الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا [الأنبياء: من الآية: 63] ، فأضاف كبره إلى بقية الآلهة، ولم يقل: بل فعله الكبير، ومثل هذه التوافقات بين الأنبياء، والتي ذكرت طرفا منها في مواضع متعددة من هذا الكتاب، تدلنا على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قد نهلوا من منبع واحد، وهو المنبع الرباني الذي رباهم كلهم جميعا، على كمال التوحيد، وتمام العبودية، قال الإمام النووي رحمه الله:
(لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: ملك الروم، لأنه لا ملك له ولا لغيره إلا بحكم دين الإسلام، ولا سلطان لأحد إلا من ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ولاه من أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: إلى هرقل فقط، بل أتى بنوع من الملاطفة فقال: عظيم الروم، أي الذين يعظمونه ويقدمونه، وقد أمر الله تعالى بإلانة القول لمن يدعى إلى الإسلام)«1» .
الفائدة الثانية:
قوله: «سلام على من اتبع الهدى» ، فيه دليل على أن الكافر لا يبدأ بالسلام حيث لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم:(سلام عليك) ، وما دام هرقل لم يتبع الهدى، فإنه ليس له حظ من هذا السلام، فإن قيل: ولماذا ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الخطاب؟ قلت: قد يكون ذلك من باب الترغيب له في دخول الإسلام واتباع الهدى، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول له، حرمت السلام في هذا الخطاب لعدم اتباعك الهدى، فإن اتبعت شرفت بإلقاء السلام، ويكون السلام هنا بمعنى الخبر، الذي يقصد به الترغيب. والله أعلم. قال الحافظ ابن حجر:(ليس المراد من هذا: التحية، وإنما معناه سلم من عذاب الله من أسلم)«2» .
الفائدة الثّالثة:
فيه استحباب أن يقال في صدر الكتاب بعد تصديره بالبسملة، (أما بعد) ، وهي تضفي على الكلام جمالا، وأما ما قيل أن (أما بعد) هي فصل الخطاب الذي آتاه الله داود، والمشار إليه في قوله تعالى: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ [ص: 20] ، فهذا بعيد جدّا، وكذا استبعده الشيخ/ العثيمين رحمه الله، ومعنى (أما بعد) أي:
أما الابتداء فهو باسم الله، وأما المكتوب فهو ما سيأتي.
وعلى كل حال فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يبدأ بها الخطب والمواعظ والرسائل.
الفائدة الرّابعة:
قوله: «بدعاية الإسلام» ، أي بالكلمة الداعية إلى الإسلام، وهي شهادة ألاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وهي كلمة التوحيد، وكلمة الإخلاص، والتي لا يقبل من إنسان عمل صالح إلا إذا أتى بها.
(1) شرح النووي على صحيح مسلم (12/ 108) .
(2)
فتح البارى (1/ 38) .