الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مثال آخر لعظيم أدب الصحابة مع النبي ص]
وهناك مثال آخر لعظيم أدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: مرّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون «1» . فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ارموا بني إسماعيل فإنّ أباكم كان راميا، ارموا وأنا مع بني فلان» ، قال، فأمسك أحد الفريقين بأيديهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما لكم لا ترمون؟» قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟! قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ارموا فأنا معكم كلّكم» «2» .
الشاهد في الحديث:
إمساك أحد الفريقين عن الرمي بعد أن قال النبي صلى الله عليه وسلم للفريق المقابل: «ارموا وأنا مع بني فلان» .
حقيق بمن تدبر هذا الأدب الجم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعجب كل التعجب، خاصة إذا تأمل قول الفريق الذي كف عن الرمي «كيف نرمي وأنت معهم» ، وأعتقد أن من أسباب كفهم عن الرمي أنهم سيكونون في وضع (ظاهره) أنهم خصوم للنبي صلى الله عليه وسلم وقد بينت في عدة مواطن من الكتاب أنهم كانوا يأبون أن يكونوا على هيئة ظاهرها عدم التأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم ولو برضاه، كما حدث مع أبي أيوب الأنصاري، وقد أورد الحافظ ابن حجر- رحمه الله وجهين آخرين لإمساك الفريق عن الرمي نقلا عن بعض العلماء قال:(أمسكوا لكون النبي صلى الله عليه وسلم مع الفريق الآخر خشية أن يغلبوهم، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم مع من وقع عليه الغلبة، والقول الثاني: أنهم أمسكوا لما استشعروا من قوة قلوب أصحابهم بالغلبة حيث صار النبي صلى الله عليه وسلم معهم، وذلك من أعظم الوجوه المشعرة بالنصر) . انتهى.
وفي الحديث ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حيث قال لهم في الأولى: «ارموا وأنا مع بني فلان» . وفيه أيضا حرصه صلى الله عليه وسلم على تطييب خاطر أصحابه جميعا، لما قال لهم في الآخرة:
13- تعظيمه صلى الله عليه وسلم في نفوسهم
تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم ليس كلمات تقال ولا قصصا تروى ولا تكون دعوى باللسان ولا هياما بالوجدان بل لا بد أن يصاحب ذلك: الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم والسير على هداه وتحقيق منهجه في الحياة العملية، فتعظيمه صلى الله عليه وسلم ليس ترانيم تغنى ولا قصائد وأناشيد تنشد ولا كلمات تقال ولا خطبا تعلو المنابر فحسب بل محبة وإجلال واقتداء وسلوك وتقديمه صلى الله عليه وسلم
(1) ينتضلون: أي يتسابقون في رمي السهام.
(2)
البخاري، كتاب: الجهاد والسير، باب: التحريض على الرمي، برقم (2899) .