الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأحوال الأمم وقول الأنبياء في أتباعهم، وأن من أتباع الأنبياء من سيعذب ويدخل النار.
النقطة الثانية: رقة قلبه صلى الله عليه وسلم
حيث إنه بكى وهو يدعو الله، والمسلم إذا استشعر- وهو يدعو- فقره وضعفه وشدة حاجاته إلى من يسمع دعاءه، وأنه إذا استجيب له سيكون سعيدا، وإذا ردّ عليه الدعاء لعدم اكتمال شروطه، سيكون ذليلا، مع استحضار عظمة وجلال من يدعوه، وهو الغني الحميد، القوي العزيز، وأنه إذا أراد شيئا قال له: كن، إذا استشعر العبد كل ذلك، بكى أملا في الإجابة، وخوفا من رد الدعاء.
النقطة الثالثة: خوفه صلى الله عليه وسلم
من أن يعذب أحد من أمته في النار، والمقصود من الأمة هنا كل أتباعه صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، يخاف كل ذلك الخوف ويبكي، وهو الذي بشره الله- سبحانه وتعالى، بالمقامات العاليات الرفيعة يوم القيامة، التي لن يشاركه فيها أحد، لا نبي مرسل ولا ملك مقرب، يخاف هذا الخوف وهو يعلم أن وعد الله متحقق له ولو لم يؤمن به أحد.
النقطة الرابعة: حسن تعبده لله- عز وجل
-، وأدبه البالغ مع مقام الرب- تبارك وتعالى نأخذ ذلك من:
1-
توجهه صلى الله عليه وسلم إلى الله بالدعاء، لما أحزنه أمر من الأمور، وهذا من كمال تعبده، وحسن ثقته بالله، واعتماده عليه.
2-
رفع يديه صلى الله عليه وسلم لإعلان كامل الافتقار، والتذلل بين يديه، فالذي يدعو هو الفقير، والمدعوّ هو الغني الحميد.
3-
افتتاحه صلى الله عليه وسلم الدعاء بقوله: «اللهم» .
4-
بكاؤه صلى الله عليه وسلم في الدعاء إعلانا لشدة حاجته لإجابة الدعاء، وأن الأمر المدعو به قد أحزنه وأهمه. وهو أيضا، لاستدرار رحمات الله وإحسانه.
النقطة الخامسة: إثبات سماع الله لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم
، وهو سماع خاص، ونجزم أنه سماع خاص، لحسن إجابة الله لهذا الدعاء، كما سيأتي.
النقطة السادسة: جميل حب الله- سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم
ويظهر ذلك في كيفية إجابة هذا الدعاء:
1-
إرسال جبريل، عظيم الملائكة وأمين وحي السماء، ليسأل النبي صلى الله عليه وسلم عما يبكيه وفيه:
أ- أنه كان يكفي أن يلهم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنه سمع دعاءه ولن يخزيه.
ب- كان يكفي أن يرسل الله جبريل ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع دعاءه واستجاب له، ولكن الله من عظيم اعتنائه بسيد البرية، أرسل جبريل أولا، ليسأل النبي صلى الله عليه وسلم عما يبكيه، والله أعلم به، ثم يرسله مرة أخرى ليعلمه إجابة دعائه. ولا يخفى على المتأمل في هذه الوقفة مدى حفاوة الله بنبيه صلى الله عليه وسلم.
2-
أمر الله جبريل عليه السلام أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عما يبكيه، فكأن بكاء النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي كان وراء إرسال جبريل، ولا يخفى أيضا أن هذا من عظيم اعتناء الله برسوله، حيث إن بكاءه كان سببا في حديث الله مع جبريل، وإرسال جبريل مرتين إلى الأرض، ونعرف قدر المعتنى به من عظيم قدر المعتني.
3-
كانت الإجابة عقب الدعاء، يدلّنا على ذلك استخدام الفاء، في قوله:(فقال الله عز وجل: يا جبريل) مما يشعر بعدم وجود فاصل زمني بين الدعاء والإجابة، وهذا يدل على شدة الاعتناء، ويؤكد أنه كان سماعا خاصّا.
4-
كمال الإجابة، ويتمثل في:
أ- توجيهها مباشرة من الله- عز وجل إلى رسوله، ولم يكن لجبريل دخل فيها أو واسطة، قال تعالى:«فقل: إنا سنرضيك» ، ولم يقل الله:(فقل له: إني سأرضيه) .
ب- استخدام لفظ: «سنرضيك» دون غيره؛ لأن الحرص على الإرضاء، لا يكون إلا ممن يحب لمن أحب، ويدل اللفظ على أن مراد الله هو أن ينال النبي صلى الله عليه وسلم غاية ما يتمناه، ويفرحه ويقر عينه في الآخرة كما أقر عينه غاية الإقرار في الدنيا، ونلمح أنه لم يقل له:
سنفرحك في أمتك، لأنه قد يحدث الفرح مع عدم حدوث الرضى الكامل.
ج- إيراد ألفاظ، سنرضيك وأمتك ولا نسوءك، بكاف المخاطبة، يشعر أن هذه الإجابة التي تتمثل في رحمة الله بهذه الأمة، إنما كان تشريفا وإكراما لنبيها صلى الله عليه وسلم، خصوصا أنها نزلت بعد بكائه ودعائه.
د- نصت الإجابة على أمرين، هما الإرضاء وعدم المساءة؛ لأن الإرضاء قد يحدث بالعفو عن بعض أفراد الأمة ويدخل الباقي النار، لكن بعدم المساءة ضمن النبي صلى الله عليه وسلم أن لن يبقى أحد من أمته مخلدا في النار.
هـ- استخدام لفظ: «ولا نسوءك» يدل على الحرص على عدم إصابة النبي صلى الله عليه وسلم بأدنى ما