الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبحانه وتعالى.
وقد وردت في مفهوم قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا} وتفسيره أقوال متعددة عن السلف؛ منها:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: بيِّنه. وقال مجاهد: تأنَّ فيه. وقال الضحاك: انبذه حرفًا حرفًا؛ أي: تلبث في قراءته وتمهل فيها، وافصل الحرف من الحرف الذي بعده1. وقال الحسن وقتادة: اقرأه قراءة بينة. زاد قتادة: وترسَّل به2.
وقال علي رضي الله عنه: "الترتيل: تجويد الحروف ومعرفة الوقوف"3.
1 النشر 1/ 208.
2 راجع: جمال القراء للسخاوي 2/ 525.
3 النشر 1/ 209.
أهمية "الترتيل
":
تتجلى أهمية الترتيل من قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا} 1 حيث أضافه الله تعالى إلى نفسه تبارك اسمه.
كما تتأكد أهميته من قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا} حيث أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالعمل به.
وهنا تزداد أهميته؛ حيث إن الله تعالى لم يقتصر على الأمر بالفعل؛ بل أكده بالمصدر "ترتيلا"؛ وذلك اهتمامًا به وتعظيمًا له؛ ليكون ذلك عونًا على تدبر القرآن وتفهمه.
1 الفرقان: 32.
وقد وضح مفهوم هذه الآية في قوله تعالى: {وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} 1.
ومعنى كلمة "مكث": الترسل والتمهل في التلاوة والترتيل؛ بحيث يعطِي القارئُ القراءةَ حقَّها من ترتيلها وتبيين حروفها، ومستحقها من تحسين الحروف وتطييب التلاوة بالصوت الحسن ما أمكن.
ويشير إلى ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} 2.
فحق التلاوة: ترتيل الكلمات وتجويد الحروف وفهم المعاني والعمل بمقتضاها.
ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} 3.
ففيه نهي عن العجلة والسرعة في القراءة؛ مخافة أن يؤديَ ذلك إلى اللحن في التلاوة، وعدم إعطاء الحروف حقوقها ومستحقاتها، فيكون فيه مخالفة الأمر بـ"الترتيل".
كما وضح ذلك بتوضيح أكثر في قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ، فَإِذَا
1 الإسراء: 106.
2 البقرة: 121.
3 طه: 114.
قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ} 1.
ففيه تنبيه على عدم العجلة في القراءة، وإشارة إلى كيفية تعلم القرآن من جبريل وتلقيه منه.
وهذا ما أكَّد عليه جمهور العلماء من أن القرآن لا يؤخذ إلا بالتلقي والمشافهة.
وقد حثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على تلاوة القرآن بالكيفية المنزلة بقوله: "إن الله يحب أن يُقرأ القرآن غضًّا كما أُنزل"2.
وبقوله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد"3.
ومعلوم -باليقين- أن تلاوة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت مرتلة، وهذا وإن كان لا يحتاج في إثباته إلى نص ما دام ثبت أمر الله تعالى لنبيه بـ"الترتيل"؛ حيث لا يتصور من رسول الله ألا يمتثل أمر الله، ومع ذلك فهناك آثار صحيحة تثبت ذلك؛ منها:
1 القيامة: 16-18.
2 رواه ابن خزيمة في صحيحه من رواية زيد بن ثابت. انظر: كنز العمال للمتقي، رقم: 3069، وجمع الجوامع للسيوطي، رقم:5225.
3 رواه أحمد 1/ 7، 26، 38، 445، 454، وابن ماجه في المقدمة 1/ 49 برقم 138، وأخرجه الترمذي والنسائي من حديث أبي معاوية، وصححه الدارقطني، والطيالسي في مسنده، انظر: منحة المعبود 2/ 4، برقم: 1893، وصحيح ابن خزيمة 2/ 187، برقم:1156.
1-
ما رُوي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها نعتت قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم مفسرة حرفًا حرفًا1.
2-
وعنها رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطِّع قراءته، يقول:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ثم يقف، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ثم يقف
…
2.
3-
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة حتى تكون أطول من أطول منها"3.
4-
وعن أنس رضي الله عنه وقد سُئل عن قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: "كانت مدًّا، ثم قرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يمد بباسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم"4.
1 رواه أبو داود 2/ 74، برقم: 1466، والترمذي 8/ 123، برقم: 2924، والنسائي 2/ 181، برقم: 1022، وأحمد 2/ 294، 300، والحاكم في المستدرك 1/ 310، وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي.
2 أخرجه أحمد 6/ 302، والترمذي 8/ 126، برقم: 2928، وأبو داود 4/ 37، برقم: 4001، وصححه الدارقطني 1/ 118.
قال ابن الجزري: وهو حديث حسن، وسنده صحيح، النشر 1/ 226.
3 راجع: النشر 1/ 208، والسنن الكبرى للبيهقي 2/ 40، 312.
4 رواه البخاري في فضائل القرآن، باب مد القراءة 8/ 709، برقم: 5046، وأبو داود 2/ 73، برقم: 1465، والنسائي 2/ 179، برقم: 1014، والحاكم في المستدرك 1/ 233.
5-
وعن حفصة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم يصلي في سبحته جالسًا، حتى إذا كان قبل موته بعام فكان يصلي في سبحته جالسًا، فيقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها1.
فهذه الآثار وأمثالها تثبت ترتيل الرسول صلى الله عليه وسلم لكتاب الله على الكيفية المتلقاة من جبريل عليه السلام الذي تلقاها من الله تبارك وتعالى.
ولذلك نرى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يُسمي الإسراع بالتلاوة هذًّا كهذِّ الشعر ونثرًا كنثر الدقل2.
ومن فضائل الترتيل أنه: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارتقِ، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها"3.
1 مسلم 1/ 507، برقم: 733، صحيح ابن خزيمة، باب الترتيل في القراءة 2/ 238، برقم:1242.
2 مسلم، باب ترتيل القراءة واجتناب الهذ 1/ 563، برقم: 822، وأبو داود، باب تحزيب القرآن 2/ 56، برقم: 1396، والنسائي 2/ 175، برقم: 1005، والطيالسي في مسنده، انظر: منحة المعبود 1/ 93، برقم:406.
3 أبو داود 2/ 73، برقم: 1464، والترمذي 8/ 116، برقم: 2915، وابن ماجه 2/ 1242، برقم: 3780، وأحمد 2/ 192، 471، 3/ 40.