الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيبا، وكانت امرأته عاقرا، وكيف لم يكلم الناس ثلاث ليال، بغير مرض في لسانه، وكانت تلك القصة بمعجزاتها كالتمهيد الذهني لمعجزة أعظم وأغرب على عقول الناس، وهي معجزة عيسى عليه السلام، واستخدم النبي نفس النهج وهو الإعداد الذهني والنفسي في أول يوم صدع فيه بالدعوة، كما ورد عند البخاري، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: لمّا نزلت:
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد النّبيّ صلى الله عليه وسلم على الصّفا فجعل ينادي: «يا بني فهر يا بني عديّ» ، لبطون قريش حتّى اجتمعوا، فجعل الرّجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو؟ فجاء أبو لهب وقريش فقال:«أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدّقيّ؟» قالوا: نعم؛ ما جرّبنا عليك إلّا صدقا. قال: «فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد» «1» .
فيجب علينا أن ننتبه لهاتين المسألتين جيدا، وهما الإعداد الذهني والنفسي لمن سيتولى أمرا هامّا، أو من سنلقي عليه أخبارا لا يألفها.
7-
رؤيا الأنبياء حق، لقول عائشة:(فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح) ، ولفظة (رؤيا) ، جاءت نكرة في سياق النفي، وهي تقتضي العموم، وحيث إن كل رؤى النبي صلى الله عليه وسلم تتحقق، علمنا أن رؤيا الأنبياء حق؛ إذ لو كان للشيطان نصيب منها، لتحقق بعضها ولم يتحقق الآخر.
8-
رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، كانت تتحقق على وجه لا يختلف اثنان على تأويلها وتحققها، استفدنا ذلك من قول عائشة:(إلا جاءت مثل فلق الصبح) . فقد شبهت تحقق الرؤيا مثل ضياء الصبح، الذي لا يخالف أحد في وجوده وسطوعه، فكذلك رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، ولو اختلف عليها اثنان ما صح التشبيه قال الإمام النووي رحمه الله:(فلق الصبح هو ضياؤه وإنما يقال هذا في الشيء الواضح البين)«2» .
الفائدة الثّالثة:
في الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان أميّا لا يقرأ ولا يكتب، لقوله:
«ما أنا بقارئ» . وهذا أبلغ في إقامة الحجة على الكفار، في أن القرآن الذي أعجز العرب والعجم كان من عند الله، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ ويكتب، لادعى الكفار أنه جاء بالقرآن، بعد أن تعلم وقرأ الكتب المنزلة على الرسل، وقد تيقن الكفار أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أميّا وإلا
(1) البخاري، كتاب: تفسير القرآن، باب: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ برقم (4770) . ومسلم، كتاب: الإيمان، باب: في قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ برقم (208) .
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 197) .