الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: {فصل}
{أَحْمد، وَالشَّافِعِيّ، وَالْأَكْثَر، إِذا اخْتلفُوا على قَوْلَيْنِ حرم إِحْدَاث ثَالِث} .
قَالَ ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله " عِنْد أَحْمد، وَأَصْحَابه، وَعَامة الْعلمَاء. انْتهى.
كَمَا لوأجمعوا على قَول وَاحِد فَإِنَّهُ محرم إِحْدَاث قَول ثَان، وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي " الرسَالَة ". قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور: هَذَا قَول الْجُمْهُور.
{وَقَالَ الْآمِدِيّ، والرازي، والطوفي، وَجمع: إِن رفع} القَوْل الثَّالِث {الْمجمع عَلَيْهِ} حرم إحداثه، وَإِن لم يرفع الْمجمع عَلَيْهِ جَازَ، فَالَّذِي يرفع الْمجمع عَلَيْهِ.
إِذا رد بكرا بِعَيْب بعد وَطئهَا مجَّانا، أَو أسقط الْجد بالإخوة، فَهَذَا القَوْل يحرم إحداثه.
فَإِنَّهُم اخْتلفُوا فِي الْبكر إِذا وَطئهَا المُشْتَرِي، ثمَّ وجد بهَا عَيْبا. قيل: ترد مَعَ الْأَرْش.
وَقيل: لَا ترد بِوَجْه.
فَالْقَوْل إِنَّهَا ترد مجَّانا رَافع لإِجْمَاع الْقَوْلَيْنِ على منع الرَّد قهرا مجَّانا، وَإِنَّمَا قلت: قهرا؛ لِأَنَّهُمَا إِذا تَرَاضيا على الرَّد مَعَ الْأَرْش، أَو على الْإِمْسَاك، وَأخذ أرش الْعَيْب الْقَدِيم، جَازَ.
فَإِن تشاحا فَالصَّحِيح إِجَابَة من يَدْعُو إِلَى الْإِمْسَاك، قَالَه الْبرمَاوِيّ.
وَلَكِن الصَّحِيح من مَذْهَبنَا أَن المُشْتَرِي مُخَيّر بَين الْإِمْسَاك، وَأخذ الْأَرْش، وَبَين الرَّد وَإِعْطَاء الْأَرْش إِن لم يكن دلّس البَائِع، فَإِن دلّس لم يلْزم المُشْتَرِي أرش.
وَكَذَا الْأُخوة مَعَ الْجد، قيل: بالمقاسمة، وَقيل: يسقطهم.
فَالْقَوْل بِأَنَّهُم يسقطونه رَافع الْمجمع عَلَيْهِ.
فَإِن قلت: فِي " الْمحلى " لِابْنِ حزم قَول بحجب الْجد بهم.
قلت: يحْتَمل أَن هَذَا إِن ثَبت سَابق، أَجمعُوا بعده على خِلَافه، أَو مُتَأَخّر عَن الْإِجْمَاع فَهُوَ حِينَئِذٍ فَاسد غير مُعْتَد بِهِ.
وَمِثَال مَا لَا يرفع مجمعا عَلَيْهِ: الْفَسْخ فِي النِّكَاح بالعيوب الْخَمْسَة: الْجُنُون، والجذام، والبرص، والجب، والعنة، وَنَحْوهَا، إِن كَانَ فِي الزَّوْج والرتق، والقرن، وَنَحْوهمَا إِن كَانَ فِي الزَّوْجَة.
فَقيل: لكل مِنْهُمَا أَن يفْسخ بهَا. وَقيل: لَا، كَمَا نقل عَن أبي حنيفَة: أَنه يفْسخ بِبَعْض دون بعض.
وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ: أَن الْمَرْأَة تفسخ دون الرجل لتمكنه من الْخَلَاص بِالطَّلَاق، قَول ثَالِث لكنه لم يرفع مجمعا عَلَيْهِ، بل وَافق فِي كل مَسْأَلَة قولا، وَإِن خَالفه فِي أُخْرَى.
وَاخْتَارَ هَذَا القَوْل كثير من الْعلمَاء؛ وصححوه. نعم، اعْتَرَضَهُ بعض الْحَنَفِيَّة بِأَن هَذَا التَّفْصِيل لَا معنى لَهُ؛ إِذْ لَا نزاع فِي أَن القَوْل الثَّالِث إِن استلزم إبِْطَال مجمع عَلَيْهِ يكون مردوداً، لَكِن الْخصم يَقُول: إِنَّه يسْتَلْزم ذَلِك فِي جَمِيع الصُّور، وَإِن كَانَ فِي بعض لَا يسْتَلْزم فَالْكَلَام فِي الْكل.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَلَا يخفى ضعف ذَلِك؛ فَإِن الْمحَال المتعددة كل حكم النّظر فِيهِ لمحله لَا لمشاركة غَيره لَهُ فِيهِ، أَو عدم الْمُشَاركَة. انْتهى.
{وَقَالَ أَبُو الْخطاب وَبَعض الْحَنَفِيَّة وَغَيرهم، وَهُوَ ظَاهر كَلَام أَحْمد: لَا يحرم مُطلقًا} ذكره فِي " التَّمْهِيد " ظَاهر كَلَام أَحْمد؛ لِأَن بعض الصَّحَابَة قَالَ: لَا يقْرَأ الْجنب حرفا.
وَقَالَ بَعضهم: يقْرَأ مَا شَاءَ.
فَقَالَ الإِمَام أَحْمد: يقْرَأ بعض آيَة.
وَفِي تَعْلِيق القَاضِي فِي قِرَاءَة الْجنب: قُلْنَا بِهَذَا مُوَافقَة لكل قَول وَلم يخرج عَنْهُم. انْتهى.
وَلِأَنَّهُ لم يخرق إِجْمَاعًا سَابِقًا فَإِنَّهُ قد لَا يرفع شَيْئا مِمَّا أَجمعُوا عَلَيْهِ، قَالَه الْبرمَاوِيّ، وَحَكَاهُ ابْن الْقطَّان عَن دَاوُد، وَحَكَاهُ الصَّيْرَفِي وَغَيره عَن بعض الْمُتَكَلِّمين.
وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب: رَأَيْت بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة يختاره وينصره.
وَنَقله ابْن برهَان، وَابْن السَّمْعَانِيّ عَن بعض الْحَنَفِيَّة، والظاهرية.
نعم، أنكر ابْن حزم على من نسبه إِلَى دَاوُد.
حَكَاهُ بعض أَصْحَابنَا عَن أَكثر الْعلمَاء، نَقله ابْن مُفْلِح.
وَمنع ذَلِك قوم مُطلقًا، وَنَقله الْآمِدِيّ عَن أَكثر الْعلمَاء.
وَقَالَ القَاضِي أَيْضا فِي " الْكِفَايَة ": إِن صَرَّحُوا بالتسوية لم يجز، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ: كإيجاب بعض الْأمة النِّيَّة للْوُضُوء، وَلَا يعْتَبر الصَّوْم للاعتكاف، ويعكس آخر.
قَالَ ابْن مُفْلِح: كَذَا قَالَ، وَبعد بعض أَصْحَابنَا هَذَا التَّمْثِيل.
وَقَالَ أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد " وَغَيره: إِن صَرَّحُوا بالتسوية لم يجز لاشْتِرَاكهمَا فِي الْمُقْتَضى للْحكم ظَاهرا، وَإِن لم يصرحوا فَإِن اخْتلف طَرِيق الحكم فِيهَا كالنية فِي الْوضُوء وَالصَّوْم فِي الِاعْتِكَاف جَازَ، وَإِلَّا يلْزم من وَافق إِمَامًا فِي مَسْأَلَة مُوَافَقَته فِي جَمِيع مذْهبه، وَإِجْمَاع الْأمة خِلَافه.
وَإِن اتّفق الطَّرِيق كَزَوج، وأبوين، وَامْرَأَة وأبوين، وكإيجاب نِيَّة فِي وضوء وَتيَمّم، وَعَكسه لم يجز، وَهُوَ ظَاهر كَلَام أَحْمد.
وَهَذَا التَّفْصِيل قَالَه القَاضِي عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي، وَذكر ابْن برهَان لأَصْحَابه فِي الْجَوَاز وَعَدَمه وَجْهَيْن.
وَقَالَ الْحلْوانِي، وَالشَّيْخ موفق الدّين: إِن صَرَّحُوا بالتسوية لم يجز، وَإِلَّا جَازَ لموافقته كل طَائِفَة.
قَالَ أَبُو الطّيب الشَّافِعِي: هُوَ قَول أَكْثَرهم.
وَقَالَ الْهِنْدِيّ: إِذا تعدد مَحل الحكم - لَكِن أَجمعُوا على أَن لَا فصل بَينهمَا، بل مَتى حكم بِحكم على أحد المحلين كَانَ الآخر مثله، امْتنع إِحْدَاث قَول بالتفصيل بِلَا خلاف.
لَكِن رد عَلَيْهِ: بِأَن الْخلاف مَشْهُور، حَكَاهُ الباقلاني فِي " التَّقْرِيب ". [و] حَكَاهُ فِي " اللمع " احْتِمَالا لأبي الطّيب.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَإِن لم ينصوا على ذَلِك، وَلَكِن علم اتِّحَاد الْجَامِع بَينهمَا فَهُوَ جَار مجْرى النَّص على عدم الْفرق، كالعمة وَالْخَالَة من ورث إِحْدَاهمَا ورث الْأُخْرَى، وَمن منع منع؛ لِأَن المأخذ وَاحِد وَهُوَ الْقَرَابَة الرحمية. انْتهى.
قَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ الشَّافِعِي: إِذا لم يفصل أهل الْعَصْر بَين مَسْأَلَتَيْنِ، بل أجابوا فيهمَا بِجَوَاب وَاحِد، فَلَيْسَ لمن بعدهمْ التَّفْصِيل بَينهمَا، وَجعل حكمهمَا مُخْتَلفا إِن لزم مِنْهُ خرق الْإِجْمَاع، وَذَلِكَ فِي صُورَتَيْنِ:
الأولى: أَن يصرحوا بِعَدَمِ الْفرق بَينهمَا.
الثَّانِيَة: أَن يتحد الْجَامِع بَينهمَا، كتوريث الْعمة وَالْخَالَة، فَإِن الْعلمَاء بَين مورث لَهما ومانع، وَالْجَامِع بَينهمَا عِنْد الطَّائِفَتَيْنِ كَونهمَا من ذَوي الْأَرْحَام فَلَا يجوز منع وَاحِدَة وتوريث أُخْرَى، فَإِن التَّفْصِيل بَينهمَا خارق لإجماعهم فِي الأولى نصا، وَفِي الثَّانِيَة تضمناً، وَيجوز التَّفْصِيل فِيمَا عدا هَاتين الصُّورَتَيْنِ.
وَقيل: بِمَنْع التَّفْصِيل بَينهمَا مُطلقًا، وَإِن ذَلِك خارق للْإِجْمَاع، وَكَلَام الباقلاني، والرازي يدل عَلَيْهِ.
وَقَول الْآمِدِيّ: لَا خلاف هُنَا فِي الْجَوَاز - مَرْدُود.
ثمَّ قَالَ: تَنْبِيه: توهم بَعضهم أَنه لَا فرق بَين هَذِه الْمَسْأَلَة، وَالَّتِي قبلهَا؛ لِأَن الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب جمعا بَينهمَا، وَحكما عَلَيْهِمَا بِحكم وَاحِد؛ لِأَن فِي كل مِنْهُمَا إِحْدَاث قَول ثَالِث، لَكِن الْفرق بَينهمَا أَن هَذِه فِيمَا إِذا كَانَ مَحل الحكم مُتَعَددًا، وَتلك فِيمَا إِذا كَانَ متحداً؛ لذا فرق الْقَرَافِيّ وَغَيره.
قَالَ: وَيُمكن أَن يُقَال: تِلْكَ مَفْرُوضَة فِي الْأَعَمّ من كَون الْمحل مُتَعَددًا، أَو كَونه متحداً، وَهَذِه فِي كَونه مُتَعَددًا، فَالْأولى أَعم. انْتهى.