الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: {فصل}
أَي: ظَنِّي وَذَلِكَ لِأَن الظَّاهِر الْمُوَافقَة لبعد سكوتهم عَادَة؛ وَلذَلِك يَأْتِي فِي قَول الصَّحَابِيّ والتابعي فِي معرض الْحجَّة: كَانُوا يَقُولُونَ أَو يرَوْنَ وَنَحْوه، وَمَعْلُوم أَن كل أحد لم يُصَرح بِهِ، وسكوتهم يشْعر بالموافقة وَإِلَّا لأنكر ذَلِك، وَهُوَ مستمد من سُكُوته صلى الله عليه وسلم َ -
على فعل أحد بِلَا دَاع كَمَا تقدم.
قَالَ الْبَاجِيّ: هُوَ قَول أَكثر المالكيين، وَالْقَاضِي أبي الطّيب
،
وَشَيخنَا أبي إِسْحَاق، وَأكْثر أَصْحَاب الشَّافِعِي.
قَالَ ابْن برهَان: إِلَيْهِ ذهب كَافَّة أهل الْعلم. وَنَقله فِي " الْبَحْر " عَن الْأَكْثَرين.
وَفِي " شرح الْوَسِيط " للنووي: الصَّوَاب من مَذْهَب الشَّافِعِي أَنه حجَّة، وَإِجْمَاع، وَهُوَ مَوْجُود فِي كتب الْعِرَاقِيّين. انْتهى.
وَقَالَ الْبرمَاوِيّ: الْمُرَجح أَنه إِجْمَاع ظَنِّي، لَا قَطْعِيّ؛ لِأَن الْقطع مَعَ قيام الِاحْتِمَال فِي السُّكُوت لَا يُمكن.
وَقَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل، والآمدي، والرازي: هُوَ ظَنِّي خلافًا لبَعض الْفُقَهَاء.
وَقَالَ ابْن عقيل فِي " الْفُنُون "، وَالْقَاضِي أَبُو بكر بن الباقلاني، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَحكي عَن الشَّافِعِي أَيْضا، حَكَاهُ الْآمِدِيّ، وَدَاوُد، وَأَبُو هَاشم: لَا يكون إِجْمَاعًا، وَلَا حجَّة؛ لاحْتِمَال توقف السَّاكِت أَو ذَهَابه إِلَى تصويب كل مُجْتَهد. حَكَاهُ الباقلاني عَن الشَّافِعِي، وَاخْتَارَهُ، وَقَالَ: إِنَّه آخر أَقْوَاله.
وَاخْتَارَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَقَالَ: إِنَّه ظَاهر الْمَذْهَب حَيْثُ قَالَ: لَا ينْسب إِلَى سَاكِت قَول - وَهِي من عباراته الرشيقة -.
وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي " المنخول ": نَص عَلَيْهِ فِي الْجَدِيد.
وَاسْتدلَّ - أَيْضا - بِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه لم يجْتَهد، أَو اجْتهد، ووقف، أَو خَالف وكتم للتروي وَالنَّظَر، أَو لِأَن كل مُجْتَهد مُصِيب، أَو وقر الْقَائِل أَو هابه.
ورده أَصْحَاب القَوْل الأول بِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر، لَا سِيمَا فِي حق الصَّحَابَة مَعَ طول بقائهم، واعتقاد الْإِصَابَة لَا يمْنَع النّظر لتعرف الْحق، كالمعروف من حَالهم.
وَقَالَ بعض الْحَنَفِيَّة، والصيرفي، والآمدي، وَابْن الْحَاجِب فِي " الْمُخْتَصر الْكَبِير "، وَتردد فِي " الصَّغِير "، وَحكى عَن الشَّافِعِي أَنه حجَّة لَا إِجْمَاع.
وَنَقله فِي " الْمُعْتَمد " عَن أبي هَاشم، وَنَقله ابْن برهَان وَالشَّيْخ فِي " اللمع " عَن الصَّيْرَفِي.
وَقَالَ ابْن أبي هُرَيْرَة من الشَّافِعِيَّة: يكون حجَّة فِي الْفتيا لَا الحكم. حَكَاهُ الْمجد فِي " المسودة ".
قَالَ الْبرمَاوِيّ: يكون إِجْمَاعًا إِن كَانَ فتيا لَا حكما، حَكَاهُ الْأَكْثَر عَنهُ هَكَذَا.
وَفِي " الْمَحْصُول " عَنهُ: أَنه إِن كَانَ من حَاكم وَبَينهمَا فرق لاحْتِمَال أَن يكون فتيا من حَاكم، لَا حكما.
وَهُوَ مَا نَقله عَن الرَّوْيَانِيّ فِي " الْبَحْر "، وَابْن برهَان فِي " الْأَوْسَط ".
قَالَ ابْن أبي هُرَيْرَة: إِن الْعَادة تقضي بِأَن ترك الْإِنْكَار فِي الْفتيا الْمُوَافقَة ظَاهر، بِخِلَاف ترك الْإِنْكَار فِي حكم الْحَاكِم؛ فَإِنَّهُ قد يحضر الْفُقَهَاء مجَالِس الْحُكَّام، ويشاهدون خطأهم فِي الْأَحْكَام ويتركون الْإِنْكَار عَلَيْهِم؛ لمهابتهم أَو غير ذَلِك.
رد: هَذَا لَا يمْنَع من إبداء الْخلاف، كَمَا قيل لعمر وَغَيره فِي قضايا.
وَقَالَ الْمروزِي عَكسه، يَعْنِي عكس قَول ابْن أبي هُرَيْرَة، يَعْنِي: أَنه حجَّة، أَو إِجْمَاع فِي الحكم لَا الْفتيا؛ لِأَن الْأَغْلَب فِي الحكم أَن يكون عَن مُشَاورَة.
{وَقيل: إِجْمَاع فِيمَا يفوت استدراكه} إِن كَانَ فِي شَيْء يفوت تَدَارُكه، كإراقة دم أَو اسْتِبَاحَة فرج، كَانَ إِجْمَاعًا، وَإِلَّا فَلَا. حَكَاهُ ابْن السَّمْعَانِيّ.
{وَقيل: إِجْمَاع فِيمَا يَدُوم ويتكرر وُقُوعه} ، والخوض فِيهِ فالسكوتي فِيهِ إِجْمَاع. اخْتَارَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي آخر الْمَسْأَلَة.
وَقيل: إِن كَانَ فِي عصر الصَّحَابَة كَانَ إِجْمَاعًا، وَإِلَّا فَلَا. حَكَاهُ الرَّوْيَانِيّ فِي " الْبَحْر " وَالْمَاوَرْدِيّ.
{وَقيل: إِن كَانَ السَّاكِت أقل} فإجماع، وَإِلَّا فَلَا. حَكَاهُ السَّرخسِيّ من الْحَنَفِيَّة.
{وَقيل: إِن انقرض الْعَصْر} كَانَ إِجْمَاعًا، وَإِلَّا كَانَ حجَّة.
اخْتَارَهُ أَبُو الْخطاب؛ لِأَن الِاحْتِمَال يضعف.
قَالَ ابْن مُفْلِح: اخْتَار أَبُو الْخطاب، والجبائي، والآمدي، وَغَيرهم اعْتِبَار انْقِرَاض الْعَصْر ليضعف الِاحْتِمَال. انْتهى.
وَاخْتَارَهُ الْبَنْدَنِيجِيّ من أَصْحَاب الشَّافِعِي.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي " اللمع ": إِنَّه الْمَذْهَب.
وَقَالَ أَبُو الْخطاب - أَيْضا - فِي " التَّمْهِيد "، وَالشَّيْخ الْمُوفق فِي " الرَّوْضَة "، والطوفي: إِن لم يكن القَوْل فِي تَكْلِيف فَلَا إِجْمَاع، وَقَالَهُ الشَّافِعِيَّة، وَغَيرهم، كَقَوْل الْقَائِل مثلا: عمار أفضل من حُذَيْفَة، وَبِالْعَكْسِ، لَا يدل السُّكُوت فِيهِ على شَيْء؛ إِذْ لَا تَكْلِيف على النَّاس فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَة إِلَى إِنْكَاره، أَو تصويبه، وَيَأْتِي قَرِيبا فِي تعداد الشُّرُوط، وَلم يفرق كثير من أَصْحَابنَا وَغَيرهم، بل أطْلقُوا.
تَنْبِيه: حَيْثُ قُلْنَا: إِنَّه إِجْمَاع، أَو حجَّة لَا بُد يشْتَرط لَهُ شُرُوط، مِنْهَا: كَون ذَلِك فِي الْمسَائِل التكليفية كَمَا تقدم فِي القَوْل الَّذِي قبل هَذَا عَن أبي الْخطاب وَغَيره، وَكَلَام الْبرمَاوِيّ وَغَيره يَقْتَضِي أَنه مَحل وفَاق.
وَأَن يكون فِي مَحل الِاجْتِهَاد.
وَأَن يطلعوا على ذَلِك.
وَأَن لَا يكون هُنَاكَ أَمارَة سخط، وَإِن لم يصرحوا بِهِ.
وَأَن يمْضِي قدر مهل النّظر عَادَة فِي تِلْكَ الْحَالة.
وَأَن لَا يُنكر ذَلِك مَعَ طول الزَّمَان.
فَخرج مَا لَيْسَ من مسَائِل التَّكْلِيف كَمَا تقدم، وَمَا إِذا كَانَ الْقَائِل مُخَالفا للثابت الْقطعِي فالسكوت عَنهُ لَيْسَ دَلِيلا على مُوَافَقَته، وَخرج أَيْضا مَا لم يطلع عَلَيْهِ الساكتون فَإِنَّهُ لَا يكون حجَّة قطعا.
وَهل المُرَاد الْقطع باطلاعهم، أَو غَلَبَة الظَّن بذلك؛ لانتشاره وشهرته كَمَا صرح بِهِ الْأُسْتَاذ نقلا عَن مَذْهَب الشَّافِعِي، واختياراً لَهُ، وَأما إِن احْتمل وَاحْتمل فَلَا، كَمَا نَقله ابْن الْحَاجِب عَن الْأَكْثَر، وَمُقَابِله قَول أَنه حجَّة.
وَخرج أَيْضا مَا إِذا كَانَ هُنَاكَ أَمارَة سخط فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحجَّة بِلَا خلاف، كَمَا أَنه إِذا كَانَ مَعَه أَمارَة رضى يكون إِجْمَاعًا.
قَالَه الرَّوْيَانِيّ، وَالْقَاضِي عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي، وَفِي كَلَام الرَّازِيّ مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَن الْخلاف جَار مَعَ أَمارَة سخط.
وَخرج أَيْضا بِهِ مَا إِذا لم تمض مُدَّة للنَّظَر؛ لاحْتِمَال أَن يكون السَّاكِت فِي مهلة للنَّظَر.
وَمن شَرط مَحل الْخلاف أَيْضا أَن لَا يطول الزَّمَان مَعَ تكَرر الْوَاقِعَة، فَإِن كَانَ كَذَلِك فَهُوَ مَحل الْخلاف السَّابِق، كَمَا هُوَ مُقْتَضى كَلَام أبي الْمَعَالِي، وَصرح بِهِ ابْن التلمساني.
وَأَن يكون قبل اسْتِقْرَار الْمذَاهب، فَأَما بعد استقرارها فَلَا أثر للسكوت قطعا، كإفتاء مقلد سكت عَنهُ المخالفون للْعلم بمذهبهم، ومذهبه، كحنبلي