الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: حكم الالتزام برسم المصحف العثماني
قول الجمهور وأدلته
…
المبحث الثاني: حكم الالتزام برسم المصحف العثماني
سبق أن ذكرنا أن رسم معظم الكلمات القرآنية موافق للفظه؛ بمعنى أنه قياسي. أما الكلمات التي رُسمت على خلاف التلفظ بها، هل يجوز أن تكتب -في المصاحف- بالرسم الإملائي الحديث، أم يجب في كتابتها اتباع الرسم العثماني؟
المسألة خلافية، وللعلماء فيها آراء ثلاثة:
أ- قول الجمهور:
ذهب الجمهور العلماء إلى وجوب اتباع الرسم العثماني في كتابة المصاحف.
واستدلوا على ذلك بأدلة متعددة؛ منها:
1-
أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان له كُتَّاب للوحي، وقد كتبوا الوحي المنزل عليه بين يديه بهذا الرسم، وأقرَّهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ما كتبوه؛ بل هناك ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يرشدهم إلى طريقة الكتابة؛ ومن ذلك قوله لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما:
"ألقِ الدواة، وحرف القلم، وانصب الباء، وفرِّق السين، ولا تعور الميم، وحسِّن "الله"، ومد "الرحمن"،
وجوِّد "الرحيم"، وضع قلمك على أذنك اليسرى؛ فإنه أذكر لك"1.
وهذا يدل على أن الرسم توقيفي، وليس للصحابة فيه اجتهاد، فيجب على الأمة اتباعه وعدم مخالفته.
2-
جاء دور أبي بكر رضي الله عنه فأمر بجمع القرآن وكتابته بعدما أقنعه عمر رضي الله عنه في ذلك، فتم جمعه وكتابته بنفس الرسم الذي كتب به أمام الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يخالف في ذلك أحد الصحابة على كثرتهم.
3-
ثم جاء دور عثمان رضي الله عنه فشكل لجنة رباعية لجمع وكتابة القرآن الكريم بالأوجه الثابتة المشهورة بين الصحابة، ووضع لهم قانونًا للجمع، فجمع القرآن الكريم كلَّه بجميع ما ثبت لديهم من الأوجه والأحرف، وتكونت مصاحف ستة -على أصح الأقوال- ووزعت على الأمصار المشهورة المركزية؛ وهي:"مكة، والشام، والكوفة، والبصرة" وخصص مصحف للمدينة، وأمسك عثمان رضي الله عنه لنفسه مصحفًا، وكانت هذه المصاحف هي
1 الفردوس للديلمي، رقم: 8533، الدر المنثور للسيوطي 1/ 10، كنز العمال للمتقي 10/ 314، وراجع كتاب "حكمة الإشراق إلى كتاب الآفاق" للزبيدي، وتاريخ الخط لمحمد طاهر الكردي.
التي أطلق عليها "المصاحف العثمانية"، وتقلدت الأمة رسمها، واشتهرت كتابتها بالرسم العثماني، وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك الرسم، ولم ينكر أحد منهم شيئًا منه، وإجماع الصحابة واجب الاتباع.
4-
ثم استمر الأمر على ذلك، والعمل عليه في عصور التابعين والأئمة المجتهدين، ولم يرَ أحد منهم مخالفته، وفي ذلك نصوص كثيرة لعلماء الأمة:
سُئل الإمام مالك رحمه الله عن مخالفة رسم المصحف فقال: "لا أرى ذلك؛ ولكن يكتب على الكتبة الأولى"1.
قال السخاوي رحمه الله: والذي ذهب إليه مالك هو الحق
…
وقال الداني: لا مخالف له -أي: لمالك- في ذلك من علماء الأمة2.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو، أو ألف، أو
1 المقنع للداني ص9.
2 المقنع للداني ص10.