المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[قراءة المؤتم خلف الإمام] - البناية شرح الهداية - جـ ٢

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصلاة

- ‌[تعريف الصلاة]

- ‌باب المواقيت

- ‌أول وقت الفجر

- ‌[وقت صلاة الفجر]

- ‌[آخر وقت صلاة الفجر]

- ‌أول وقت الظهر

- ‌[وقت صلاة الظهر]

- ‌[آخر وقت الظهر]

- ‌أول وقت العصر

- ‌[وقت صلاة العصر]

- ‌[آخر وقت العصر]

- ‌[وقت صلاة المغرب]

- ‌[أول وقت المغرب وآخره]

- ‌أول وقت العشاء

- ‌[وقت صلاة العشاء]

- ‌آخر وقت العشاء

- ‌[وقت صلاة الوتر]

- ‌فصل ويستحب الإسفار بالفجر

- ‌[الإبراد بالظهر وأخير العصر في الصيف]

- ‌[تعجيل المغرب]

- ‌تأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل

- ‌فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة

- ‌باب الأذان

- ‌[حكم الأذان]

- ‌صفة الأذان

- ‌[ما يشرع له الأذان من الصلوات]

- ‌[زيادة الصلاة خير من النوم في أذان الفجر]

- ‌[ما يسن في الأذان والإقامة]

- ‌[شروط المؤذن]

- ‌[ما يستحب لمن سمع الأذان]

- ‌[التثويب في أذان الفجر]

- ‌[الفصل بين الأذان والإقامة]

- ‌[ما ينبغي للمؤذن والمقيم]

- ‌[أذان الجنب]

- ‌[الأذان قبل دخول الوقت]

- ‌المسافر يؤذن ويقيم

- ‌باب شروط الصلاة التي تتقدمها

- ‌ الطهارة من الأحداث والأنجاس

- ‌[ستر العورة]

- ‌عورة الرجل

- ‌[عورة الحرة]

- ‌[عورة الأمة]

- ‌[صلاة العريان]

- ‌[النية من شروط الصلاة]

- ‌[تعريف النية]

- ‌[استقبال القبلة من شروط الصلاة]

- ‌ حكم من اشتبهت عليه القبلة

- ‌باب في صفة الصلاة

- ‌فرائض الصلاة

- ‌[تكبيرة الإحرام]

- ‌[القيام في صلاة الفرض]

- ‌[قراءة القرآن والركوع والسجود في الصلاة]

- ‌[القعدة في آخر الصلاة والتشهد والسلام]

- ‌[سنن الصلاة]

- ‌[رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام]

- ‌[وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة]

- ‌[دعاء الاستفتاح]

- ‌[حكم الاستعاذة في الصلاة]

- ‌[البسملة في الصلاة]

- ‌[الواجب من القراءة في الصلاة]

- ‌[قول المأموم آمين]

- ‌[التكبير قبل الركوع وبعد الرفع منه]

- ‌[قول سبحان ربي العظيم في الركوع]

- ‌قول: سمع الله لمن حمده

- ‌[قول سبحان ربي الأعلى في السجود]

- ‌[الافتراش عند التشهد الأوسط]

- ‌[التشهد الأوسط وصيغته]

- ‌[القراءة في الأخيرتين بفاتحة الكتاب فقط]

- ‌[الصلاة على النبي في التشهد الأخير]

- ‌[حكم الصلاة على النبي خارج الصلاة]

- ‌[الدعاء بعد التشهد الأخير وقبل السلام]

- ‌[كيفية الصلاة على النبي]

- ‌[الحكم لو ترك بعض التشهد وأتى بالبعض]

- ‌فصل في القراءة

- ‌[الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة والتي يسر فيها]

- ‌[المنفرد هل يجهر بصلاته أم يسر فيها]

- ‌[الإسرار بالقراءة في الظهر والعصر]

- ‌[الجهر في الجمع بعرفة]

- ‌[الجهر في الجمعة والعيدين]

- ‌[تطوعات النهار سرية]

- ‌[حكم من قرأ في العشاء في الأوليين السورة ولم يقرأ بالفاتحة]

- ‌أدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة

- ‌[مقدار القراءة في الصلوات الخمس]

- ‌[قراءة نفس السورة مع الفاتحة في الركعة الثانية]

- ‌[تعيين سورة أو آية من القرآن لشيء من الصلوات]

- ‌[قراءة المؤتم خلف الإمام]

- ‌باب في الإمامة

- ‌[حكم صلاة الجماعة]

- ‌أولى الناس بالإمامة

- ‌[إمامة العبد والفاسق والأعمى وولد الزنا]

- ‌[تخفيف الإمام في الصلاة]

- ‌[إمامة المرأة للنساء في صلاة الجماعة]

- ‌[موقف الإمام والمأموم في الصلاة]

- ‌[إمامة المرأة والصبي في الصلاة]

- ‌[إمامة الصبي في النوافل كالتراويح ونحوها]

- ‌[كيفية ترتيب الصفوف في الصلاة]

- ‌[محاذاة المرأة للرجل في الصلاة]

- ‌[حضور النساء للجماعات]

- ‌[صلاة الصحيح خلف صاحب العذر]

- ‌[صلاة القارئ خلف الأمي]

- ‌[صلاة المكتسي خلف العاري]

- ‌[إمام المتيمم للمتوضئين]

- ‌[صلاة القائم خلف القاعد]

- ‌[صلاة المفترض خلف المتنفل والعكس]

- ‌ اقتدى بإمام ثم علم أن إمامه محدث

- ‌[إمامة الأمي]

- ‌باب الحدث في الصلاة

- ‌[حكم من ظن أنه أحدث فخرج من المسجد ثم علم أنه لم يحدث]

- ‌[حكم الحدث من الإمام أو المأموم في الصحراء]

- ‌[الحكم لو حصر الإمام عن القراءة فقدم غيره]

- ‌[رؤية المتيمم للماء أثناء الصلاة]

- ‌[حكم من أحدث في ركوعه أو سجوده]

- ‌[حكم من أم رجلا واحدا فأحدث]

- ‌باب ما يفسد الصلاة، وما يكره فيها

- ‌[حكم الكلام في الصلاة]

- ‌[التنحنح في الصلاة]

- ‌[تشميت العاطس في الصلاة]

- ‌[الفتح على الإمام]

- ‌[حكم الفتح على الإمام]

- ‌[حكم من صلى ركعة من الظهر ثم افتتح العصر]

- ‌[حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق في الصلاة]

- ‌[اتخاذ السترة ومرور المرأة ونحوها بين يدي المصلي]

- ‌[اتخاذ المصلي للسترة في الصحراء]

- ‌ وسترة الإمام سترة للقوم

- ‌[دفع المصلي المار بين يديه]

- ‌[فصل في العوارض التي تكره في الصلاة]

- ‌ العبث في الصلاة

- ‌[التخصر في الصلاة]

- ‌ الالتفات في الصلاة

- ‌[الإقعاء في الصلاة]

- ‌[رد السلام للمصلي]

- ‌[التربع للمصلي]

- ‌[لا يصلي وهو معقوص الشعر]

- ‌[كف الثوب في الصلاة]

- ‌[الأكل والشرب في الصلاة]

- ‌[الحكم لو صلى وفوقه أو بين يديه أو بحذائه تصاوير]

- ‌[اتخاذ الصور في البيوت وقتل الحيات في الصلاة]

- ‌فصل ويكره استقبال القبلة بالفرج في الخلاء

- ‌ المجامعة فوق المسجد والبول والتخلي

- ‌[أحكام المساجد]

- ‌[إغلاق باب المسجد]

- ‌باب صلاة الوتر

- ‌[حكم صلاة الوتر]

- ‌[عدد ركعات الوتر]

- ‌[أحكام القنوت في الصلاة]

- ‌[القراءة في صلاة الوتر]

- ‌[القنوت في الوتر]

- ‌[حكم من أوتر ثم قام يصلي يجعل آخر صلاته وترا أم لا]

- ‌باب النوافل

- ‌[عدد ركعات التطوع المرتبطة بالصلوات وكيفيتها]

- ‌فصل في القراءة

- ‌[حكم القراءة في الفرض]

- ‌[حكم القراءة في صلاة النفل]

- ‌[صلاة النافلة على الدابة وفي حال القعود]

- ‌[حكم السنن الرواتب]

- ‌فصل في قيام شهر رمضان

- ‌[حكم صلاة التراويح وكيفيتها]

- ‌[صلاة الوتر جماعة في غير رمضان]

- ‌باب إدراك الفريضة

- ‌[حكم من أقيمت عليه الصلاة وهو في صلاة نفل]

- ‌[حكم من انتهى إلى الإمام في صلاة الفجر وهو لم يصل ركعتي الفجر]

- ‌باب قضاء الفوائت

- ‌[كيفية قضاء الفوائت]

- ‌باب سجود السهو

- ‌[كيفية سجود السهو]

- ‌[متى يلزم سجود السهو]

- ‌[حكم الشك في عدد ركعات الصلاة]

- ‌باب صلاة المريض

- ‌[كيفية صلاة المريض]

- ‌[حكم من أغمي عليه خمس صلوات أو دونها]

- ‌باب سجود التلاوة

- ‌[عدد سجدات القرآن]

- ‌[من تلزمه سجدة التلاوة]

- ‌[قضاء سجدة التلاوة]

- ‌[تكرار تلاوة سجدة التلاوة في المجلس الواحد]

الفصل: ‌[قراءة المؤتم خلف الإمام]

ولا يقرأ المؤتم خلف الإمام

ــ

[البناية]

واظب على البعض، وأما إذا قرأ أحيانا تبركا، روي «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ السجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان: 1] في صلاة الفجر» فيكون مستحبا لا مكروها، فلذلك قال: ممن تصدى للتدريس ولم يقل من تصدى للشرح.

ثم ذكر السغناقي سؤالا آخر ملخصه: أنه علم كراهة التعيين من جانب واحد فعلمه من الجانبين بالطريق الأولى؛ لأن الكراهة ما جاءت إلا من جانب التقديم وأجاب بما ملخصه بطريق المنع؛ لأنه يجوز أن يكون للتعيين من الجانبين فائدة لزيادة التبرك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك دون الآخر، حتى إن الشافعي رحمه الله يرى استحباب الثاني دون الأول؛ لأن فيه هجرا للباقي من غير تضمن معنى التبرك، فيكره الأول دون الثاني، وقد تكلم هاهنا من غير تحريم يعلم ذلك بالوقوف عليه والتأويل فيه.

ثم قال الإسبيجابي والطحاوي: هذا الذي ذكر رآه حتما واجبا، لا يجزي غيرها أو رأى القراءة بغيرها مكروهة، أما لو قرأها في تلك الصلاة تبركا بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم بها أو تأسيا به، أو لأجل التيسير عليه، فلا كراهة في ذلك، لكن بشرط أن يقرأ غيرها أحيانا لئلا يظن الجاهل الغبي أن لا يجوز غير ذلك، وغالب العوام على اعتقاد بطلان سورة السجدة دون سورة (هل أتى) ، وما تحملهم على هذا إلا التزام الشافعية رحمهم الله قراءة سورة السجدة.

وقال الطحاوي: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في الجمعة بغير ما ذكر فيها. وعن النعمان بن بشير: «أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعة الثانية {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] » ، فيحمل على أنه قرأ هذا مرة، وبهذا مرة، واستدل النووي بحديث ابن عباس رضي الله عنه الذي أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة {الم} [السجدة: 1] {تَنْزِيلُ} [السجدة: 2] السجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] » على سنية قراءة هاتين السورتين في صبح يوم الجمعة.

وكذلك استدل بما رواه مسلم وأبو داود والنسائي بحديث ابن عباس رضي الله عنه: «أنه كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة و {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] » "، وقال: فيه دليل لمذهبنا، ومذهب موافقينا، وهم محجوجون بهذه الأحاديث الصحيحة المروية من طريق ابن عباس، وأبي هريرة رضي الله عنهما.

قلت: ولا خلاف بيننا وبينهم في الحقيقة؛ لأن أبا حنيفة إنما كره الملازمة إذا لم يعتقد الجواز بغيره، والشافعي أيضا يكره مثل هذا، أما إذا اعتقد الجواز بغيره ولازم على سورة معينة لأحد الوجوه التي ذكرناها الآن فلا يكره.

[قراءة المؤتم خلف الإمام]

م: (ولا يقرأ المؤتم خلف الإمام) ش: سواء جهر الإمام أو أسر به.

ص: 313

خلافا للشافعي رحمه الله في الفاتحة، له أن القراءة ركن من الأركان فيشتركان فيه، ولنا قوله عليه الصلاة والسلام:«من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة»

ــ

[البناية]

وقال ابن المسيب، وعروة بن الزبير، وسعيد بن جبير، والزهري، والشعبي، والثوري، والنخعي، والأسود، وابن أبي ليلى، والحسن بن جني: إذا كان يسمع قراءة الإمام.

وقال ابن تيمية: وبه قال الأوزاعي، وابن عيينة، وابن المبارك، والإمام مالك، وأحمد، وفي " الجواهر " يستحب قراءتها في السر دون الجهر. وقال ابن وهب وأشهب وابن عبد الحكم وابن حبيب: لا يقرأها في الجهر ولا في السر.

م: (خلافا للشافعي في الفاتحة) ش: فعنده يجب على المأموم قراءة الفاتحة في السرية والجهرية وبه قال الليث وأبو ثور، وفي القديم لا يجب في الجهرية نقله أبو حامد في تعليقه. وحكى الرافعي وجها أنه لا يجب في السرية، وقال الثوري فإنه يجب فيهما.

م: (له) ش: أي للشافعي م: (أن القراءة ركن من الأركان فيشتركان فيه) ش: أي يشترك الإمام والمقتدي في هذا الركن كما يشتركان في سائر الأركان بخلاف ما لو أدرك الإمام في الركوع؛ لأن تلك الحالة حالة الضرورة ولم يذكر المصنف إلا الدليل العقلي؛ لأنه ذكر في باب صفة الصلاة ما احتج به الشافعي رحمه الله من الحديث وقد بسطنا الكلام فيه هناك، ومن جملة ما احتج به من المنقول ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمأمومين الذين قرأوا خلفه: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأها» ، رواه أبو داود والترمذي وحسنه.

واحتج له البيهقي بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج"، فقيل لأبي هريرة إذا يكون وراء الإمام، فقال اقرأها في نفسك يا فارسي» . الحديث رواه أبو داود بلفظ: فهي خداج غير تام.

وفي لفظ ابن عدي: «كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وآيتين فهي خداج» وفي رواية الطبراني: «كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي مخدجة» . وفي رواية أخرى لابن عدي بإسناده إلى ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تجزئ المكتوبة إلا بفاتحة الكتاب وثلاث آيات فصاعدا» . وقد أجبنا عن هذه الأحاديث وما جاء في هذا الباب من نحو ذلك في باب صفة الصلاة.

م: (ولنا قوله صلى الله عليه وسلم «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» ش: هذا الحديث رواه من الصحابة جابر بن عبد الله وابن عمر وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وابن عباس وأنس بن مالك رضي الله عنهم أما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه في "سننه " عن جابر الجعفي عن أبي الزبير عن جابر

ص: 314

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان له إمام فإن قراءة الإمام له قراءة» ".

وأما حديث ابن عمر فأخرجه الدارقطني في "سننه " عن محمد بن الفضل بن عطية عن أبيه عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان له إمام فقراءته له قراءة» " وعن إبراهيم بن عامر الأصبهاني حدثنا أبي عن جدي عن النضر بن عبد الله ثنا الحسن بن صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه وثنا العدوي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» .

وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنهم فأخرجه الدارقطني في "سننه " عن محمد بن عباد الرازي، ثنا إسماعيل بن إبراهيم التيمي، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا نحوه سواء.

وأما حديث ابن عباس فأخرجه الدارقطني أيضا من حديث عاصم بن عبد العزيز المدني، عن أبي سهيل عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«تكفيك قراءة الإمام خافت أو جهر» ".

وأما حديث أنس فأخرجه ابن حبان في كتاب " الضعفاء " عن غنيم بن سالم، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» ".

فإن قلت: حديث جابر رضي الله عنه فيه جابر الجعفي وهو مجروح وروي عن أبي حنيفة أنه قال: ما رأيت أكذب من جابر الجعفي. وحديث ابن عمر موقوف وفيه وهم قاله الدارقطني. وحديث أبي سعيد أخرجه ابن عدي أيضا فيه إسماعيل بن عمرو بن نجيح وهو ضعيف. وقال ابن عدى: هذا لا يتابع عليه.

وحديث أبي هريرة، قال الدارقطني: لا يصح هذا عن سهيل، وتفرد به محمد بن عباد

ص: 315

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

وهو ضعيف.

وحديث ابن عباس قال أحمد: هو حديث منكر، وقال الدارقطني: فيه عاصم بن عبد العزيز وليس بالقوي ورفعه وهم

وحديث أنس بن مالك فيه غنيم بن سالم قال ابن حبان: هو يخالف في الروايات ولا تعجبني الرواية عنه فكيف الاحتجاج به؟.

قلت: أما حديث جابر فله طرق أخرى وهي وإن كانت مدخولة ولكن يشد بعضها بعضا، فمنها ما رواه محمد بن الحسن في "موطئه " أخبرنا الأمام أبو حنيفة رحمه الله حدثنا أبو الحسن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من صلى خلف الإمام فإن قراءة الإمام قراءة له» ". ومنها ما رواه ابن عدي والدارقطني، عن الحسن بن صالح عن ليث بن أبي سليم، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعا نحوه، ومنها ما رواه الدارقطني في "سننه "، والطبراني في "معجمه الأوسط "، عن سهل بن العباس المروزي، ثنا إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن أبي الزبير [عن جابر] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» ".

فإن قلت: أخرج هذا الحديث الدارقطني في "سننه "، ثم البيهقي عن أبي حنيفة مقرونا بالحسن بن عمارة، وعن الحسن بن عمارة وحده بالإسناد المذكور، قال الدارقطني: وهذا الحديث لم يسنده عن جابر بن عبد الله غير أبي حنيفة رحمه الله والحسن بن عمارة وهما ضعيفان، وقد رواه سفيان الثوري وأبو الأحوص، وشعبة، وإسرائيل، وشريك، وأبو خالد الدالاني، وسفيان بن عيينة وغيرهم عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن النبي عليه السلام مرسلا وهو الصواب.

قلت: سئل يحيى بن معين عن أبي حنيفة رحمه الله فقال: ثقة ما سمعت أحدا ضعفه، هذا شعبة بن الحجاج يكتب إليه أن يحدث ويأمره شعبة وسعيد وقال أيضا: كان أبو حنيفة ثقة من أهل الصدق، ولم يتهم بالكذب، وكان مأمونا على دين الله صدوقا في الحديث، وأثنى عليه جماعة من الأئمة الكبار، مثل عبد الله بن المبارك، وسفيان بن عيينة، والأعمش، وسفيان الثوري، وعبد الرزاق، وحماد بن زيد، ووكيع وكان يفتي برأيه والأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد رضي الله عنهم وآخرون كثيرون فقد ظهر لنا من هذا تحامل الدارقطني عليه وتعصبه الفاسد، فمن أين له تضعيف أبي حنيفة رحمه الله وهو مستحق التضعيف، وقد روى في "مسنده" أحاديث سقيمة ومعلولة ومنكرة وغريبة وموضوعة، ولقد صدق القائل في قوله حينئذ والمعنى:

ص: 316

وعليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم

ــ

[البناية]

إذا لم ينالوا شأنه ووقاره

فالقوم أعداء له وخصوم

وفي المثل السائر:

البحر لا يكدره وقوع الذباب ولا ينجسه ولوغ الكلاب

وحديث أبي حنيفة حيث صحيح، وأما أبو حنيفة فأبو حنيفة، وأبو الحسن موسى بن أبي عائشة الكوفي من الثقات الأثبات ومن رجال الصحيحين، وعبد الله بن شداد من كبار الثلاثة وثقاتهم.

فإن قلت: هذا الحديث زاد فيه أبو حنيفة جابر بن عبد الله وقد رواه جرير، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وأبو الأحوص، وشعبة، وزائدة وزهير، وأبو عوانة، وابن أبي ليلى، وقيس، وشريك وغيرهم فأرسلوه.

فقلت: الزيادة من الثقة مقبولة، ولئن سلمنا فالمراسيل عندنا حجة.

فإن قلت: حديث ابن عمر فيه محمد بن الفضل وهو متروك، وقال الدارقطني رفعه وهم.

قلت: نحن نحتج بالموقوف؛ لأن الصحابة عدول.

فإن قلت: حديث أبي سعيد أخرجه ابن عدي عن إسماعيل بن عمرو وهو ضعيف.

قلت: هو من طريق الطبراني والضعيف ما كذبه.

فإن قلت: حديث أبي هريرة فيه محمد بن عباد الرازي وهو ضعيف، وكذلك حديث ابن عباس وحديث أنس.

قلت: قد ذكرنا أن الضعيف قد يتقوى بالصحيح ويقوي بعضها بعضا.

م: (وعليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم) ش: أي على ترك القراءة خلف الإمام كما مر في حديث عبادة بن الصامت، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه فكيف ينعقد الإجماع مع خلف بعض؟

قلت: سماه إجماعا باعتبار اتفاق الأكثر فإنه يسمى إجماعا عندنا. وقد روي منع القراءة عن ثمانين نفرا من كبار الصحابة منهم المرتضى والعبادلة الثلاثة، وأسانيدهم عند أهل الحديث. وقيل ما يجاوزه عدد من أفتى في ذلك الزمان عن الثمانين فكان اتفاقهم بمنزلة الإجماع، وذكر الشيخ الإمام عبد الله بن يعقوب الحارثي السنديوتي في كتاب " كشف الأسرار "، عن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهون عن القراءة خلف الإمام أشد النهي: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن

ص: 317

وهو ركن مشترك بينهما، لكن حظ المقتدي الإنصات والاستماع.

ــ

[البناية]

عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم جميعا.

أو نقول إجماع ثبت بنقل الآحاد، ولهذا لم يعد مخالفة جاهلا فلا يمنعه نقل البعض بخلافه كنقل حديث بالآحاد لا يتبع نقل حديث آخر معارض له، ثم لما ثبت نقل الأمرين ترجح ما قلنا؛ لأنه موافق لقول العامة وظاهر الكتاب والأحاديث المشهورة، ويجوز أن يكون رجوع المخالف ثابتا فتم الإجماع.

إن قلت: لما ثبت نهي العشرة المذكورة ولم يثبت رد واحد عليهم عند توفر الصحابة كان إجماعا سكوتيا.

فإن قلت: قوله صلى الله عليه وسلم قراءة الإمام له قراءة معارض بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا} [المزمل: 20] فلا يجوز تركه بخبر الواحد.

قلت: جعل المقتدي قارئا بقراءة الإمام إلا ما يأتم فلا يلزم الترك، أو نقول: إنه خصه منه المقتدي الذي أدرك الإمام في الركوع، فإنه لا يجب عليه القراءة بالإجماع، فيجوز الزيادة عليه حينئذ بخبر الواحد.

فإن قلت: قد حمل البيهقي في كتاب " المعرفة " حديث «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» على ترك الجهر بالقراءة خلف الإمام، وعلى قراءة الفاتحة دون السورة، واستدل عليه بحديث عبادة بن الصامت المذكور فيما مضى.

قلت: ليس في شيء من الأحاديث بيان القراءة خلف الإمام فيما جهر، والفرق بين الإسرار والجهر لا يصح؛ لأن فيه إسقاط الواجب بمسنون على زعمهم قاله إبراهيم بن الحارث.

وفي حديث عبادة محمد بن إسحاق بن يسار وهو مدلس.

قال النووي: ليس فيه إلا التدليس، قلنا: المدلس إذا قال عن فلان لا يحتج بحديثه عند جميع المحدثين، مع أنه قد كذبه مالك وضعفه أحمد، وقال: لا يصح الحديث عنه، وقال أبو زرعة الرازي: لا يقضى له بشيء.

م: (وهو ركن مشترك بينهما) ش: جواب عن قول الشافعي القراءة ركن وتقريره سلمنا أنها ركن لكن مشترك بينهما أي بين المقتدي والإمام م (لكن حظ المقتدي الإنصات) ش: أي السكوت م: (والاستماع) ش: بمعنى، فعلى قوله: لا فرق بينهما فحينئذ يكون قوله: - والاستماع - عطف تفسيري. وقال ابن الأثير: يقال: أنصت ينصت إنصاتا إذا سكت فسمع، وقد نصت انتصاتا وأنصته إذا سكته فهو لازم ومتعد ويقال: الإنصات والسكوت والاستماع شغل السمع بالسماع.

ص: 318

قال عليه الصلاة والسلام: «وإذا قرأ فأنصتوا» .

ويستحسن على سبيل الاحتياط فيما يروى عن محمد رحمه الله، ويكره عندهما؛ لما فيه من الوعيد.

ــ

[البناية]

م: (قال صلى الله عليه وسلم «وإذا قرأ فأنصتوا» ش: وتمام الحديث قال صلى الله عليه وسلم: " «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده قولوا: ربنا لك الحمد» ، رواه أبو هريرة، وأخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.

فإن قلت: قال أبو داود: هذه الزيادة فأنصتوا [ليست] بمحفوظة والتوهم عندنا من أبي خالد. قلت: تعقبه المنذري في "مختصره "، وقال: وهذا فيه نظر، فإن أبا خالد الأحمر هذا هو سليمان بن حيان وهو من الثقات الذي احتج بهم البخاري ومسلم، ومع هذا لم ينفرد بهذه الزيادة بل تابعه عليها أبو سعيد محمد بن سعيد الأنصاري الأسلمي المدني، نزيل بغداد، وقد أخرج مسلم هذه الزيادة في "صحيحه" من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه من حديث سليمان التيمي عن متابعة أبي سعيد أبا خالد مما رواه النسائي في "سننه " أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك، ثنا محمد بن سعيد الأنصاري، حدثني محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا» .

فإن قلت: قال البيهقي في " المعرفة " بعد أن روى حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأبي موسى: قد أجمع الحفاظ على خطأ هذه اللفظة في حديث أبي داود، وابن أبي حاتم، وابن معين، والحاكم والدارقطني وقالوا: إنها ليست بمحفوظة.

قلت: يرد هذا كله ما يوجد في بعض النسخ مسلما هذه الزيادة عقيب هذا الحديث، وصحح ابن خزيمة حديث ابن عجلان المذكور في تلك الزيادة، فقال مسلم: هو صحيح عندي يعني الحديث الذي رواه أبو هريرة المذكور، فقيل له: لم يضعفه هاهنا، فقال: ليس كل شيء عندي صحيح، وضعفه هاهنا إنما وضعت هاهنا وأجمعوا عليه، وهذا مسلم جبل من جبال أئمة الحديث، وأهل النقل قد حكم بصحة هذا الحديث ورد بهذا كلام البيهقي وأمثاله.

م: (ويستحسن على سبيل الاحتياط فيما يروى عن محمد) ش: أي يستحسن قراءة المقتدي الفاتحة احتياطا، ورفعا للخلاف فيما روى بعض المشايخ عن محمد. وفي " الذخيرة ": لو قرأ المقتدي خلف الإمام في صلاة لا يجب فيها، اختلف المشايخ فيه، فقال أبو حفص - وهو من بعض مشايخنا -: لا يكره في قول محمد رحمه الله وأطلق المصنف كلامه ومراده في حالة المخافتة دون الجهر. وفي " شرح الجامع " للإمام ركن الدين علي السعدي عن بعض مشايخنا أن الإمام لا يتحمل القراءة عن المقتدي في الصلاة المخافتة.

م: (ويكره عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله م: (لما فيه من الوعيد) ش: أي لما في هذا الصنع وهو القراءة خلف الإمام، فقد أخطأ طريق الفطرة رواه ابن

ص: 319

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

أبي شيبة، وروي عن سعد رضي الله عنه قال: وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه جمرة. رواه عبد الرزاق في "مصنفه "، إلا أنه قال: في فيه حجرا.

وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ليت في فم الذي يقرأ خلف الإمام حجرا، رواه عبد الرزاق، ومحمد بن الحسن أيضا.

وروي عن عبد الله: من قرأ خلف الإمام ملئ فيه ترابا.

وروي عن زيد بن ثابت: من قرأ خلف الإمام فلا صلاة له. وقال السروجي: تفسد صلاته في قول عدة من الصحابة، وعن البلخي أحب إلي أن يملأ فمه من التراب. وقيل: يستحب أن يكسر أسنانه، ذكر ذلك الرازي في "أحكام القرآن". وفي " شرح التأويلات " عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من قرأ خلف الإمام لا صلاة له.

وروي أيضا نهى عن ذلك جماعة من الصحابة. وروى الطحاوي في " شرح الآثار " حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عروة بن شريح، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه وعن عبد الله بن مقسم أنه سأل عبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وجابر بن عبد الله فقالوا: لا تقرأ خلف الإمام في شيء من الصلاة.

وروى محمد بن الحسن في "موطئه" عن سفيان بن عيينة، عن أبي منصور، عن أبي وائل قال: سئل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن القراءة خلف الإمام، قال: أنصت، فإن في الصلاة ثقلا ويكفي في الإمام.

وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه " عن جابر قال: لا يقرأ خلف الإمام إن جهر وإن خافت.

فإن قلت: روى أبو داود والترمذي والنسائي مرة حديث أبي هريرة «أنه عليه الصلاة والسلام انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: "هل قرأ معي أحد منكم آنفا؟ " فقال رجل: نعم يا رسول الله فيما يجهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم» - من قول الزهري فلم يجعل الحديث حجة، قال أحمد: ما سمعنا أحدا من أهل الإسلام يقول: إن الإمام إذا جهر بالقراءة لا يجزئ صلاة المأموم ما لم يقرأ، وهذا النبي عليه الصلاة والسلام والتابعون، وهذا مالك في أهل الحجاز، وهذا الثوري في أهل العراق، وهذا الأوزاعي في أهل الشام، وهذا الليث في أهل مصر، قالوا: الرجل إن قرأ إمامه ولم يقرأ هو صلاته باطلة.

وفي المعارضة: يقال للشافعي: عجبا لك كيف تقدر المأموم على القراءة في الجهر أينازع القرآن الإمام أم لا يعرض عن إسماعه، أم يقرأ إذا سكت؟ فإن قال: يقرأ إذا سكت، قيل له: فإن لم يسكت الإمام وقد اجتمعت الأمة أن سكوت الإمام غير واجب، فمتى يقرأ؟ ثم يقال: ليس في استماعه لقراءة القرآن قراءة منه، وهذا كاف لمن أنصف، وفيهم قد كان ابن عمر لا يقرأ

ص: 320

ويستمع وينصت وإن قرأ الإمام آية الترغيب والترهيب؛ لأن الاستماع والإنصات فرض بالنص،

ــ

[البناية]

خلف الإمام، وكان أعظم الناس اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

م: (ويستمع وينصت وإن قرأ الإمام آية الترغيب والترهيب) ش: أي يستمع المقتدي وينصت وكلمة إن واصلة بما قبله، والمعطوف عليه محذوف وتقديره يستمع المقتدي وينصت وإن لم يقرأ الإمام آية الترغيب وإن قرأ آية الترغيب مثل الآية التي فيها ذكر الجنة، وآية الترهيب مثل الآية التي فيها ذكر النار، وفي ذكر المصنف هذا التركيب على هذه العبارة رعاية حسن الأدب حيث لم يقل: ولا يسأل المتقدي الجنة، أو لا يتعوذ من النار إذا قرأ الإمام آية الترغيب والترهيب، فإن فيه التصريح بالنهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن تحذيره، وذكره بطريق الكناية عن النهي هو طريق حسن، ولكنه اقتصر فيه على بيان حكم المقتدي في هذا الباب، فإن في هذا المقام ثلاثة أحكام: حكم المقتدي، وحكم الإمام، وحكم المنفرد، أما حكم المقتدي فهو الذي ذكره، وهو أنه يستمع وينصت ولا ينشغل بالدعاء.

م: (لأن الإنصات والاستماع فرض بالنص) ش: هو قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204](الأعراف: الآية 204) .

وأما حكم الإمام فإنه لا يفعل ذلك في التطوع، ولا في الفرض؛ لأنه يؤدي إلى تطويل الصلاة على القوم وإنه مكروه. وقال الشافعي: إذا قرأ الإمام آية الرحمة فيستحب له أن يسأل الله تعالى، أو آية العذاب يستحب له أن يستعيذ، أو آية تنزيه يستحب له أن يسبح؛ لما «روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما مر بآية رحمة إلا سألها، أو آية عذاب إلا استعاذ منها» ويستحب للمقتدي أن يتابعه على ذلك نقله المزني في "المختصر "؛ لأن كل ذكر يسن للإمام فيسن للمقتدي كسائر الأذكار، وكذا لو قرأ بقوله تعالى:{أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40](القيامة: الآية 40)، يقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين: أو قرأ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8](التين: الآية 8) ، يقول بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين، أو قرأ قَوْله تَعَالَى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30](الملك: الآية 30) يستحب أن يقول: الله رب العالمين، ولو قرأ قَوْله تَعَالَى:{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 185](الأعراف: الآية 185)، يقول: آمنت بالله، ويقول: لا إله إلا الله، وبجميع ذلك ورد الأثر والخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم والكل سنة في حق المقتدي أيضا كذا في الصلاة تفسد والدعاء فيها مندوب إليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«أما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فإنه أحرى أن يستجاب لكم» .

وأما حكم المنفرد فإنه وإن كان في التطوع فهو حسن للحديث المذكور، وفي أن يسن له ذلك؛ لأنه لم ينقل عن ذلك في الخبر، ولا عن الأئمة بعده، فكان محدثا، وشر الأمور محدثاتها.

ص: 321

والقراءة وسؤال الجنة والتعوذ من النار، كل ذلك مخل به

وكذلك في الخطبة،

وكذلك إن صلى على النبي عليه الصلاة والسلام لفريضة الاستماع،

ــ

[البناية]

م: (والقراءة) ش: وراء الإمام م: (وسؤال الجنة) ش: عند قراءة آية الترغيب م: (والتعوذ من النار) ش: عند قراءة آية الترهيب م: (كل ذلك) ش: أشار به إلى الأشياء المذكورة م: (مخل به) ش: أي بكل واحد من الإنصات والاستماع.

م: (وكذلك في الخطبة) ش: أي كذلك يسمع وينصت عند الخطبة؛ لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت» رواه البخاري ومسلم، وآخرون، وبمعنى لغوت.

قلت: اللغو وهو الكلام الساقط الباطل المردود وقيل معناه: قلة الصواب، وقيل: تكلمت بما لا ينبغي، وفي رواية: لقد لغيت. قال: الزيادة هي لغة أبي هريرة، وإنما هي: لغوت، قال أهل اللغة: لغى يلغو لغوا، يقال: بمعنى يلغي كعمي يعمى لغتان والأول أفصح، والظاهر أن القراءة تقتضي الثانية التي هي لغة أبي هريرة، قال الله تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26](فصلت: الآية 26) وهذا من لغى يلغي، ولو كان من الأول لقال: والغو بضم الغين. وقال ابن السكيت وغيره: مصدر الأول: اللغو ومصدر الثاني: اللغي، ففي هذا الحديث النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة، وطريقه إذا أراد النهي عن الكلام أن يشير إليه بالسكوت إن فهمه، فإن تعذر فهمه فليفهمه بكلام مختصر، ولا يزيد على أقل ممكن.

واختلفوا فيه: هل هو حرام أم مكروه كراهة تنزيه؟ فيهما قولان للشافعي، وقال القاضي: قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وعامة العلماء: يجب الإنصات للخطبة، وحكي عن النخعي والشعبي وبعض السلف: أنه لا يجب إلا إذا تلا فيها القرآن.

م: (وكذلك إن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم) ش: أي وكذلك يستمع وينصت إن صلى الخطيب على النبي صلى الله عليه وسلم خطبة م: (لفريضة الاستماع) ش: في الخطبة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليس بفرض إلا في العمر مرة واستماع الخطبة فرض لا يجوز ترك الفرض لإقامة ما ليس بفرض. وسأل أبو حنيفة أبا يوسف: إذا ذكر الإمام فهل يذكرون ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أحب إليّ أن يستمعوا وينصتوا، ولم يقل: لا يذكرون ولا يصلون فقد أحسن في العبارة وأحسن من أن يقول: ولا يذكرون ولا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم.

وعن أبي يوسف: يصلي في نفسه، واختاره الطحاوي كذا ذكره في " المحيط ". قلت: عند الطحاوي تجب الصلاة عليه كلما سمع فلهذا اختار قول أبي يوسف، وكذا حكم التشميت ورد السلام لا يأتي بهما حال الخطبة، والمسلم ممنوع عن السلام فلا يكون الجواب فرضا، وكذا لو قرأ القرآن فسلم عليه لا يرد الجواب، وكذا لو سلم على المدرس في حال التدريس له أن لا يرد.

ص: 322

إلا أن يقرأ الخطيب قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56](الأحزاب: الآية 56) فيصلي السامع في نفسه.

واختلفوا في النائي عن المنبر، والأحوط هو السكوت إقامة لفرض الإنصات والله أعلم بالصواب.

ــ

[البناية]

الجواب، كذا لو سلم السائل على إنسان لا يرد الجواب؛ لأن مقصوده المال دون إفشاء السلام ذكره المحبوبي. وقال النووي: قوله: - والإمام يخطب - دليل على أن وجوب الإنصات والنهي عن الكلام إنما هو في حال الخطبة فهذا مذهبنا ومذهب مالك والجمهور. وقال أبو حنيفة: يجب الإنصات بخروج الإمام.

قلت: أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه " عن علي وابن عمر رضي الله عنهم أنهم كانوا يكرهون الصلاة. وفي " الموطأ " عن الزهري قال: خروجه يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام.

م: (إلا أن يقرأ الخطيب قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] فيصلي السامع في نفسه) ش: هذا استثناء من قوله: وكذلك إن صلى - يعني إذا قرأ الخطيب قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56](الأحزاب: الآية 56) يصلي السامع في نفسه؛ لأن الخطيب حكى عن الله، وعن ملائكته أنهم يصلون، وحكى أمر الله بذلك وهو قد اشتغل بذلك فكان على القوم أن ينشغلوا.

فإن قلت: توجه عليه أمران: أحدهما {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا} [الأحزاب: 56] والأمر الآخر قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204](الأعراف: الآية 204) . قال مجاهد: نزلت في الخطبة الاشتغال بأحدهما يفوت الآخر، قلت: إذا صلى في نفسه وأنصت وسكت يكون إيتاء بموجب الأمرين.

فإن قلت: الجمهور على أن الآية نزلت في استماع القراءة في الصلاة.

قلت: الخطبة بآيات من القرآن والخطبة كالصلاة لأنها تقوم مقام الركعتين.

م: (واختلفوا في النائي عن المنبر) ش: أي اختلف المشايخ المتأخرون في البعيد عن المنبر وهو الذي لا يسمع الصوت فعن فضيل بن يحيى يحرك شفتيه ويقرأ القرآن، وعن محمد بن سلمة الأنصاري: الإنصات أولى واختاره المصنف؛ فلذلك قال: (والأحوط هو السكوت إقامة لفرض الانصات والله أعلم بالصواب) ش: وكذا روي عن أبي يوسف وقوله: الأحوط، أفعل التفضيل، وقال المطرزي: قولهم: أحوط. أي أدخل في الاحتياط شاذا أو نظيره أخصر من الاختصار.

قلت: وجه الشذوذ أنه مخالف للقياس؛ لأن القياس أن يقال فيه أشد احتياطا.

ص: 323