الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول فتارة تكون بالمال، وتارة بالخدمة، وتارة بالزيارة والسلام وغير ذلك. ويدخل في حمل الكلّ الإنفاق على الضعيف واليتيم والعيال وغير ذلك، وهو من الكلال وهو الإعياء. وأما قولها:(وتكسب المعدوم) فمعناه: تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك من نفائس الفوائد ومكارم الأخلاق وقيل:
معناه: تكسب المال العظيم الذي يعجز عنه غيرك ثم تجود به في وجوه الخير وأبواب المكارم وأما قولها: (وتقري الضيف) ويقال للطعام الذي يضيفه به: قرى ويقال لفاعله: قار، مثل قضى فهو قاض. وأما قولها:(وتعين على نوائب الحق) فالنوائب جمع نائبة وهي الحادثة إنما قالت نوائب الحق؛ لأن النائبة قد تكون في الخير وقد تكون في الشر «1» .
الفائدة الثانية:
قولها: (أول ما بدئ من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم) فيه:
1-
أن الرؤيا الصالحة من مبشرات النبوة، بل هي أول المبشرات، يؤخذ ذلك من الحديث الذي رواه البخاري، عن أنس بن مالك عن عبادة بن الصّامت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
«رؤيا المؤمن جزء من ستّة وأربعين جزآ من النّبوّة» . وكما ثبت في القرآن الكريم، أن يوسف عليه السلام، كان أول ما بدئ به، الرؤيا الصالحة، قال تعالى: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ [يوسف: 4] .
2-
الرؤيا الصالحة، أي الصادقة، لا تختص بالمؤمنين، ولكن قد تأتي لغير المؤمنين، مثال ذلك رؤيا ملك مصر، قال تعالى: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ [يوسف: 43] ، وقد تحققت الرؤيا بكامل تفاصيلها، كما رأى صاحبا يوسف في السجن رؤيتين قد تحققتا، وكانا كافرين، والدليل على ذلك أن يوسف عليه السلام قد دعاهما إلى الإسلام قبل أن يؤول رؤياهما، قال تعالى: يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (39)[يوسف: 39] ، ولكن لا تكون تلك الرؤى بشرى للكافر.
3-
تعبير الرؤى فضل من الله- عز وجل، تفضل به على بعض عباده المؤمنين، والدليل على ذلك أن الملأ قالوا لملك مصر: أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ [يوسف:
44] ، أي أن تأويل الأحلام له علماء متمرسون، والدليل على أنه فضل من الله، قول يوسف عليه السلام في آخر ما ذكر القرآن من قصته، قال تعالى: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ
(1) شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 201، 202) .
وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [يوسف: 101] . فقد أثبت أن الله هو الذي علمه تفسير الرؤى، بل أثبت أنها من المنن العظيمة؛ لأن يوسف عليه السلام قد أثنى على الله بتعليمه لها، وقرنها بنعمة الملك.
وإذا كان تأويل الرؤى علما ربانيّا فلا ينبغي لأحد أبدا أن يتكلم فيه بدون دراية، كما ينبغي لمن عنده هذا العلم، أن يشكر الله كثيرا على تلك النعمة، ولا يفوتني أن أذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوتي ذلك العلم، لما رواه مسلم عن سمرة بن جندب قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا صلّى الصّبح أقبل عليهم بوجهه فقال: «هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا» .
4-
ما يراه النائم على ثلاثة أضرب، رؤيا صالحة تكون بشرى للمؤمن، يراها أو ترى له، فلا يقصّها المؤمن إلا على من يحب، قال تعالى على لسان يعقوب ناصحا ابنه: يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً [يوسف: 5] .
والضرب الثاني: حلم من الشيطان، فعلى المسلم أن يتفل إذا رأى شيئا من ذلك، وينقلب على جنبه الآخر ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا يحدث بها أحدا، فإنها لن تضره بإذن الله، لما رواه البخاري، عن أبي سعيد الخدريّ أنّه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول:«إذا رأى أحدكم رؤيا يحبّها فإنّما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدّث بها، وإذا رأى غير ذلك ممّا يكره فإنّما هي من الشّيطان فليستعذ من شرّها ولا يذكرها لأحد فإنّها لا تضرّه» .
والضرب الثالث: يرى النائم أضغاث أحلام لا معنى لها غالبا، فلا يذكر منها شيئا بعد يقظته.
5-
من الذنوب العظيمة، أن يدعي الإنسان رؤيا لم يرها، لما ورد في صحيح البخاري، عن ابن عبّاس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:«من تحلّم بحلم لم يره كلّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل» «1» .
6-
لماذا يبدأ الوحي بالرؤيا الصالحة؟ يبدأ الوحي بالرؤيا الصالحة، لتكون بمثابة إرهاصات للنبوة، وتكون إعدادا نفسيّا وذهنيّا للأنبياء، لتحمل أعباء أعظم المهام في هذه الدنيا، وهي الدعوة إلى الله- عز وجل، يشعر بها النبي- قبل الوحي- أنه غير البشر العاديين، وأن الله- سبحانه وتعالى سيختصه بشيء عظيم، حتى إذا جاءه الوحي لم يكن مفاجئا له، أو يظن أن ذلك توهمات من الشيطان، لأنه إذا تدبر حاله وما كان يراه قبل
(1) البخاري، كتاب: التعبير، باب: من كذب في حلمه، برقم (7042) .