الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: الحِكَم والفوائد في اختلاف القراءات
ذكر الإمام ابن الجزري وغيره الحكم والفوائد في اختلاف القراءات؛ ومن أبرزها:
1-
فيها دليل قاطع على أن القرآن الكريم كلام الله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} 1.
وأكبر برهان وأعظم حجة في ذلك هو: عدم وجود أي تناقض أو تضاد في الوجوه المختلفة: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} 2.
2-
فيها برهان قاطع على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فبرغم تعددها وتنوع الأداء فيها، أداها كما نزلت عليه "هكذا أنزلت".
3-
فيها دلالة على عظمة هذه الأمة؛ حيث تلقت القرآن الكريم بالحروف المختلفة، ووعتها، وأحكمت ضبطها، وهي مَنْقَبَةٌ عظيمة، وميزة لها كبرى، تنفرد بها عن سائر الأمم.
1 حم السجدة: 2، 3.
2 النساء: 82.
4-
فيها دلالة على صيانة كتاب الله وحفظه من التبديل والتحريف مع كونه مشتملًا على الحروف والأوجه الكثيرة: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1.
5-
أجلّ حكمة وأعظمها هي التيسير على الأمة في أمر القراءة والتخفيف عنها، رُوعي في ذلك اختلاف اللغات واللهجات، كما روعي في ذلك جميع الفئات: من شيخ كبير، وطفل صغير، وامرأة عجوز، ومن لم يقرأ كتابًا قط.
6-
فيها سهولة الحفظ وتيسير النقل، فحفظ كلمة ذات وجوه مختلفة أيسر من حفظ جمل من الكلام على وجه واحد.
7-
فيها يظهر إعجاز القرآن ويتجلى بإيجاز الكلام، فتقرأ كلمة واحدة بأكثر من وجه وهي برسم واحد، فتدل كل قراءة على حكم شرعي دون تكرار اللفظ وإعادة الخط، نحو:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} 2.
فقراءة النصب في "وأرجلكم" تدل على فرضية الغَسْل، وقراءة الجر تدل على جواز المسح على الخفين.
8-
فيها بيان المجمل وتوضيح المبهم نحو: "فامضوا إلى ذكر الله" فهي وإن كانت قراءة شاذة إلا
1 الحجر: 9.
2 المائدة: 6.
أنها تبين معنى القراءة المتواترة: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} 1 فليس المراد من "السعي" المشي السريع.
9-
لها تأثير في الأحكام الفقهية:
أ- فقد تبين حكمًا مجمعًا عليه، كما في قراءة شاذة:"وله أخ أو أخت / من أم"2 فكون الإخوة من أم أمر مجمع عليه.
ب- وقد ترجح حكمًا مختلفًا فيه: "أو تحرير رقبة / مؤمنة"3.
وذلك في كفارة اليمين، وهو شرط عند الإمام الشافعي رحمه الله.
ج- وقد تجمع بين حكمين مختلفين؛ كقراءة: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} 4 بالتخفيف أو بالتشديد، فقراءة التخفيف تدل على أصل الطهارة، وذلك بانقطاع الحيض، وقراءة التشديد تشير إلى التأكد من الطهارة، وذلك بالاغتسال، فينبغي الجمع بينهما.
10-
فيها سند لقواعد نحوية وصرفية كما في قراءة:
1 الجمعة: 9.
2 النساء: 12.
3 المائدة: 89، وهي قراءة شاذة.
4 البقرة: 222.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} 1.
بالنصب في "الأرحام" وبالخفض، فقراءة النصب حجة للكوفيين، وقراءة الخفض حجة للبصريين.
11-
فيها حجة لأهل الحق، ودفع لأهل الأهواء والزيغ، كما في قراءة:{وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} 2.
فعلى قراءة شاذة: "مَلِكًا" -بفتح الميم وكسر اللام- أعظم دليل على رؤية الله تعالى في الآخرة.
12-
فيها تمثيل للغات واللهجات العربية المختلفة؛ وبذلك حفظت القراءاتُ اللغةَ العربيةَ من الضياع والاندثار، فللقرآن والقراءات مِنَّةٌ على أهل العربية.
الخلاصة:
إن تنوع القراءات يقوم مقام تعدد الآيات، وذلك ضرب من ضروب البلاغة، يبتدئ من جمال هذا الإيجاز، وينتهي إلى كمال الإعجاز، والقراءات كلها معجزة، والتحدي قائم بكل حرف من تلك الحروف، وبذلك تتعدد المعجزات بتعددها3.
1 النساء: 1.
2 الإنسان: 20.
3 راجع للتفصيل: النشر في القراءات العشر 1/ 28، 29، ومناهل العرفان 1/ 149.