الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشاهد في الحديث:
هو قول كل غلام: «أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم»
بعض فوائد الحديث:
الفائدة الأولى:
في شمائل النبي صلى الله عليه وسلم:
1-
عظيم منزلته عند أصحابه، وغضبهم له أشد الغضب، وإرادة الانتقام من كل من يؤذيه، فإن سأل سائل، ألم ير الغلامان أن الشرك بالله أعظم من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قلت: بلى، ولكنهما ذكرا السب؛ لأن كل عسكر الكفار كانوا يكفرون بالله، فاستوى ذلك الذنب في حقهم جميعا، ولكنهما عظّما قبح أمر أبي جهل أنه أضاف إلى كفره بالله، سبّه للنبي صلى الله عليه وسلم لذلك نصّا في مقولتيهما على السب.
2-
رحمته صلى الله عليه وسلم بأصحابه حيث حكم للغلامين، بقتل أبي جهل، تطييبا لخاطرهما، فقال:(كلاكما قتله) ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رأى الدم على سيفيهما جميعا.
3-
فراسته صلى الله عليه وسلم، حيث طلب النظر إلى سيفيهما ليعلم أيهما قتل أبا جهل.
4-
عدله صلى الله عليه وسلم حيث قضى بالسلب لمعاذ بن عمرو، وذلك لأن معاذ بن عمرو هو الذي أثخن أبا جهل بالضربة الأولى ثم ضربه معاذ بن عفراء بعد ذلك، فقال لهما صلى الله عليه وسلم: كلاكما قتله، تطييبا لخاطرهما، فلما جاء القضاء بالسّلب قضى به لمعاذ بن عمرو لأنه هو الذى يستحقه شرعا فلم يكن صلى الله عليه وسلم ليفعل غير ذلك. وهذا لا يمنع من أنه صلى الله عليه وسلم قد أرضى معاذ بن عفراء بعد ذلك بشيء من المال على سبيل المكافأة أو الهدية أو غير ذلك، أو كان له سهم في المغانم، فاكتفى به صلى الله عليه وسلم.
الفائدة الثانية:
في الغلامين:
1-
أدبهما: حيث خاطبا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه رضي الله عنه بقولهما (يا عم) للتوقير، فقد راعيا كبر سنه وحداثة أسنانهما.
2-
شجاعتهما: حيث طلبا معرفة أبي جهل ليقتلاه، رغم صغر سنهما قال الراوي:
(حديثة أسنانهما) ، وانظر أين سيكون القتل؟! في موقعة فيها الكر والفر والتحام الصفوف، وتطاير النبال والسهام، وكل ذلك لم يخفهما أو يثبط من عزيمتهما.
3-
تصميمها على قتل أبي جهل أو الموت دونه، قال كل منهما:(والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا) ، فالأمر بالنسبة إليهما لم يكن مجرد محاولة لقتل أبي جهل، أو أداء الواجب، بل تصميم وعزيمة، لا يثنيها شيء، فقد أقسما بالله
أنهما لن يفارقاه في حال رؤيته حتى يموت أحدهما، ولو مسّهما من العذاب ما مسهما.
4-
حبّهما الشهادة في سبيل الله: والحرص عليها، واستعدادهما لها، من قبل دخول المعركة، لقولهما:(حتى يموت الأعجل منا) .
5-
قوتهما: ويظهر ذلك من قول عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: (تمنيت أن أكون بين أضلع منهما) . والضلاعة هي القوة، فيظهر هذا جليّا في تصرفهما لما رأيا أبا جهل، لقول الراوي:(فابتدراه بسيفيهما فضرباه) ، وهو يدل على غاية القوة، وكمال الشجاعة.
6-
حبهما البالغ للنبي صلى الله عليه وسلم رغم حداثة سنهما، ويظهر ذلك في:
أ- سؤالهما عن أبي جهل ليقتلاه، ولما سئلا عن حاجتهما له قال كل منهما:(أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكأنهما لم يريا شيئا في أبي جهل يستحق عليه القتل أعظم من أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على شدة غضبهما على من يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو بالقول دون العمل، وإرادة الانتقام منه، وبذل أقصى الجهد لتحقيق ذلك، فإما موت أبي جهل، وإما موتهما، ولم يفكرا في حل ثالث، وكأنهما لا يستطيعان العيش، وأحد المشركين يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وانظر إلى فصاحة كل منهما في قوله: (أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهما لم يسمعا السب، ولم يخبرانا عن اسم من أخبرهما، فكل هذا لا يهم، المهم عندهما، قتل من يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وانظر إلى استخدامهما لفظ (أخبرت) دون (سمعت) ، فكأن إخبارهما بالخبر كان مقصودا به الانتقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن السماع يشترك فيه كل الناس، من يهمه الأمر ومن لا يهمه، ومن يقصد إيصال الخبر إليه ومن لا يقصد، كما أن لفظ «أخبرت» يشعر بعزة نفس كل منهما، وعلو شأنهما، وهو أمر محمود في ساحة القتال.
ب- ذهابهما مباشرة بعد قتل أبي جهل، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن غايتهما من حضور الغزوة قد انتهى بالقضاء على من يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والدليل على أنهما ما قتلا أحدا بعده، أن دم أبي جهل ما زال على سيفيهما، فقد ورد في الحديث:«هل مسحتما سيفيكما؟» قالا:
لا. وأعتقد أنهما حرصا على بقاء دم أبي جهل حتى يشعرا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما قد انتقما له من أبي جهل، فالإخبار بالقتل غير معاينة الدم.
ج- رد كل منهما على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيكما قتله؟» ، بإجابة واحدة:(أنا قتلته) ، مع أن القاتل الحقيقي واحد، وهو الذي أثخن جرحه وأعجزه عن المبارزة، ولكن ادعى كل