الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القراءة يرجع إليه، ولا ركن وثيق في الأداء يعتمد عليه1.
ولهذا قال الإمام الشاطبي رحمه الله:
وما لقياس في القراءة مدخل
…
فدونك ما فيه الرضا متكفلا2
ومن ثَمَّ قال غير واحد من أئمة القراء: لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قد قُرئ به لقرأت حرف كذا كذا، وحرف كذا كذا3.
1 النشر 1/ 17.
2 متن الشاطبية، البيت رقم:354.
3 راجع "السبعة" لابن مجاهد ص48، والنشر 1/ 17.
هل يجوز الاجتهاد في القراءات:
يقول بعض الناس: يجوز الاجتهاد في القراءات.
ولعل مستدلهم في ذلك فهمهم الخاطئ لأحاديث نزول القرآن الكريم بالأحرف السبعة؛ حيث يعتبرون ذلك إذنًا من الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم بقراءة القرآن الكريم، لكل على لغته ولهجته كيفما شاء، ولو لم تكن القراءة مأثورة.
ولذلك أجاز البعض القراءة بالقياس المقبول.
وهو حمل ما لم يروَ عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما رُوي عنه، في جواز القراءة به لعلة مشتركة بين
الحرفين تسوغ ذلك، وذلك نحو قراءة "وحللنا" بدل "ووضعنا" في قوله تعالى:{وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} 1.
أو حمل ما له وجه ضعيف على ما له وجه قوي؛ كإظهار الميم المقلوبة من النون الساكنة أو التنوين، وترقيق الراء الساكنة قبل الكسرة والياء2.
وما من شك في أن القول بذلك مردود على قائله؛ لأن القرآن لا يُؤخذ بالقياس أو الاجتهاد في ألفاظه، ومما ذكرنا من أقوال العلماء فيما سبق ومن بيت الإمام الشاطبي رحمه الله كفاية في الرد على أمثال هؤلاء الجهلة الذين لا يقصدون من وراء مثل هذه الأقوال الساقطة إلا هدم أساس الإسلام عن علم أو عن جهل.
قال ابن مجاهد:
ولم أرَ أحدًا ممن أدركت من القراء وأهل العلم باللغة وأئمة العربية يرخصون لأحد في أن يقرأ بحرف لم يقرأ به أحد من الأئمة الماضين، وإن كان جائزًا في العربية؛ بل رأيتهم يشددون في ذلك، وينهون عنه، ويروون الكراهة له عمن تقدم من مشايخهم؛ لئلا يجسر على القول في القرآن بالرأي أهلُ الزيغ، وينسبون مَن فعله إلى البدعة والخروج عن
1 الانشراح: 2.
2 راجع: النشر 1/ 18.
الجماعة، ومفارقة أهل القبلة، ومخالفة الأمة1.
ويقول الباقلاني: "ولو قرأ قارئ مكان قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} "ووافى ربك" وما أشبه ذلك؛ لكان ممنوعًا بإجماع المسلمين"2.
يقول بدر الدين الزركشي:
إن القراءات توقيفية وليست اختيارية
…
وقد انعقد الإجماع على صحة قراءة هؤلاء الأئمة، وأنها سُنة متبعة، ولا مجال للاجتهاد فيها
…
وإنما كان كذلك؛ لأن القراءة سُنة مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا تكون القراءة بغير ما رُوي عنه3.
ومن المعلوم أن القياس حجة شرعية -عند عدم وجود النص من الكتاب أو السنة أو الإجماع- ولكنها ظنية في ثبوتها، ولا يجوز الرجوع إليها باعتباره أصلًا مستقلًّا بنفسه، أو مصدرًا أساسيًّا إلا بدليل خاص من القرآن أو السنة أو العقل السليم، وليس في القرآن أو السنة ما يسوغ الرجوع إليها في القراءات.
والعقل هنا يمنع من القياس في القراءات؛ لأن
1 التبيان، للشيخ طاهر الجزائري ص120.
2 نكت الانتصار ص119.
3 التبيان، للشيخ طاهر الجزائري ص118.
قرآنية القرآن لا تثبت إلا بما ينهى ويوصل إلى اليقين، والقياس -هنا- لا يوصل إلى يقين1.
ولو كان للقياس اللغوي دور وتأثير في القراءة ما قرأ أبو عمرو -وهو أحد أعلام اللغة- "بارئْكم" بإسكان الهمزة، ولا قرأ مثلها:"يأمركم، يأمرهم، تأمرهم، ينصركم، يشعركم" كل ذلك بإسكان الراء المرفوعة عند غيره؛ إذ لا وجه لذلك عند أهل اللغة؛ ولذلك رد هذه الرواية سيبويه والمبرد وغيرهما.
وكذلك ما كان لابن عامر أن يقرأ "وكذلك زين لكثير من المشركين قتلُ أولدَهم شركائِهم"2 بالفصل بالمفعول بين المضاف والمضاف إليه.
وما كان لأبي جعفر أن يقرأ: "ليُجزى قومًا بما كانوا يكسبون"3 ببناء "يجزى" للمفعول ونصب "قومًا".
ولا لحمزة أن يقرأ: "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامِ"4 بخفض "الأرحام"؛ وذلك لأن كل هذه الأوجه يصعب على أهل اللغة أن يجدوا لأنفسهم فيها مخرجًا أو
1 راجع: "القراءات القرآنية" ص95، 96.
2 الأنعام: 137.
3 الجاثية: 14.
4 النساء: 1.
تأويلًا1؛ ولكن لم يسغ للقراء النحويين أمثال: ابن العلاء والكسائي أن ينكروها لثبوتها سندًا ورواية.
الخلاصة:
إن القراءات منزَّلة من عند الله عز وجل ومصدرها وحي رباني، لا يجوز أخذها بالقياس أو الاجتهاد في ألفاظ القرآن الكريم، وهي وإن كانت تشتمل على اللغات واللهجات ولكن لا يجوز الأخذ ولا القراءة بلهجة أو بلغة إلا بأثر ورواية مسندة.
1 راجع مقال الدكتور/ القارئ في "الأحرف السبعة" في مجلة كلية القرآن الكريم ص138.