الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القرآن العظيم والسنة النبوية الشريفة، وإذا كان واجبا على كل مسلم أن يسعى إلى حلق العلم والذكر فأعتقد أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم غير مكلفات بذلك لأن العلم والذكر قد جاء إلى بيوتهن وبذلك قد كفاهن الله مؤونة السعي إليهما، وهذا مما يزيد في شرفهن وفضلهن.
وقد ذكر القرطبي ثلاثة معان للفظ الذكر الوارد في الآية الكريمة:
الأول: اذكرن موضع النعمة إذ صيّركنّ الله في بيوت تتلى فيها آيات الله والحكمة.
والثاني: اذكرن آيات الله واقدرن قدرها وفكرن فيها حتى تكون منكن على بال لتتعظن بمواعظ الله تعالى.
الثالث: احفظن واقرأن وألزمنه الألسن «1» .
9- إعلامهن بلطف الله بهن:
قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً [الأحزاب: 34] ؛ قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: (أي بلطفه بكن بلغتنّ هذه المنزلة وبخبرته بكنّ وأنكنّ أهل لذلك أعطاكن ذلك وخصكن بذلك)«2» . وقال ابن جرير: (أي ذا لطف بكن إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آيات الله والحكمة- وهي السنة- خبيرا بكن إذ اختاركن لرسوله)«3» .
من كل ما تقدم نعلم المنزلة العالية الرفيعة لأمهات المؤمنين، حيث لم يدع الله- سبحانه وتعالى معروفا إلا حثهن عليه ورغبهن فيه، ولم يترك محرما إلا حذرهن منه، كما لم يترك شرفا ولا فضلا إلا وأثبته لهن بأكمل وأوفر ما يكون، وما كان ذلك إلا لقربهن واقترانهن بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وللتمة فإني سأذكر بعض فوائد الآيات الكريمات عسى الله أن ينفعنا بها، وقد رأيت أن أذكر فوائد كل آية على حدة، حتى لا تختلط الفوائد على القارئ، وليعلم بالضبط موضع الاستنباط، فأقول وبالله التوفيق:
قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا [الأحزاب: 28] فيها:
1-
قال الشيخ السعدي- رحمه الله تعالى- كلاما نفيسا، قال ما نصه: «في آية التخيير فوائد:
(1) انظر الجامع لأحكام القرآن (14/ 184) .
(2)
انظر تفسير ابن كثير (3/ 487) .
(3)
انظر تفسير ابن جرير (22/ 9) .
منها: الاعتناء برسوله وغيرته عليه، أن يكون بحالة يشق عليه كثرة مطالب زوجاته الدنيوية.
ومنها: سلامته صلى الله عليه وسلم بهذا التخيير من تبعة حقوق الزوجات، وأنه يبقى في حرية نفسه، إن شاء أعطى، وإن شاء منع ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ [الأحزاب: 38] .
ومنها: تنزيهه عن لو كان فيهن من تؤثر الدنيا على الله ورسوله والدار الآخرة عنها، وعن مقارنتها.
ومنها: سلامة زوجاته رضي الله عنهن من الإثم والتعرض لسخط الله ورسوله.
فحسم الله بهذا التخيير عنهن التسخط على الرسول الموجب لسخطه المسخط لربه الموجب لعقابه.
ومنها: إظهار رفعتهن، وعلو درجتهن، وبيان علو هممهنّ، إن كان الله ورسوله والدار الآخرة مرادهن ومقصودهن دون الدنيا وحطامها.
ومنها: استعدادهن بهذا الاختيار للأمر الخيار للوصول إلى خيار درجات الجنة، وأن يكنّ زوجاته في الدنيا والآخرة.
ومنها: ظهور المناسبة بينه وبينهن، فإنه أكمل الخلق، وأراد الله أن تكون نساؤه كاملات مكملات طيبات مطيبات وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ [النّور: 26] .
ومنها: أن هذا التخيير داع وموجب للقناعة التي يطمئن لها القلب، وينشرح لها الصدر، ويزول عنهن جشع الحرص، وعدم الرضا الموجب لقلق القلب واضطرابه، وهمه وغمه.
ومنها: أن يكون اختيارهن هذا سببا لزيادة أجرهن ومضاعفته، وأن يكن بمرتبة ليس فيها أحد من النساء» «1» .
2-
ظنت أمهات المؤمنين- رضي الله عنهن أنه يمكن الجمع بين زيادة النفقة في الدنيا وبين الله ورسوله والدار الآخرة، فلما خيّرن علمن أن هذا الجمع محال فاخترن جميعا الله ورسوله بلا تردد، روى البخاري في صحيحه، عن الزّهريّ قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمن أنّ عائشة- رضي الله عنها زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم أخبرته: «أنّ رسول الله جاءها حين أمره الله أن يخيّر أزواجه فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنّي ذاكر لك أمرا فلا
(1) انظر تفسير السعدى (1/ 663) .
عليك ألاتستعجلي حتّى تستأمري أبويك» - وقد علم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه- قالت: ثمّ قال: «إنّ الله قال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ [الأحزاب: 28]
…
» إلى تمام الآيتين- فقلت له: ففي أيّ هذا أستأمر أبويّ؟! فإنيّ أريد الله ورسوله والدّار الآخرة» «1» .
3-
حث الأمة على الزهد في الدنيا، فلولا أن الزهد في الدنيا من أسباب الفوز والفلاح، ما رغّب الله نساء النبي صلى الله عليه وسلم فيه بل وجعله شرطا في البقاء بجوار النبي صلى الله عليه وسلم.
4-
ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من كمال الزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة ودليله أن الله عز وجل لم يرض من زوجاته إلا هذا المسلك، وأمرهن به وحثهن عليه، فكيف يرضى من نبيه صلى الله عليه وسلم بأقل من الكمال فيه.
وكأن الآية الكريمة تلمح إلى أن الإنسان بقدر ما تعلق بالدنيا بقدر ما نقص تعلقه بالآخرة، فالتعلق التام بالدنيا والآخرة لا يجتمعان في قلب واحد، وتزهيد الصحابة في الدنيا كان مسلك النبي صلى الله عليه وسلم في تربيتهم، روى البخاري عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: «كن في الدّنيا كأنّك غريب أو عابر سبيل» «2» .
وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصّباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحّتك لمرضك، ومن حياتك لموتك) .
4-
حث الرجال على تسريح زوجاتهن- إذا تم الطلاق- تسريحا جميلا، ففي الآية أمر من الله- سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، أن امرأة من زوجاته لو اختارت الدنيا- رغم حقارتها على جوار النبي صلى الله عليه وسلم ألا يعنفها ولا يقبحها ولا يقف الأمر عند ذلك، بل يجب تسريحها تسريحا جميلا، فما بالكم لو وقع الطلاق بين زوجين لسبب أقل من ذلك ألا ينبغي أن يكون السراح جميلا؟!.
5-
في الآية دليل على مشروعية طلاق المرأة التي تشغل الرجل عن أمور آخرته لحبها للدنيا وتعلقها بها، وهي أيضا من حقها أن تطلب الطلاق إذا كان زوجها لا يوفر لها أسباب الفوز والفلاح في الآخرة.
قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ [الأحزاب: 29] .
(1) رواه البخاري، كتاب: تفسير القرآن، باب: قوله يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ، برقم (4786) .
(2)
رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كن في الدنيا كأنك غريب
…
» ، برقم (6416) .
1-
لم تقيد الآية إرادة الله ورسوله بشيء معين من أمور الشرع؛ كالحب أو الطاعة فلم تقل الآية مثلا: (وإن كنتن تردن حب الله ورسوله) ، أو (وإن كنتن تردن طاعة الله ورسوله) ، ولكن الآية أطلقت لتوجيه العبد أن عليه أن يقصد كل أمر يتقرب به إلى الله ورسوله، فإن على العبد أن يجمع في طريقه إلى الله- سبحانه وتعالى بين الخوف والرجاء والحب والطاعة، وكذلك حب النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وإجلاله واتباع سنته.
2-
ذكرت الآية تُرِدْنَ [الأحزاب: 28] للتنويه على أن الإرادة هي التي توصل العبد إلى الله ورسوله، وهي التي يثاب عليها العبد، أما مجرد التمني دون الإرادة فليس للعبد فيها حظ، وأقصد بالتمني هنا تسويف العبد للأعمال الصالحة، والتمني قد ذمه الله تعالى في قوله: يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [الحديد: 14] .
3-
عطفت الآية الدار الآخرة على الله ورسوله، مع أنها داخلة قطعا في إرادة الله ورسوله، وهذا العطف لأسباب منها:
أ- مقابلة إرادة الحياة الدنيا التي ذكرت في الآية السابقة بإرادة الدار الآخرة.
ب- الإشارة إلى أن تعلق العبد بالدار الآخرة وما أعد الله فيها من الثواب الجزيل لعباده هي أعظم ما يعين العبد على اختيار الله ورسوله.
ج- التذكير بأن الأجر العظيم الذي أعده الله للمحسنين والمحسنات إنما يكون قطعا في الآخرة، وهذا مما يزهّد الإنسان في الدنيا.
4-
إثبات أن الجنة موجودة الآن، لقوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ [الأحزاب: 29] وأعد فعل ماض، لا يصرف عن ظاهره إلا بدليل من الكتاب والسنة.
5-
إحاطة علم الله بكل شيء قبل حدوثه، حيث دلت الآية أن الله قد أعد لمن اختارت الله ورسوله الأجر العظيم قبل وقوع الاختيار من نساء النبي صلى الله عليه وسلم.
6-
ثبوت درجة الإحسان لكل أمهات المؤمنين- رضي الله عنهن لاختيارهن جميعا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
7-
ثبوت الأجر العظيم لكل أمهات المؤمنين- رضي الله عنهن لاختيارهن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
8-
الإحسان هو أعظم منازل العبد، ولو أن هناك منزلة هي أعظم من الإحسان
لوصف الله بها أمهات المؤمنين اللاتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، وليكون أبلغ في حثهن.
9-
لا يبلغ العبد منزلة الإحسان إلا إذا زهد في الدنيا واختار الله ورسوله والدار الآخرة.
قوله تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً [الأحزاب: 30] .
1-
عدم استحياء الله- تبارك وتعالى من الحق، حيث ذكر مثل هذه الآية في كتابه الكريم، في حق من؟ زوجات أحب الخلق إليه صلى الله عليه وسلم.
2-
أنساب الناس وشرفهن في الدنيا ليس معتبرا شرعا ولا يقي من عذاب الله- سبحانه وتعالى، ولو أن الحسب والنسب يقي من عذابه لكان أولى الناس بالانتفاع بهما هن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الله قد رتب لهن أشد العذاب إذا خالفن أوامره.
3-
يجب على المسلمين- خاصة أهل الصلاح والتقوى- ألا يأمنوا شر المعاصي من حيث الوقوع فيها، ولا من عذاب الله إن هم وقعوا فيها، فهؤلاء أفضل النساء قد حذرهن الله- سبحانه وتعالى من الوقوع في الشرور والآثام، بل ومن سوء الأدب أن يظن الرجل الصالح أنه في مأمن من المعاصي.
4-
قد يضاعف العذاب أكثر على أهل الصلاح والتقوى إن باشروا بعض المعاصي والآثام ولم يتوبوا منها لعظيم حق الله عليهم ولما آتاهم من العلم أكثر من غيرهم، فما كان تشديد العقوبة على أمهات المؤمنين إن وقع منهن شيء- وحاشا لله أن يقع منهن منكر- إلا لعظيم فضل الله عليهن عن بقية نساء الأمة، بل نساء العالمين.
5-
الإشارة إلى قدرة الله- سبحانه وتعالى وأنه لا يصعب عليه شيء لقوله تعالى:
وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً [النّساء: 30] .
قوله تعالى: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ [الأحزاب: 31] .
1-
عدل الله- سبحانه وتعالى المطلق، حيث ضاعف لكل زوج من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الأجر على طاعتها في مقابل تضعيف العذاب على ارتكاب النواهي.
2-
فضل الله- سبحانه وتعالى العظيم على عباده المؤمنين، إذ أرشدهم لكل عمل صالح، ووفقهم لمباشرته، ورزقهم من الصحة والعافية والمال والأجل ما يجعلهم يقدرون على عمل الصالحات ثم كافأهم أحسن المكافأة على عملهم الذي هو محض فضله من كل
وجه، وسمّى تلك المكافأة أجرا.
فسبحان الذي أظهر عدله وفضله في آية واحدة.
3-
التنويه على ضرورة أن يكون العمل صالحا حتى يكون مقبولا، وشرط صلاح العمل الإخلاص والمتابعة.
قوله تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب: 32] .
1-
عظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلته عند ربه- جل وعلا-، إذ حكم بعدم المساواة بين زوجات النبي وغيرهن من نساء العالمين، وما كان ذلك إلا باقترانهن وقربهن من النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان الله قد حكم لنسائه بعدم تسويتهن مع بقية النساء فكيف نتصور أن يتساوى النبي صلى الله عليه وسلم مع أي من الخلق؟!
2-
الزواج من النبي صلى الله عليه وسلم، والعيش معه تحت سقف واحد، هو عمل صالح يترتب عليه ثواب عظيم ومنزلة عالية رفيعة لا يمكن أن تبلغها امرأة أخرى مهما صنعت من الأعمال الصالحة ولو استغرقت كل عمرها، لأن الآية نصت على أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حالة تقواهن- لا يستوين مع غيرهن من النساء دون تقيد لتقوى غيرهن ولا كثرة أعمالهن الصالحة، وكفى لهنّ شرفا أن جعل الله تأديبهن وتوجيههن بايات من الذكر الحكيم.
3-
لا يجوز لأي امرأة مسلمة مهما بلغت من الدين والحسب والنسب والمال والعلم الشرعي أن تعتقد أنها تتساوى مع أقل نساء النبي صلى الله عليه وسلم قربا منه، أو حتى تقترب منها في الفضل والشرف، لأن الله قد حكم بعدم المساواة.
4-
فضل تقوى الله- سبحانه وتعالى وعظيم أثرها على العبد المسلم، حيث أن الآية قد اشترطت وجود تقوى الله لأي من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حتى يحكم لها بمباينة النساء من غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
5-
خطورة الخضوع بالقول عند تحدث النساء مع الرجال، لأن ذلك يهيج مشاعر من في قلبه مرض، وإذا كان الله عز وجل قد نهى نساء النبي صلى الله عليه وسلم وحذرهن من هذا الخلق المذموم مع كونهن أمهات المؤمنين، ومع ما في قلوب جميع المؤمنين من تعظيم لحرمة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فخطر ذلك على من دونهن من النساء أولى وأولى.
6-
في الآية تنويه إلى أن أسباب إشاعة الفتنة هي في يد المرأة أكثر من كونها في يد الرجل، حيث وجّه الله- سبحانه وتعالى لها النهي عن الخضوع بالقول، فعلى النساء أن
يتقين الله عز وجل ولا يكن أعوانا للشيطان في إشعال الفتنة وإشاعة الفواحش في المجتمع المسلم.
7-
قلوب الرجال من حيث إثارة الغرائز الكامنة على قلبين، قلب مريض يثار بأدنى سبب، وقلب صحيح معافى يثبت أمام من يدعوه إلى الوقوع في المحرمات، وعلى أصحاب القلوب المريضة أن يداووا قلوبهم، وألا يتعرضوا لدواعي الفتن حتى لا تقع في المحظور، وفي الآية أيضا أن حب الشهوات مرض يصيب القلب.
8-
في الآية إرشاة إلى ضرورة إزالة الالتباس الذي قد يقع فيه السامع، لأن الآية الكريمة لما توجهت إلى نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن الخضوع في القول، وقد نفهم من ذلك أن عليهن الغلظة في القول، أزال الله- سبحانه وتعالى هذا الالتباس بقوله تعالى: وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً [الأحزاب: 32] .
9-
في الآية حث على التزام المسلم بقول المعروف في تعامله مع الناس. والقول المعروف هو الذي يتصف بالأدب ومجانبة كل ما يخدش الحياء والبذاءة من غير غلظة ولا جفاء.
قوله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب: 33] .
الأصل للنساء هو القرار في البيت، فهو الأسلم والأحفظ للمجتمع من شرور الاختلاط وآفاته.
2-
ذم التبرج غاية الذم، حيث وصف التبرج في الآية بأنه من عادات الجاهلية الأولى، وعليه فإنه محرم لنهي الآية عنه، ولوصفه بعادات الجاهلية- في سياق الذم- ومعلوم أن من أعظم مقاصد الشريعة مجانبة عادات الجاهلية المذمومة.
ويتفرع عليه ذم أغلب المجتمعات المسلمة في وقتنا الحاضر والتي غلب عليها وتفشى فيها مظهر من مظاهر الجاهلية الأولى وهو التبرج وإن كان في زمننا هذا بصورة أقبح عما عرفته الجاهلية الأولى.
3-
اقترنت الصلاة بالزكاة في أغلب آيات القرآن الكريم لأنهما أعظم شعائر الإسلام بعد الشهادتين، ولأن الصلاة حق الله- سبحانه وتعالى، والزكاة حق العباد.
4-
طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مفتاح كل خير وسبيل كل رشد، ودليل ذلك أن تكرر ذكرها ثلاث مرات في خمس آيات متتاليات، ويؤخذ من ذلك وجوب طاعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم
وعظم قدرها كطاعة الله- سبحانه وتعالى سواء بسواء حيث قرن الله طاعته بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في الآيات الثلاثة، بل في أكثر آيات القرآن، بل أفردت بعض الآيات طاعة مستقلة للنبي صلى الله عليه وسلم، كقوله- تعالى-: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النّور: 56] ، وقد بينت أن للنبي صلى الله عليه وسلم طاعة مستقلة.
5-
التحذير كل التحذير من إرادة أدنى السوء بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الأطهار الميامين، لأن من أراد ذلك وسعى فيه أو حتى تمناه، فقد ضاد الله في مراده حيث أراد الله سبحانه وتعالى لهن أكمل الصفات وأحسن الأخلاق، بأن يذهب عنهن كل أذى وشر وأن يلبسهن لباس الطهر والعفاف.
6-
نجزم قطعا بأنّ كل نساء النبي صلى الله عليه وسلم يعتبرن من أهل البيت الذين لهم من الإجلال والتوقير ما ليس لغيرهم، ودليله أن الآيات المتتاليات من رقم (28) من سورة الأحزاب- التي معنا- موجهة قطعا بنص القرآن إليهن، ثم ختمت الآيات الكريمات بذكر الحكمة من توجيه هذا الخطاب الرباني بقوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [الأحزاب: 33] ، فلا يماري في ذلك أحد، ويتفرع عليه عظيم التخويف بالمساس بهن وأعظم الحث على تبجيلهن وتوقيرهن.
7-
ذهاب الرجس وثبوت التطهر للعبد إنما يكون بامتثال طاعة الله ورسوله وكل ما ورد في الآيات الكريمات من توجيهات، وبقدر مخالفة العبد لتلك التوجيهات بقدر ما يكون معه من رجس يناقض الطهر والعفاف.
قوله تعالى: وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب: 34] .
1-
تلاوة آيات القرآن والسنة في البيوت هي من النعم العظيمة التي يتفضل الله بها على العباد.
ويتفرع عليها الحثّ على الإكثار من تلاوة القرآن والسنة في البيوت، وأن البيت الذي تكثر فيه تلك التلاوة هو بيت مبارك.
2-
الأمر بتلاوة آيات الله والأحاديث النبوية وتدبرها والوقوف عند فوائدها ووجوب تبليغها للأمة، بناء على ما ذكر الإمام القرطبي من معاني قوله تعالى:
وَاذْكُرْنَ [الأحزاب: 34] .
3-
عظيم أمر السنة النبوية الشريفة حيث أمر الله- سبحانه وتعالى بتلاوتها في