الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن كلمة أفضل من ذلك لاستخدمها عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، خاصة في آخر مجالسة له مع أبيه.
يتفرع على ذلك، سوء أدب من ينادي أباه، بالشيبة أو العجوز، أو الحاج، أو غير ذلك من الأسماء، وانظر كيف نادى إبراهيم أباه وكان مشركا، قال- تعالى-: يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ [مريم: 43] . وتدبر كم مرة قال: (يا أبت) . لقد قالها أربع مرات، يعيدها مع كل أمر أو نصيحة، وما اكتفى إبراهيم- عليه السلام أن يقولها مرة واحدة عند بداية الكلام.
الفائدة الثالثة:
ما كان عليه بعض المسلمين قبل الإسلام وغيرهم من الكفار، من بغض الرسول صلى الله عليه وسلم وحرصهم البالغ على قتله، في مقابل، ما كان يجده صلى الله عليه وسلم في نفسه، ويعانيه في قلبه، من أسف وحزن يكاد يهلكه، من توليهم وإعراضهم، والعجيب أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم منهم ذلك، وكان الله يأمره أن يهون على نفسه، قال- تعالى-: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6)[الكهف: 6] ، قال عمرو بن العاص، رضي الله عنهما:(ولا أحب إلي أن أكون قد استمكنت منه فقتلته) .
يتفرع عليه، وجوب أن نحمد الله حمدا كثيرا، ونشكره شكرا جزيلا، أن جعلنا مسلمين، إذ كيف نتصور حالنا، ونتوقع مالنا يوم القيامة- لو قدّر الله علينا- ألانكون مسلمين، ونأتي الله- سبحانه وتعالى وفي قلوبنا هذا البغض العظيم لهذا الرسول الكريم، بل كيف نتصور أن نأتي يوم القيامة، وليس في صحائفنا الصلاة والسلام على المبعوث رحمة العالمين.
ويتفرع عليه أيضا، عصمة الله- سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم حيث عصمه من قتل الكفار له طول حياته، مع حرصهم الشديد على ذلك، قال- تعالى-: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ.
الفائدة الرابعة:
وهي متفرقات:
1-
وجوب الوصية، خاصة في حال وجود ديون على المسلم، أو إن كان عنده مال كثير، يريد أن يوقف شيئا منه، أو يخاف أن تحدث عند موته أو في جنازته منكرات أو محرمات، فيجب عليه الوصية ليبرأ إلى الله مما قد يحدث، وهذا الأمر الأخير قد انتشر في هذه الأيام، كالإسراف في مظاهر الحزن، كلبس المرأة السواد، والنياحة، وقراءة القرآن في سرادقات كبيرة، بصوت أحد الشيوخ المعروفين، مما يهدر أموالا بلا طائل، ويعظم
التحريم إذا كان للميت أولاد قصّر، أو عليه ديون، وكذا اتباع الجنائز بالموسيقى والورود وما عند الميت من نياشين وأوسمة، بالإضافة إلى الاجتماع على الولائم الكبيرة بمنزل الميت، والاجتماع فيه على العزاء عدة أيام، ونشر النعي في الجرائد بمساحات كبيرة، ويزداد الأمر سوآ، بالجزم بما أعده الله للميت من الثواب والعطاء، كل هذا بخلاف ما يحدث في القبر من التشييد ورفع القبر فوق الأرض بأكثر من شبرين، وكون البناء من الرخام، وأخص بالذكر منكرين، أولهما: أن يكون سرير الميت ثقيلا، بحيث يسبب لحامليه مشقة بالغة، وثانيهما: أن يلف النعش أو الميت بقماش كتب عليه الأسماء الحسنى وبعض سور القرآن العظيم، ولا أعلم كيف وصل الحال بالمسلمين، أن يزينوا أكفان الموتى بالقرآن الكريم، وكيف هان عليهم أن يحقروا شأن آيات الله إلى هذا الحد.
وهذه البدع التي ذكرتها، قد لا تجتمع في قطر إسلامي بعينه، ولكنها بالتأكيد موجودة بشكل متفرق في الأقطار الإسلامية.
2-
إثبات سؤال القبر، وما يكون فيه من فتنة عظيمة على الميت، وكذا إثبات الملكين، وإثبات الحياة البرزخية للميت، التي يعقل فيها الميت ويسمع ويتكلم، لقول عمرو بن العاص، رضي الله عنهما:(وأنظر ماذا أراجع رسل ربي) .
وأهمس في أذن من يجادل الآن، في عذاب القبر وسؤال الملكين، وأقول لهم: إن الأمر قد ثبت في السنة الصحيحة بالأحاديث الصريحة، ونصيحتي إليكم: أن تتداركوا أمركم وتؤمنوا بهذا الغيب، قبل أن تفاجئوا بالملكين، يسألانكم، فكيف يثبتكم الله. جل في علاه. عند السؤال ويفتح عليكم بالإجابة، وأنتم بداية تنكرون السائل والسؤال، ويومئذ سيقع الندم حيث لا ينفع، وستقدمون العتبى إلى ربكم والاعتذار فيرد عليكم، بأفظع ما يمكن أن يصل إلى أسماعكم من توبيخ وتقريع.
وإذا كنتم تستعظمون على قدرة الله- سبحانه وتعالى أن يسأل الميت، ويحاسبه فإما النعيم وإما العذاب، فماذا تقولون فيمن خلق من منيّ الرجل إنسانا، مر بالنطفة ثم العلقة ثم المضغة، ثم أصبح عظاما ثم كسا هذا العظم لحما، أين حدث كل هذا؟ في مصنع أو مختبر، لقد حدث في أمكن مكان للنطفة بل أغرب مكان، في رحم الأم، ولو أن أحدا أخبرنا أن هذا يمكن حدوثه قبل أن نراه، لحكمنا عليه بالجنون، فوالذي لا إله غيره، إن ما يحدث في رحم الأم، مما نعرفه ولا نعرفه، لهو أعظم من سؤال القبر، ولا ينكر ذلك من كان عنده مسحة عقل، فلله الحمد أن أثبت لنا قدرته فيما نرى لنستدل بها على ما لا نرى،