الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكذيبهم بالساعة، قال- تعالى-: بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً [الفرقان: 11] ، وتوعدهم الله عز وجل على هذا التكذيب بالعذاب الشديد.
7- دفع ادعائهم أنه صلى الله عليه وسلم كتب القرآن:
قال تعالى: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفرقان: 5] فهذا كذب آخر منهم، حيث ادعوا أن هذا القرآن، ما هو إلا حكايات وأحاديث الأولين، التي فيها الصدق القليل، والكذب الكثير، فرد الله عز وجل عليهم بأبلغ البيان؛ قال تعالى: قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الفرقان: 6] ، فألمحت الآية إلى أن الذي يقدر على إنزال هذا القرآن، هو الذي يعلم السر في السماوات والأرض، ولماذا نصت الآية على عالم السر؟
المتأمل للقرآن يعلم الجواب، ففي القرآن طرف عظيم، من أسرار ملكوت العالم السفلي والعلوي، وأسرار علم الغيب الماضي والحاضر والمستقبل، وأسرار المخلوقين، ملائكة وإنسا وجنّا، وفيه الحديث عن سرائرهم، وما تخفي نفوسهم، فأنزل ما يصلحهم، يتكلم القرآن عن كل ما سبق كأن الكون وما فيه، سره وعلانيته، خفيه وجليه، دقيقه وحقيره، ظاهره وباطنه، كأنه كتاب مفتوح لمن أنزل القرآن، فهل يعقل أن يكون الذي أنزل القرآن أحد غير الخالق، الذي يعلم السر وأخفى، فالذي يدعي أن محمدا صلى الله عليه وسلم، هو الذي أتى بهذا القرآن، قد رفعه فوق منزلة البشر، لأنه ليس من البشر أحد يعلم السر، وكفى بذلك حجة أن القرآن من عند الله خالق كل شيء.
فإن أصروا على أن هذا القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم، فلماذا لم يأتوا بمثله؟ وقد تحداهم الله عز وجل في ذلك فقال: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء: 88] ، فلما عجزوا عن أن يأتوا بمثله كاملا، تحداهم بأن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات، قال تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [هود: 13] فلما أعجزهم هذا الأمر أيضا، تحداهم أن يأتوا بسورة مثله، في موضعين من القرآن، قال تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [يونس: 38]، وقال- عز من قائل-:
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [البقرة: 23] .
أقول: ليس المراد من سرد الآيات إطلاع القارئ عليها؛ فهي معلومة لكل أحد، ولكن المراد بيان أن هذا التحدي هو في ذاته معجز، وأن الله عز وجل قد ألزمهم به الحجة، وأنه دليل لكل ذي لب على أن هذا القرآن تنزيل من حكيم حميد، وذلك أن العرب في زمن البعثة كانوا أبلغ الناس فصاحة وبلاغة، وكانوا يقيمون الأسواق والمنتديات؛ ليتباروا في كتابة المعلقات، وهذا لا ينكره أحد، فأن يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل التنزل مع المجادلين- فيضع نفسه في مأزق أمام أصحابه وعشيرته، الذين آمنوا به وبايعوه على أنه نبي من عند الله، فيأتي ويتحدى المكاذبين له أمام الناس أجمعين، ويسجل ذلك في القرآن، ويقترح عليهم أن يتظاهروا ويتساعدوا فيما بينهم، ليأتوا بمثل هذا القرآن، فلا يشترط عليهم، تحرزا لنفسه، أن يأتوا به فرادى، بل يتحدى الإنس والجن معا، وما يدريه ما عند الجن من قوة، فضلا على ما عند العرب مما ذكرنا من فصاحة وبلاغة وبيان، ما الذي يدفعه لذلك، ويضحّي بما وصلت إليه منزلته عند أصحابه، فلمّا عجز العرب عن ذلك لم يسكت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تحقق له ما أراد من تعجيزهم، بل يتنزل معهم، فيتحداهم بالإتيان بعشر سور، فيعجزون، فلا يرضى المتحدي بهذا التعجيز الظاهر، ويصر على إكمال التحدي، في سورة واحدة، وفي كل مرة يرتفع شأنه أكثر عند أصحابه ويكون دافعا لهم على رسوخ الإيمان، بمن أنزل القرآن، وبمن أنزل عليه القرآن، وفي المقابل يحتقر شأنهم أكثر بعجزهم فيما برعوا فيه، ألم يفكر النبي صلى الله عليه وسلم ماذا سيكون الموقف إذا وفّقوا في هذا التحدي، أو رأى وسمع أصحابه من يأتي بمثل القرآن.
والسؤال الآن لماذا لم يستطيعوا أن يأتوا بالسورة، مع وجود الدافع، وانتفاء المانع، فقد حرصوا كل الحرص على تكذيبه وإبطال دعوته، فقالوا: شاعر،. وقالوا: كاهن، وقالوا: مجنون، وكادوا له بكل أنواع الكيد، قال تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (54)[آل عمران: 54]، وقال- تعالى-: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ [إبراهيم: 46] ، علمنا أن مكرهم الذي تزول منه الجبال، وتضحيتهم بالمال والنفس والعرض والأولاد، كان أيسر عندهم من الإتيان بسورة واحدة من القرآن، وليعلم كل أحد أن إنكاره أن القرآن من عند الله- سبحانه وتعالى سيوقعه في إشكال كبير، وهو كيف يأتي رجل أمي، لا يقرأ ولا يكتب بكلام يعجز العرب والعجم، والإنس والجن مجتمعين، فهل يعقل أن يكون هذا الذي أنزل القرآن بشرا، وهل أتى بشر من قبله، أو من بعده بكلام
أعجز الأولين والآخرين، إن كان لا، ألزمناهم أن يرفعوا محمدا صلى الله عليه وسلم فوق منزلة البشر، لأنه وحده أتى بما لم يأت به الإنس والجن مجتمعين، وكيف يفعلون ذلك، وهو لم يدّع أنه فوق البشر، بل لم يدع أصلا أنه كتب هذا القرآن من عنده، وهل يعقل أحد أن رجلا يستطيع أن يعجز الإنس والجن، ثم ينسب كذبا- حاشا لله- هذا الإعجاز لغيره، من فعل هذا قبله؟ ولماذا؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.