الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1-
الشبهة الأولى: حول مصدر القراءات
ذهب بعض المستشرقين إلى أن مصدر القراءات هو اللهجات واللغات، وتبعهم في ذلك المتتلمذ عليهم د/ طه حسين في كتابه السخيف "الأدب الجاهلي"؛ حيث يقول:
"
…
والحق أنه ليست هذه القراءات السبع من الوحي في قليل ولا كثير، وليس منكرها كافرًا، ولا فاسقًا، ولا مغتمزًا في دينه؛ وإنما هي قراءات مصدرها اللهجات واختلافها
…
"1.
1 ص95، 96، راجع:"القراءات القرآنية" للدكتور/ عبد الهادي الفضلي ص96.
الرد على هذه الشبهة:
أ- يكفي في الرد على مثل هذه الشبهة: إلقاء نظرة خاطفة على مفردات القراءات؛ حيث يتضح جليًّا بمشاهدة فرش الحروف أنه ليس كل القراءات لهجات ولغات، وإن كان أكثر الأصول من قبيل اللهجات؛ كالفتح والإمالة، والهمز، والإبدال، والتسهيل، والصلة أو الإسكان، وما إلى ذلك.
أما فرش الحروف فأكثرها لا يتعلق باللهجات، ونمثل لذلك ببعض القراءات الآتية من سورة البقرة:
1-
{وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} 1 تُقرأ "يَخْدَعُون" و"يُخَادِعون".
2-
{وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} 2 تقرأ بالتذكير والتأنيث.
3-
{وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} 3 تقرأ بالإفراد وبالجمع.
1 البقرة: 9.
2 البقرة: 48.
3 البقرة: 81.
4-
{نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} 1 تقرأ بالنون "نَغْفِرْ" وبالياء "يُغْفَرْ" وبالتاء "تُغْفَرْ".
5-
{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} 2 تقرأ بنصب الراء وبرفعها.
وما إلى ذلك من القراءات الفرشية الأخرى الكثيرة، ماذا فيها من اللهجات؟
فهل يستقيم قول السقيم بأن مصدرها اللهجات؟
وما من شك أن مثل هذه الأقوال نوع من الإلحاد والزندقة والمروق من الدين -والعياذ بالله- ومحاولات فاشلة لهدم أساس الإسلام، والطعن في مصدر الشريعة:{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} 3.
ب- أما الخلافات الأصولية، فهي وإن كانت من قبيل اختلافات اللهجات؛ ولكنها من النوع الذي أمضاه الرسول صلى الله عليه وسلم تيسيرًا وتوسعة على الأمة، ومع ذلك فمصدره هو الرواية والنقل، وليس الاجتهاد أو القياس، فقد رُوي عدم الإمالة في ذوات الياء من القراء الذين اختاروا
1 البقرة: 58.
2 البقرة: 177.
3 التوبة: 32.
الإمالة فيها؛ وذلك لعدم ثبوت الإمالة فيها لديهم من حيث الرواية.
فمثلًا: مذهب الإمام حمزة إمالة الكلمات التي رسمت في المصاحف العثمانية بالياء، سواء كانت ألفها منقلبة عن الياء أو لا، ما عدا بعض الكلمات؛ منها:
كلمة {سَجَى} 1 في سورة الضحى.
فلا يميلها -وإن كانت مرسومة بالياء- لعدم ورودها وثبوتها رواية.
وكثيرًا ما ترد الرواية عن إمام من أئمة القراء في بعض حروف القرآن على وجه واحد، حتى يصير أصلًا من أصوله، ثم تجده يخالف أصله هذا في موضع واحد، أو في مواضع معدودة قليلة، فلا تجد مسوغًا لذلك إلا اتباع الرواية، فمثلًا:
تجد الإمام أبا جعفر المدني يقرأ كلمة "يَحزُن" بفتح الياء وضم الزاء في سائر القرآن، ثم تجده يقرأ "يُحزِن" بالأنبياء بضم الياء وكسر الزاء، في موضع واحد فقط.
وتجد نافع بن أبي نعيم تلميذ أبي كعفر يعكس، فيقرؤها في سائر القرآن بضم الياء وكسر الزاء، ثم يأتي على موضع الأنبياء فيقرؤه بفتح الياء وضم الزاء.
1 الضحى: 2.
وتجد حفص بن سليمان يقرأ سائر الألفات في القرآن بالفتح ولا يميل منها شيئًا، حتى إذا أتى على قوله تعالى:{مَجْرَاهَا} بهود أمال الألف موضعًا واحدًا فقط.
وكذلك تجده لا يسهل شيئًا من الهمزات في القرآن، سواء اجتمعت همزتان في كلمتين أو في كلمة واحدة، إلا في:{أَأَعْجَمِيٌّ} بفصلت، فيسهل ثانيتهما قولًا واحدًا، وكذا في {آلْآنَ} [يونس: 51، 91] و {آللَّهُ} [يونس: 59، والنمل: 59] و {آلذَّكَرَيْنِ} [الأنعام: 143، 144] فيسهل الثانية فيها بخلف عنه.
وهكذا لا تجد أصلًا من أصول القراء يطرد في سائر المواضع إلا وتجد مواضع مستثناة يخالفها، وهذا يدل بوضوح على أن الشأن للرواية، وليس للقياس أو الاجتهاد اعتبار1.
1 راجع: مجلة كلية القرآن الكريم ص137.