الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ ابْن مُفْلِح: وَاخْتَارَهُ بعض أَصْحَابنَا - مَعَ أَنه حكى الأول عَن أَكثر الْعلمَاء - وَلَا أَظن أحدا لَا يكفر من جحد هَذَا. انْتهى.
وَلِهَذَا وَغَيره قُلْنَا: وَالْحق أَن مُنكر الْمجمع عَلَيْهِ الضَّرُورِيّ، وَالْمَشْهُور الْمَنْصُوص عَلَيْهِ. كَافِر قطعا، وَكَذَا الْمَشْهُور فَقَط، لَا الْخَفي فِي الْأَصَح فيهمَا.
فَهُنَا أَرْبَعَة أَقسَام:
الأول: الْمجمع عَلَيْهِ الضَّرُورِيّ، وَلَا شكّ فِي تَكْفِير مُنكر ذَلِك، وَقد قطع الإِمَام أَحْمد، وَالْأَصْحَاب: بِكفْر جَاحد الصَّلَاة، وَكَذَا لَو أنكر ركنا من أَرْكَان الْإِسْلَام، لَكِن لَيْسَ كفره من حَيْثُ كَون مَا جَحده مجمعا عَلَيْهِ فَقَط، بل مَعَ كَونه مِمَّا اشْترك النَّاس فِي مَعْرفَته فَإِنَّهُ يصير بذلك كَأَنَّهُ جَاحد لصدق الرَّسُول صلى الله عليه وسلم َ -.
وَمعنى كَونه مَعْلُوما بِالضَّرُورَةِ أَن يَسْتَوِي خَاصَّة أهل الدّين، وعامتهم فِي مَعْرفَته حَتَّى يصير كالمعلوم بِالْعلمِ الضَّرُورِيّ فِي عدم تطرق
الشَّك إِلَيْهِ، لَا أَنه يسْتَقلّ الْعقل بإدراكه فَيكون علما ضَرُورِيًّا، كأعداد الصَّلَوَات، وركعاتها، وَالزَّكَاة، وَالصِّيَام، وَالْحج، وزمانها، وَتَحْرِيم الزِّنَا، وَالْخمر، وَالسَّرِقَة، وَنَحْوهَا.
وَإِن لم يكن مَعْلُوما من الدّين بِالضَّرُورَةِ، وَلَكِن مَنْصُوص عَلَيْهِ مَشْهُور عِنْد الْخَاصَّة والعامة فيشارك الْقسم الَّذِي قبله فِي كَونه مَنْصُوصا، ومشهوراً، وَيُخَالِفهُ من حَيْثُ إِنَّه لم ينْتَه إِلَى كَونه ضَرُورِيًّا فِي الدّين فيكفر بِهِ جاحده أَيْضا.
وَإِن لم يكن مَنْصُوصا عَلَيْهِ لكنه بلغ مَعَ كَونه مجمعا عَلَيْهِ فِي الشُّهْرَة مبلغ الْمَنْصُوص بِحَيْثُ تعرفه الْخَاصَّة، والعامة فَهَذَا أَيْضا يكفر منكره فِي أصح قولي الْعلمَاء، حَكَاهَا الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق وَغَيره؛ لِأَنَّهُ يتَضَمَّن تكذيبهم تَكْذِيب الصَّادِق.
وَقيل: لَا يكفر لعدم التَّصْرِيح بالتكذيب، وَإِن لم يكن مَنْصُوصا عَلَيْهِ، وَلَا بلغ فِي الشُّهْرَة مبلغ الْمَنْصُوص؛ بل هُوَ خَفِي، لَا يعرفهُ إِلَّا الْخَواص، كإنكار اسْتِحْقَاق بنت الابْن السُّدس مَعَ الْبِنْت، وَتَحْرِيم نِكَاح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا أَو خالاتها، أَو إِفْسَاد الْحَج بِالْوَطْءِ قبل الْوُقُوف بِعَرَفَة، وَنَحْوه، فَهَذَا
لَا يكفر جاحده، وَلَا منكره لعذر الخفاء، خلافًا لبَعض الْفُقَهَاء فِي قَوْله: إِنَّه يكفر؛ لتكذيبه الْأمة.
ورد: بِأَنَّهُ لم يكذبهم صَرِيحًا، إِذا فرض أَنه لم يكن مَشْهُورا، فَهُوَ مِمَّا يخفى على مثله، فَهَذَا تَحْقِيق هَذِه الْمَسْأَلَة وتحريرها، وَقد حَرَّره أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة، وَأما الْآمِدِيّ فَقَالَ: اخْتلفُوا فِي تَكْفِير جَاحد الْمجمع عَلَيْهِ، فأثبته بعض الْفُقَهَاء، وَأنْكرهُ الْبَاقُونَ مَعَ اتِّفَاقهم على أَن إِنْكَار حكم الْإِجْمَاع الظني غير مُوجب كفرا، وَالْمُخْتَار التَّفْصِيل، وَهُوَ أَن اعْتِقَاد الْإِجْمَاع إِمَّا أَن يكون دَاخِلا فِي مَفْهُوم اسْم الْإِسْلَام كالعبادات الْخمس، وَوُجُوب اعْتِقَاد التَّوْحِيد، والرسالة، أَو لَا يكون كَذَلِك، كَالْحكمِ بِحل البيع وَصِحَّة الْإِجَارَة وَنَحْوه، فَإِن كَانَ الأول فجاحده كَافِر؛ لمزايلة حَقِيقَة الْإِسْلَام لَهُ، وَإِن كَانَ الثَّانِي فَلَا. انْتهى.
وَقَالَ ابْن الْحَاجِب: إِنْكَار حكم الْإِجْمَاع الْقطعِي ثَالِثهَا الْمُخْتَار أَن نَحْو الْعِبَادَات الْخمس يكفر، وَقد اخْتلف فِي مرادهما بالعبادات الْخمس أَرْكَان الْإِسْلَام أَو الصَّلَوَات الْخمس؟
وأيا مَا كَانَ فَيلْزم حِكَايَة قَول إِن منكرها لَا يكفر، وَلَا يعرف هَذَا؛ وَإِن منكري الْخَفي فِيهِ قَول إِنَّه يكفر، وَقد أنكرهُ كثير، وَسبق أَن بَعضهم قَالَ بِهِ.
وَمن يؤول كَلَام ابْن الْحَاجِب يَقُول: مُرَاده أَن الْقَائِل بِأَنَّهُ لَا يكفر لمُخَالفَة مُجَرّد الْإِجْمَاع، وَإِن كَانَ يكفر من حَيْثُ إِنَّه ضَرُورِيّ فِي الدّين فَيكون مُكَذبا لصَاحب الشَّرْع.
ويزداد الْآمِدِيّ إشْكَالًا فِي قَوْله: إِنَّه لَا يكفر إِلَّا بِمَا يكون دَاخِلا تَحت حَقِيقَة الْإِسْلَام فَيخرج إِنْكَار حل البيع مَعَ أَنه يكفر؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوص مجمع عَلَيْهِ، لَكِن لَيْسَ فِي كَلَام الْآمِدِيّ التَّصْرِيح بِأَن الْمذَاهب ثَلَاثَة كَابْن الْحَاجِب.
وَذكر ابْن مُفْلِح عَن أَصْحَابنَا التَّكْفِير وَعَدَمه، وَذكر قَول الْآمِدِيّ، وَقَالَ: هُوَ معنى كَلَام أَصْحَابنَا فِي كتب الْفِقْه، يكفر بجحد حكم ظَاهر مجمع عَلَيْهِ، كالعبادات الْخمس، وَاخْتَارَهُ بعض أَصْحَابنَا. مَعَ أَنه حكى الأول عَن الْأَكْثَر، وَلَا أَظن أحدا لَا يكفر من جحد هَذَا، وَذكر الْمجد فِي " المسودة ": أَن على قَول بعض الْمُتَكَلِّمين الْإِجْمَاع حجَّة ظنية لَا يكفر، وَلَا يفسق. انْتهى.