الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِصاحِبِكُمْ لينبههم على ما يعرفونه منه من الصدق والهداية وأنه لا يخفى عليهم أمره) «1» .
وحيث لا معارضة بين القولين فيجب الأخذ بهما جميعا وهذا مما يزيد جمال القران.
5-
إثبات أن كل ما يخالف سنته صلى الله عليه وسلم فهو باطل؛ لأن الآية لما أثبتت نفي الهوى عما ينطق به النبي صلى الله عليه وسلم أثبتت أن كل ما جاء به هو الحق، فيكون كل ما يخالفه باطل، والله يقول: فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ [يونس: 32] .
الفائدة الثانية:
جميل بلاغة القران الكريم؛ حيث قابل النور الحسي بالنور المعنوي، فكانت المناسبة جميلة بين المقسم والمقسم عليه، قال الشيخ السعدي- رحمه الله.:(وأقسم بالنجوم على صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي الإلهي لأن في ذلك مناسبة عجيبة فإن الله- تعالى- جعل النجوم زينة للسماء فكذلك الوحي واثاره زينة للأرض فلولا العلم الموروث عن الأنبياء لكان الناس في ظلمة أشد من الليل البهيم)«2» .
الفائدة الثالثة:
في الآيات إشارة إلى عظيم أمر اللسان وما ينطق به، حيث خصّ بالذكر بعد الإجمال، فقوله- تعالى-: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) ، يثبت سلامة كل ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم وبراءته من الضلالة والغواية، فيشمل ذلك سلامة القلب، والعقل، والأفعال، والسكنات وكذلك يشمل ما ينطق به، ولكن خصّ ما ينطق به بعد ذلك بالذكر للتنويه بعظيم شأنه، فكان من باب عطف الخاص على العام.
الفائدة الرابعة:
توجيه المسلم إلى أنه يجب عليه الابتعاد عن الهوى وتنقية القلب منه حتى يكون مهيئا لقبول الحق والإذعان له ثم العمل به، فإن الهوى والحق لا يجتمعان أبدا في قلب العبد، فبقدر ما يكون في النفس من هوى بقدر ما يكون ابتعاد العبد عن الحق المأمور باتباعه.
ودليل ذلك أن الآية قد نفت أولا النطق عن الهوى ثم أثبتت أن كل ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم هو وحي من الله تبارك وتعالى، فكما يقولون:(التخلية قبل التحلية) .
5- تسمية السنة حكمة:
من دلائل عظيم أمر سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن سماها الله عز وجل حكمة.
قال- تعالى-: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ
عَلَيْكَ عَظِيماً
[النساء: 113] ، والحكمة من أجمل وأتم الصفات التي يمكن أن تسمى بها الأشياء لكثرة وكمال معانيها، فالحكمة لها معان كثيرة، ومنها:
هي القول المأثور وهي الحصافة، وهي جودة الرأي، وهي كمال القوة النظرية.
وقد فسر العلماء المراد من الحكمة التي تعطف على الكتاب في ايات القران الكريم بمعان كثيرة ولكنها متشابهة تدور كلها حول السنة وما علّمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم، فقد قال ابن كثير-رحمه الله تعالى--: وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ هو القران، وَالْحِكْمَةِ وهي السنة) .
وقال في تفسير قوله- تعالى-: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [ال عمران: 164] : (والحكمة يعني: السنة. قاله الحسن، وقتادة، ومقاتل بن حيان، وأبو مالك وغيرهم وقيل: الفهم في الدين، ولا منافاة)«1» .
وقال الشيخ السعدي في تفسيره: (قوله- تعالى-: وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34)[الأحزاب: 34] ، المراد بايات الله القران، والحكمة أسراره أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم «2» ، وقال في تفسير الحكمة التي ورد ذكرها في سورة الجمعة:(أي علم القران وعلم السنة المشتمل على علوم الأولين والآخرين)«3» .
والذي يبين بجلاء عظيم أمر السنة ومكانتها في هذا الدين أن إبراهيم عليه السلام دعا ربه أن يبعث في هذه الأمة رسولا يعلمها الكتاب والحكمة، قال الله- تعالى- على لسان إبراهيم: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)[البقرة: 129] .
وقال القرطبي- رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية الكريمة ما نصه: (الكتاب القران، والحكمة المعرفة بالدين والفقه في التأويل، والفهم الذي هو سجية ونور من الله- تعالى-، قاله مالك ورواه ابن وهب وقاله ابن زيد، وقال قتادة: الحكمة السنة وبيان الشرائع، وقيل: الحكم والقضاء خاصة، والمعنى متقارب ونسب التعليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حيث هو يعطي الأمور التي ينظر فيها ويعلم طريق النظر بما يلقيه الله إليه من وحيه)«4» .
(1) انظر «تفسير القران العظيم» (1/ 185) .
(2)
انظر «تيسير الكريم الرحمن» ص (664) .
(3)
انظر «تيسير الكريم الرحمن» ص (862) .
(4)
انظر «الجامع لأحكام القران» (2/ 131) .