الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1-
لم يذكر العلماء دليلا واحدا صحيحا على صحة ما ذكروا من أسباب نزول هذه الآيات، ومعلوم أن سبب نزول الآيات توقيفي لا اجتهاد فيه قطعا.
2-
هذا الاجتهاد الخاطئ في سبب نزول الآية الكريمة يفتح بابا من أبواب جهنم يدخل منه أعداء الإسلام، فيمكن أن يقولوا في حق النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوه في حق داود عليه السلام، من أنه كان يرسل الرجل للغزو في سبيل الله حتى يموت، ويتزوج هو من زوجته التي أحبها، كما أقول: ألا يخشى الصحابة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يحب واحدة من زوجاتهم.
3-
سبب زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب قد جاء النص القرآني به أوضح ما يكون، قال تعالى: زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً، وبذلك يكون ما ذكره العلماء مناقضا لصريح القرآن.
4-
توجيه مثل هذا اللوم الشديد للنبي صلى الله عليه وسلم، لا يكون إلا على إخفائه لشيء علمه من وحي الله تعالى، وهو أنه سيتزوج زينب رضي الله عنها بعد أن يطلقها زوجها، ولا يستقيم مع الحكمة الإلهية أن يكون مثل هذا العتاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخفى عن زيد حبه لزوجته- حاشا لله-، وأظن أن هذا التفسير الخاطئ لسبب نزول الآية هو ما كان يعنيه الإمام ابن كثير بقوله:(ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير هاهنا آثارا عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن نضرب عنها صفحا لعدم صحتها فلا نوردها) . انتهى «1» .
26- أثنى عليه ربه باسمين من أسمائه:
قال تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128] .
الآية كلها- ولله الحمد- ما هي إلا تزكية بليغة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكني اخترت أوضح ما فيها ليكون عنوانا للباب.
مظاهر الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة:
1-
بيان أن إرسال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس هو منة من الله- عز وجل، حيث إنه من جنسهم ويتكلم بلسانهم، قال الشيخ السعدي في تفسير في الآية:(يمتن تعالى على عباده المؤمنين بما بعث فيهم النبي الأمي الذي من أنفسهم يعرفون حاله ويتمكنون من الأخذ عنه)«2» .
(1) تفسير ابن كثير (3/ 492) .
(2)
تيسير الكريم الرحمن (356) .
وقال القرطبي: (قوله تعالى: مِنْ أَنْفُسِكُمْ يقتضي مدحا لنسب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من صحيح العرب وخالصها)«1» .
2-
شفقة النبي صلى الله عليه وسلم البالغة بأمته حيث أوضحت الآية أنه يشق عليه كل ما فيه مشقة على أمته أو يسبب لها الحرج وهو العنت، وهذا يدل أيضا على عظيم حبه لأمته صلى الله عليه وسلم.
ومن مظاهر حرصه على عدم إعنات الأمة أنه صلى الله عليه وسلم راجع ربه لتخفيف عدد الصلوات المكتوبة، حتى أصبحت خمس صلوات من أصل خمسين صلاة في اليوم والليلة.
ويؤخذ من الآية أنه ليس في الدين كله أي أمر فيه مشقة أو عنت على المسلمين، لأن الله ما كان ليشرع لهذه الأمة ما يشق عليها، وهو يعلم أن هذا يشق على نبيه وخليله، ولو حدث أن شرع لهذه الأمة ما فيه مشقة عليها لطلب النبي صلى الله عليه وسلم التخفيف من ربه كما حدث في أمر الصلاة.
3-
حرص النبي صلى الله عليه وسلم إلى إيصال كل أنواع الخير إلى أمته، ودفع كل أنواع الشر عنهم، في معاشهم ومعادهم، لأن هذا هو دأب الحريص على غيره، وقيل: إن معنى حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ أي حريص على دخولكم الجنة ونجاتكم من النار.
ويتفرع عليه كمال دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، لأن الله- عز وجل لم يكن ليزكيه على حرصه على أمته دون أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم بدعوتهم على أكمل وجه. ومن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخفى علينا شيئا من الوحي أو أن خيرا لم يدلنا عليه، أو أن شرّا لم ينهنا عنه، فقد كذّب بظاهر القرآن.
4-
وهي أعظم ما في الآية، وهو الثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث إن الله قد أثنى عليه باسمين من أسمائه الحسنى، وهما الرؤف والرحيم، ولو لم يكن في القرآن ثناء على النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الثناء لكفى، نقل القرطبي في تفسيره عن الحسين بن الفضيل قوله:(لم يجمع الله لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه قال: بالمؤمنين رؤف رحيم، وقال تعالى: إن الله بالناس لرؤف رحيم)«2» .
وقال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره: (أي شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم ولهذا كان حقّه مقدما على سائر حقوق الخلق وواجب على الأمة الإيمان به وتعظيمه وتعزيره وتوقيره) . انتهى.
(1) الجامع لأحكام القرآن (8/ 301) .
(2)
الجامع لأحكام القرآن (8/ 302) .