الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فانقطعت بذلك كل حجة وردت كل شبهة.
الحديث الخامس:
عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس جاء يهوديّ. فقال: يا أبا القاسم ضرب وجهي رجل من أصحابك. فقال: «من؟» قال: رجل من الأنصار. قال: «ادعوه» . فقال: «أضربته؟» قال: سمعته بالسّوق يحلف والّذي اصطفى موسى على البشر. قلت: أي خبيث على محمّد صلى الله عليه وسلم؟ فأخذتني غضبة ضربت وجهه. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا تخيّروا بين الأنبياء، فإنّ النّاس يصعقون يوم القيامة فأكون أوّل من تنشقّ عنه الأرض، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أكان فيمن صعق أم حوسب بصعقة الأولى» «1» .
الشاهد في الحديث:
قول المسلم لليهودي: تقول: والذي اصطفى موسى على البشر، والنبيّ صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا) .
بعض فوائد الحديث:
الفائدة الأولى:
في الشمائل النبوية:
1-
ثبوت اصطفاء النبي صلى الله عليه وسلم على جميع البشر، الأولين والآخرين، ودليله من الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الأنصاري فهمه أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المصطفى على البشر جميعا، بما فيهم موسى وأن قول اليهودي:(والذي اصطفى موسى على البشر) في وجود النبي صلى الله عليه وسلم خطأ، فلو كان هذا الفهم من الصحابي غير صحيح لبينه النبي صلى الله عليه وسلم في الحال، ولكن الذي أغضب النبيّ صلى الله عليه وسلم لطم وجه من له عهد وذمة، وحدوث التفاضل بما ينتقص من قدر الأنبياء عليهم جميعا الصلاة والسلام.
قال ابن حجر- رحمه الله ما نصه: (قال العلماء في نهيه صلى الله عليه وسلم عن التفضيل بين الأنبياء: إنما نهي عن ذلك من يقوله برأيه لا من يقوله بدليل، أو من يقوله بحيث يؤدي إلى تنقص المفضول أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع، أو المراد لا تفضلوا بجميع أنواع التفاضل بحيث لا يترك للمفضول فضيلة، فالإمام مثلا إذا قلنا: إنه أفضل من المؤذن لا يستلزم نقص فضيلة المؤذن بالنسبة إلى الأذان وقيل: النهي عن التفضيل إنما هو في حق النبوة نفسها كقوله تعالى: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، ولم ينه عن تفضيل بعض الذوات
(1) البخاري، كتاب: الخصومات، باب: ما يذكر في الإشخاص والخصومة، برقم (2412) .
على بعض لقوله: تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض، وقال الحليمي: الأخبار الواردة في النهي عن التخيير إنما هي في مجادلة أهل الكتاب وتفضيل بعض الأنبياء على بعض بالمخايرة؛ لأن المخايرة إذا وقعت بين أهل دينين لا يؤمن أن يخرج أحدهما إلى ازدراء الآخر فيقضي إلى الكفر أما إذا كان التخيير مستندا إلى مقابلة الفضائل لتحصيل الرجحان فلا يدخل في النهي) . انتهى كلامه رحمه الله «1» .
ومما يؤكد اصطفاء النبي صلى الله عليه وسلم على البشر ما رواه البخاري، من حديث أبي هريرة قوله صلى الله عليه وسلم «أنا سيد القوم يوم القيامة» ، وكون موسى، عليه الصلاة والسلام، يفيق قبل النبي صلى الله عليه وسلم أو لا يصعق أصلا، فليس هذا دليلا على أفضليته المطلقة، على النبي صلى الله عليه وسلم، فقد يخصّ المفضول على الفاضل في خصلة من الخصال، والذي يحكمنا ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة، وأوّل من ينشقّ عنه القبر، وأوّل شافع، وأوّل مشفّع» «2» .
2-
عدله صلى الله عليه وسلم بين الناس جميعا، المؤمن والكافر على سواء، وشيوع عدله صلى الله عليه وسلم بين الناس، ولولا علم الناس بعدله وعدم رضاه بالظلم، ما ذهب إليه اليهودي يشتكي إليه أحدا من أصحابه، وكان رجلا من الأنصار، ومع شديد حب النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار، ومع أن الأنصاري إنما لطم وجه اليهودي، غضبا للنبي صلى الله عليه وسلم ومع أن اليهود هم أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب لذلك حتى ظهرت علامات الغضب على وجهه، ففي إحدى روايات البخاري:(فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى رئي في وجهه) .
واليهودي لما ذهب يشتكي كان من فطنته أن أول ما ذكره للنبي صلى الله عليه وسلم في شكواه، كما ورد في إحدى روايات البخاري:(أبا القاسم، إن لي ذمة وعهدا) ، وقال ذلك لعلمه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخفر ذمة ولا عهدا، ولذلك قال اليهودي بعد ذلك:(ضرب وجهي رجل من أصحابك) . قاله وهو مطمئن لعدله وأن كون الذي ضربه رجلا من أصحابه صلى الله عليه وسلم لن يغير من الأمر شيئا.
ومن وجوه عدله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، أن سمع من اليهودي كامل شكواه، وما حكم له بل وما غضب، حتى دعا الأنصاري، وسأله عن صحة شكوى اليهودي، كما سمع منه كامل دفاعه، ورد في الحديث: (قال: «ادعوه» . قال: «أضربته؟» قال: سمعته في السوق يحلف
…
) .
(1) انظر فتح الباري (6/ 446) .
(2)
مسلم، كتاب: الفضائل، باب: تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق، برقم (2278) .