الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نشأة القراءات وتطورها:
إن الأحاديث الصحيحة الكثيرة تدل دلالة واضحة على أن القرآن الكريم نزل على الأحرف السبعة، وتلك الأحرف تتمثل في القراءات القرآنية التي نُقلت إلينا نقلًا صحيحًا متواترًا.
إذن فكما أن القرآن الكريم وَحْيٌ منزل من الله عز وجل، فالقراءات كذلك وحي منزل منه تبارك وتعالى.
ولكن أين ومتى كان نزولها؟
هل كان ذلك بمكة قبل الهجرة، أم كان نزولها بالمدينة بعد الهجرة النبوية ودخول القبائل العربية المختلفة في الإسلام؟
للعلماء في ذلك رأيان:
1-
أن القراءات نزلت بمكة المكرمة قبل الهجرة النبوية.
ودليل هذا القول: أن الأحاديث الورادة في نشأة القراءات تفيد أنها نزلت بمكة منذ بداية نزول القرآن الكريم؛ منها قوله صلى الله عليه وسلم: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل
أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف"1.
كما أن سور القرآن الكريم تنقسم إلى: مكية ومدنية، ومعظمها مكية، وفيها من القراءات ما في السور المدنية، ولا دليل على نزولها بالمدينة مرة ثانية، فهذا يدل على أن القراءات نزلت بمكة المكرمة.
كما يدل على ذلك حديث اختلاف عمر مع هشام بن حكيم؛ لأنهما اختلفا في قراءة سورة الفرقان وهي مكية2.
2-
أنها نزلت بالمدينة بعد الهجرة النبوية.
لأنها نزلت للتيسير على الأمة؛ بسبب اختلاف لهجات القبائل ولغاتها، ولم تكن الحاجة إليها إلا بعد الهجرة لدخول القبائل المتجاورة والمتباعدة في الإسلام، كما أن اختلاف الصحابة في القراءات كان بالمدينة ولم يكن ذلك في مكة، يدل على ذلك حديث أبي بن كعب، وحديث عمر بن الخطاب مع هشام بن حكيم.
كما أن ذكر "أضاة بني غفار" -وهو ماء بالقرب من المدينة- يدل على نزول القراءات بالمدينة، وذهب إليه كثير
1 أخرجه البخاري عن ابن عباس 3/ 160، 4/ 137، 6/ 227، ومسلم 6/ 101، وأحمد 1/ 263، 264، 299، 313.
2 ذهب إليه الدكتور/ محمد سالم محيسن في كتابه: في رحاب القرآن الكريم 1/ 233، 234، ورجحه لأنه لا اعتراض عليه، وفيه الأخذ بالأحوط حسب قوله فضيلته.
من الأعلام أمثال: ابن عبد البر، وأبي شامة المقدسي، وغيرهما1.
وقد حاول البعض أن يجمع بين القولين:
بأن بداية نزول القراءات كان مع بداية نزول القرآن الكريم بمكة المكرمة؛ حيث توجد القراءات في السور المكية؛ ولكن الحاجة لم تدعُ إلى استخدامها لوَحْدَة اللغة واللهجة بمكة وما جاورها، خلافًا لما حدث بعد الهجرة؛ حيث دخلت في الإسلام قبائل مختلفة اللهجات واللغات، فكان ورود حديث أبي بن كعب إشعارًا للإذن فقط2.
هكذا نشأت القراءات، وسواء كان نزولها ونشأتها بمكة أم بالمدينة -على خلاف العلماء في ذلك- إلا أنها مرت بمراحل عديدة، يتداخل بعضها في بعض، حتى استقرت علمًا
1 انظر: التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن للشيخ طاهر الجزائري ص69-97، وإليه يميل الدكتور/ عبد العزيز عبد الفتاح القارئ، وقد صرح بأن نزول القرآن الكريم على الأحرف السبعة رخصة جاءت متأخرة عن العزيمة وهي القراءة على وجه واحد. وكان المسلمون ظلوا في مكة ثلاث عشرة سنة يقرءون القرآن على وجه واحد بلهجة قريش
…
انظر: مجلة كلية القرآن الكريم بالمدينة المنورة، العدد الأول، ص94-96، ورجح ذلك الدكتور/ شعبان محمد إسماعيل في كتابه:"القرءات أحكامها ومصدرها" ص85، والدكتور/ محمد الزفزاف في كتابه: التعريف بالقرآن والحديث ص38.
2 لقد ألمح إلى هذا القول الدكتور/ السيد رزق الطويل في كتابه: "في علوم القرآن" ص34.
من العلوم القرآنية، ومجالًا من مجالات الدراسات النحوية واللغوية بشكل عام.
وتتمثل تلك الأدوار والمراحل التاريخية في نشوئها تعليمًا للتلاوة ثم للحفظ كله أو بعضه عن ظهر قلب، ثم إلى رواية تسند القراءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ثم إلى مجال تخصص تجرد له أساتذة وتلامذة، ومنه إلى علم ذي قواعد وأصول ومؤلفات وأبحاث1.
1 راجع تلك المراحل بالتفصيل في: "القراءات القرآنية" للدكتور/ عبد الهادي الفضلي ص11 وما بعدها.