الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ومعك يا رسول الله) ولكن انظر كيف توسطت وتأدبت، مع مقام النبوة، حيث قالت:
(ومعك يا رسول الله) ولم تذكر في كلامها الشيطان ولم تنسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أنه قال لها:«أوقد جاءك شيطانك» . وهذا الأدب ينبغي لنا أن نتحلى به عند الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكنت قد بوبت هذا الباب بعنوان: (إسلام شيطانه) ، ثم رأيت أن هذا من سوء الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، حيث نضيف إليه الشيطان، فغيرت العنوان إلى:(إسلام قرينه) ، ولما تدبرت الحديث؛ علمت أن هذا الأدب، قد سبقتني إليه أم المؤمنين رضي الله عنها فسبحان من جعلهم يسبقوننا في كل خير، ولا نسبقهم في أي شيء.
الفائدة الثالثة:
بشرية النبي صلى الله عليه وسلم، فهو بشر، يجري عليه كل ما يجري على البشر من سنن الله الكونية، ولا نثبت له ما يخالف البشرية، إلا بدليل من الكتاب أو السنة، حتى لا نقع في الغلو الذي نهينا عنه، والذي أهلك من كان قبلنا، فقد روى البخاري عن ابن عبّاس سمع عمر رضي الله عنه يقول على المنبر: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تطروني كما أطرت النّصارى ابن مريم، فإنّما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله» «1» .
فما كان لنا أن نحكم أو نعتقد بإسلام قرين النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد ثبوت الدليل على ذلك، ويجب أن يكون الدليل صحيحا صريحا، حتى لا نقع في الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أثبت الله- عز وجل، في القرآن الكريم، بشرية النبي صلى الله عليه وسلم في آية لا تحتمل التأويل قال تعالى: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ [الكهف: من الآية 110] .
وهذه الآية أصل أصيل في إثبات كل الصفات البشرية للنبي صلى الله عليه وسلم إلا ما ورد الدليل بغيره، وقد فهمت عائشة رضي الله عنها ذلك، وأثبتته في الحديث؛ لأنه لما وضح لها أن الشيطان مع كل إنسان، وكانت عائشة تتيقن أن النبي صلى الله عليه وسلم إنسان، له صفات كل إنسان، سألته فقالت:(ومعك يا رسول الله) . ولولا علمها بذلك، ما سألته عن القرين أو حتى كانت تستحي أن تسأله عن ذلك، ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر، فيه كل صفات الإنسان، لأنكر عليها السؤال، أو وجهها إلى الحق في المسألة، ولكنه صلى الله عليه وسلم أقرها على سؤالها، وبين لها الإجابة غاية البيان.
وأنصح كل من يقرأ كتابي هذا- مع تواضعه-، في حق خير المرسلين صلى الله عليه وسلم، ألايأخذ منه ما يشتهي، ويترك منه ما لا يعجبه، كإثبات بشرية الرسول، لأن من فعل ذلك، فقد
(1) البخاري، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا، برقم (3445) .