الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم:
قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب: 56] . إذا كانت أعظم نعمة أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم هي القرآن الكريم، وإذا كانت أعظم معجزة خص الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم هي الإسراء والمعراج، وإذا كان أعظم تشريف حبا الله به نبيه صلى الله عليه وسلم في الآخرة، هي الشفاعة العظمى، فإن أعظم مظاهر حب الله، تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم هي الصلاة عليه منه- تبارك وتعالى ومن ملائكته الكرام، وأمر المؤمنين بذلك.
ويحسن أن نبدأ بنبذة عن أقوال بعض العلماء عن تلك الصلاة عند شرحهم لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب: 56] .
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: (المقصود من هذه الآية أن الله- سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة تصلي عليه ثم أمر الله تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا)«1» .
وقال القرطبي رحمه الله: (هذه الآية شرّف الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم، في حياته وموته وذكر منزلته وطهر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء أو في أمر زوجاته ونحو ذلك، والصلاة من الله رحمته ورضوانه، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار ومن الأمة الدعاء والتعظيم لأمره)«2» .
وقال الشيخ السعدي في شرح الآية: (وهذا فيه تنبيه على كمال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعة درجته وعلو منزلته عند الله وعند خلقه ورفع ذكره. والصلاة من الله هي الثناء عليه بين الملائكة وفي الملأ الأعلى لمحبته تعالى له وتثني عليه الملائكة والمقربون ويدعون له ويضرعون)«3» .
وسأعلق، بعون الله تعالى على قوله- عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ على شكل فوائد، فأقول:
الفائدة الأولى:
في الآية تشريف عظيم للنبي صلى الله عليه وسلم من الوجوه التالية:
(1) تفسير ابن كثير (3/ 508) .
(2)
الجامع لأحكام القرآن (14/ 232) .
(3)
تيسير الكريم الرحمن (671) .
1-
تعظيم أمر الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وقد شمل هذا التعظيم كل الوجوه من حيث المقتدى به في فعل الأمر، وهو الله- سبحانه وتعالى وكذا ملائكته؛ لقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ، والآمر بالصلاة على النبي هو الله جل في علاه، لقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ، ومن حيث المأمورين بالصلاة عليه، وهم صفوة خلق الله من عباده الذين اتصفوا بصفة الإيمان فلم يتوجه الأمر للناس ولا للمسلمين، بل للمؤمنين، فأحاط الله- سبحانه وتعالى الأمر بجميع أنواع التعظيم، وذلك ليستقر في نفوس الخلق جميعا، عظيم المأمور به.
2-
جاء الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة لم يأت بها أي أمر في القرآن والسنة على شاكلته أبدا، وفي هذا تنويه إلى أن هذا الأمر الشرعي يختلف عن جميع الأوامر الشرعية الآخرى التي تصدرت بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.
3-
أن توجيه الأمر بالصلاة عليه كان بموجب آية قرآنية تتلى إلى يوم القيامة، ثم تأتي السنة الشريفة لتبين صيغ الصلاة، والأوقات التي يتأكد فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وثواب تلك الصلاة.
4-
لم يفرد الله- سبحانه وتعالى أحدا من الأولين والآخرين في القرآن الكريم بالصلاة عليه منفردا كما أفرد نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية، فقال عز من قائل في السلام على الأنبياء: وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ [الصافات: 181]، وقال في الصلاة على المؤمنين: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب: 43] ، ولا يخفى أن إفراد الله- سبحانه وتعالى نبيه بالصلاة عليه، يظهر علوّ شأنه وعظيم قدره صلى الله عليه وسلم عند ربه، وأن هذا القدر سبق به الأولين والآخرين، ولم يسبقه إليه أحد، كما لن يلحق به أحد، ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ [المائدة: 54] .
5-
وردت بالآية عدة أمور بلاغية تزيد الأمر تعظيما وتشريفا وهي:
أ- صدر الله- عز وجل الأمر بحرف التوكيد (إن) لإفادة توكيد الأمر وتثبيته في قلوب المؤمنين.
ب- عبر الله، عز وجل، عن نفسه بلفظ الجلالة، فقال: إِنَّ اللَّهَ وهو الاسم الذي لا يشارك الله فيه أحدا أبدا، وكان يمكن أن تأتي بلفظ:(إن ربكم) أو (إنني)، ولا يخفى وقع قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ على الآذان والقلوب المؤمنة، والذي يختلف عن أي لفظ آخر.
ج- أضاف المولى- سبحانه وتعالى الملائكة إلى نفسه الشريفة؛ تعظيما لها وتكريما؛
ليستشعر السامع مكانة هذا الخلق العظيم الذي يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.
د- أتت الآية بلفظ: يُصَلُّونَ [الأحزاب: 56] بصيغة الفعل المضارع، الذي يفيد الاستمرار والثبوت.
6-
جاءت صيغة الأمر الإلهي إلى المؤمنين بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم على أحسن صورة، يتبين ذلك من:
بدأ الأمر بأداة النداء (يا) لاسترعاء السمع وحضور القلب، ثم أداة التنبيه (ها) في (أيها) لتوكيد استرعاء السمع.
جاءت صفة من وجّه لهم الخطاب، بصيغة الفعل الماضي: آمَنُوا فهذا الأمر غير موجه لكل أحد، بل للمؤمنين الذين استقر في قلوبهم ونفوسهم صفة الإيمان، وتلبسوا بها غاية التلبس وأصبحت صفة ملازمة لهم، وهذا ما يفيده الفعل الماضي: آمَنُوا؛ لذا عدلت الآية عن قول (يا أيها المؤمنون) .
ختمت الآية بالفعل المطلق تَسْلِيماً للتوكيد، وليعلم المؤمنون أن التسليم المأمورين به يجب أن يكون تسليما خاليا من كل أذى، مطهرا من كل سوء.
7-
أطلقت الآية عدة أمور ولم تقيدها تعظيما للأمر، وتلك الأمور هي:
أ- لم تقيد الآية زمان صلاة الله وملائكته على النبي صلى الله عليه وسلم، وأعتقد خطأ من قيد تلك الصلاة المباركة بحياة وممات النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه تقييد بدون دليل، وإذا لم تقيّد الصلاة بزمان، علمنا أن صلاة الله وملائكته على نبيه صلى الله عليه وسلم، قد استوعبت كل الزمان، وهذا غاية التشريف ومنتهاه للنبي صلى الله عليه وسلم.
ب- لما أثبتت الآية أن الصلاة قد وقعت من الملائكة، ولم تحدد نوع الملائكة ولا مكانهم، علمنا أن الأمر قد عمّ جنس الملائكة، جبريل وميكائيل، وملك الموت، وإسرافيل، وحملة العرش، وخزنة الجنة والنار، وملك الجبال، والملائكة السيارة، والحفظة، أي جميع الملائكة، الذين لا يعلم عددهم وقدرهم إلا الذي خلقهم- سبحانه وتعالى.
ج- لم تقيد الآية الغاية من صلاة الله والملائكة على النبي صلى الله عليه وسلم بينما جاءت آية صلاة الله عز وجل على المؤمنين مقيدة بالسبب، فغاية صلاة الله على المؤمنين، هو إخراجهم من الظلمات إلى النور، قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ