الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في الإمامة
الجماعة سنة مؤكدة
ــ
[البناية]
[باب في الإمامة]
[حكم صلاة الجماعة]
م: (باب في الإمامة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الإمامة، وجه المناسبة بينه وبين الفصل الذي قبله هو أن المذكور هناك أفعال الإمامة، من وجوب الجهر، والمخافتة، وسنة قراءة الإمام وهاهنا يذكر مشروعية الإمامة بأنها على أي صفة شرعت.
فإن قلت: لم ذكر هاهنا بالباب وهناك بالفصل.
قلت: لأن الباب يجمع الفصول، وفيه أحكام كثيرة تابعة للإمامة، وأحوال المقتدي بين، فلذلك ذكره بالباب.
م: (الجماعة سنة مؤكدة) ش: قال الاترازي: يعني سنة في قوة الواجب، وهي التي تسميها الفقهاء سنة الهدى، وهي التي أخذها هدى وتركها ضلال، وتاركها يستوجب إساءة وكراهية. وقال صاحب " الدراية ": تشبه الواجب في القوة وكذا قال الأكمل وكلاهما أخذا من السغناقي.
قلت: هذه التأويلات غير طائلة؛ لأن هذه مسألة مختلف فيها بين العلماء، وذهب المصنف إلى أنها سنة مؤكدة وهو قول الكرخي والقدوري وكذا قال في " شرح بكر" خواهر زاده. وفي " المفيد ": الجماعة واجبة وتسميتها سنة لوجوبها بالسنة، وفي " البدائع ": تجب الجماعة على الرجال العقلاء، البالغين، الأحرار، القادرين على الصلاة بالجماعة من غير حرج. وقيل: إنها فرض كفاية وبه قال الطحاوي، وهو قول الشافعي. وقال النووي: هو الصحيح نص عليه الشافعي، وهو قول ابن شريح وأبي إسحاق وجمهور المتقدمين من الشافعية.
وقال النووي: وفي وجه سنة، وفي وجه فرض عين لكن ليست شرطا لصحة الفرض، وبه قال ابن خزيمة، وابن المنذر، والرافعي وهو قول عطاء، والأوزاعي، وأبي ثور، وهو الصحيح من مذهب أحمد، وقوله الآخر: لا تصح الصلاة بتركها وبه قال داود الظاهري وأصحابه، وفي " الجواهر " عن مالك: سنة مؤكدة وليست بواجبة إلا في الجمعة. وحكى قاضي خان أبو الوليد، وأبو بكر عن بعض أهل مذهبهم أنها فرض كفاية.
وفي " التحفة ": الجماعة إنما تجب على من قدر عليها من غير حرج وتسقط بالعذر حتى لا تجب على المريض والأعمى والزمن ونحوهم هذا إذا لم يجد الأعمى قائدا، والزمن من يحمله، وكذا إذا وجد عند أبي حنيفة، وعندهما تجب، قال محمد: لا تجب الجمعة ولا الجماعة على المريض، والمقعد، والزمن والأعمى، ومقطوع اليد والرجل من خلاف أو مقطوع الرجل، والمقطوع الرجل، والمفلوج الذي لا يستطيع المشي وإن لم يكن به ألم، والشيخ الكبير العاجز.
لقوله عليه الصلاة والسلام: «الجماعة من سنن الهدى لا يتخلف عنها إلا منافق» .
ــ
[البناية]
وقال أبو يوسف: سألت أبا حنيفة عن الجماعة في طين ومدر، فقال: لا أحب تركها، والصحيح أنها تسقط بعذر المطر والطين وإن فاتته الجماعة جمع بأهله وصلى بهم، وإن صلى وحده جاز. وفي صلاة الجلابي إذا كان مطر أو برد شديد أو ظلة أو خوف فذلك كله يمنع لزوم الجماعة. وقال شرف الأئمة: الوحل عذر، وقال أيضا [......] والحافظ وغيرهما: ترك الجماعة بغير عذر يجب به التعزير ويأثم الجيران بالسكوت عن تاركها. وقال نجم الأئمة: من يشتغل بالفقه ليلا ونهارا لا يعذر الإمام والمؤذن والجيران في السكوت عنه، ولا تقبل شهادته، وقال أيضا: من يشغل بتكرار اللغة فتفوته الجماعة لا يعذر، وتكرار الفقه ومطالعة كتبه يعذر. وعن أبي حفص من لا يحضر الجماعة للمؤذن أن يرفعه إلى السلطان فيأمره بذلك فإن أبى عزر، وفي [
…
] : له الاشتغال بالعمل ويختار مسجد حيه، ولو كان مسجدان يختار أقدمهما وإن استويا يختار الأقرب. وقيل: جماعة الجامع أفضل بالاتفاق، ولو فاتته صلاة جماعة فصلاها في مسجده وحده، أو بجماعة في مسجد آخر، أو في بيته فذلك حسن، وتكره الجماعة في مسجد بأذان وإقامة بعدما صلى أهله بجماعة، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك.
وقال أحمد وداود: لا يكره تكرار الجماعة، ولو صلى فيه من ليس بأهل للجماعة كان لأهله أن يصلوا فيه بأذان وإقامة. وعن أبي يوسف: إنما يكره تكرار الجماعة لقوم كثير، أما إذا صلى واحد بواحد أو باثنين فلا بأس به مطلقا إذا صلى في غير مقام الإمام.
وقال قاضي خان: مسجد لا إمام له ولا مؤذن يصلي الناس فيه فردانا فالأفضل أن يصلي كل فريق بأذان وإقامة على حدة وصلى بعض أهل المسجد بأذان وإقامة مخافتة، ثم حضر بقيتهم فلهم أن يصلوا على وجه الإعلان كذا في " المجتبى ".
(لقوله صلى الله عليه وسلم: «الجماعة من سنن الهدى لا يتخلف عنها إلا منافق» ش: هذا من قول ابن مسعود رضي الله عنه ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم غير صحيح. وأخرجه مسلم عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله بن مسعود: «لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه» .
وأخرج عنه أيضا قال: «من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما تخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف» فدل هذا الأثر أن الجماعة سنة مؤكدة؛ لأن إلحاق الوعيد إنما يكون بترك الواجب أو بترك السنة، ودل على أن الجماعة ليست بواجبة؛ لقوله: وإن في سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه، فتكون سنة مؤكدة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وذكر محمد رحمه الله أن أهل بلد لو اجتمعوا على ترك الجماعة نضربهم ونقاتلهم، وقال السغناقي: والدليل على أن الجماعة سنة ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الرجل بجماعة تفضل على صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين درجة» ، وفي رواية:«سبع وعشرين درجة» ولم يقل صلاة الرجل وحده فاسدة، فالنبي صلى الله عليه وسلم اعتبر الجماعة للفضيلة لا للجواز، إذ دل على أنها سنة إلا أنها مؤكدة؛ لأنها من شعائر الإسلام، ومن خصائص هذا الدين، فإنها لم تكن مشروعة في دين من الأديان، وما كان من شعائر الإسلام فالتمسك فيه الإظهار.
قلت: الحديث الذي ذكره في " الصحيح " ما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة» " وفي لفظ: «تزيد على صلاته وحده سبعا وعشرين درجة» . وأخرجا عن أبي هريرة مرفوعا: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا» ، وفي لفظ:«تفضل صلاة الجمع على صلاة الرجل وحده خمسا وعشرين درجة» .
وأخرج البخاري عن أبي سعيد نحوه، وزاد أبو داود فيه:«فإن صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة» وإسناده جيد. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وفي لفظ آخر للبخاري ومسلم أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا» . وفي رواية لهما: «بخمسة وعشرين جزءا» وفي رواية لمسلم " درجة ".
وأخرج أبو داود، والنسائي، وابن ماجه من حديث أبي بن كعب رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما زاد فهو أحب إلى الله» ". وقوله: أفضل يقتضي الاشتراك في الفضل وترجيح أحد الجانبين، وما لا يصح لا فضيلة فيه، ولا يجوز أن يقال: إن أفضل قد تستعمل بمعنى الفاضل؛ لأن ذلك إنما يجوز على سبيل العلة عند الإطلاق، لا عند التفاضل بزيادة عدد، ويؤيد هذا ما جاء في لفظ: «يزيد على صلاته وحده» وفي لفظ: " يضعف " فإن ذلك يقتضي ثبوت صلاة زاد عليها وعدد تضاعف.
والعجب من الشراح لم يتعرضوا إلى الأثر الذي ذكره المصنف هل هو موقوف أو مرفوع، صحيح أو غير صحيح؟ وعلى كل تقدير منه من هو الراوي والمروي عنه. وأعجب من ذلك قول
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
الأكمل حيث نسب هذا الأثر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الديار التي أكثرها علماء الحديث، وجل طلابها المحدثون، ثم قال: وليس المراد بالمنافق المصطلح عليه وهو الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان، وإلا لكانت الجماعة فريضة؛ لأن المنافق كافر، ولا يثبت الكفر بترك غير الفريضة، وكان آخر الكلام منافقا لا أوله، فيكون المراد به العاصي.
قلت: قوله منافق خرج مخرج المبالغة في التهديد، وشدة الوعيد، وهذا كما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلا سأله عمن يقوم الليل، ويصوم بالنهار، ولا يحضر الجماعة، قال: هو في النار، وليس مراده أنه في النار لأجل كفره، وإنما مراده التخويف والتهديد، والمنافق [في] المصطلح الذي ذكره الأكمل إنما يسمى اليوم زنديقا، ولا يمكن أن يحمل لفظ المنافق في الأثر المذكور على هذا المعنى الذي يستحق بها النار من الأمور الثلاثة والأربعة وتارك الجماعة غير داخل فيها فلم يبق إلا المعنى الذي ذكرناه الآن.
وقول الأكمل: لأن المنافق كافر، ليس على إطلاقه، والمنافق له معنيان كما ذكرنا، ولا يصح أن يكون المراد منه هاهنا أحد المعنيين على ما ذكرنا، وقوله: ولا يثبت الكفر بترك غير الفريضة، يشير إلى أن تارك الفريضة كافر وليس كذلك، وإنما يكفر بالجحد على ما لا يخفى.
فإن قلت: الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم انطلقت برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار» ". يدل على أن الجماعة فرض كما ذهب إليه طائفة؛ لأن تارك السنة لا يحرق عليه بيته، ولو كانت سنة ما استحق تاركها هذا الوعيد الشديد.
وحديث جابر: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» .
قلت: لا نسلم دلالة ذلك على ما قالوا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: «يشهدون الصلاة» ولم يقل: لا يشهدون الجماعة. وفي رواية: «إلى قوم متخلفين عن الصلاة» ولم يقل يتخلفون عن الجماعة، والصلاة فرض وتاركها مستحق الوعيد على أنه جاء في رواية لمسلم عن ابن مسعود:«يتخلفون عن الجمعة» الحديث يفسر بعضه بعضا.
فإن قلت: قال: البيهقي: والذي تدل عليه سائر الروايات أنه عبر بالجمعة عن الجماعة.
قلت: قال النووي في " الخلاصة ": بل هما روايتان، رواية في الجمعة، ورواية في الجماعة، وكلاهما صحيح، ولئن سلمنا ذلك فالحديث خبر واحد، فلا يزداد به على إطلاق الكتاب.
وأما حديث جابر فالمراد به نفي الكمال والفضيلة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة للعبد الآبق ولا