الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفائدة الثّالثة:
أوضحت الآية رفيع قدر النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه- تبارك وتعالى.، ونلمحه في أمرين توجّه بهما الخالق- عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وهما الأمر بالعفو عن المسلمين الذين أساؤا له صلى الله عليه وسلم، ويتبين من الآية أنه لولا عفو الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم لأخذهم الله- عز وجل بهذه الإساءة صغيرة كانت أو كبيرة، والأمر الثاني: الاستغفار لأصحابه رضي الله عنهم، ومنها يتبين فضل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان استغفاره صلى الله عليه وسلم يتساوى مع استغفارهم لأنفسهم ولا يتفاضل عليه، لأمر الله المؤمنين بالاستغفار لأنفسهم- خاصة أن الاستغفار عبادة- وقد ظهر هذا الأمر جليّا في قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً [النساء: 64]، وقوله- جل في علاه-: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5)[المنافقون: 5] .
قال الشيخ السعدي رحمه الله: (ثم أمره تعالى بأن يعفو عنهم ما صدر منهم من التقصير في حقه صلى الله عليه وسلم ويستغفر لهم في التقصير في حق الله فيجمع بين العفو والإحسان)«1» .
قلت: وهذا من أوجه التربية الفاضلة للنبي صلى الله عليه وسلم.
ونقل الإمام القرطبي عن بعض العلماء كلاما لطيفا في حكمة تدرج أوامره لنبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية حيث قالوا: (أمره أن يعفو عنهم ما له في خاصته عليهم من تبعة، فلما صاروا في هذه الدرجة أمره أن يستغفر فيما لله عليهم من تبعة أيضا، فإذا صاروا في هذه الدرجة صاروا أهلا للاستشارة في الأمور)«2» .
ثالثا: تزكية قلبه صلى الله عليه وسلم من حيث صدقه وحضوره وعدم كذبه
.
قال تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى [النجم: 11] .
قال الشيخ السعدي رحمه الله: (أي: اتفق فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم ورؤيته على الوحي الذي أوحاه الله إليه، وتواطأ عليه سمعه وقلبه وبصره، وهذا دليل على كمال الوحي الذي أوحاه الله إليه، وأنه تلقاه منه تلقيا لا شك فيه ولا شبهة ولا ريب، فلم يكذب فؤاده ما رأى بصره، ولم يشك في ذلك، ويحتمل أن المراد بذلك ما رأى صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، من آيات الله العظيمة، وأنه تيقّنه حقّا بقلبه ورؤيته، هذا هو الصحيح في تأويل الآية الكريمة، وقيل: إن المراد بذلك رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء وتكليمه إياه، وهذا اختيار كثير من العلماء رحمهم الله، فأثبتوا بذلك رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا،
(1) تيسير الكريم الرحمن (154) .
(2)
الجامع لأحكام القرآن (4/ 249) .