الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عُرْوَة الرَّاوِي عَن بسرة، ومرجع ذَلِك إِلَى الْمُحدثين.
وَيعرف ذَلِك بِأَن يرد من طرق أُخْرَى التَّصْرِيح بِأَن ذَلِك من كَلَام الرَّاوِي، وَهُوَ طَرِيق ظَنِّي قد يقوى، وَقد يضعف.
وعَلى كل حَال حَيْثُ فعل ذَلِك الْمُحدث عمدا بِأَن قصد إدراج كَلَامه فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
من غير تَبْيِين، بل دلّس ذَلِك كَانَ فعله حَرَامًا، وَهُوَ مَجْرُوح عِنْد الْعلمَاء غير مَقْبُول الحَدِيث، وَالله أعلم.
قَوْله: {وَغَيره مَكْرُوه مُطلقًا} .
هَذَا الْقسم الثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي لَا يضر، وَله صور:
إِحْدَاهَا: أَن يُسمى شَيْخه فِي رِوَايَته باسم لَهُ غير مَشْهُور من كنية
، أَو لقب، أَو اسْم، أَو نَحوه، كَقَوْل أبي بكر بن مُجَاهِد الْمُقْرِئ الإِمَام: ثَنَا الإِمَام عبد الله بن أبي أوفى، يُرِيد بِهِ عبد الله بن أبي دَاوُد
السجسْتانِي.
وَقَوله أَيْضا: ثَنَا مُحَمَّد بن سَنَد، يُرِيد بِهِ النقاش الْمُفَسّر نسبه إِلَى جده، وَهُوَ كثير جدا وَيُسمى هَذَا تَدْلِيس الشُّيُوخ.
وَأما تَدْلِيس الْإِسْنَاد، وَهُوَ أَن يروي عَمَّن لقِيه أَو عاصره مَا لم يسمعهُ مِنْهُ موهماً سَمَاعه مِنْهُ قَائِلا: قَالَ فلَان، أَو عَن فلَان وَنَحْوه، وَرُبمَا لم يسْقط شَيْخه وَأسْقط غَيره.
قَالَ ابْن الصّلاح: وَمثله غَيره بِمَا فِي التِّرْمِذِيّ عَن ابْن شهَاب عَن أبي سَلمَة عَن عَائِشَة رضي الله عنها مَرْفُوعا: " لَا نذر فِي مَعْصِيّة وكفارته
كَفَّارَة يَمِين "، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح؛ لِأَن الزُّهْرِيّ لم يسمعهُ من أبي سَلمَة.
ثمَّ ذكر أَن بَينهمَا سُلَيْمَان بن أَرقم عَن يحيى بن أبي كثير، وَأَن هَذَا وَجه الحَدِيث، قَالَ ابْن الصّلاح: هَذَا الْقسم مَكْرُوه جدا، ذمه الْعلمَاء، وَكَانَ شُعْبَة من أَشَّدهم ذماً لَهُ. وَقَالَ مرّة لَهُ: التَّدْلِيس أَخُو الْكَذِب وَمرَّة: لِأَن أزني أحب إِلَيّ من أَن أدلس.
وَهَذَا مِنْهُ إفراط مَحْمُول على الْمُبَالغَة فِي الزّجر عَنهُ.
الصُّور الثَّانِيَة: أَن يُسَمِّي شَيْخه باسم شيخ آخر لَا يُمكن أَن يكون رَوَاهُ عَنهُ، كَمَا يَقُول تلامذة الْحَافِظ أبي عبد الله الذَّهَبِيّ: ثَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ، تَشْبِيها بقول الْبَيْهَقِيّ فِيمَا يرويهِ عَن شَيْخه أبي عبد الله الْحَاكِم: ثَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ.
وَهَذَا لَا يقْدَح لظُهُور الْمَقْصُود.
الصُّورَة الثَّالِثَة: أَن يَأْتِي فِي التحديث بِلَفْظ يُوهم أمرا لَا قدح فِي إيهامه ذَلِك، كَقَوْلِه: ثَنَا وَرَاء النَّهر، موهماً نهر جيحون، وَهُوَ نهر عِيسَى
بِبَغْدَاد أَو الجيزة وَنَحْوهَا بِمصْر، فَلَا حرج فِي ذَلِك، قَالَه الْآمِدِيّ؛ لِأَن ذَلِك من بَاب الإغراب وَإِن كَانَ فِيهِ إِيهَام الرحلة إِلَّا أَنه صدق فِي نَفسه، إِذا علم ذَلِك.
فَالْمُرَاد بذلك الأول، وَأكْثر الْعلمَاء على أَنه مَكْرُوه كَمَا تقدم.
قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة حَرْب، وَنقل الْمَرْوذِيّ:{لَا يُعجبنِي هُوَ من أهل الرِّيبَة} ، وَلَا يُغير اسْم رجل؛ لِأَنَّهُ لَا يعرف وَسَأَلَهُ مهنا عَن هشيم قَالَ: ثِقَة إِذا لم يُدَلس. قلت: التَّدْلِيس عيب؟ قَالَ: نعم.
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: هَل كَرَاهَته تَنْزِيه أَو تَحْرِيم يخرج على
الْخلاف لنا فِي معاريض غير ظَالِم وَلَا مظلوم، قَالَ: وَالْأَشْبَه تَحْرِيمه؛ لِأَنَّهُ أبلغ من تَدْلِيس الْمَبِيع.
قَوْله: {وَمن فعل متأولاً. قبل: عِنْد أَحْمد وَأَصْحَابه، وَالْأَكْثَر} من الْفُقَهَاء، والمحدثين، {وَلم يفسق} ؛ لِأَنَّهُ قد صدر من الْأَعْيَان المتقدى بهم.
وَقل من سلم مِنْهُ.
وَقد رد الإِمَام أَحْمد قَول شُعْبَة (التَّدْلِيس كذب) قيل للْإِمَام أَحْمد: كَانَ شُعْبَة يَقُول: التَّدْلِيس كذب. فَقَالَ: لَا، قد دلّس قوم وَنحن نروي عَنْهُم، وَتقدم تَأْوِيل كَلَام شُعْبَة.
وَقطع ابْن حمدَان فِي " مقنعه "، وَغَيره بِأَن تَدْلِيس الْأَسْمَاء لَيْسَ بِجرح.
قَوْله: {وَمن عرف بِهِ عَن الضُّعَفَاء لم تقبل رِوَايَته حَتَّى يبين سَمَاعه عِنْد الْمُحدثين} ، وَغَيرهم، {وَقَالَهُ بعض أَصْحَابنَا وَغَيرهم} ، وَأَبُو الطّيب وَغَيره من الشَّافِعِيَّة، وَهُوَ ظَاهر الْمَعْنى، وسبقت رِوَايَة مهنا، {وَقَالَ الْمجد} ، بن تَيْمِية:{من كثر مِنْهُ التَّدْلِيس لم تقبل عنعنته} .
قَالَ ابْن مُفْلِح: وَيتَوَجَّهُ أَن يحْتَمل تَشْبِيه ذَلِك بِمَا سبق فِي الضَّبْط من كَثْرَة السَّهْو وغلبته، وَمَا فِي البُخَارِيّ وَمُسلم من ذَلِك مَحْمُول على أَن
السماع من طَرِيق آخر، كَذَا قيل.
وَقد قيل لِأَحْمَد فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: الرجل يعرف بالتدليس يحْتَج بِمَا لم يقل فِيهِ حَدثنِي أَو سَمِعت؟ قَالَ: لَا أَدْرِي.
قلت: الْأَعْمَش مَتى تصاب لَهُ الْأَلْفَاظ؟ قَالَ: يضيق إِن لم يحْتَج بِهِ.
قَوْله: {والإسناد المعنعن بِلَا تَدْلِيس بِأَيّ لفظ كَانَ مُتَّصِل عِنْد أَحْمد وَالْأَكْثَر} من الْمُحدثين، وَغَيرهم، عملا بِالظَّاهِرِ، وَالْأَصْل عدم التَّدْلِيس.
قَالَ ابْن الصّلاح: الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنه من قبيل الْإِسْنَاد الْمُتَّصِل.
وَحَكَاهُ ابْن عبد الْبر فِي " التَّمْهِيد " إِجْمَاعًا، وَكَذَا حَكَاهُ أَبُو عَمْرو