الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد وضح الحافظ ابن حجر رحمه الله عظيم ما في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم بقوله: (اشتملت هذه الجمل القليلة التي تضمنها هذا الكتاب على الأمر بقوله: «أسلم» والترغيب بقوله: «تسلم ويؤتك» والزجر بقوله: «فإن توليت» والترهيب في قوله: «فإن عليك» والدلالة بقوله: «يا أهل الكتاب» وفي ذلك من البلاغة ما لا يخفى وكيف لا وهو كلام من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم «1» .
الفائدة السّادسة:
في الحديث عظيم أمر الوالي، ومن يقوم مقامه، وكذلك من يرعى رعية صغيرة أو كبيرة، لأن الناس له تبع وهو لهم قدوة، ينقادون لما انقاد له، ويؤمنون بما آمن به، وقد قالوا قديما وحديثا: الناس على دين ملوكهم، عرفنا ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم لهرقل:«يؤتك الله أجرك مرتين» ، وذلك أن بإسلامه سيدخل السواد الأعظم من رعيته في الإسلام، وهذا أيضا ترغيب من النبي صلى الله عليه وسلم لهرقل، لما سيناله من مضاعفة الأجر إذا أسلم، أجره وأجر من أسلم بإسلامه، يصدق ذلك ما رواه مسلم، عن أبي مسعود الأنصاريّ قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنّي أبدع بي فاحملني فقال: «ما عندي» ، فقال رجل: يا رسول الله أنا أدلّه على من يحمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله» «2» . وكما رغبه بالأجرين رهّبه من الإثمين، أي تضعيف العذاب إذا لم يدخل في الإسلام، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:«فإن توليت فإن عليك إثم الإريسيين» أي إثم رعاياك الذين لن يسلموا بعدم إسلامك، يضاعف الله- عز وجل عليه الإثم دون أن يخفف ذلك من آثامهم شيئا.
وقد يسأل سائل، كيف يستقيم أن يتحمل العبد وزر غيره؟ وقد قال الله- عز وجل في محكم التنزيل: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [الأنعام: 164]، أي: لا تتحمل نفس مكلفة وزر نفس أخرى، والرد أنه لا تعارض، لأن النفس التي كانت سببا في إضلال نفس أخرى عليها وزران، وزر ضلالها ووزر إضلال غيرها، دون تحمل وزر النفس التي أضلتها، وذلك منتهى العدل، يصدق ذلك قوله تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ [النحل: 25] .
الفائدة السّابعة:
في سند الحديث، بيان ما كان عليه الصحابة والسلف رضي الله عنهم، من الحرص على علو الإسناد، فها هو ذا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، يخبرنا أن هذا
(1) فتح الباري (1/ 38) .
(2)
مسلم، كتاب: الفضائل، باب: فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم
…
، برقم (2276) .