الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفائدة الثالثة:
ما الحكمة في توجيه خطاب النهي عن الزواج بأمهات المؤمنين للأمة، ولم يوجه الخطاب لنساء معدودات- هن أمهات المؤمنين-، وستكون نفس النتيجة، وهي عدم وقوع الزواج منهن، أعتقد أن الحكمة من ذلك قد تكون واحدة أو أكثر من الحكم التالية أو هي جميعا، والله الموفق للصواب.
1-
إظهار مكانة وفضل أمهات المؤمنين؛ إذ توجّه الخطاب لكل رجال الأمة.
2-
حبس رجال الأمة جميعا عن مجرد التفكير في الزواج بإحدى أمهات المؤمنين؛ إذ إن الخطاب قد توجه لكل فرد من أفراد الأمة.
3-
ال
تنويه
على أن الأصل في طلب المرأة للزواج أن يصدر من الرجل، فناسب توجيه الخطاب إليه.
4-
توجيه خطاب التحريم إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، قد يفهم منه أنه سيحدث قدرا أن يتقدم أحد لخطبة إحداهن فترفضه، وهذا الأمر لا يليق أن يحدث أصلا.
5-
قد يكون في توجيه الخطاب للأمة إشارة إلى أن أمهات المؤمنين لا ينبغي لهن التفكير في الزواج بعد النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنهن لن يفكرن أصلا في ذلك، فيكون من غير الحكمة توجيه الخطاب لهن.
6-
الإشارة إلى أن الرجال قد يطمعن في الزواج من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لشرفهن وفضلهن، ولكنهنّ لن يطمعن في أحد من الرجال لأنهم جميعا أقل شرفا وفضلا ممن تشرفن بالزواج منه، وهو النبي صلى الله عليه وسلم.
تنويه:
ذكرت هذا الباب- وهو تحريم الزواج من أمهات المؤمنين- رضي الله عنهن في سياق الحديث عن شرفهن وفضلهن، ولم أذكره فيما اختص الله- سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من خصائص، لأشير إلى عدة نقاط مهمة:
1-
فضل الله العظيم على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لما في تحريم الزواج منهن من حفظ مكانتهن في قلوب المسلمين، وعدم انقطاع صلتهن بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، فإنهن زوجاته في الجنة بل في المنزلة العالية الرفيعة منها- وهي الوسيلة.
2-
التأكيد على أن الله- سبحانه وتعالى أراد- قدرا وشرعا- تمييزهن عن نساء الأمة، وعدم تسويتهن بهن في واحدة من أوكد حقوق المرأة وهي زواجها بمن تشاء بعد وفاة زوجها.
3-
ومن جملة فضلهن في هذه المسألة، أنه لا يخشى عليهن الفتنة بعدم الزواج بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ونقطع أن الله يعلم ما هن فيه من اكتمال الإيمان والتقوى الذي يصون أعراضهن، وإلا ما عرضهن للفتنة بعدم الزواج، وهذا أبلغ ما يوضح عظيم فضلهن وعلو قدرهن على بقية نساء الأمة.
4-
إيثارهن الله ورسوله على زينة الدنيا ومتاعها، وذلك أنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة مع علمهن بتحريم زواجهن بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، مع ما كنّ يلاقينه من شظف العيش وضيق ذات اليد.
وتبرئة أعراضهن:
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (13) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (14)[النور: 11- 14] .
نزلت هذه الآيات الكريمات في تبرئة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، عائشة- رضي الله عنها، مما خاض فيه طائفة من الصحابة والمنافقين من حديث الإفك، وقد أوردت الحديث كاملا، في باب صبر النبي صلى الله عليه وسلم على الأذى، وذكرت ما في الحديث من فوائد عظيمة، ولكن إيرادي للآيات هنا لإثبات عظيم شأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عند الله- تبارك وتعالى، وحرص القرآن الكريم على تبرئتهن وإثبات ما يستحقه الخائضون في أعراضهن الشريفة من العذاب العظيم في الدنيا والآخرة.
وسأذكر أولا مظاهر ذلك من الآيات الكريمات ثم بعض فوائد الآيات، وإن كنت أود أن أنبه إلى أن نزول القرآن (ولو آية واحدة تلميحا أو تصريحا) لتبرئة أعراض زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لهو أعظم دلائل مكانة هؤلاء الزوجات- رضي الله عنهن جميعا- عند الله- تبارك وتعالى وهو ما تشير إليه عائشة- رضي الله عنها في الحديث الصحيح:«ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى، لكنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها» «1» .
(1) رواه مسلم، كتاب: التوبة، باب: في حديث الإفك وقبول توبة القاذف، برقم (2770) .