الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: {فصل}
{الْأَخْذ بِأَقَلّ مَا قيل - كدية كتابي الثُّلُث -} لَيْسَ بِإِجْمَاع للْخلاف فِي الزَّائِد خلافًا لمن ظَنّه.
اخْتلفُوا فِي ثُبُوت الْأَقَل وَلَا أَكثر فِي مَسْأَلَة، لَا يَصح التَّمَسُّك بِالْإِجْمَاع فِي إِثْبَات مَذْهَب الْقَائِل بِالْأَقَلِّ.
مثل قَول الشَّافِعِي: إِن دِيَة الْيَهُودِيّ ثلث دِيَة الْمُسلم؛ فَإِنَّهُ لَا يَصح أَن يتَمَسَّك فِي إثْبَاته بِالْإِجْمَاع، وَيَقُول: إِن الْأمة لَا تخرج عَن الْقَائِل بِالْكُلِّ، وبالنصف، وبالثلث وَالْكل قَائِلُونَ بِالثُّلثِ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح؛ لِأَن قَوْله
يشْتَمل على وجوب الثُّلُث، وَنفي الزَّائِد، وَالْإِجْمَاع لم يدل على نفي الزَّائِد، بل على وجوب الثُّلُث فَقَط، وَهُوَ بعض الْمُدعى، فَالثُّلُث وَإِن كَانَ مجمعا عَلَيْهِ، لَكِن نفي الزِّيَادَة لم يكن مجمعا عَلَيْهِ فالمجموع لَا يكون مجمعا عَلَيْهِ، وَالْقَائِل بِالثُّلثِ مَطْلُوبه مركب من أَمريْن:
الثُّلُث وَنفي الزِّيَادَة، فَلَا يكون مذْهبه مُتَّفقا عَلَيْهِ.
فَإِن إبداء نفي الزِّيَادَة بِوُجُود الْمَانِع من الزِّيَادَة أَو بِنَفْي شَرط الزِّيَادَة، أَو إبداء نفي الزِّيَادَة بالاستصحاب لم يكن حِينَئِذٍ نفي الزِّيَادَة ثَابتا بِالْإِجْمَاع.
وَتمسك الشَّافِعِي رضي الله عنه، وَأَتْبَاعه بذلك إِنَّمَا هُوَ للبراءة الْأَصْلِيَّة؛ وَلذَلِك كَانَ فرض الْمَسْأَلَة فِيمَا إِذا كَانَ فِيهِ الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة؛ فَإِن الأَصْل فِي مَسْأَلَة الدِّيَة - مثلا - بَرَاءَة ذمَّة الْقَاتِل من الزَّائِد على الْأَقَل
قَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ: وَافق الشَّافِعِي القَاضِي أَبُو بكر
وَالْجُمْهُور؛ وَذَلِكَ كدية الْكِتَابِيّ. قيل: إِنَّهَا كدية الْمُسلم، وَقيل: على النّصْف مِنْهَا، وَقيل: على الثُّلُث، فَأخذ الشَّافِعِي بِالثُّلثِ، وَهُوَ مركب من الْإِجْمَاع، والبراءة الْأَصْلِيَّة - كَمَا تقدم - فَإِن إِيجَاب الثُّلُث مجمع عَلَيْهِ، وَوُجُوب الزِّيَادَة عَلَيْهِ مَدْفُوع بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّة.
وَالصُّورَة أَنه لم يقم دَلِيل على إِيجَاب الزِّيَادَة؛ وَلذَلِك أدخلوه فِي مسَائِل الْإِجْمَاع. وَقد عرفت أَنه لَيْسَ إِجْمَاعًا مَحْضا، بل مركب من أَمريْن.
وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني: إِن النَّاقِل عَن الشَّافِعِي أَنه من الْإِجْمَاع لَعَلَّه زل فِي كَلَامه.
وَقَالَ الْغَزالِيّ: هُوَ سوء ظن بِهِ، فَإِن الْمجمع عَلَيْهِ وجوب هَذَا الْقدر، وَلَا مُخَالفَة فِيهِ، والمختلف فِيهِ سُقُوط الزِّيَادَة، وَلَا إِجْمَاع فِيهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ تمسكاً بِالْإِجْمَاع، بل بِمَجْمُوع هذَيْن الدَّلِيلَيْنِ. انْتهى.
أما إِذا قَامَ دَلِيل على الزِّيَادَة، فَإِن الشَّافِعِي يَأْخُذ بِهِ، كَمَا قَالَ: بالتسبيع فِي غسل ولوغ الْكَلْب لقِيَام الدَّلِيل عَلَيْهِ، وَلم يتَمَسَّك بِأَقَلّ مَا قيل، وَهُوَ الِاقْتِصَار على ثَلَاث غسلات.