الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الْقَرَافِيّ: كَأَنَّهُمْ كَرهُوا تَسْمِيَة مَعْصِيّة الله تَعَالَى صَغِيرَة إجلالاً لَهُ مَعَ موافقتهم فِي الْجرْح أَنه لَيْسَ بِمُطلق الْمعْصِيَة؛ بل مِنْهُ مَا يقْدَح، وَمِنْه مَا لَا يقْدَح، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي التَّسْمِيَة. انْتهى.
اسْتدلَّ الْجُمْهُور بقوله: {إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ} [النِّسَاء: 31]، الْآيَة: وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم َ -
فِي تَكْفِير الصَّلَوَات الْخمس وَالْجُمُعَة مَا بَينهمَا إِذا اجْتنبت الْكَبَائِر؛ إِذْ لَو كَانَ الْكل كَبَائِر لم يبْق بعد ذَلِك مَا يكفر بِمَا ذكر، وَفِي الحَدِيث الْكَبَائِر سبع وَفِي رِوَايَة تسع وعدوها، فَلَو كَانَت الذُّنُوب كلهَا كَبَائِر لما سَاغَ ذَلِك
.
قلت: وَمَا أحسن مَا قَالَ الكوراني فِي " شرح جمع الْجَوَامِع ": إِن أَرَادوا إِسْقَاط الْعَدَالَة فقد خالفوا الْإِجْمَاع، وَإِن أَرَادوا قبح الْمعْصِيَة نظرا إِلَى كبريائه تَعَالَى، وَأَن مُخَالفَته لَا تعد أمرا صَغِيرا فَنعم القَوْل. انْتهى.
قَوْله: {والكبيرة عِنْد أَحْمد وَنقل عَن ابْن عَبَّاس مَا فِيهِ حد فِي الدُّنْيَا، أَو وَعِيد فِي الْآخِرَة} .
زَاد الشَّيْخ} وَأَتْبَاعه: {أَو لعنة، أَو غضب، أَو نفي إِيمَان} ، إِلَى آخِره.
الْقَائِل بِأَن الذُّنُوب كَبَائِر وصغائر، اخْتلفُوا فِي حد الْكَبِيرَة اخْتِلَافا كثيرا، فَقيل: لَا يعرف ضابطها.
قَالَ الواحدي: الصَّحِيح أَن الْكَبَائِر لَيْسَ لَهَا حد تعرف بِهِ وَإِلَّا لاقتحم النَّاس الصَّغَائِر، واستباحوها، وَلَكِن الله تَعَالَى أخْفى ذَلِك عَن الْعباد ليجتهدوا فِي اجْتِنَاب الْمنْهِي عَنهُ رَجَاء أَن تجتنب الْكَبَائِر، نَظِيره: إخفاء الصَّلَاة الْوُسْطَى، وَلَيْلَة الْقدر، وَسَاعَة الْإِجَابَة فِي الْجُمُعَة، وَقيام السَّاعَة، وَنَحْو ذَلِك.
وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: ضابطها مَعْرُوف، فَقَالَ الإِمَام أَحْمد: الْكَبِيرَة مَا فِيهِ حد فِي الدُّنْيَا، أَو وَعِيد فِي الْآخِرَة لوعد الله مجتنبيها بتكفير الصَّغَائِر.
قَالَ ابْن مُفْلِح: وَلِأَنَّهُ معنى قَول ابْن عَبَّاس، ذكره، أَحْمد، وَأَبُو عبيد، زَاد الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَأَتْبَاعه: أَو لعنة الله، أَو غضب أَو نفي الْإِيمَان، قَالَ: وَلَا يجوز أَن يَقع نفي الْإِيمَان لأمر مُسْتَحبّ، بل لكَمَال وَاجِب، قَالَ: وَلَيْسَ لأحد أَن يحمل كَلَام أَحْمد إِلَّا على معنى يبين من كَلَامه مَا يدل على أَنه مُرَاده، لَا على مَا يحْتَملهُ اللَّفْظ من كَلَام كل أحد.
وَفِي كَلَام ابْن حَامِد أَن نفي الْإِيمَان مخرج إِلَى الْفسق.
وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَيْضا مَا مَعْنَاهُ إِنَّمَا ورد فِيهِ لفظ الْكفْر أَو الشّرك للتغليط، وَأَنه كَبِيرَة. انْتهى.
{وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: مَا تعلق} بِحَق الله صَغِيرَة، وَمَا تعلق {بِحَق الْآمِدِيّ} كَبِيرَة.
وَقيل: مَا فِيهِ وَعِيد شَدِيد بِنَصّ كتاب الله أَو سنة، وَنسب إِلَى الْأَكْثَر.
وَقيل: مَا أوجب حدا، وَمَال إِلَيْهِ جمَاعَة.
وَقَالَ الْهَرَوِيّ: كل مَعْصِيّة يجب فِي جِنْسهَا حد، من قتل، أَو غَيره،
وَترك كل فَرِيضَة مَأْمُور بهَا على الْفَوْر، وَالْكذب فِي الشَّهَادَة، وَالرِّوَايَة وَالْيَمِين.
وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: الْكَبِيرَة كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بِالدّينِ، ورقة الدّيانَة. وَرجحه كثير من الْعلمَاء، وَعدد ذَلِك فِي " جمع الْجَوَامِع ".
فَائِدَة: قَالَ العلائي فِي " قَوَاعِده " الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْكَبَائِر فِي مَجْمُوع أَحَادِيث كَثِيرَة، وَأَنه كتبهَا فِي مُصَنف مُنْفَرد:
الشّرك بِاللَّه تَعَالَى، وَقتل النَّفس بِغَيْر حق، وَالزِّنَا وأفحشه بحليلة الْجَار، والفرار من الزَّحْف، وَالسحر، وَأكل الرِّبَا، وَأكل مَال الْيَتِيم، وَقذف الْمُحْصنَات، والاستطالة فِي عرض الْمُسلم بِغَيْر حق، وَشَهَادَة الزُّور، وَالْيَمِين الْغمُوس، والنميمة، وَالسَّرِقَة، وَشرب الْخمر، وَاسْتِحْلَال بَيت الله الْحَرَام، ونكث الصَّفْقَة، وَترك السّنة، وَالتَّعَرُّب بعد الْهِجْرَة، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، وَمنع ابْن السَّبِيل من فضل المَاء، وَعدم التَّنَزُّه من الْبَوْل، وعقوق الْوَالِدين، والتسبب إِلَى شتمهما، والإضرار فِي الْوَصِيَّة.
هَذَا مَجْمُوع مَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيث مَنْصُوصا عَلَيْهِ أَنه كَبِيرَة. انْتهى.