الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأدلة على أن مصدر القراءات الوحي الرباني:
من المعلوم من الدين بالضرورة أن القرآن وحي رباني، أوحاه الله عز وجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل الأمين عليه السلام قال تعالى:{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} 1.
ومهمة جبريل عليه السلام تعليمه للرسول صلى الله عليه وسلم وإنزاله عليه، ومهمة الرسول صلى الله عليه وسلم تبليغه للناس بأمر من الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} 2، {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} 3.
وليس للرسول صلى الله عليه وسلم أن يغير حرفًا مكان حرف، أو كلمة مكان كلمة أخرى، وهذا أمر مجمع عليه في الأمة الإسلامية4.
أ- الأدلة من القرآن الكريم:
هناك العديد من الآيات القرآنية تدل دلالة واضحة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس له تبديل الكلمات أو الحروف القرآنية.
قال تعالى:
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ
1 الشعراء: 192-195.
2 المائدة: 67.
3 الحجر: 94.
4 انظر: "مراتب الإجماع" لابن حزم ص173.
يَوْمٍ عَظِيمٍ، قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} 1.
وقال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} 3.
وإذا كانت القراءات جزءًا من القرآن الكريم، فهي كذلك من عند الله عز وجل، ومنزلة وحيًا منه تبارك وتعالى.
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يغير كلمة بكلمة أو حرفًا بحرف، فغيره من باب أولى.
ب- الأدلة من السنة:
أحاديث نزول القرآن الكريم على الأحرف السبعة تدل دلالة واضحة على أن القراءات منزلة من الله عز وجل، وليس للرسول صلى الله عليه وسلم فيها سوى التبليغ، وتدل تلك الأحاديث على أن الصحابة رضي الله عنهم تلقوها من الرسول صلى الله عليه وسلم ثم تلقاها عنهم التابعون
1 يونس: 15، 16.
2 الحاقة: 44-47.
3 النجم: 3-5.
ومن بعدهم حتى وصلت إلينا متواترة جيلًا بعد جيل1.
وقد ذكر ابن الجزري في النشر أثر عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما وفيه: "القراءة سُنة يأخذها الآخِر عن الأول، فاقرءوا كما علمتموه"2.
وذكر ابن مجاهد أحاديث تحذر الابتداع في القراءة؛ منها:
1-
عن ابن مسعود: رضي الله عنه قال: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم"3.
2-
وعن علي رضي الله عنه قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تقرءوا القرآن كما علمتم"4.
ج- أقوال العلماء:
قال ابن الجزري: "وكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقد وجب قبوله
…
وأن كله منزل من عند الله؛ إذ كل قراءة منها مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، يجب الإيمان بها كلها
…
"5.
1 راجع أحاديث نزول القرآن الكريم على الأحرف السبعة في المبحث الرابع من الفصل الأول.
2 النشر 1/ 17، وانظر:"السبعة" لابن مجاهد ص49-52، فقد خرج الأثر بطرق متعددة عن: عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وعروة بن الزبير، ومحمد بن المنكدر، وعمر بن عبد العزيز، وعامر الشعبي.
3 السبعة ص46.
4 المرجع السابق.
5 النشر 1/ 51.
وقال:
"وبهذا افترق اختلاف القراء من اختلاف الفقهاء، فإن اختلاف القراء كله حق وصواب نزل من عند الله، وهو كلام لا شك فيه، واختلاف الفقهاء اختلاف اجتهادي، والحق في نفس الأمر فيه واحد، فكل مذهب بالنسبة إلى الآخر صواب يحتمل الخطأ، وكل قراءة بالنسبة إلى الأخرى حق وصواب في نفس الأمر، ونقطع بذلك ونؤمن به
…
"1.
وأقوال العلماء في اشتراط التواتر لقبول القراءات برهان قاطع على أن القراءات من الله عز وجل.
يقول الإمام أبو عمرو الداني:
"وأئمة القراءة لا تعتمد في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة، والأقيس في العربية؛ بل على الأثبت في الأثر، والأصلح في النقل، والرواية إذا ثبتت عندهم لا يردها قياس عربية، ولا فُشُو لغة؛ لأن القرآن سُنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها"2.
وعلى ضوء تلك الآيات والأحاديث والآثار وأقوال العلماء منع العلماء القراءة بالقياس المطلق؛ وهو الذي ليس له أصل في
1 المرجع السابق 1/ 52.
2 النشر لابن الجزري 1/ 10، 11، نقلًا عن جامع البيان للداني.