الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظهره فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه) «1» .
وعلى ولي الأمر أن يأخذ درسا من ذلك، إذا أراد أن يربي من يعول، فهكذا تكون التربية، الأخذ بالشدة أولى، والشدة لا تعني عدم الرحمة والشفقة، ولكنها تعني عدم الترف، وعدم تلبية كل ما يحتاج إليه المتربّي، حتى لو كان نافعا.
وقد تجلت التربية الربانية للرسول طوال حياته، انظر إلى صبره على أذى المنافقين والكافرين، انظر إلى شجاعته في الغزوات والمعارك، انظر كيف كان يتحمل المرض والجوع، انظر كيف كان يعالج عوام المسلمين أصحاب الجفاء والغلظة، بل كيف تحمل انقطاع الوحي في حادثة الإفك.
الفائدة العاشرة:
نأخذ من قولها رضي الله عنها: (فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده)، مع قوله:«لقد خشيت على نفسي» ، وأن الخوف أمر مجبول عليه الإنسان، ولا يقدح في قوته ولا يقلل من شأنه، ولا يتعارض مع خوف الإنسان من ربه، خاصة إذا رأى ما يهدد حياته ويعصف بها، المهم أن يعلم وهو في حالة الخوف، أن الله هو المنجي من المهالك، ولن يضره أحد إلا بإذن الله، وبشيء قد كتبه الله عليه، قال الإمام النووي رحمه الله (ربما خشي ألا يقوى على مقاومة هذا الأمر ولا يقدر على حمل أعباء الوحي فتزهق نفسه) «2» وذكر الإمام ابن حجر عدة أقوال عن حقيقة الخوف الذي انتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم رجح منها ثلاثة أقوال؛ وهي: أن يكون خوفه صلى الله عليه وسلم من الموت لشدة الرعب، أو المرض، أو دوام المرض «3» ، ومما يؤيد أن الخوف أمر مجبول عليه الإنسان- ولو كان نبيّا- قوله تعالى على لسان موسى وهارون: قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45)[طه: 45]
الفائدة الحادية عشرة:
ما يجب أن تكون عليه الزوجة مع زوجها، وكذلك الزوج مع زوجته، نتعلم ذلك من النقاط التالية:
1-
يجب على الزوج أن يعلم أن الزوجة هي خير سكن له، يلجأ إليها عند نزول الأمر الجلل وغيره، يستشيرها في أمره، ويشكو إليها ما يجده من مصاعب الحياة، ولا يقدح ذلك في رجولته، لأنها سنة الله في هذا الكون، قال تعالى: وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها [الأعراف: 189] ، ولو كان اللجوء إلى الصاحب أولى وأنفع في تلك المواقف، لذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر الصديق وهو
(1) البخاري، كتاب: الوضوء، باب: إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة
…
(240) .
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 200) .
(3)
انظر فتح الباري (1/ 24) .
الرجل الحكيم ولكن ما ذهب إلا لخديجة، علمنا ذلك من قولها:(فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده فدخل على خديجة)، وقولها:(فقال لخديجة وأخبرها الخبر) . قال الحافظ ابن حجر: (من نزل به أمر استحب له أن يطلع عليه من يثق بنصيحته وصحة رأيه)«1» .
2-
يجب على الزوجة أن تهدئ من روع زوجها، وتكون له خير معين على مصائب الدنيا وهمومها وغمومها، وتقول له ما يناسب المقام، ولا يمكن أن تقوم المرأة بهذه المهمة الشاقة، إلا إذا كانت حكيمة في تصرفاتها، لبيبة في أحكامها، رزينة في أقوالها، فإن الزوج لو اعتاد منها خفة العقل، وسفاهة الرأي وإذاعة السر، انصرف عنها لغيرها، يستشيره في أمره، ويستأمنه على سره، وبذلك تكون قد انقطعت حبال الصلة بين الرجل وزوجته، علمنا ذلك من موقف خديجة رضي الله عنها ترى زوجها يدخل عليها بهذه الحالة من الخوف والرجفة، وهي الزوج الحنون، فلا ترتجف ولا ترتعد، بل تثبت، وتقول له كلمات موجزة أذهبت عنه كل ما يجد: (كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم
…
) .
4-
يظهر من الحديث بصورة جلية واضحة، فقه خديجة رضي الله عنها وعلمها وحكمتها وذلك في النقاط التالية:
أ- علمها وإيمانها بالله- عز وجل، في قولها:(كلا والله)، وثقتها به في قولها:
(ما يخزيك الله أبدا) .
ب- إحاطتها بما يحبه الله من الأخلاق والأعمال، وأن هذه الأعمال إذا كانت في عبد فلن يسوءه الله أبدا حيث ذكرت أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاته، بعد قسمها أن الله لن يخزيه أبدا، ومن فقهها أيضا أنها ذكرت الحكم، وهو عدم الخزي، وقدمت بين يديه علة الحكم، وهو اتصاف الرسول بهذه الصفات.
ج- حسن تصرفها، وذلك أنها ذهبت به إلى ورقة بن نوفل، ولكن بعد أن هدأت من روعه، ليستطيع أن يقص عليه خبره جيدا، كما أنها بالذهاب إلى ورقة جمعت للنبي صلى الله عليه وسلم العلم العام بالمسألة، وهو علمها، والعلم الخاص، وهو علم ورقة الذي كان يكتب الكتاب العبراني.
د- حكمتها ومن ذلك، أنها لم تحك لورقة ما رأى الرسول مع أنه أخبرها به، ولكن قالت لورقة: يا بن عم اسمع من ابن أخيك؟ لأن الذي رأى ليس كالذي سمع، كما أنها
(1) انظر فتح الباري (1/ 25) .