأفعال.

فإن قلت: لم لا يراد بالقسمة المعنى لا الآي؟ فيكون لله الحمد والثناء والتحميد، وللعبد الخضوع والتذلل.

قلت: هذا باطل، فإن الله تعالى منفرد بالحمد والثناء، والحمد لله الذي لا يكيف بالعبد، والعبد ينفرد بالخضوع والتذلل الذي ينزه الباري عنه، ولا يجوز أن يراد ذلك بقوله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، مثاله إذا كان ثوب لزيد وعبد لعمرو لا يجوز أن يقول: قسمت

ص: 194

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

الثوب والعبد بين زيد وعمرو إذا لم يشتركا فيهما.

فإن قلت: ما المانع أن يكون قسمة الألفاظ والحروف؟.

قلت: لا يجوز لأن القسمة لا تصح مع ذلك، فلم يبق إلا عدد الآيات، على أن قسمة المعاني داخلة في قسمة الآيات.

فإن قالوا: إنما لم يذكر البسملة لأنه أدرجها في الاثنين بعدها.

قلنا: هذا ظاهر الفساد ويدعيه مكابر.

فإن قالوا في مثل العلاء بن عبد الرحمن: وتكلم فيه ابن معين فقال: ليس حديثه بحجة، مضطرب الحديث، ليس بذاك، هو حديث، وروي عنه هذه الألفاظ كلها.

وقال ابن عدي: ليس بالقوي، وقد انفرد بهذا الحديث فلا يحتج به.

قلنا: هذا جهل وفرط وتعصب ورداءة فكر ورأي، حيث يترك الحديث الصحيح والضعيف لكونه غير موافق لمذهبهم، وكيف وقد رواه عن العلاء الأئمة الثقات الأثبات كمالك، وسفيان بن عيينة، وابن جريج، وعبد العزيز الدراوردي، وإسماعيل بن جعفر ومحمد بن إسحاق، والوليد ابن كثير، وغيرهم، والعلاء نفسه ثقة صدوق.

فإن قالوا: سلمنا ما قلتم ولكن جاء في بعض الروايات عنه ذكر التسمية، كما أخرجه الدارقطني عن عبد الله بن زياد بن سمعان عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، نصفها له يقول عبدي إذا افتتح الصلاة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فيذكرني عبدي، ثم يقول: الحمد لله رب العالمين، فأقول: حمدني عبدي» " إلى آخره، فهذه الرواية وإن كان فيها ضعف ولكنها تفسر بحديث مسلم أنه أراد السورة لا الآية.

قلنا: هذا أيضا مكابرة وفساد وفرط ونقص مع علمهم بحال ابن سمعان، فقال عمر بن عبد العزيز الواحدي: سألت مالكا عنه فقال: كان كذابا، وقال يحيى بن أبي بكر: قال هشام بن عروة: لقد كذب علي وحدث عني بأحاديث لم أحدثه بها. وعن أحمد بن حنبل: متروك الحديث. وسئل ابن معين عنه فقال: كان كذابا. وقيل لابن إسحاق: إن ابن سمعان يقول: سمعت مجاهدا فقال: لا إله إلا الله، أنا والله أكبر منه ما رأيت مجاهدا ولا سمعت منه. وقال ابن حبان: كان يروي عمن لم يره ويحدث بما لم يسمع. وقال أبو داود: متروك الحديث كان يروي عن الكذابين. وقال النسائي: متروك فكيف يعلل الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه بالحديث الضعيف؟ إذ مقتضى العلم أن يعلل الحديث الضعيف بالحديث الصحيح كما

ص: 195

ويسر بهما، لقول ابن مسعود رضي الله عنه: أربع يخفيهن الإمام، وذكر منها التعوذ والتسمية وآمين وربنا لك الحمد.

ــ

[البناية]

يفعل.

ونحن نذكر من الأحاديث الصحيحة التي استدللنا بها ما رواه البخاري في "صحيحه " من حديث أبي هريرة قال: «كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه فقلت: يا رسول الله كنت أصلي فقال: "ألم يقل الله: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24] ، ثم قال لي: ألا أعلمك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قلت: ما هي؟ قال: الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» . فأخبر أنها السبع المثاني، ولو كانت البسملة آية منها لكانت ثمانيا، لأنها سبع آيات بدون البسملة.

ومنها ما رواه أصحاب السنن الأربعة عن شعبة عن قتادة عن عباس الجشمي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن سورة من القرآن شفعت لرجل حتى غفر له وهي {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] » قال الترمذي: حديث حسن، ورواه أحمد في "مسنده " وابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "مستدركه " وصححه، وعباس وثقه ابن حبان، ولم يتكلم فيه أحد.

وجه الاستدلال به أن هذه السورة ثلاثون آية بدون البسملة بلا خلاف بين العادين، وأيضا فافتتاحه بقوله:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1](الملك: الآية 1) دليل على أن البسملة ليست منها. وأما القسم الرابع فنذكره عن قريب إن شاء الله تعالى.

م: (ويسر بهما) ش: أي يخفي بالاستعاذة والتسمية. قال الأترازي: قال المطردي: أسر الحديث: أخفاء، وزيادة الباء سهو، وكذا قال السغناقي. قلت: يستعمل باب أفعل بالباء أيضا.

م: (لقول ابن مسعود رضي الله عنه: أربع يخفيهن الإمام، وذكر منها التعوذ، والتسمية وآمين، وربنا لك الحمد) ش: وهذا غريب، ولكن معناه رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه " ثنا هشيم عن سعيد بن المرزبان ثنا أبو وائل عن ابن مسعود أنه كان يخفي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ والاستعاذة وربنا لك الحمد. وروى سعد بن الحسن في كتاب "الآثار " ثنا أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثنا حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: أربع يخفيهن الإمام: التعوذ، وبسم الله الرحمن الرحيم، وسبحانك اللهم وبحمدك، وآمين.

ورواه عبد الرزاق في "مصنفه " ثنا معمر عن حماد، فذكره إلا أنه قال عوض سبحانك اللهم ربنا لك الحمد، ثم قال: أنا الثوري عن منصور عن إبراهيم قال: خمس يخفيهن الإمام، فذكرها، وزاد سبحانك اللهم وبحمدك. وروى أبو معمر عن عمر بن الخطاب أنه قال: يخفي الإمام أربعا: التعوذ، وبسم الله الرحمن الرحيم، وآمين، وربنا لك الحمد.

ص: 196

وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يجهر بالتسمية عند الجهر بالقراءة، لما «روي أن النبي عليه السلام "جهر في صلاته بالتسمية» .

ــ

[البناية]

م: (وقال الشافعي رحمه الله: يجهر بالتسمية عند الجهر بالقراءة) ش: وبه قال أبو ثور، قال الثوري: يجهر بالبسملة حيث يجهر بالقراءة في الفاتحة والسورة جميعا، قال: وعلى هذا أكثر علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأكابر.

أما الصحابة فرواه أبو بكر الخطيب البغدادي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعمار بن ياسر وأنس وأبي هريرة وغيرهم، حتى ذكر عبد الله بن المغفل الذي ذكر الجهر به على ابنه. وأما التابعون ومن بعدهم، فمن قال بالجهر فهم لا يمكن أن يذكروا أو أن يحصوا. قال عمر بن عبد البر في " الاتفاق ": وقد روي عن عمر وعلي وعمار الجهر بها، والطرق عنهم ليست بالقوية، قال: وكذا اختلف عن أبي هريرة وابن عباس، والأشهر عن ابن عباس الجهر بها. وقال ابن أبي ليلى: إن شاء جهر بها وإن شاء خافت.

قلت: قال الترمذي: والعمل عليه؛ أي على ترك الجهر بالبسملة عند ذكر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ومن بعدهم من التابعين، وقال أبو عمرو بن المنذر: هو قول ابن مسعود وابن الزبير وعمار بن ياسر وعبد الله بن المغفل والحكم والحسن والشعبي والنخعي والأوزاعي وسعيد بن جبير وعبد الله بن المبارك وقتادة وعمر بن عبد العزيز وسليمان الأعمش والزهري ومجاهد ويحيى بن جعدة وحماد بن أبي سليمان وأبي عبيد والإمام مالك وأحمد وإسحاق. وقال أبو الخطاب: والعمل عليه عند أهل المدينة، وهذا نقل خلاف قد يلتفت إلى العصبية.

م: (لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاته بالتسمية) ش: عن أكثر الشراح هذا الحديث إلى أبي هريرة رضي الله عنه وروى الدارقطني عن العلاء عن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أم الناس جهر ببسم الله الرحمن الرحيم» . ورواه ابن عدي فقال فيه: " أسر " عوض " جهر ".

وروى النسائي في "سننه " من حديث يعلمه التمرتاشي قال: «صليت وراء أبي هريرة فقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن حتى قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين. وفي آخره: فلما سلم قال: إني أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم» -. ورواه ابن حبان في "صحيحه "، وابن خزيمة في "صحيحه "، والحاكم في "مستدركه " وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والدارقطني في "سننه " وقال: حديث صحيح ورواته كلهم ثقات مجمع على [

] ، يحتج بهم في الصحيح.

وروى الدارقطني أيضا عن خالد بن إلياس عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة

ص: 197

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علمني جبرائيل عليه السلام الصلاة فقام فكبر لنا ثم قرأ ببسم الله الرحمن الرحيم فيما يجهر به في كل ركعة» .

وروى الطبراني في "الأوسط " عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هزأ منه المشركون ويقولون: محمد يذكر إله اليمامة» . وروى الحاكم في "مستدركه " من حديث علي وعمار أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم» . وقال: صحيح الإسناد، ورواه الدارقطني في "سننه " من حديث جابر عن أبي الطفيل عن علي وعمار نحوه. وروى الدارقطني أيضا عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» . وأخرجه الخطيب من طريق آخر من حديث مسلم بن حسان قال: «صليت خلف ابن عمر فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين" فقيل له، فقال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض، وخلف أبي بكر رضي الله عنه حتى قبض، وخلف عمر رضي الله عنه حتى قبض، فكانوا يجهرون بها في السورتين فلا أدع الجهر بها حتى أموت» .

وأخرج الدارقطني عن أبي الصخر عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمني جبرائيل عليه السلام عند الكعبة فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم» .

وأخرج أيضا من حديث الحكم بن عمير وكان بدريا قال: «صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة الليل وصلاة الغداة وصلاة الجمعة» .

وروى الحاكم في "مستدركه " والدارقطني في "سننه «من حديث محمد بن أبي المتوكل بن

ص: 198

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

أبي السري قال: صليت خلف المعتمر بن سليمان من الصلوات ما لا أحصيها، الصبح والمغرب، فكان يجهر ببسم الله الرحمن قبل فاتحة الكتاب وبعدها. وقال المعتمر: ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي بكر. وقال أبي: ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس رضي الله عنه وقال أنس: ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

وأخرجه الحاكم من طريق آخر عن محمد بن السري ثنا إسماعيل ابن أبي أويس ثنا مالك عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال: «صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فكلهم كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» . قال الحاكم: وأخرجته شاهدا. أخرجه الخطيب من طريق آخر من حديث حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.

الرد عن هذه الأحاديث:

أما حديث أبي هريرة الذي روى عنه العلاء، وروى عنه أويس، واسمه عبد الله بن أويس، وهو غير محتج به لأنه لا يحتج بما انفرد به، فكيف إذا انفرد بشيء وخالفه فيه من هو أوثق منه، مع أنه متكلم فيه، وقد ضعفه أحمد وابن معين وأبو حاتم الرازي.

فإن قلت: أخرج له مسلم في صحيحه، قلت: بناء على أن مجرد الكلام في الرجال لا يسقط العدالة ولا حديثه، ولو اعتبرنا ذلك لذهب معظم السنة إذ لم يسلم من كلام إلا من عصمه الله، بل خرج في الصحيح ممن تكلم فيهم، ومع هذا لم يترك حديثه لكلام الناس فيه، بل للتفرد به ومخالفة الثقات له، ولرواية مسلم الحديث في "صحيحه" من طريقه وليس فيه ذكر البسملة.

وأما رواية نعيم المجهول عنه فهي معلولة، البسملة فيه مما تفرد به نعيم المجمر من بين أصحاب أبي هريرة رضي الله عنه وهم ثمانمائة ما بين صاحب وتابع، ولا يثبت عن ثقة من أصحاب أبي هريرة أنه حديث عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالبسملة في الصلاة، فالبخاري ومسلم أعرضا عن ذكر البسملة في حديث أبي هريرة الذي رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها، فيكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع، الحديث ثم يقول حين ينصرف: والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبها لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا.

ص: 199

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

وليس في هذا الحديث ولا في الأحاديث الصحيحة عن أبي هريرة ذكر للتسمية، وهذا فيما يغلب على الظن أنه وهم على أبي هريرة.

فإن قلت: نعيم المجمر ثقة والزيادة من الثقة مقبولة.

قلت: ليس ذلك مجمعا عليه، بل فيه خلاف مشهور، فمن الناس من يقول: زيادة الثقة مطلقا غير مقبولة، ومنهم من يقبلها، والصحيح التفصيل، وهو أنها تقبل في موضع إذا كان راويها ثقة حافظا ثبتا، والذي لم يذكرها مثله أو دونه في الثقة، كما قبل الناس زيادة مالك بن أنس قوله: من المسلمين، في صدقة الفطر، واحتج بها أكثر العلماء، وتقبل في موضع آخر لقرائن تخصها يجزم بصحتها كزيادة مالك، وفي موضع يغلب على الظن صحتها، وفي موضع يجزم بخطئها كزيادة عبد الله بن زياد ذكر البسملة في حديث قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، وزيادة نعيم المجمر التسمية في هذا الحديث مما يتوقف فيه، بل يغلب على الظن ضعفه، وعلى تقدير صحتها فلا حجة فيها بالجهر لأنه قال: فقرأ أو فقال بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وذلك أعم من قراءتها سرا أو جهرا على من لا يرى قراءتها.

فإن قلت: قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلت: أراد به أصل الصلاة، ومقاديرها، وهيآتها، والتشبه لا يقتضي أن يكون من كل وجه بل يكفي في غالب الأفعال، وذلك محقق في التكبير وغيره دون البسملة.

وأما الحديث الذي فيه: علمني جبريل صلى الله عليه وسلم فإن إسناده ساقط، وإن خالد بن إلياس مجمع على ضعفه، فعن أحمد: منكر الحديث، وعن ابن معين: ليس بشيء، لا يكتب حديثه. وعن النسائي: متروك الحديث. وعن ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات.

وأما حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس فإنه لم يذكر هل كان في فرض أو نفل.

فإن قلت: ذكر الدارقطني حديثين عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم، والثاني: كان يفتتح الصلاة ببسم الله.

قلت: قال الترمذي: إسناده ليس بذاك، والأول لا حجة فيه.

فإن قلت: قال النووي في " صحيح مسلم ": قال عليه السلام: «أنزلت علي آنفا سورة، فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] » . اه. قال: وهذا تصريح بالجهر خارج الصلاة، فكذا في الصلاة كسائر الآيات.

قلت: هذا الاحتجاج في غاية السقوط فهل يحتج بالقياس مع مخالفة النصوص الصحاح.

ص: 200

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

وأما حديث علي وعمار، ففي الأول عبد الرحمن بن سعد المؤذن، وقد ضعفه ابن معين لما قال الحاكم: صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي فقال: هذا جزاؤه، كأنه موضوع. وفي الطريق الثاني: جابر الجعفي، وقد كذبه أيوب وليث بن أبي سليمان الخزرجاني. وعن أبي حنيفة: ما رأيت أكذب من جابر الجعفي، ما أتيته بشيء من رأي إلا أتاني فيه بأثر.

وأما حديث ابن عمر فله طريقان، الأول رواه الدارقطني وفيه شيخه عمر بن الحسن، وقد ضعفه الدارقطني، وفيه جعفر بن محمد بن مروان فقال فيه الدارقطني: لا يحتج به، فظهر بذلك بطلان هذا الحديث. والطريق الثاني رواه الخطيب، فهو أيضا باطل لأن فيه عباد بن زياد الأسدي، وقال الحافظ محمد بن النيسابوري: هو مجمع على كذبه، وقال أبو حاتم: كان من رؤساء الشيعة.

وأما حديث النعمان بن بشير فإنه حديث منكر بل موضوع، ومن رواته يعقوب بن يوسف الضبي، وهو ليس بمشهور، وأحمد بن حماد ضعفه الدارقطني، وسكوت الدارقطني والخطيب وغيرهما من الحفاظ عن مثل هذا الحديث بعد روايتهم له قبيح جدا، ولم يعلق ابن الجوزي في هذا الحديث إلا عن فطر بن خليفة، وهو تقصير منه، فإن البخاري روى له في صحيحه ووثقه أحمد وابن معين ويحيى القطان، فكأنه اعتمد على قول السعدي فيه: هو زائغ غير ثقة، وليس كذلك لما ذكرنا.

وأما حديث الحكم بن عمير فهو حديث باطل لوجوه:

الأول: أنه ليس بدريا ولا في البدريين أحد اسمه الحكم بن عمير، بل لا نعرف له راويا سوى ابن حبيب الراوي عنه، لم يلق صحابيا بل هو مجهول لا يحتج بحديثه. وقد ذكر الطبراني في "معجمه الكبير " الحكم بن عمير وقال في نسبته: الثمالي، ثم روى له بضعة عشر حديثا منكرا، وكلها من رواية موسى بن أبي حبيب عنه. وروى له ابن عدي في "الكامل " قريبا من عشرين حديثا ولم يذكر فيها هذا الحديث. والراوي عن موسى هو إبراهيم بن إسحاق الصيني الكوفي، قال الدارقطني: متروك الحديث.

الثاني: يحتمل أن يكون هذا الحديث صنعه، فإن الذين رووا نسخة موسى عن الحكم لم يذكروا هذا الحديث فيها كبقي بن مخلد وابن عدي والطبراني، وإنما رواه مما علمنا الدارقطني ثم الخطيب.

الثالث: أن الدارقطني وهم فقال: إبراهيم بن حبيب، وإنما هو إبراهيم بن إسحاق، وتبعه الخطيب، ورواه وزاد وهما ثانيا، فقال: الضبي، بالضاد المعجمة والباء الموحدة، وإنما الصيني بصاد مهملة ونون.

ص: 201

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

وأما حديث أنس رضي الله عنه فهو معارض بما رواه ابن خزيمة في "صحيحه " والطبراني في "معجمه" عن معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن عن أنس رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما» وقوله: في الصلاة، زادها ابن خزيمة. والحديث الذي رواه الحاكم وقال: إنما ذكرته شاهدا، فقال الذهبي في "مختصره ": أما استحى الحاكم يورد في كتابه مثل هذا الحديث الموضوع، فأنا أشهد بالله والله إنه لكذب. وقال ابن عبد الهادي: سقط منه (لا) وتوثيق الحاكم لا يعارض ما يثبت في الصحيح خلافه؛ لما عرف من تساهله، وكيف وأصحاب أنس رضي الله عنهم الثقات الأثبات يروون عنه خلاف ذلك، حتى إن شعبة سأل قتادة عن هذا، فقال: أنت سمعت أنسا يذكر ذلك؟ فقال: نعم. وأخبره باللفظ الصريح المنافي للجهر.

واحتجت الشافعية أيضا بالآثار، ومنها ما رواه البيهقي في "الخلافيات " من حديث عمر بن ذر عن أبيه سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال: صليت خلف عمر رضي الله عنهم فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وكان أبي يجهر بها. قلنا: هذا مخالف للصحيح الثابت عن عمر أنه كان لا يجهر، وروى الطحاوي بإسناده عن أبي وائل قال: كان عمر وعلي رضي الله عنهما لا يجهران. وقد روى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن أبيه أيضا عدم الجهر، فإن ثبت الجهر يحمل على أنه فعله مرة لتعليم أو بسبب من الأسباب.

ومنها: ما رواه الخطيب من طريق الدارقطني بسنده عن عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم. قلنا: هذا باطل، وعثمان بن عبد الرحمن هو الوقاصي، أجمعوا على ترك الاحتجاج به. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: كذاب ذاهب الحديث. وقال ابن حبان: يروي عن الثقات الأشياء والموضوعات لا يحل الاحتجاج به، وقال النسائي: متروك الحديث.

ومنها ما أخرجه الخطيب أيضا، عن يعقوب عن عطاء بن أبي رباح عن أبيه، قال:«صليت خلف علي بن أبي طالب، وعدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» . قلنا: وهذا أيضا لا يثبت، وعطاء بن أبي رباح لم يلحق عليا، ولا صلى خلفه قط، والحمل فيه على ابنه يعقوب، فقد ضعفه غير واحد من الأئمة، قال أحمد: منكر الحديث. وأما شيخ الخطيب فيه فهو أبو الحسين محمد بن الحسن بن أحمد الأصبهاني الأهوازي، ويعرف بابن أبي علي، فقد تكلموا فيه، وذكروا أنه كان يركب الأسانيد. ونقل الخطيب عن أحمد بن علي الجصاص قال: كنا نسمي ابن أبي علي الأصبهاني جراب الكذب!.

ومنها: ما أخرجه الخطيب أيضا من قوله من طريق الدارقطني عن الحسن بن محمد بن عبد الواحد

ص: 202

قلنا: هو محمول على التعليم؛

ــ

[البناية]

ثنا الحسن بن الحسين ثنا إبراهيم بن أبي يحيى عن صالح بن نبهان قال: صليت خلف أبي سعيد الخدري وابن عباس وأبي قتادة وأبي هريرة رضي الله عنهم، فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم. قلنا: وهذا أيضا لا يثبت، والحسن بن الحسين هو العربي إن شاء الله. وهو شيعي ضعيف، أو هو الحسين بن الحسن الأشقر، وانقلب اسمه، وهو أيضا شيعي ضعيف أو مجهول. وإبراهيم بن أبي يحيى قد رمي بالرفض والكذب. وصالح بن نبهان مولى التوأمة قد تكلم فيه مالك وغيره من الأئمة، وفي إدراكه الصلاة خلف أبي قتادة نظر. وهذا الإسناد لا يجوز الاحتجاج به.

وإنما كثر الكذب في أحاديث الجهر على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأن الشيعة ترى الجهر وهم أكذب الطوائف، فوضعوا في ذلك أحاديث، وكان أبو علي بن أبي هريرة أحد أعيان أصحاب الشافعي يترك الجهر بها، وهو يقول: الجهر بها صار من شعار الروافض. وغالب أحاديث الجهر نجد في روايتها من هو منسوب إلى التشيع.

وأما أقوال التابعين في ذلك فليست بحجة مع أنها قد اختلفت، فروي عن غير واحد منهم الجهر، وروي عن غير واحد منهم تركه، والواجب في ذلك الرجوع إلى الدليل لا إلى الأقوال.

م: (قلنا: هو محمول على التعليم) ش: هذا جواب عما احتج به الشافعي فيما روي أنه صلى الله عليه وسلم جهر في صلاته بالتسمية، ويريد أنه صلى الله عليه وسلم إنما جهر بها لأجل تعليم أنه بها يسر، أو يقال: إنه محمول على الجهر الذي يسمعه القارئ، ويقال: إنه محمول على وقوعها اتفاقا، ويقال: كان الجهر ابتداء قبل نزول قَوْله تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55](الأعراف: الآية 55) فكأنهم كانوا يجهرون بالثناء والقراءة أيضا حتى نزل قوله: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ} [الإسراء: 110](الإسراء: الآية 110) .

قلت: كل هذا لا يجزئ ولا يرضى به الخصم ولا يندفع.

وكانت الطريقة في هذا أن يحتج المصنف نصرة لمذهبه بما روى من الأحاديث الصحيحة، ثم يجيب عما احتج به الخصم بما يجاب به عند ورود الأحاديث والأخبار المتناقضة، فنقول وبالله التوفيق:

قد ذكرنا أن للتسمية أربعة أحوال: هل هي من القرآن أم لا؟ وهل هي من الفاتحة أم لا؟ وهل هي من أول كل سورة أم لا؟ فهذه الثلاثة قد ذكرناها وبقى الرابع وهو أنها هل يجهر بها أم لا؟

فقال الشافعي ومن معه: يجهر بها، ونحن نقول: لا يجهر؛ لما روى البخاري ومسلم في "صحيحيهما" من حديث شعبة: سمعت قتادة يحدث عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم» . وفي لفظ لمسلم «فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله

ص: 203

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

رب العالمين، ولا يذكرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، في أول القراءة ولا في آخرها.» رواه النسائي في "سننه " وأحمد في "مسنده " وابن حبان في "صحيحه " والدارقطني في "سننه ". وقالوا فيه:«كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» وزاد ابن حبان: ويجهرون بالحمد لله رب العالمين.

وفي لفظ لابن حبان والنسائي أيضا: «فلم نسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم» . وفي لفظ لأبي يعلى الموصلي في "مسنده ": «فكانوا يستفتحون القراءة فيما يجهر به بالحمد لله رب العالمين» . وفي لفظ للطبراني في "معجمه " وأبي نعيم في "الحلية " وابن خزيمة في مختصر "صحيحه " والطحاوي في "شرح الآثار ": «فكانوا يسرون في بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» . ورجال هذه الروايات كلهم ثقات مخرج لهم في " الصحيحين ". وكل ألفاظه ترجع إلى معنى واحد يصدق بعضها بعضا وهي سبعة ألفاظ:

فالأول: كانوا لا يستفتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم.

والثاني: فلم أسمع أحدا يقول أو يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

والثالث: فلم يكونوا يقرأون ببسم الله الرحمن الرحيم.

والرابع: فلم أسمع أحدا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.

والخامس: فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم.

والسادس: كانوا يسرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

والسابع: فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين.

وروى الترمذي والنسائي وابن ماجه من حدث أبي نعامة الحنفي، واسمه قيس بن عباية: حدثنا ابن عبد الله بن مغفل قال: «سمعني أبي وأنا أقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فقال: أي بني إياك والحدث! فإني لم أر أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبغض إليه الحدث في الإسلام، يعنى منه. قال: وصليت مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فلم أسمع أحدا منهم يقولها، فلا تقلها أنت، إذا صليت فقل: الحمد لله رب العالمين» . قال الترمذي: حديث حسن.

فإن قلت: قال النووي في "الخلاصة ": وقد ضعف الحفاظ هذا الحديث، وأنكروا على الترمذي تحسينه كابن خزيمة وابن عبد البر والخطيب، وقالوا: إن مداره على ابن عبد الله بن المغفل وهو مجهول.

قلت: رواه أحمد في "مسنده " من حديث أبي نعامة عن بني عبد الله بن المغفل قال: «كان

ص: 204

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

أبونا إذا سمع أحدا منا يقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، يقول: أي بني صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فلم أسمع أحدا منهم يقول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» .

ورواه الطبراني في "معجمه " عن عبد الله بن بريدة عن ابن عبد الله بن مغفل عن أبيه مثله. ثم أخرجه عن أبي سفيان طريف بن شهاب عن يزيد بن عبد الله بن مغفل عن أبيه قال: «صليت خلف إمام فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، فلما فرغ من صلاته قلت: ما هذا؟! غيب عنا هذه التي أراك تجهر بها! فإني قد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر فلم يجهروا بها» .

فهؤلاء ثلاثة رووا هذا الحديث عن ابن عبد الله بن المغفل عن أبيه، وهم أبو نعامة وأبو سفيان السعدي. أما أبو نعامة فقد وثقه ابن معين وغيره، وأما عبد الله بن بريدة فأشهر من أن يثنى عليه، وأما أبو سفيان مهران وإن تكلم فيه ولكنه يعتبر به ما تابعه عليه غيره من الثقات، وهو الذي سمى ابن عبد الله بن المغفل يزيد، كما هو عند الطبراني فقط، فقد ارتفعت الجهالة عن ابن عبد الله بن مغفل برواية هؤلاء الثلاثة عنه.

وقد تقدم في " مسند أحمد " عن أبي نعامة عن بني عبد الله بن المغفل، وبنوه الذي يروي عنهم يزيد وزياد ومحمد، والنسائي وابن حبان وغيرهم يحتجون بمثل هؤلاء مع أنهم ليسوا مشهورين بالرواية، ولم يرو أحد منهم حديثا منكرا ليس له شاهد ولا متابع حتى يجرح بسببه. وإنما رووا ما رواه غيرهم من الثقات.

فأما يزيد فهو الذي سمي في هذا الحديث. وأما محمد فروى له الطبراني عنه عن أبيه قال: سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «ما من إمام يبيت غاشا لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» . وأما زياد فروى له الطبراني عنه عن أبيه مرفوعا: «لا تحذفوا فإنه لا يصاد به صيد ولا ينكأ العدو ولكنه يكسر السن ويفقأ العين» . وبالجملة فهذا حديث صريح في عدم الجهر بالتسمية، وهو وإن لم يكن من أقسام الصحيح فلا ينزل عن درجة الحسن، وقد حسنه الترمذي، والحديث الحسن يحتج به لاسيما إذا تعددت شواهده وكثرت متابعاته.

فإن قلت: تركوا الاحتجاج به لجهالة ابن عبد الله بن مغفل.

[قلت] : قد احتجوا بما هو أضعف منه، بل احتج الخطيب بما يعلم هو أنه موضوع. والبيهقي لم يحسن في تضعيفه هذا الحديث، غير أنه بعد أن رواه في كتابه " المعرفة " قال: تفرد به أبو نعامة قيس بن عباية، وأبو نعامة وابن عبد الله بن مغفل لم يحتج بهما صاحبا " الصحيح "، وكل ذلك لأجل التعصب والتحامل. وقوله: تفرد به، غير صحيح، فقد تابعه عبد الله بن بريدة وأبو سفيان

ص: 205

لأن أنسا رضي الله عنه أخبر أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يجهر بها،

ــ

[البناية]

كما ذكرنا، وعدم احتجاج صاحبي الصحيح لا يستلزم تضعيف هذا الحديث الصحيح، وهما لم يلتزما إحاطة الأحاديث الصحيحة، ومع هذا فالبخاري كثيرا ما يتبع لما يرد على أبي حنيفة من السنة، فيذكر الحديث ثم يعرض بذكره فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، ثم يقول: وقال بعض الناس كذا، يشير به إليه ويشنع به عليه، ولم يجد حديثا صحيحا في الجهر حتى يذكره في "صحيحه". فهذا أبو داود والترمذي وابن ماجه مع اشتمال كتبهم على الأحاديث السقيمة والأسانيد الضعيفة، لم يخرجوا منها شيئا، ولولا أنها عندهم واهية بالكلية لما تركوها، وقد تفرد النسائي منها بحديث أبي هريرة وهو أقوى ما فيها عندهم، وقد بينا ضعفه من وجوه.

م: (لأن أنسا رضي الله عنه أخبر أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يجهر بها) ش: حديث أنس رضي الله عنه أخرجه البخاري ومسلم، وقد ذكرناه عن قريب.

فإن قلت: روي عن أنس رضي الله عنه أن ذلك كان في الجملة، فروى أحمد والدارقطني من حديث سعيد بن زهد بن سلمة قال:«سألت أنسا أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أو الحمد لله رب العالمين؟ قال: إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه، أو ما سألني أحد قبلك.» قال الدارقطني: إسناده صحيح.

قلت: ما روي من إنكاره لا يقاوم ما ثبت عنه خلافه في " الصحيح " ويحتمل أن يكون أنس رضي الله عنه نسي في تلك الحالة لكبره، وقد وقع مثل ذلك كثيرا، كما سئل يوما عن مسألة فقال: عليكم بالحسن فاسألوه فإنه حفظ ونسينا، وكم ممن حدث ونسي. ويحتمل أنه إنما سأله عن ذكرها في الصلاة أصلا لا عن الجهر بها وإخفائها.

فإن قلت: يجمع بين الأحاديث بأن يكون أنس لم يسمعه لبعده، لأنه كان صبيا يومئذ.

قلت: هذا مردود لأنه عليه السلام هاجر إلى المدينة ولأنس يومئذ عشر سنين، ومات عليه السلام وله عشرون سنة فكيف يتصور أنه يصلي خلفه عشر سنين فلا يسمعه يوما من الدهر يجهر؟! هذا بعيد بل يستحيل. ثم قد روي هذا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف وهو رجل في زمان أبي بكر وعمر، وكهل في زمان عثمان رضي الله عنه مع تقدمه في زمانهم وروايته للحديث؟!

فإن قلت: أحاديث الإخفاء شهادة على النفي، وأحاديث الجهر شهادة على الإثبات، والإثبات مقدم على النفي.

قلت: هذه الشهادة وإن ظهرت في صورة النفي فمعناها الإثبات، على أن هذا مختلف فيه، فالأكثرون على تقديم الإثبات، وعند البعض سواء، وعند البعض النافي يقدم على المثبت وإليه

ص: 206

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

ذهب الأزدي وغيره.

فإن قلت: روى الإخفاء اثنان من الصحابة أنس وعبد الله بن المغفل، وروى الجهر أربعة عشر صحابيا، فيقدم الجهر بكثرة الرواة.

قلت: الاعتماد على كثرة الرواة إنما يكون بعد صحة الدليلين. فأحاديث الجهر ليس فيها صحيح صريح، بخلاف ما روي في الإخفاء، فإنه حديث ثابت صحيح مخرج في الصحيح والمسانيد المعروفة والسنن المشهورة، مع أن جماعة من الحنفية لا يرون الترجيح بكثرة الرواة.

وأحاديث الجهر وإن كثرت رواتها لكنها كلها ضعيفة، ولم يرو أحاديث الجهر إلا الحاكم وقد عرف تساهله وتصحيحه للأحاديث الضعيفة بل الموضوعة.

وقال ابن دحية في كتابه " المعلم " المشهور: يجب على أهل الحديث أن لا يحفظوا من قول الحاكم أبي عبد الله، فإنه كثير الغلط ظاهر، وقد غفل عن ذلك كثير من مخالفيه، وقلده في ذلك الدارقطني وملأ كتابه من الأحاديث الضعيفة والغريبة والشاذة والمعللة، وكم فيه من حديث لا يوجد في غيره. وحكي أنه لما دخل مصر سأله بعض أهلها تصنيف شيء في الجهر بالبسملة [فصنف فيه جزءا] فأتاه بعض المالكية فأقسم عليه أن يخبره بالصحيح من ذلك، فقال: كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهر فليس بصحيح.

وأما عن الصحابة فمنه صحيح وضعيف. والخطيب فإنه قد جاوز عن حد التحامل والتعصب، واحتج بالأحاديث الموضوعة مع علمه بذلك، وروى الخطيب عن عكرمة أنه قال: لا يصلى خلف من لا يجهر بالبسملة، وعارضته رواية الطحاوي بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قال: ذلك فعل الأعراب.

وسئل الحسن عن الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فقال: إنما يفعل ذلك الأعراب. وقال أبو عمر عن ابن عباس: الجهر فيها قراءة الأعراب، وأراد جهلتهم.

وعن النخعي: أن الجهر بها بدعة. ونقل السروجي عن ابن الجوزي: والخطيب لا ينبغي أن يقبل جرحه ولا تعديله، لأن قوله ونقله يدل على قلة دين. والعجب من الثوري أيضا كيف ذكر الأحاديث الضعيفة وانتصر لها وصححها، ولم يذكر ما قيل فيها.

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة

وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

وقال الأكمل في هذا الموضع: فإن قيل: خبر الإخفاء بالبسملة مما تعم به البلوى، إلى آخر ما ذكره في شرحه، قلت: أخذ جميع ذلك عن السغناقي، ومع هذا فليس ما ذكره توفيقا بين الأحاديث الواردة في الجهر والإخفاء على طريقة أهل هذا الفن، وقد ذكرنا الذي هو الأصل

ص: 207

ثم عن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يأتي بها في أول كل ركعة كالتعوذ، وعنه أنه يأتي بها احتياطا، وهو قولهما، ولا يأتي بها بين السورة والفاتحة إلا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فإنه يأتي بها في صلاة المخافتة،

ــ

[البناية]

فللناظر فيه نظر.

م: (ثم عند أبي حنيفة أنه) ش: أي أن المصلي م: (لا يأتي بها) ش: أي بالتسمية م: (في أول كل ركعة) ش: وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة، وروي عن أبي حنيفة أن المصلي إذا سمى أول صلاته فإنه لا يعيدها لأنها شرعت لافتتاح الصلاة م:(كالتعوذ) ش: أي كقراءة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإنه يقرأها مرة في أول السورة اتفاقا.

م: (وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة (أنه يأتي بها) ش: أي أن المصلي يأتي بالتسمية في أول كل ركعة، وهذه الرواية رواها أبو يوسف عن أبي حنيفة. وفي " قنية الفتاوى ": والأحسن أن يأتي بها في أول كل ركعة عند أصحابنا جميعا لا اختلاف فيه، ولا تختلف الرواية عنهم، ومن قال، مرة، فقد غلط على أصحابنا غلطا فاحشا عرفه من تأمل كتب أصحابنا، لكن الخلاف في الوجوب، فعندهما في رواية المعلى عن أبي حنيفة أنها تجب في الثانية كوجوبها في الأولى. ورواية الحسن عنه أنها لا تجب إلا عند افتتاح الصلاة وإن قرأها في غيره فحسن، والصحيح أنها تجب في كل ركعة حتى لو سها عنها قبل الفاتحة سجد للسهو.

وفي " المجتبى ": وأما وجوبها خارج الصلاة، فالصحيح أنها تجب، وأجمع القراء أن يقرأها أول الفاتحة وكذا في سائر السور إلا عند غيره وأبي عمرو.

م: (احتياطا) ش: أي على سبيل الاحتياط، لأنها أقرب إلى متابعة المصحف لأن عليه إعادة الفاتحة، فكذا إعادتها. وروى الحسن عن أبي حنيفة: إن قرأها عند السورة فحسن.

م: (وهو قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد م: (ولا يأتي بها) ش: أي بالتسمية م: (بين السورة والفاتحة) ش: لأن محلها أول الصلاة م: (إلا عند محمد فإنه يأتي بها في صلاة المخافتة) ش: أي فإن المصلي يأتي بالتسمية بين الفاتحة والسورة في الصلاة التي يخافت فيها القراءة اتباعا للمصحف، وأما إذا جهر فلا، وعند الشافعي: لا تجوز الصلاة بدون التسمية، فلذلك قالوا: الأجود أن يأتي بها في كل ركعة، وهو المنقول عن ابن عباس رضي الله عنه ومجاهد، وذلك للاحتياط.

وقال حميد الدين: لا احتياط فيه، لأن عند سعد بن أبي وقاص تسمية المقتدي مفسدة لصلاته، لكن لم يفند هذا الخلاف إذ فساد الصلاة لها بعيد، حتى إنه استحسن قراءة البعيد خلف الإمام فيما يخافت.

ص: 208