الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يفسد الصلاة، وما يكره فيها
ومن تكلم في صلاته عامدا أو ساهيا بطلت خلافا للشافعي رحمه الله في الخطأ والنسيان،
ــ
[البناية]
[باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها]
[حكم الكلام في الصلاة]
م: (باب ما يفسد الصلاة، وما يكره فيها) ش: أي هذا باب في بيان ما يفسد الصلاة، وفي بيان ما يكره فيها، وجه المناسبة بين البابين من حيث إن كلا منهما مشتمل على العوارض في الصلاة إلا أن الأول في العوارض التي لا اختيار للمصلي فيها فكانت سماوية وهذا في العوارض المكتسبة، وقدم السماوية لأنها أعرف في المعارضة لعدم قدرة العبد على دفعها.
فإن قلت: النسيان من قبيل السماوية فكيف ذكره في هذا الباب.
قلت: المناسبة بين كلام الناسي والعامد في الحكم من حيث إن كلا منهما مفسد للصلاة.
م: (ومن تكلم في صلاته عامدا) ش: أي حال كونه عامدا أي قاصدا م: (أو ساهيا) ش: أي أو حال كونه ساهيا، وفي بعض النسخ أو ناسيا ولم يفرق المصنف بين السهو والنسيان لعدم التفرقة بينهما في حكم الشرع، والسهو: ما يتنبه صاحبه بأدنى تنبيه، والخطأ: ما لا يتنبه بعد إلقائه، والنسيان: أن يخرج المدرك من الخيال. وقال الأترازي: صورة الخطأ أن يقصد القراءة والتسبيح فيجري على لسانه كلام الناس، وصورة النسيان أن يريد الكلام ناسيا لصلاته وفيه نظر لا يخفى.
م: (بطلت صلاته) ش: جواب من م: (خلافا للشافعي في الخطأ والنسيان) ش: قال الشافعي: كلام الخاطئ والناسي لا يفسد، وكذا كلام الجاهل بتحريم الكلام في الصلاة بأن كان حديث عهد في الإسلام ولم يطل الكلام، فلو طال ففي ظاهر مذهبه تبطل صلاته؛ لأن الكلام الكثير مما لا يقع السهو به عادة فيمكن الاحتراز عنه، وقال بعض أصحابه: لا تبطل وإن كثر لإطلاق الحديث، وبقوله قال مالك وأحمد في رواية وعنه مثل قولنا.
وقال النووي في " شرح المهذب ": إن تكلم عامدا لا لمصلحة الصلاة تبطل صلاته بالإجماع، ونقل الإجماع ابن المنذر وغيره، وكذا لمصلحة الصلاة بأن قام الإمام إلى الخامسة فقال له: صليت أربعا ونحو ذلك، وهو مذهب الجمهور، وإن تكلم مكرها فكذلك عند الشافعي على الأصح، وفي الناسي والمخطئ لا يبطلها إلا إذا طال ويعرف الطول بالعرف.
وفي " الجواهر " للمالكية كما أطلق عليه اسم الكلام، من غير تجريد بحروفه ولا يتعين لها فهو مبطل للصلاة لعمده، أو أكره عليه أو وجب عليه الانتقاد سلم من مهلكه، ولا يبطلها سبق اللسان وكلام الناسي وكلام الجاهل ملحق بالعامد.
وقال الأوزاعي ومالك وابن القاسم: الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها، وقال المغيرة: يبطلها ذكرها في " الذخيرة " للقرافي، وفي " المغني " لابن قدامة: إذا تكلم الإمام لمصلحة الصلاة
ومفزعه الحديث المعروف.
ــ
[البناية]
فيه ثلاث روايات: عن أحمد أحدها يبطل في حق الإمام والمقتدي واختارها الخلال، والثانية: لا يبطلها في حقهما، والثالثة: تبطل صلاة المأموم دون صلاته، وعند النخعي يفسدها كلام الناسي وبه قال قتادة. وحماد بن أبي سليمان كمذهبنا.
م: (ومفزعه) ش: أي مفزع الشافعي أي ملجؤه، والمراد به مسنده فيما ذهب إليه، وهو اسم مكان من فزع إليه إذا التجأ من باب علم يعلم، يقال: فلان مفزع القوم أي ملجؤهم، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث إذا دهمهم أمر فزعوا إليه وهو مبتدأ، وخبره قوله م:(الحديث المعروف) ش: وهو قوله عليه السلام «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ، والعجب من الشراح وغيرهم من أصحابنا وغيرهم أن كلهم لا يذكرونه إلا بهذا اللفظ وهذا لا يوجد بهذا اللفظ، وأقرب ما وجد بلفظ:«رفع الله عن هذه الأمة: الخطأ والنسيان والأمر يكرهون عليه» ، رواه ابن عدي في " الكامل " من حديث أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رفع الله عن هذه الأمة ثلاثا» .. الحديث " وعده ابن عدي من منكرات جعفر بن جسر بن فرقد أحد رواته عن أبيه عن الحسن عن أبي بكرة.
وروى ابن ماجه في " سننه " من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي عليه السلام قال: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» : ورواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه "، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وروى ابن ماجه أيضا من حديث أبي ذر مرفوعا نحوه.
وروى الطبراني في " معجمه " من حديث ثوبان مرفوعا نحوه.
وروى أيضا من حديث أبي الدرداء مرفوعا نحوه.
وروى أبو نعيم في " الحلية " من حديث ابن عمر عن النبي عليه السلام نحو حديث ابن عباس وقال: غريب من حديث مالك تفرد به ابن الصفي عن الوليد.
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، وإنما هي التسبيح والتهليل وقراءة القرآن» ، وما رواه محمول على رفع الإثم،
ــ
[البناية]
وأخرجه العقيلي في كتابه وأعلمه بأن الصفي وضعه عن أحمد، وقال ابن أبي حاتم في " علله ": سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي عليه السلام
…
الحديث المذكور، وعن الوليد عن مالك عن نافع عن ابن عمر مثله، وعن الوليد عن أبي لهيعة عن موسى بن وردان عن عقبة بن عامر مثله، فقال: إن هذه أحاديث منكرة، كأنها موضوعة ولا يصح هذا الحديث، ولا يصح إسناده.
م: (ولنا قوله عليه السلام «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس وإنما هي التسبيح والتهليل وقراءة القرآن» ش: هذا الحديث رواه مسلم في " صحيحه " من «حديث معاوية بن الحكم السلمي قال: " بينا أنا أصلي [مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت له: يرحمك الله، فرماني القوم] بأبصارهم، فقلت واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم.. " الحديث بطوله فيه أن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، وأخرجه الطبراني ولفظه: إن صلاتنا لا يحل فيها شيء من كلام الناس» وبوب عليه مسلم: باب نسخ الكلام في الصلاة.
م: (وما رواه) ش: أي الذي رواه الشافعي وهو الحديث المذكور م: (محمول على رفع الإثم) ش: تقرير هذا أن الذي يراد به الحقيقة أو الحكم، فالأول ممنوع لأن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ليست بمرفوعة فتعين الثاني وهو الحكم وهو لا يخلو [إما] أن يراد به حكم الدنيا أو حكم الآخرة، فالأول ممنوع لأنه ليس بمرفوع بالإجماع، ألا ترى أن رجلا إذا قتل مسلما خطأ تجب عليه الدية والكفارة بحكم نص القرآن، وكذا لو ترك ركنا من أركان الصلاة ناسيا لا يكون معذورا فتعين الثاني وهو حكم الآخرة، وهو الإثم فلما ثبت أن المراد منه حكم الآخرة لا حكم الدنيا كان كلام الناسي والخاطئ مفسدا للصلاة؛ لأن جوازها وفسادها من أحكام الدنيا.
وقال الأكمل: تقريره أن حكم الآخرة وهو الإثم مراد بالإجماع فلا يكون حكم الدنيا مرادا وإلا لزم عموم المشترك أو المقتضي وكلاهما باطل.
قلت: هذا الجواب غير كاف؛ لأن الشافعي قائل بعموم المشترك على ما عرف في موضعه.
فإن قلت: احتج الخصم بحديث ذي اليدين أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: «صلى بنا رسول الله عليه السلام إحدى صلاتي العشي، إما الظهر وإما العصر، فسلم في ركعتين فقام ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق، لم تصل إلا ركعتين، فصلى ركعتين وسلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم " وفي رواية البخاري قال: " لم أنس ولم تقصر " وفي رواية لهما قال: " كل ذلك لم يكن، قال: قد كان بعض ذلك» وفي لفظ لهما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
قلت: حديث ذي اليدين قد كان في وقت كان الكلام مباحا في الصلاة ثم انتسخ ذلك، ألا ترى أن ذا اليدين كان عامدا بالكلام ولم يأمرهم بالإعادة، ويدل على نسخه أيضا أن ذا اليدين لم يسبح لرسول الله عليه السلام باتفاقنا أن رجلا لو ترك إمامه شيئا من صلاته يسبح له ليعلم إمامه ما قد تركه فدل أن ما علمه عليه السلام الناس من التسبيح في الصلاة لنائبة كان متأخرا عن ذلك، والدليل على كون الكلام مباحا ثم نسخ بحديث زيد بن أرقم وحديث ابن مسعود.
والدليل أيضا على النسخ أن أبا بكر وعمر وغيرهما من الناس تكلموا عامدين.
فإن قلت: أبو هريرة أسلم بعد فتح خيبر وحرمة الكلام كانت ثابتة حين قدم من الهجرة، وفتح خيبر كانت سنة سبع من الهجرة، وقال أبو هريرة في حديثه: صلى بنا.
قلت: معناه صلى بنا أي بأصحابنا وهذا جائز في اللغة كما روي عن النزال بن سبرة قال: قال لنا رسول الله عليه السلام: «وإنا وإياكم كنا ندعى بني عبد مناف.. الحديث» والنزال لم ير رسول الله عليه السلام وإنما أراد بذلك: قال لقومنا.
وروي عن طاوس قال: قدم علينا معاذ بن جبل رضي الله عنه فلم يأخذ من الخضروات شيئا، وإنما أراد قدم بلدنا؛ لأن معاذا إنما قدم اليمن على عهد رسول الله عليه السلام قبل أن يولد طاوس، وقد أشبعنا الكلام في شرحنا " لمعاني الآثار " للإمام الطحاوي رحمه الله.
وذو اليدين اسمه الخرباق وكنيته أبو العريان، وقال بعض أصحابنا منهم صاحب " المبسوط ": إن ذا اليدين قتل ببدر وذلك قبل فتح خيبر بزمان طويل.
قلت: هذا غير صحيح، والذي عليه أهل الأثر المحققون أنه عاش بعد النبي عليه السلام أنه والذي قتل في بدر هو ذو الشمالين واسمه عمير بن عمر الخزاعي، وهو غير المتكلم في حديث
بخلاف السلام ساهيًا لأنه من الأركان فيعتبر ذكرًا في حالة النسيان، وكلامًا في حالة التعمد لما فيه من كاف الخطاب، فإن أن فيها أو تأوه
ــ
[البناية]
السهو، هذا هو قول جميع الحفاظ إلا الزهري، وقد اتفقوا على تغليط الزهري في ذلك.
فإن قلت: قال الخطابي: دعوى النسخ فيه لا وجه لها لأن تحريم الكلام كان بمكة، وراوي حديث ذي اليدين أبو هريرة هو متأخر الإسلام، ورواه أيضا عمران وهجرته متأخرة، قلت: هذا ليس بشيء؛ لأنا قد ذكرنا وجه النسخ، ولا سيما بحديث زيد بن أرقم الذي في الصحيح، وصحبته كانت بالمدينة بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، وفي حديثه {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] [البقر: الآية 238] ، وهي في سورة البقرة، وهي مدنية بالإجماع، ومن أين للخطابي أن تحريم الكلام كان بمكة ومن روى ذلك؟ وتأخر إسلام أبي هريرة وهجرة عمران بن حصين لا يقدح في النسخ، فلا يقوم الدليل بحديث ذي اليدين ما لم يقم الدليل على أنه كان بعد نسخ الكلام.
م: (بخلاف السلام ساهيا) ش: هذا جواب عما يقال: السلام كالكلام في أن كل واحد منهما قاطع، وفي السلام تفصيل بين العمد والنسيان فكذلك في الكلام، وتقرير الجواب: أن السلام ليس كالكلام م: (لأنه من الأركان) ش: إذا تشهد يسلم على النبي عليه السلام وهو اسم من أسماء الله تعالى وله حالتان م: (فيعتبر ذكرا في حالة النسيان وكلاما في حالة التعمد لما فيه من كاف الخطاب) ش: عملا بالشبهين، بخلاف الكلام فإنه ينافي الصلاة على كل حال وكان مبطلا لها.
وقال الأكمل: وطولب الفرق بينه وبين أفعال تنافي الصلاة، فإن القليل منها غير مفسد، وأجيب بأن الاحتراز عن قليلها غير ممكن؛ إذ في الحي حركات طبيعية ليست من الصلاة، فلا تفسد حتى تدخل في حد ما يمكن الاحتراز عنه وهو الكثير، وليس في الحي كلام طبيعي لا يمكن الاحتراز عنه فاستوى القليل والكثير.
قلت: هذا السؤال مع جوابه للسغناقي فسبكهما هذه العبارة، والسغناقي أخذه من كتاب " الأسرار " حاصله، لا يجوز اعتبار القول بالفعل؛ لأن الاحتراز عن أصل الفعل محال بخلاف القول فاحتيج إلى الفرق باعتبار الكثرة في الفعل لإمكان الاحتراز عنها بخلاف القول.
م: فإن أنَّ فيها) ش: أي في الصلاة وأنّ فعل ماض مشدد من الأنين وهو الصوت المستوجع والمتحزن م " (أو تأوه) ش: عطف على أنّ وهو أيضا فعل ماض من باب التفعل، والتأوه أن يقول: أوه، والأنين أن يقول: آه، وفي هذه اللفظة لغات: آه بسكون الواو وكسر الهاء، وآه تقلب الواو ألفا، وأوه بتشديد الواو مع كسرها وسكون الهاء، وأو بتشديد الواو مع حذف الهاء، وأوه بالمد وفتح الواو المشددة وسكون الهاء، وفي " شرح الأقطع " قال محمد - في الأنين إذا لم يقدر على دفعه من الوجع -: لم تفسد الصلاة؛ لأنه لا يمكن الاحتراز عنه.
أو بكى فارتفع بكاؤه، فإن كان من ذكر الجنة أو النار لم يقطعها؛ لأنه يدل على زيادة الخشوع،
وإن كان من وجع أو مصيبة قطعها؛ لأن فيه إظهار الجزع والتأسف فكان من كلام الناس. وعن أبي يوسف رحمه الله أن قوله: آه لا يفسد في الحالين، وأوه يفسد، وقيل: الأصل عنده أن الكلمة إذا اشتملت على حرفين، وهما زائدان، أو أحدهما زائد لا تفسد، وإن كانتا أصليتين
ــ
[البناية]
م: (أو بكى فارتفع بكاؤه فإن كان) ش: أي بكاؤه م: (من ذكر الجنة أو النار لم يقطعها) ش: أي لم [يقطع] الصلاة م: (لأنه يدل على زيادة الخشوع) ش: لأن في البكاء من ذكر الجنة زيادة الرغبة وفي البكاء من ذكر النار زيادة الخشية، وفيه تعريض سؤال الجنة وتعوذ من النار، ولو صرح به فقال: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، لم يضره فكذلك هاهنا.
م: (ولو كان) ش: أي البكاء م: (من وجع) ش: في بدنه م: (أو مصيبة) ش: في ماله أو أهله م: (قطعها) ش: أي قطع الصلاة م: (لأن فيه إظهار الجزع والتأسف فكان من كلام الناس) ش: وكلام الناس يفسد الصلاة فكذلك ما كان منه، ولو صرح به، فقال: أغيثوني فإني مصاب، تفسد صلاته، فكذلك هاهنا، وبه قال مالك وأحمد، وقال الشافعي: البكاء والأنين والتأوه يبطل الصلاة إذا كانت حرفين سواء بكاء للدنيا أو للآخرة، وفي " الدراية ": ثم إن عند الشافعي البكاء لا يفسد في الحالتين؛ لأن ما ظهر من الصوت ليس بكلام في الحالتين، ولا معبر عما في القلب فلا معنى للفصل بين الحالتين.
م: (وعن أبي يوسف أن قوله آه) ش: بفتح الهمزة وسكون الهاء م: (لم يفسد في الحالتين) ش: يعني في البكاء من ذكر الجنة أو النار، والبكاء من وجع أو مصيبة.
م: (وأوه يفسد) ش: يعني قوله " أوه " بفتح الهمزة وتشديد الواو وسكون الهاء يفسد الصلاة، وهذا القول عن أبي يوسف مبني على أن الحرفين لا تفسد، والثلاثة تفسد، والمعنى فيه: أن أقل أصل كلام العرب ثلاثة أحرف، وهو الأصل ليكون له ابتداء وانتهاء ووسطا، فكان الحرف الواحد أقل الكلمة فلا يطلق عليه الكلام، وكلك الحرفان إذا كان أحدهما من الزوائد؛ لأنه واحد على اعتبار الأصل، فكذلك لم يفسداه لأنهما من حروف الزوائد، وأوه تفسد وإن كان كلها من حروف الزوائد؛ لأنه زاد على الحرفين وهو قد قيد عدم الإفساد بالحرفين كان الزوائد عليهما مفسدا، وإن كان هو من حروف الزوائد فكان تقييده بحرفين زائدين إشارة إلى أن ليس يفسد؛ لأن له حرفين أصليين، وأوه أيضا يفسد لأنه زائد على الحرفين، وإلى ما قلنا أشار بقوله م:(وقيل الأصل فيه) ش: أي في هذا الحكم م: (أن الكلمة إذا اشتملت على حرفين وهما زائدان أو أحدهما زائد) ش: من الحروف الزوائد وهي عشرة أحرف، فالآن يأتي ذكرها.
م: (لا تفسد) ش: أي الصلاة م: (وإن كانتا) ش: أي الحرفان م: (أصليتين تفسد) ش: على ما
تفسد، والحروف الزوائد جمعوها في قولهم:" اليوم تنساه "
وهذا لا يقوى؛ لأن كلام الناس في متفاهم العرف يتبع وجود حروف الهجاء، وإفهام المعنى ويتحقق ذلك في حروف كلها زوائد
ــ
[البناية]
ذكرنا الآن م: (والحروف الزوائد جمعوها في قولهم: اليوم تنساه) ش: وهي عشرة أحرف من همزة اليوم إلى هاء تنساه، وسئل بعضهم عنها حين قدم على قوم فقال:
هويت السمانا فشيبتني
…
وقد كنت [قد ما] هويت السمانا
فلم يفهموه وظنوا أنه يطلب السمين فأتوا به، فلما فرغ منه سألوه ثانيا، فقال: سألتمونيها، فلم يفهموه أيضا، فسألوه ثالثا، فقال مخاطبا لواحد منهم: اليوم تنساه، فأتى بجميع الحروف الزوائد في أجوبته الثلاثة، وقال السروجي: وسئل المازني عن حروف الزيادة، فأنشد: هويت السمان.. إلخ فلم يفهمه السائل فقال له: قد أجبتك مرتين.
قلت: لم تجبه ولا مرة واحدة؛ لأنه نطق كل مرة بتسعة أحرف من حروف الزيادة؛ لأنه حذف ألف الوصل مرتين، ولهذا قال ابن الحاجب: السمان هويت، وجمعوها أيضا بكلمات أخرى، نحو: أتاه سليمان، الموت ينساه، وغير ذلك.
فإن قلت: ما معنى تسميتهم هذه الأحرف حروف الزيادة.
قلت: معناه [أن] الزيادة لغير الإلحاق والتضعيف، ولا يكون إلا منها لا أنها لا تقع إلا زوائد.
م: (وهذا) ش: القول م: (لا يقوى) : أي هذا الذي قاله أبو يوسف ليس بقوي م: (لأن كلام الناس في متفاهم العرف يتبع حروف الهجاء) ش: وفي بعض النسخ يتبع وجود الهجاء م: (وإفهام المعنى) ش: أي ويتبع إفهام المعنى بكسر الهمزة م: (ويتحقق ذلك) ش: أي إفهام المعنى م: (في حروف كلها زوائد) ش: فإنك إذا قلت: أنتم اليوم سألتمونيها تفسد بالاتفاق، وهذا مبتدأ وخبر وفعل وفاعل ومفعول به ومفعول فيه وكلها من حروف الزوائد، وقال الأترازي: وفيه نظر عندي؛ لأن أبا يوسف إنما جعل حروف الزيادة كأن لم يكن إذا قل لتعذر الاحتراز عنه وشبهه بالتنحنح والتف، فأما إذا كثر فلا، فكيف يرد عليه حينئذ قوله، ويتحقق ذلك في حروف كلها زوائد.
قلت: هو مسبوق بالسغناقي في هذا، فإنه قال: لا يرد عليه لأن كلامه في الحرفين لا في الزوائد عليهما، فإن في الزوائد عليهما قوله كقولهما، وقال الأكمل بعد أن حكى كلام السغناقي: أقول قول المصنف في حروف كلها زوائد يجوز أن يكون المراد بالجمع فيه التثنية، وحينئذ يكون معنى كلامه: كلام الناس في العرف عبارة عن وجود الهجاء وإفهام المعنى وذلك يتحقق في الكلام الذي فيه حرفان من حروف الزيادة، فيكون من كلام الناس كثيرة فيكون مفسدا.
قلت: لا داعي هاهنا يذكر الجمع وأراد التثنية ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا لنكتة.