الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم يرفع رأسه وي
قول: سمع الله لمن حمده
، ويقول المؤتم: ربنا لك الحمد، ولا يقولها الإمام عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وقالا: يقولها في نفسه،
ــ
[البناية]
[قول سمع الله لمن حمده]
م: (ثم يرفع رأسه ويقول: سمع الله لمن حمده) ش: أي ثم يرفع المصلي رأسه من الركوع ويقول: سمع الله لمن حمده، يقال له: استمعت، وتسمعت إليه وسمعت له، وكل بمعنى أي أضيفت إليه، قال الله تعالى:{لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ} [فصلت: 26](فصلت: الآية 26)، وقال الله تعالى:{لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى} [الصافات: 8](الصافات: الآية 8) ، المراد منه التسميع مجاز بطريق إطلاق اسم السبب وهو الإصغاء على المسبب وهو القبول والإجابة، أي أجاب له، وقيل: يعني قبل الله حمد من حمده، يقال: سمع الأمير كلام فلان: إذا قبله، ويقال: ما سمع كلامه؛ أي رده ولم يقبله وإن سمعه حقيقة. وفي الحديث: «أعوذ بك من دعاء لا يسمع» أي لا يستجاب.
وفي " الفوائد الحميدية ": الهاء في حمده للسكتة والاستراحة لا للكناية، كذا نقل عن الثقات. وفي " المستصفى ": الهاء للكناية كما في قوله: واشكروا له.
م: (ويقول المؤتم: ربنا لك الحمد) ش: أي المقتدي يقول: ربنا لك الحمد؛ ليوافق مبدأ الركعة بالحمد لله رب العالمين، ويختمها بربنا لك الحمد، وفي " شرح الطحاوي ": اختلفت الأخبار في التحميد، في بعضها يقول: ربنا لك الحمد، وفي بعضها: اللهم ربنا لك الحمد، وفي بعضها: اللهم ربنا ولك الحمد، والأول أظهر.
وقلت: ثبت في الأحاديث الصحيحة من روايات كثيرة: ربنا لك الحمد، ولك الحمد بالواو، واللهم ربنا لك الحمد، والكل صحيح. قال في " المحيط " و " الذخيرة ": اللهم ربنا لك الحمد أفضل لزيادة الثناء. وعن الفقيه أبي جعفر أنه قال: هذه زائدة، يقول العرب يعني هذا الشراب فيقول المخاطب: نعم، وهو لك بدرهم، فالواو زائدة، وقيل: يحتمل أن تكون عاطفة على محذوف أي: ربنا حمدناك ولك الحمد.
م: (ولا يقولها الإمام عند أبي حنيفة) ش: أي لا يقول الإمام: ربنا لك الحمد عند أبي حنيفة، وبه قال مالك وأحمد وحكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وأبي هريرة والشعبي، قال: وبه أقول.
م: (وقالا: يقولها في نفسه) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد: يقول الإمام: ربنا لك الحمد، سرا، وهو معنى قوله في نفسه، وبه قال الثوري والأوزاعي وأحمد في رواية، ويقتصر المأموم على ربنا لك الحمد، وقال الشافعي: يستحب له أن يقول: سمع الله لمن حمده، فإذا استوى فإنما يستحب له أن يقول:"ربنا [لك] الحمد ملء السموات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، كلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد"، هذا في كتبهم، والذي في الحديث أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد بالواو في كلنا.
لما روى أبو هريرة رضي الله عنه «أن النبي عليه الصلاة والسلام "كان يجمع بين الذكرين» ، ولأنه حرض غيره فلا ينسى نفسه. وله قوله عليه السلام:«إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد» .
ــ
[البناية]
قلت: في " سنن النسائي ": يحذفها، ويستوي عندهم في استحباب الأذكار الإمام والمأموم والمنفرد، وبه قال عطاء وابن سيرين وداود وجد أصحابنا هذا وأمثاله في النوافل، ويدل عليه حديث ابن أبي ليلى أنه عليه الصلاة والسلام زاد بعد ذلك:«اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس» رواه مسلم، هذا كله لا يقال في الفرض اتفاقا.
م: (لما روى أبو هريرة رضي الله عنهم «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الذكرين» ش: يعني سمع الله لمن حمده، وربنا لك الحمد. وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال:«كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أقام الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي ساجدا» .
وأخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح رفع يديه حذو منكبيه" وفيه: "وكان إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد» .
وأخرج مسلم عن عبد الله بن أبي أوفى قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: "سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد» .
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الإمام م: (حرض غيره فلا ينسى نفسه) ش: لئلا يدخل تحت قَوْله تَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44](البقرة: الآية 44) وفى " فتاوى الظاهرية ": كان الفضلي والطحاوي وجماعة من المتأخرين يميلون إلى قوله، وهو قول أهل المدينة، فاختاروا قولهما، وفي " المحيط ": قولهما رواية إسحاق عن أبي حنيفة.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة (قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الإمام: سمع لله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد» ش: روي هذا الحديث عن أنس، وأبي هريرة، وأبي موسى، وأبي سعيد الخدري، رضي الله عنهم. أما حديث أنس وأبي هريرة فرواه البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد» .
وأما حديث أبي موسى الأشعري فرواه مسلم والنسائي وابن ماجه وأحمد عنه أن رسول الله
هذه قسمة، وأنها تنافي الشركة، ولهذا لا يأتي المؤتم بالتسميع عندنا، خلافا للشافعي رحمه الله ولأنه يقع تحميده بعد تحميد المقتدي، وهو خلاف موضوع الإمامة،
ــ
[البناية]
صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الإمام سمع الله من حمده فقولوا: ربنا لك الحمد يسمع الله لكم» .
وأما حديث أبي سعيد الخدري فرواه الحاكم في "مستدركه " عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الإمام الله أكبر، فقولوا: الله أكبر، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد» : وقال: حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه.
م: (هذه قسمة) ش: أي هذه الكلمات المذكورة وهي الحديث قسمة؛ أي ذات قسمة لأنه قسم التسميع والتحميد فجعل التسميع للإمام والتحميد للمأموم (وأنها) ش: أي ولأن القسمة (تنافي الشركة) ش: أي تقطعها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:«البينة على المدعي واليمين على من أنكر» وقال الأكمل: فإن قيل: هذا الحديث يعارضه ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه: "أربع يخفيهن الإمام، وعد منها التحميد".
أجيب: بأنه قال في " الأسرار " أنه غريب.
قلت: هذا أخذه من السغناقي، ولكن الآخذ والمأخوذ منه لو تأمل هذا الموضوع لم يورد هذا السؤال ولا الجواب عنه لأنه ساقط جدا، فمن أين المعارضة هاهنا والحديث مذكور في " الصحيحين ". وما روي عن ابن مسعود موقوف عليه، مع أنه لم يصل إلى الصحة عنده. وقال الأكمل أيضا: أو بأن الرجحان بحديث القسمة لأنه مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام برواية أبي موسى الأشعرى رضي الله عنه.
قلت: إنما يطلب الرجحان من الخبرين إذا كانا ثابتين فظهر التعارض بينهما، وأما إذا كان أحدهما مرفوعا صحيحا والآخر موقوفا لم تثبت صحته، فكيف يقال بالرجحان؟.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون القسمة تنافي الشركة (لا يأتي المؤتم بالتسميع عندنا) ش: لأن الذي أصابه من القسمة التحميد لا التسميع معه م: (خلافا للشافعي رحمه الله) ش: فإن عنده المؤتم يجمع بينهما، وروي عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن الإمام والمؤتم يجمعان بين التسميع والتحميد كما هو مذهب الشافعي رحمه الله وذكر الأقطع هذه الرواية في " شرحه للقدوري " وهذه رواية شاذة.
م: (ولأنه يقع تحميده) ش: دليل آخر؛ أي ولأن الشأن يقع تحميد الإمام م: (بعد تحميد المقتدي وهو خلاف موضوع الإمامة) ش: لأن الاقتداء عقد موافقة ومتابعة لا مسابقة، وفيه نظر لإمكان
والذي رواه محمول على حالة الانفراد، والمنفرد يجمع بينهما في الأصح، وإن كان يروى الاكتفاء بالتسميع، ويروى بالتحميد، والإمام بالدلالة عليه آت به معنى.
قال: ثم إذا استوى قائما كبر وسجد، أما التكبير والسجود فلما بينا،
ــ
[البناية]
مقارنة تحميد المقتدي، وفيه نظر م:(والذي رواه) ش: أي الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه «أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجمع بين الذكرين» (محمول على حالة الانفراد) ش: أي على حالة انفراد النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة النقل توفيقا بين الحديثين (والمنفرد يجمع بينهما) ش: أي بين التسميع والتحميد (في الأصح) ش: أي في الأصح من الروايات عن أبي حنيفة، فإنه جاء عنه في رواية ذكرها الصدر الشهيد في شرح " الجامع الصغير " أن المنفرد يأتي بالتسميع لا غير، وجاء في رواية رواها الحسن عنه أنه يأتي بهما، كما هو مذهبنا، وجاء عنه في رواية أنه لا يجمع بينهما، وأشار المصنف إلى أن الأصح من هذه الروايات هو رواية الجمع بينهما. وفي "شرح الأقطع ": الصحيح أنه لا يأتي بهما. وروى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يأتي بالتحميد لا غير، قال في " المبسوط ": وهو الأصح، قال قاضي خان: وعليه أكثر مشايخنا.
م: (وإن كان يروى الاكتفاء بالتسميع ويروى بالتحميد) ش: كلمة إن واصلة لما قبلها، وأشار بهذا إلى أن ها هنا روايتين أخريين، إحداهما: الاكتفاء بالتسميع والأخرى بالتحميد، وأن الرواية التي رويت بالجمع بينهما هي الأصح من هاتين الروايتين، ورواية الاكتفاء بالتسميع هي رواية " النوادر "، ورواية الاكتفاء بالتحميد هي رواية " الجامع الصغير ".
م: (والإمام بالدلالة عليه آت به معنى) ش: هذا جواب عن قولهما أنه حرض غيره فلا ينسى نفسه، تقريره: لا نسلم أن الإمام ينسى نفسه، لأنه أتى بالتحميد أيضا بدلالة غيره عليه؛ أي على التحميد لأن الدال على الخير كفاعله بالحديث.
فإن قلت: مثل هذه الدلالة موجود في حق المنفرد أيضا فينبغي أن يكتفي هو بالتسميع.
قلت: لا دلالة على اكتفاء المنفرد بالتسميع من جهة الشارع بخلاف الإمام، فإنه قام الدليل على ترك التحميد في حقه، وفي " المجتبى " ثم في الرواية التي يجمع بينهما يأتي بالتسميع حال الرفع.
م: (ثم إذا استوى قائما) ش: قال: ربنا لك الحمد ثم إذا استوى قائما (كبر وسجد) ش: أي بعد فراغ المصلي عن الركوع إذا استوى حال كونه قائما منتصبا يقول الله أكبر ويهوي للسجود م: (أما التكبير والسجود فلما بينا) ش: أراد به بين التكبير قبل هذا بقوله: لأن النبي عليه السلام كان يكبر عند كل خفض ورفع، وبين السجود في أول الباب بقوله:{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77](الحج: الآية 77) .
وأما الاستواء قائما فليس بفرض، وكذا الجلسة بين السجدتين، والطمأنينة في الركوع والسجود، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف: يفترض ذلك كله، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
ــ
[البناية]
م: (وأما الاستواء قائما فليس بفرض) ش: وهو الذي يسمى القومة (وكذا الجلسة بين السجدتين) ش: أي ليست بفرض (والطمأنينة في الركوع والسجود) ش: أي وكذا الطمأنينة في الركوع ليس بفرض في نفس الركوع ونفس السجود، والطمأنينة مصدر من اطمأن الرجل اطمئنانا وطمأنينة، أي سكن، وهو مطمئن إلى كذا وكذا طبأن بالباء الموحدة على الإبدال، وهذا مزيد الرباعي وأصله طمأن على وزن فعلل فنقل إلى باب افعلل بالتشديد في اللام الأخيرة، فصار اطمأن، وأصله اطمأن، فنقلت حركة النون الأولى إلى الهمزة، وأدغمت النون في النون مثل اقشعر، أصله اقشعرر ورباعيه قشعر على ما عرف في موضعه.
م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرنا من عدم فرضية القومة والجلسة والطمأنينة (عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله) ش: وبه قال بعض أصحاب مالك، فإذا لم تكن هذه الأشياء فرضا عندهما فهي سنة، وهذا في تخريج الجرجاني، وفي تخريج الكرخي واجبة، ويجب سجود السهو بتركها. وفي " الجواهر" للمالكية: لو لم يرفع رأسه من ركوعه، وجبت الإعادة في رواية ابن القاسم عن مالك، ولم يجز في رواية علي بن زياد. وقال ابن القاسم: من يرفع من الركوع والسجود رأسه ولم يعتدل يجزئه ويستغفر الله ولا يعود، وقال أشهب: لا يجزئه.
قال أبو حنيفة: إن من كان إلى القيام أقرب الأولى أن يجب، فإن قلنا بوجوب الاعتدال يجب الطمأنينة وقيل: لا تجب.
م: (وقال أبو يوسف رحمه الله: يفترض ذلك كله) ش: أي المذكور من القومة والجلسة والطمأنينة، وفي " التحفة ": فقال أبو يوسف: فرض طمأنينة الركوع والسجود مقدار تسبيحة واحدة. وفي " الأسبيجابي ": الطمأنينة ليست بفرض في ظاهر الرواية، وروي عن أبي يوسف أنها فرض. قال أبو الليث رحمه الله لم يذكر الاختلاف في الكتاب ولكن تلقيناه من أبي جعفر وكذلك لم يذكر في " الأسرار ".
م: (وهو قول الشافعي رحمه الله) ش: أي ما ذهب إليه أبو يوسف هو قول الشافعي وبه قال أحمد أيضا. وقال إمام الحرمين: في قلبي شيء من وجوب الطمأنينة في الاعتدال، وسببه أنه عليه الصلاة والسلام لم يذكرها في الاعتدال قائما وإنما ذكرها في غيره، فلو أتى بالركوع الواجب فعرضت علة منعته من الانتصاب، سجد في ركوعه وسقط عنه الاعتدال، فإن زالت العلة قبل بلوغ جبهته الأرض وجب أن يرفع وينتصب قائما ويعتدل ثم يسجد، وإن زالت بعد قطع صلاته كان عالما بتحريمه.
لقوله عليه الصلاة والسلام: «قم فصل فإنك لم تصل» قاله لأعرابي حين أخف الصلاة.
ــ
[البناية]
وقال في " المفيد " و " المنافع ": وهذه المسألة بلغت بتعديل الأركان. وقال السرخسي: من ترك الاعتدال تلزمه الإعادة، وقال أبو الليث: تلزمه الإعادة وتكون الثانية هي الفرض.
م: (لقوله عليه الصلاة والسلام: «قم فصل فإنك لم تصل، قاله لأعرابي حين أخف الصلاة» ش: الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، حتى فعل ذلك ثلاث مرات، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني يا رسول الله، قال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم اجلس حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» .
وقال القعنبي: عن سعيد بن أبي سعيد المقبري [عن أبيه] عن أبي هريرة، وقال في آخره «فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك، وما انتقصت من هذا فإنما انتقصته من صلاتك» .
والترمذي رواه عن رفاعة بن رافع «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد يوما، قال رفاعة: ونحن معه، إذ جاء رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته ثم انصرف فسلم على النبي عليه السلام فقال له: "وعليك، ارجع فصل فإنك لم تصل» . الحديث، وقال: حديث حسن. والنسائي رواه عن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري، حدثني أبي عن عم له بدري قال:«كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في المسجد فدخل رجل فصلى ركعتين ثم جاء فسلم على النبي عليه الصلاة والسلام وقد كان عليه السلام يرمقه في الصلاة فرد عليه السلام ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تصل» .. الحديث.
وأصل الحديث في " الصحيحين " عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ أبي داود في المسيء الصلاة، وليس فيه: إذا انتقصت من هذا فإنما ينقصه من صلاتك، والعجب من شراح " الهداية " كيف يتركون الكلام في الحديث الذي احتج به المصنف ويذكرون الأحاديث من الخارج، ومع هذا لا يتعرضون إلى بيان حالها ولا إلى مخرجها من الصحابة والرواة.
وأما الأترازي: فإنه ذكر حديث الأعرابي بقوله لأبي يوسف قوله عليه السلام للأعرابي حين خفض الركوع والسجود قم فصل فإنك لم تصل، ولم يروه أحد من المحدثين بهذه العبارة. وقال أيضا وقوله عليه السلام إن أسوأ الناس سرقة من سرق من صلاته، ولم ينسبه إلى أحد.
ولهما أن الركوع هو الانحناء، والسجود هو الانخفاض لغة فتتعلق الركنية بالأدنى فيهما، وكذا في الانتقال،
ــ
[البناية]
وأما الأكمل فإنه قال: وأعدل أبو يوسف حديث الأعرابي وهو قوله عليه السلام حين رآه ينقر نقر الديك: قم فصل فإنك لم تصل، ولم يرو أحد في الكتب المشهورة بهذه العبارة.
وأما صاحب " الدراية " فإنه قال ولأبي يوسف ما روي أنه عليه السلام قال: لا يقبل الله صلاة من لم يقم صلبه في الركوع والسجود، وما روي أنه عليه السلام رأى رجلا تاركا للتعديل فلما فرغ قال له:«إن أسوأ الناس سرقة من سرق من صلاته» ، وما روي أنه عليه السلام قال للمسيء صلاته:«أقم الركوع حتى تعتدل قائما» . وما روي أنه رأى حذيفة بن اليمان رجلا يصلي ولا يتم الركوع والسجود فقال له: مذ كم تصلي هكذا؟ فقال: مذ كذا، فقال له: ما صليت لله صلاة، فإنك لم تصل بكذا وكذا، ومثل هذا كما ترى وليس فيه نسبة حديث إلى مخرجه ولا يتعرض إلى حاله.
وأما السغناقي فكذلك سلك مسلكهم.
وأما حديث: لا يقبل الله صلاة من لم يقم صلبه في الركوع والسجود، فقد رواه الأربعة عن عبد الله بن سخبرة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها ظهره في الركوع والسجود» . قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وأما حديث حذيفة فأخرجه البخاري وبعد قوله مذ كذا، قال حذيفة: ما صليت لله صلاة، وأحسبه قال: ولو مت مت على غير سنة محمد، عليه الصلاة والسلام.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد (أن الركوع هو الانحناء) ش: يقال ركع الشيخ: انحنى من الكبر، وركعت النخلة: إذا مالت إلى الأرض م: (والسجود هو الانخفاض) ش: وإمساس جبهته بالأرض عندهم أو أنفه عند أبي حنيفة، والمزيد على ذلك للأكمل وترك الأكمل لا يكون مفسدا، وهذا لأن الأمر بالفعل يوجب أصل الفعل دون الدوام عليه، ولهذا يحنث إذا حلف لا يركع بالانحناء.
م: (لغة) ش: أي من حيث اللغة، وهو يرجع إلى المذكورين (فتتعلق الركنية بالأدنى فيهما) ش: أي بأدنى الانحناء والانخفاض في الركوع والسجود، والركنية لا تثبت إلا بالنص، وإنما ورد النص بالركوع وهو الانحناء والسجود وهو الانخفاض.
م: (وكذا في الانتقال) ش: أي وكذا الطمأنينة في حال الانتقال من ركن إلى ركن، يعنى ليست
إذ هو غير مقصود، وفي آخر ما روي تسميته إياه صلاة حيث قال:«وما نقصت من هذا شيئا فقد نقصت من صلاتك» .
ــ
[البناية]
بفرض (إذ هو) ش: أي الانتقال م: (غير مقصود) ش: يعني لذاته، وإنما المقصود أداء الركن، وفي " الخلاصة ": والاعتدال في الانتقال سنة بالاتفاق.
م: (وفي آخر ما روي تسميته إياه صلاة حيث قال: «وما نقصت من هذا شيئا فقد نقصت من صلاتك» ش: أي تسمية النبي صلى الله عليه وسلم وهو مبتدأ والضمير في إياه يرجع إلى الأعرابي، وقوله صلاة منصوب لأنه مفعول ثان للتسمية، وقوله في آخر ما روي جملة في محل الرفع لأنها وقعت خبرا للمبتدأ، وروي، يجوز أن يكون صفة المعلوم؛ أي ما رواه أبو يوسف، ويجوز أن يكون على صيغة المجهول أي فيما روي من حديث الأعرابي، وتقرير الجواب عنه أن النبي عليه السلام سمى ما صنعه الأعرابي في صلاته حيث قال: وما نقصت من هذا فقد نقصت من صلاتك، فلو كان ترك التعديل مفسدا لما سماه صلاة، كما لو ترك الركوع والسجود.
وقال الأكمل: ولأنه لو كان فاسدا كان الاشتغال به عبثا وكان تركه عليه السلام إلى الفراغ منه حراما، فكان الحديث بمنزلة الإكرام من الوجهين، قلت: لقائل أن يقول: لا نسلم أن تسميته إياه صلاة يرجع إلى ما صلاه الأعرابي أولا بل يرجع إلى الصلاة التي صلاها بعد قوله: «والذي بعثك بالحق نبيا ما أحسن غير هذا فعلمني يا رسول الله، قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر» إلى آخره، وقد ذكرناه عن قريب، على أن أصل الحديث في " الصحيحين " وليس فيهما ذكر تسمية الصلاة كما ذكرناه، ولئن سلمنا ذلك فيجوز أن يكون تسميته صلاة باعتبار ما عند الأعرابي من زعمه أنه صلاة، وتعليل الأكمل بقوله: ولأنه لو كان فاسدا إلى آخره، غير سديد ولا موجه من وجوه:
الأول: أن قوله: لو كان فاسدا لعلة غير صحيح لأنه كان فاسدا، ولهذا أمره بإتيان صلاة صحيحة بعد تعليمه إياه.
الثاني: أن قوله: كان الاشتغال به عبثا وتركه عليه السلام وبالفراغ منه حراما ليس كذلك لأنه عليه السلام منزه عن تقرير آخر عن الاشتغال بالعبث أو بتركه على الحرام، وإنما كان عليه السلام يرمقه حتى ينظر كيف يصلي كما ذكرناه فيما مضى عن قريب، وفي الحديث: حتى فعل ذلك ثلاث مرات، ولو كان فعل الأعرابي عبثا وتقريره عليه السلام عليه غير جائز لكان عليه السلام منعه في المرة الأولى وعلمه الصلاة الكاملة بعدها، وإنما صبر عليه لأنه ربما يهتدي إلى الصلاة الصحيحة ولم ينكر عليه لأنه كان من أهل البادية وعندهم جفاء وغلظ، فلو أمره ابتداء لكان يقع في خاطره شيء وكان المقام مقام تعليم وإرشاد، ففي تمكينه عليه السلام في فعله ذلك ثلاث مرات لذلك المعنى.
ثم القومة والجلسة سنة عندهما، وكذا الطمأنينة في تخريج الجرجاني - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وفي تخريج الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - واجبة حتى تجب سجدتا السهو بتركها ساهيا عنده.
ــ
[البناية]
الثالث: أن قوله: فكان الحديث مشترك الالتزام، بطل بما ذكرنا، ومن جملة ما قال أبو يوسف في هذا الموضع: إن القومة والجلسة والطمأنينة فرض لأنها ركن من أركان الصلاة فوجبت أن لا تتأدى بأدنى ما يطلق عليه الاسم بل بزيادة توجد بعد قياسا على القيام والقراءة والقعدة الأخيرة، ولأن الركوع ركن شرع فيه تسبيح فوجب أن يكون رفع الرأس ركنا قياسا على السجدة، وأجابوا بأن اعتباره بالقيام، فالركن في القيام عندنا ما يطلق عليه اسم القيام وإنما التقدير بسبب القراءة، ألا ترى أنه متى سقطت القراءة كان نفس القيام يكفيه كما في الثالثة والرابعة وفيمن أدرك الإمام في الركوع.
وأما القراءة فالركن عندنا فيها أدنى ما يطلق عليها اسم القراءة وذلك آية وما دونها، وإن كان قرآنا حقيقة فليس بقرآن حكما حتى حلت قراءته للجنب والحائض.
وأما القعدة فإنما لم يكتف فيها بأدنى ما يطلق عليه الاسم لأن الخروج يلاقي القعدة ويتصل بها، والجزء الذي يلاقيه القطع يخرج من أن يكون صلاة، والباقي مما يطلق عليه اسم القطع، وإذا وجبت الزيادة فقدرت بالتقدير الذي ورد به الشرع بخلاف غيرها من الأركان، فإنه لا يتصل بها، فيبقى القدر الذي وجد تاركا.
وأما قوله: لأن الركوع ركن شرع فيه تسبيح، فقلنا: رفع الرأس في السجدة ليس بفرض وإنما الفرض هو الاشتغال لأنه لا يمكنه أداء الثانية إلا به، إلا أنه لا يمكنه الاشتغال، حتى لو أمكنه الاشتغال من غير الرفع بأن سجد على وسادة فأزيلت الوسادة حتى سقطت جبهته على الأرض أجزأه، هكذا قال القدوري في " التجريد ". وأما في الركوع فالاشتغال إلى السجود يمكن من غير الرفع فلا يحصل الرفع ركنا.
م: (ثم القومة) ش: أي بعد الركوع (والجلسة) ش: أي بين السجدتين (سنة عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد باتفاق الروايات. وفي " المحيط ": الاعتدال في القومة والجلسة سنة قدر التسبيحة (وكذا الطمأنينة) ش: أي وكذا الاطمئنان في الركوع والسجود سنة عندهما م: (في تخريج الجرجاني) ش: وهو الشيخ أبو عبد الله الجرجاني تلميذ الشيخ أبي بكر الرازي وهو تلميذ الشيخ أبي الحسن الكرخي، وجه تخريجه أن الطمأنينة شرعت لإكمال ركن، وما كان مشروعيته للإكمال فهو سنة لا واجبة كطمأنينة الاشتغال، فعلى هذا لا يجب سجود السهو بتركها.
م: (وفي تخريج الكرخي واجبة) ش: أي الطمأنينة لأنها شرعت لإكمال ركن مقصود فصارت كطمأنينة القراءة. (حتى تجب سجدت السهو بتركها ساهيا) ش: أي بترك الطمأنينة (عنده) ش: أي عند الكرخي، وسئل الزهري عمن لا يتم الركوع والسجود أيشتغل بالتطوع أم بقضاء ما صلى
ويعتمد بيديه على الأرض؛ «لأن وائل بن حجر رضي الله عنه وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد وادعم على راحتيه ورفع عجيزته» .
ــ
[البناية]
بلا اعتدال على قول أبي يوسف والشافعي؟ . قال: ما دام في الوقت يؤمر بالإعادة، فإذا خرج لا يؤمر، ولكن يثاب بها. قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله الاشتغال بقضائها أولى في الحالتين، كذا في " التتمة ".
م: (ويعتمد بيديه على الأرض) ش: يعني في حالة السجود، وفي " شرح الطحاوي " كيفية الانتقال إلى السجود والقيام منه أول ما يكون يقع على الأرض ركبتاه ثم يداه ثم جبهته، فقال بعضهم: يضع أنفه ثم جبهته، والأولى أن يضع أولا ما كان أقرب إلى الأرض، وإذا رفع يرفع ما كان أقرب إلى السماء، وبه قال الشافعي وأحمد، هذا إذا كان حافيا، فلو كان ذا خف ولا يمكنه ما قلنا، يضع يديه أولا ويقدم اليمنى على اليسرى.
وقال الأوزاعي: يضع يديه ثم ركبتيه، قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال النبي عليه السلام: «إذا سجد أحدكم فلا ببرك بروك الجمل وليضع يديه قبل ركبتيه» رواه النسائي وأبو داود، وقال أصحاب مالك: إن شاء وضع يديه وركبتيه أولا، وإن شاء يديه، والبداءة بوضع اليدين أحسن.
م: (لأن وائل بن حجر وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم «فسجد وادعم على راحتيه ورفع عجيزته» ش: هذا الحديث لم يرو عن وائل بن حجر وإنما روي عن البراء بن عازب، رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " حدثنا محمد بن الصباح حدثنا شريك عن أبي إسحاق قال:«وصف البراء بن عازب السجود فسجد وادعم على كفه ورفع عجيزته، وقال: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد» ورواه أبو داود عن أبي توبة عن شريك، والنسائي عن علي بن حجر عن شريك به.
وقال النووي في " الخلاصة ": ورواه ابن حبان والبيهقي، وهو حديث حسن ولم أر أحدا من الشراح تعرض لهذا الحديث، وإنما فسروا معنى ادعم والعجيزة، وسكتوا ومضوا، وادعم بتشديد الدال من يدعم، يقال: أدعمت الشيء دعما: إذا جعلته دعامة، فنقل إلى باب الافتعال فصار اتدعم أي أتكأ. والراحة: الكف، والعجيزة بفتح العين وكسر الجيم وسكون الباء للمرأة، وقد يستعار للرجل. والعجز بفتح العين وضم الجيم وهو ما بين الوركين.
وقال الأترازي: وكأن صاحب " الهداية " استعار العجيزة للعجزاء، ويحتمل أنها جاءت كالعجز سواء. قلت: لم يستعر صاحب " الهداية " ذلك أيضا، وإنما هو وقع هكذا في حديث البراء كما ذكرناه الآن.
وقوله: أو يحتمل إلخ، ليس كذلك لأن العجز خاص للمرأة نص عليه أصحاب اللغة وإنما
قال: ووضع وجهه بين كفيه ويديه حذاء أذنيه؛ لما روي أنه عليه السلام فعل كذلك قال: وسجد على أنفه وجبهته؛
ــ
[البناية]
استعماله في موضع العجز بطريق الاستعارة كما ذكرنا.
م: (قال) ش: أي القدوري (ووضع وجهه بين كفيه ويديه) ش: أي وضع يديه (حذاء أذنيه) ش: وبه قال أحمد رحمه الله لأن آخر الركعة معتبر بأولها، فكما يجعل رأسه بين يديه في أول ركعة عند التكبير، فكذلك في آخرها. وفي " الكافي ": لو وضع وجهه بين كفيه يكون واضعا يديه حذاء أذنيه، فلهذا صرح بلفظ اليد، وذكر اليد لأجل التأكد كما في قَوْله تَعَالَى:{وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] وقال الشافعي: يضع يديه حذو منكبيه.
م: (لما روي أنه عليه السلام فعل كذلك) ش: يعني لما سجد وضع وجهه بين كفيه ويديه حذاء أذنيه، فهذا لا يوجد إلا معرفا ففي " صحيح مسلم " من حديث وائل «أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فوضع وجهه بين كفيه مختصرا» . وفي " مسند إسحاق بن راهويه " عن وائل «رمقت النبي صلى الله عليه وسلم فلما سجد وضع يديه حذاء أذنيه» وكذلك رواه الطحاوي في " شرح الآثار ". ورواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا الثوري به، ولفظه:«كانت يداه حذو أذنيه» . والعجب من الأترازي أنه يقول في هذا الموضع: قال في " شرح الأقطع ": روى وائل بن حجر «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد وضع جبهته بين كفيه» وهذا التقصير منه [له] وجهان، الأول: أنه نسب الحديث إلى ما ذكره الأقطع في شرحه ولم ينسبه إلى مخرجه.
والثاني: المذكور ها هنا اثنتان: وضع الوجه بين الكفين في السجدة، ووضع اليدين حذو الأذنين، فذكر دليل أحدهما وترك الآخر، ثم قال: والذي روي أنه وضع يديه حذاء منكبيه يحتمل أنه فعل ذلك حالة التكبير.
قلت: هذا رواه البخاري في حديث أبي حميد «أنه صلى الله عليه وسلم لما سجد وضع كفيه حذو منكبيه» . ورواه أبو داود والترمذي ولفظهما: «كان إذا سجد مكن أنفه وجبهته ونحى يديه عن جنبيه ووضع كفيه حذو منكبيه» ، وإليه ذهب الشافعي رحمه الله.
والجواب الذي قاله الأترازي عن هذا الحديث ليس بكاف، والأحسن يقال: إن الذي روينا أولى بالأخذ من حديث أبي حميد، لأن في سنده فليح بن سليمان وهو وإن أخرج له الأئمة الستة وهو من كبار العلماء، فقد تكلم فيه، فضعفه النسائي وابن معين وأبو حاتم وأبو داود ويحيى القطان والساجي، قاله الذهبي في "ميزانه ".
م: (قال) ش: أي القدوري (وسجد على أنفه وجبهته) ش: والجمع بينهما مستحب عندنا، وبه
لأن النبي عليه السلام واظب عليه. فإن اقتصر على أحدهما جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
ــ
[البناية]
قال الشافعي وأبو ثور، وقال سعيد بن جبير والنخغي وإسحاق: يجب السجود عليهما. وعن مالك وأحمد رحمهما الله روايتان كالمذهبين، ثم إذا جمع بينهما قيل يقدم الجبهة على الأنف، وقيل يقدم الأنف عليهما، حكاه الأسبيجابي.
م: (لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليه) ش: أي على السجود على الأنف والجبهة، ومواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك تفهم من أحاديث جاءت في هذا الباب، منها حديث أبي حميد رواه البخاري في "صحيحه "، وفيه:«ثم سجد فأمكن أنفه من جبهته من الأرض» ، ورواه أبو داود والنسائي كذلك. ومنها حديث وائل رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده، والطبراني في "معجمه " وفيه:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع أنفه على الأرض مع جبهته» .
ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما رواه ابن عدي في "الكامل " وفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من لم يلصق أنفه مع جبهته بالأرض إذا سجد لم تجز صلاته» وفيه الضحاك بن حمزة، قال ابن معين: ليس بشيء.
ومنها حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه الدارقطني قالت: «أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أهله تصلي ولا تضع أنفها بالأرض فقال: "ما هذا؟ ضعي أنفك بالأرض فإنه لا صلاة لمن لم يضع أنفه بالأرض مع جبهته في الصلاة» وفيه ثابت بن عمرو الشيباني، وهو ضعيف.
(فإن اقتصر على أحدهما جاز عند أبي حنيفة رحمه الله) الاقتصار على الأنف والجبهة يجوز عند أبي حنيفة رحمه الله مطلقا، لكن بلا عذر يكره. وفي " المبسوط ": السجدة جائزة عند أبي حنيفة وتكره في " التجنيس " لو وضع جبهته على حجره. غير أن وضع أيسرها على الأرض يجوز وإلا فلا.
أبو حنيفة يقول: ينبغي أن يضع مع جبهته مقدار الأنف حتى جاز وإلا فلا. وفي " البدائع " و " التحفة ": إن وضع الجبهة وحدها من غير عذر تجوز عند أبي حنيفة بلا كراهة، وفي الأنف وحده يجوز مع الكراهة، والمستحب الجمع بينهما في حالة الاختيار بلا خلاف، وفي " المفيد " و " المزيد " وضع الجبهة وحدها والأنف وحده يكره ويجزي عنده.
فإن قلت: قال ابن المنذر: لا أعلم أحدا سبقه إلى هذا القول ولا تابعه عليه، حكي ذلك عن النووي في " شرح المهذب " وابن قدامة في " المغني ".
وقالا: لا يجوز الاقتصار على الأنف إلا من عذر، وهو رواية عنه لقوله عليه الصلاة والسلام:«أمرت أن أسجد على سبعة أعظم» وعد منها الجبهة،
ــ
[البناية]
قلت: ذكر الطحاوي في " شرح الآثار " أن حكم الجبهة والأنف سواء. وقال أبو يوسف عن طاووس أنه سئل عن السجود على الأنف وقال: أليس أكرم للوجه؟ قال أبو هلال: سئل ابن سيرين عن الرجل يسجد على أنفه فقال: أوما تقرأ {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107](الإسراء: الآية 107) ، فالله مدحهم بخرورهم على الأذقان في السجود، فإذا يسقط السجود على الذقن بالإجماع بصرف الجواز إلى الأنف لأنه أقرب إلى الحقيقة لعدم الفصل بينهما بخلاف الجبهة، إذ الأنف فاصل بينهما فكان من الجبهة، وقال تقي الدين العبدي: وهو قول مالك.
وذكر في " المبسوط " جواز الاقتصار على الأنف عن ابن عمر رضي الله عنهما قال في العارض: في بعض طرق حديث ابن عباس رضي الله عنهما «أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعظم، الجبهة أو الأنف» وقال بعض شراح مسلم أن المراد من ذكر الجبهة أو الأنف لئلا تصير ثمانية، ويدل عليه أو الأنف في الرواية المذكورة.
وقول ابن المنذر: لا أعلم أيضا فيه منه إذ ما جهله أكثر مما علمه. وما ذكر تحامل منه وتعصب، وقد بينا من قال بقوله قبله وبعده من السلف والخلف.
م: (وقالا: لا يجوز الاقتصار على الأنف إلا من عذر وهو رواية عنه) ش: أي عن أبي حنيفة رحمه الله وهو رواية أسد بن عمرو عنه، وفي " الوبري ": لو كان على أحدهما عذر جاز السجود على الآخر بلا كراهية في قولهم جميعا، ولو ترك السجود على المعذور منها وأدى لا يجوز اتفاقا، وإن كان بهما عذر يومئ ولا يسجد على غيرهما كالخد والذقن، ويومئ قاعدا وإن قدر على القيام، وبقولهما قال الشافعي وأحمد رحمهما الله في رواية، وقال أحمد في رواية: يجب السجود، وقال إسحاق وبعض أصحاب مالك: إن اقتصر على وضع الجبهة أعاد في الوقت، وإن اقتصر على الأنف أعاد أبدا، وفي " المجمع ": وعلى قولهما الفتوى.
م: (لقوله عليه السلام: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، وعد منها الجبهة» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين» ، وفي لفظ لهم:«أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يسجد على سبعة أعضاء» فذكرها.
وجه الاستدلال به ظاهر لأنه ذكر الجبهة من السبعة.
فإن قلت: لا يتم الاستدلال لهما بهذا الحديث، ألا ترى أنه لو ترك وضع اليدين والركبتين جازت سجدته بالإجماع، وهذه الأعضاء الأربعة من تلك السبعة، فحينئذ يستقيم لأبي حنيفة أن
ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أن السجود يتحقق بوضع بعض الوجه، وهو المأمور به، إلا أن الخد والذقن خارج بالإجماع، والمذكور فيما روي الوجه في المشهور،
ــ
[البناية]
يحتج عليهما بجواز ترك الجبهة بهذا الحديث، لأن كونها فيها في كونه مأمور به سواء.
قلت: أورد الحديث لبيان أن هذه الأعضاء هي محل السجدة؛ لأنه غيرها لا لبيان أن وضع هذه الأعضاء السبعة لازم لا محالة، والأنف غير هذه الأعضاء المذكورة، فيجب أن لا يتأدى الفرض بوضع الأنف مجردا كما لو وضع الذقن مجردا، لأن نص الحديث لم يتناوله، فلم يكن الأنف محلا للسجدة، فلذلك تعرض في الكتاب لتصريح الجبهة بقوله: وعد منها الجبهة، ولم يعد الأنف، فكان نفيا لمحلية الأنف للسجدة ليفيد التخصيص، فلما لم يكن محلا لا يقع الفرض بوضعه منفردا.
م: (ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن السجود يتحقق بوضع بعض الوجه) ش: لأن السجود ينبئ عن الوضع على الأرض، يقال: سجدت الناقة: إذا وضعت جرانها على الأرض، فإذا كان كذلك يتحقق بوضع بعض الوجه على الأرض (وهو المأمور به) ش: أي وضع بعض الوجه على الأرض هو المأمور به لأنه عليه السلام بين أن محل السجدة هو الوجه، ولا يمكن بكله فيكون بالبعض مأمورا بها والأنف بعضه م:(إلا أن الخد والذقن خارج) ش: عن إرادة البعض (بالإجماع) ش: فتعين الجبهة والأنف، والاقتصار على الجبهة يجوز بالاتفاق لكونها بعض الوجه وسجد، أثم الاقتصار على الأنف لأنها بعض الوجه، وسجد إلا أنه يكره لمخالفة السنة.
م: (والمذكور فيما روي الوجه في المشهور) ش: هذا جواب عن الحديث الذي احتج به أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تقريره أن الذي ذكره في الحديث الذي رواه لفظ الوجه موضع الجبهة، وهو الذي رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه وكفاه، وركبتاه، وقدماه» .
ورواه ابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "مستدركه " وسكت عنه. ورواه البزار في "مسنده " بلفظ: «أمر العبد أن يسجد على سبعة» قال البزار: وقد روى هذا الحديث سعد، وابن عباس، وأبو هريرة، وغيرهم ولا نعلم أحدا قال: آراب، إلا العباس.
قلت: قد قالها ابن عباس رضي الله عنه أيضا، أخرجه أبو داود في "سننه " عنه مرفوعا:«أمرت أن أسجد، وربما قال: أمر نبيكم أن يسجد على سبعة آراب» .
وقالها سعد أيضا كما رواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده " والطحاوي في " شرح الآثار " من حديث عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص عن النبي عليه السلام قال: «أمر العبد أن يسجد على سبعة آراب» فذكرها بلفظ السنن وزاد:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
«أيها لم يضعه فقد انتقص» . وأخطأ المنذري أن عزاه في " مختصره " هذا الحديث للبخاري ومسلم إذ ليس فيهما لفظة الآراب أصلا.
وقول المصنف رضي الله عنه: في المشهور عنه، نظر، لأن المشهور هو ذكر الجبهة، ولم أر أحدا من الشراح حقق هذا الموضع.
فإن قلت: ذكر الأنف في رواية مسلم حيث قال: «أمرت أن أسجد على سبعة: الجبهة، والأنف، واليدين، والركبتين، والقدمين» ".
قلت: الأنف تابع للجبهة، ألا ترى كيف أصحاب التشريح قالوا: إن عظمي الأنف يبتدآن من قرنة الحاجب وينتهيان إلى الموضع الذي فوق الثنايا والرباعيات، فعلى هذا يكون الأنف والجبهة التي هي أعلى الخد واحدا، وهو المعنى المشار إليه في حديث عبد الله بن طاوس عن أبيه قال عليه السلام:«أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة، وأشار بيده على أنفه والرجلين وأطراف القدمين ولا تكفت الثياب ولا الشعر» فقد سوى بينهما، ولأن أعضاء السجود سبعة إجماعا، ولا تكون سبعة إلا إذا كانت الجبهة والأنف عضوا واحدا.
والآراب: جمع إرب بكسر الهمزة وسكون الراء وهو العضو.
فإن قلت: حديث العباس بن عبد المطلب خبر ومعناه الأمر وإلا يلزم الكذب.
قلت: لا نسلم ذلك، ويجوز أن يكون خرج مخرج الغالب إذ الظاهر من حال المصلي الإتيان بالسنة فلا يلزم منه الأمر، وجعل الخبر معنى الأمر خلاف الأصل فيه، في " الواقعات ": لو لم يضع يديه وركبتيه على الأرض عند سجوده لا يجزئه.
قال: كذا قاله أبو الليث، قال: وفتوى مشايخنا على الجواز حتى لو كان موضع ركبته نجسا يجوز. وقال في " الذخيرة ": لم يصحح أبو الليث هذه الرواية. وفي عمدة الفتاوى ": الصحيح أن موضع الركبة لو كان نجسا لا يجوز وكذا موضع اليد.
قال: هذه العلة غير سديدة فإنه لو صلى واقفا إحدى رجليه يجوز، وواضعها على النجاسة لا يجوز، ولو رفع أصابع رجليه في سجوده لا يجوز. وقال في " الذخيرة ": كذا ذكره الكرخي في "كتابه " والجصاص في "مختصره "، وللشافعي رحمه الله في وجوب هذه الأعضاء قولان، أشهرهما: أنه لا يجب، أي لا يجب الإتمام بها إذا عجز كالجبهة.
ونص في " الأمالي ": إن وضعها مستحب، قال أبو الطيب: مذهب الشافعي أنه لا يجب، وهو قول عامة العلماء، وقال صاحب " المهذب " والبغوي: هذا القول الأشهر وصححه الجرجاني في التحرير والروياني في " الحلية "، وعند زفر وأحمد: واجب، وعند أحمد في
ووضع اليدين والركبتين سنة عندنا، لتحقق السجود بدونهما، وأما وضع القدمين فقد ذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أنه فريضة في السجود. قال: فإن سجد على كور عمامته أو فاضل ثوبه جاز،
ــ
[البناية]
الأنف روايتان. وروى الترمذي عن أحمد أن وضع منه كقولنا.
م: (ووضع اليدين والركبتين سنة عندنا) ش: احترز بقوله: عندنا، عن قول زفر. فإنه عنده واجب، وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله وقد استوفينا الكلام فيه آنفا.
(لتحقق السجود بدونهما) ش: أي دون وضع اليدين، وأما الركبتان فإذا تحقق فلا يشترط وضعهما م:(وأما وضع القدمين فقد ذكر القدوري أنه فريضة في السجود) ش: فقد ذكره القدوري والكرخي والجصاص، ووضع القدمين على الأرض حال السجود فرض.
وذكر الجلالي في صلاته سنة، وما ذكره القدوري يقتضي أنه إذا رفع إحدى رجليه لا يجوز.
وفي " الخلاصة ": لو رفع إحدى رجليه يجوز، ولم يذكر الكراهة، وذكر الكراهة في " فتاوى قاضي خان " وفي " الجامع مع التمرتاشي ": لو لم يضع القدمين واليدين جاز. وفي " المحيط ": لو لم يضع ركبتيه على الأرض عند السجود لا يجوز.
م: (فإن سجد على كور عمامته) ش: كور العمائم: دورها إذا أدارها على رأسه، كذا في " المغرب ". وفي " الصحاح ": الكور مصدر كار العمامة على رأسه أي لفها، وكل دور كور م:(أو فاضل ثوبه) ش: أي أو سجد على فاضل ثوبه من ذيله أو أكمامه (جاز) ش: فعل ذلك فلا يضر صلاته، وقال بالجواز على كور العمامة والقلنسوة والكم والذيل والذؤابة الحسن وعبد الله بن يزيد الأنصاري الخطمي ومسروق وشريح والنخغي والأوزاعي وسعيد بن المسيب والزهري ومكحول والإمام مالك وإسحاق وأحمد رحمهم الله في أصح الروايتين عنه.
قال صاحب " التهذيب " من الشافعية: وبه قال أكثر العلماء، وقال الشافعي وأحمد رحمهما الله في رواية: لا يجوز على كورها، وكذا طرتها وطرفها وعلى كمه.
وفي " التجنيس " و " المختلف ": والخلاف فيما إذا وجد حر الأرض، أما بدونه فلا يجوز إجماعا، وتفسير وجدان الحر ما قالوا أنه لو بالغ [......] رأسه أبلغ من ذلك.
وفي " المفيد ": لو سجد على الجبهة بحائل يتصل به يتحرك بحركته في القيام أو القعود لا يجوز، واتفقوا على سقوط مباشرة الأرض في بقية الأعضاء غير الجبهة لحديث ابن مسعود
«لأن النبي عليه الصلاة والسلام "كان يسجد على كور عمامته» .
ــ
[البناية]
رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في النعلين والخفين» رواه ابن ماجه، «وسئل أنس رضي الله عنه: "أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في النعلين؟ قال: نعم» متفق عليه، وفي الركبتين أولى لأنهما عورة فلا يكشفان.
وقال ابن تيمية: سقوط مباشرة اليدين قول أكثر أهل العلم، واحتج الشافعي بقوله صلى الله عليه وسلم:«مكن جبهتك وأنفك من الأرض» وفي رواية: «ألصق جبهتك من الأرض» . وعما روى خباب قال: «شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا، فلم يشكنا" أي لم يزل شكوانا [....
…
] إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ترب جبينك يا رباح» فأمره بتتريب جبينه، ودليلنا يأتي الآن مع الجواب عن أحاديثهم.
م: (لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسجد على كور عمامته) ش: هذا الحديث رواه أبو هريرة وابن عباس وابن أبي أوفى وجابر وأنس وابن عمر رضي الله عنهم، فحديث أبي هريرة رواه عبد الرزاق في "مصنفه "، أخبرنا عبد الله بن محرر أخبرنى يزيد بن الأصم أنه سمع أبا هريرة يقول:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على كور عمامته» .
وحديث ابن عباس رضي الله عنه رواه أبو نعيم في " الحلية " في ترجمة إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه.
وحديث عبد الله بن أبي أوفى رواه الطبراني في "معجمه الأوسط " عنه «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على كور عمامته» .
وحديث جابر رواه ابن عدي في " الكامل " نحوه.
وحديث أنس رواه ابن أبي حاتم في كتابه " العلل " عنه «أنه عليه الصلاة والسلام سجد على كور عمامته» .
ويروى «أنه عليه الصلاة والسلام صلى في ثوب واحد يتقي بفضوله حر الأرض وبردها» .
ــ
[البناية]
وحديث ابن عمر رواه الحافظ أبو القاسم همام بن محمد الرازي في "فوائده " عنه «أنه صلى الله عليه وسلم كان يسجد على كور عامته» .
فإن قلت: قال البيهقي في " المعرفة ": وأما ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد على كور عمامته، فلا يثبت منه شيء.
وفي حديث أبي هريرة: عبد الله بن محرر، ضعيف، وفي حديث جابر: عمرو بن شمر ضعيف. وقال أبو حاتم: حديث أنس منكر.
قلت: حديث ابن عباس وابن أبي أوفى والضعيف يسند بالقوي.
وأخرج البيهقي في "سننه " عن هشام عن الحسن قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم ويسجد الرجل منهم على عمامته، وذكر البخاري في صحيحه تعليقا فقال: وقال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة.
وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه " عن أبي الورقاء قال: رأيت ابن أبي ليلى يسجد على كور عمامته.
م: (ويروى أنه صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد يتقي بفضوله حر الأرض وبردها) ش: هذا الحديث رواه ابن عباس ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عنه أنه صلى الله عليه وسلم نحوه. ورواه أحمد وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى في "مسانيدهم" والطبراني في "معجمه " وابن عدي في "كامله "، وبمعناه أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن بكر بن عبد الله المزني «عن أنس قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا لم نستطع أخذنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود» .
والجواب عن أحاديث الشافعي أنها مجملة، وما روينا بحكم المجمل المحتمل على الحكم، أو يقول بموجبها وهو وجدان أحجم الأرض حتى إذا بيع حجمها لا يجوز إلا بدليل ما لو سجد على البساط يجوز بالإجماع.
وحديث ابن حبان ليس فيه ذكر الجبهة والأنف في المسانيد المشهورة، وإن ثبت فهو محمول على التأخير الكثير حتى يبرد للرمضاء، وذلك يكون في أرض الحجاز ليعط الصغير، ويقال: إنه منسوخ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» ويدل عليه ما رواه عبد الله بن عبد الرحمن قال: «حيانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى في بيتي في مسجد بني عبد الأشهل فرأيته واضعا يديه في ثوبه إذا سجد» . رواه أحمد وابن ماجه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
فإن قلت: هذا محمول على الثوب المنفصل الذي لا يتحرك بحركته.
قلت: هذا بعيد لقلة الثياب عندهم، وبقوله: بسط ثوبه فسجد عليه، إذ الفاء فيه للتعقيب.
فروع: لو وضع كفيه وسجد عليهما جاز، ذكره في " عدة المفتي "، وروى ابن عساكر ذلك عن عبد الله بن عمر.
وفي " الذخيرة ": قال عبد الكريم الفقيه: لا يجوز، وقال غيره: يجوز، قال المرغيناني: هو الأصح، ولو بسط كمه على النجاسة وسجد عليه قيل: يجوز وهو الصحيح، وقيل: لا يجوز، وفي " الذخيرة " و " الواقعات ": لو سجد على ظهر من هو في صلاته يجوز للضرورة، وعلى ظهر من يصلي صلاة أخرى لا يجوز لعدم الضرورة، وسجود على فخذيه من غير حاجة لا يجوز على المختار، وبعذر يجوز على المختار، وإن سجد على ركبتيه لا يجوز بعذر وبغيره، لكن يكفيه الإيماء.
وفي " الذخيرة ": لو سجد على ظهر غيره بسبب الزحام، ذكر في الأصل أنه يجوز، وقال الحسن بن زياد: لا يجوز، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه إنما يجوز إذا سجد على ظهر المصلي.
وقال الشافعي رحمه الله: على ذيل غيره أو ظهر رجل أو امرأة أو شاة أو حمار أو كلب عليه ثوب، تصح صلاته، وكذا إن سجد على ميت وعليه لبد لا يجد حجم الميت يجوز.
وفي " المجتبى ": إذا سجد على الثلج أو الحشيش الكثير أو القطن المحلوج يجوز إن اعتمد حتى إذا استقرت جبهته ووجد حجم الأرض جاز وإلا فلا.
وفي "فتاوى أبي حفص ": لا بأس بأن يصلي على الحمل أو البرد والشعير والكدس والتبن والذرة، ولا يصلي على الأرز لأنه لا يستمسك، ولا يجوز على الثلج المنحال والجص وما أشبهه حتى تلبده يجد حجمه.
ولو سجد على ظهر ميت عليه لبد وجد حجمه جاز وإلا فلا. وقيل: إن كان مغسولا جاز وإن لم يكن عليه إزار. وفي " النظم: لو تبدل الإزار والبساط عليه الأشجار الأربعة وصلى عليه لا يجوز، وعلى قطنة جمد يجري في الماء كالسفينة، وقيل: إنما يجوز إذا أبطلت طرفاه، وفي " المبسوط ": يكبر ولو كان موضع السجود أرفع من موضع القدمين بعد ركبتيه أو بشين منصوبتين يجوز، وإن زاد لم يجز، ويجوز السجود على جلد وسخ خلافا لمالك، وقالت الرافضة: لا يجوز إلا على ما أخرجته الأرض من قطن أو كتان أو خشب أو قصب أو حشيش، ولا يجوز على ما يتخذ من الحيوان فافهم.
ويبدي ضبعيه، لقوله عليه الصلاة والسلام:«وأبد ضبعيك» . ويروى: "وأبد" من الإبداد وهو المد، والأول من الإبداء، وهو الإظهار. ويجافي بطنه عن فخذيه؛ «لأنه عليه الصلاة والسلام: "كان إذا سجد جافى حتى إن بهيمة لو أرادت أن تمر بين يديه لمرت» .
ــ
[البناية]
م: (ويبدي ضبعيه) ش: من الابتداء، وفي " المغرب ": ابتداء الضبعين: تفريجهما، والضبع بسكون الباء، قال الأترازي: بالسكون لا غير، وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": فيه لغتان الضم والسكون، وهو العضد، وهي ضبع الرجل وسطه وباطه.
م: (لقوله صلى الله عليه وسلم: "وأبد ضبعيك") ش: هذا غريب لم يرد مرفوعا هكذا، وإنما روى عبد الرزاق في "مصنفه " عن سفيان الثوري عن آدم بن علي البكري قال:«رآني ابن عمر رضي الله عنهما وأنا أصلي لا أتجافى عن الأرض بذراعي، فقال: يا ابن أخي لا تبسط بسط السبع، وادعم على راحتيك وأبد ضبعيك، فإنك إذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك» . ورفعه ابن حبان في "صحيحه " بلفظ: «وجاف بين ضبعيك» . وكذلك الحاكم في " المستدرك " وصححه عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا: «لا تبسط بسط السبع» إلى آخره.
م: (ويروى وأبد من الإبداد وهو المد) ش: هذه الرواية ليست لها أصل، ولا لها وجود في كتب الحديث، وكان ينبغي أن يحتج في هذا بما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مالك بن بحينة قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد يتحلج في سجوده حتى يرى وضح إبطيه» ، والوضح: البياض. وروي أيضا أنه عليه الصلاة والسلام: «كان إذا سجد فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه» وينون مالك لأن ابن بحينة ليس صفة لمالك، وبحينة اسم أم عبد الله، وقيل: أم مالك، والأول أصح، وهي بضم الباء الموحدة وفتح الحاء المهملة.
وبما رواه أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال: «اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب» رواه الجماعة، وبما رواه أبو حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"وإذا «سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه» رواه أبو داود، وروى مسلم أنه عليه السلام «نهى أن يفترش المصلي ذراعيه افتراش السبع» . وفي " سنن أبي داود " وابن ماجه «نهى عن فرشة السبع» .
م: (والأول) ش: وهو قوله: وأبد ضبعيك (من الإبداء وهو الإظهار) ش: يقال: أبدى يبدي إبداء، من باب الإفعال بالكسر. م:(ويجافي بطنه عن فخذيه) ش: أي يباعد، وثلاثيه جفى يقال: جفى السرج عن ظهر الفرس، وأجفيته أنا: إذا رفعته، وجافاه عنه يتجافى ويجافي عليه عن الفراش؛ أي ما قال الله تعالى:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} [السجدة: 16](السجدة: الآية 16)، أي تتباعد م:(لأنه صلى الله عليه وسلم «كان إذا سجد جافى» ش: بطنه عن فخذيه (حتى إن بهيمة لو أرادت أن تمر بين يديه لمرت) ش: هذا الحديث أخرجه مسلم عن زيد بن الأصم عن ميمونة رضي الله عنها «أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا سجد» .. الحديث، وهو في " مسند أبي يعلى " أن تمر تحت يديه، ورواه الحاكم