الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيراً} [النِّسَاء: 115] .
احْتج بهَا الإِمَام الشَّافِعِي، وَغَيره؛ لِأَنَّهُ توعد على مُتَابعَة غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ، وَإِنَّمَا يجوز لمفسدة مُتَعَلقَة بِهِ وَلَيْسَت من جِهَة المشاقة، وَإِلَّا كَانَت كَافِيَة.
والسبيل: الطَّرِيق، فَلَو خص بِكفْر أَو غَيره كَانَ اللَّفْظ مُبْهما، وَهُوَ خلاف الأَصْل، وَالْمُؤمن حَقِيقَة فِي الْحَيّ المتصف بِهِ.
ثمَّ عُمُومه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يبطل المُرَاد. وَهُوَ الْحَث على مُتَابعَة سبيلهم، وَالْجَاهِل غير مُرَاد.
ثمَّ الْمَخْصُوص حجَّة، والسبيل عَام، والتأويل بمتابعة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم َ -،
أَو بمتابعتهم فِي الْإِيمَان، أَو الِاجْتِهَاد لَا ضَرُورَة إِلَيْهِ، فَلَا يقبل.
وَلَيْسَ تبين الْهدى شرطا للوعيد بالاتباع بل للمشاقة؛ لِأَن إِطْلَاقهَا لمن عرف الْهدى أَولا؛ وَلِأَن تَبْيِين الْأَحْكَام الفروعية لَيْسَ شرطا فِي المشاقة، فَإِن من تبين لَهُ صدق الرَّسُول وَتَركه فقد
شاقه وَلَو جهلها.
وَقَول الإمامية المُرَاد بِهِ من فيهم مَعْصُوم؛ لِأَن سبيلهم حِينَئِذٍ حق
بِخِلَاف الظَّاهِر، وَتَخْصِيص بِلَا ضَرُورَة، وَلَا دَلِيل لَهُم على الْعِصْمَة.
وَمَا قيل من أَن الْآيَة ظَاهِرَة، وَلَا دَلِيل على أَن الظَّاهِر حجَّة إِلَّا الْإِجْمَاع فَيلْزم الدّور، مَمْنُوع لجَوَاز نَص قَاطع على أَنه حجَّة، أَو اسْتِدْلَال قَطْعِيّ؛ لِأَن الظَّاهِر مظنون، وَهُوَ حجَّة؛ لِئَلَّا يلْزم رفع النقيضين، أَو اجْتِمَاعهمَا، أَو الْعَمَل بالمرجوح وَهُوَ خلاف الْعقل.
وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ} [النِّسَاء: 59] والمشروط عدم عِنْد عدم شَرطه، فاتفاقهم كَاف.
وَاعْترض: عدم الرَّد إِلَى الْكتاب وَالسّنة عِنْد الْإِجْمَاع إِن بني الْإِجْمَاع على أَحدهمَا فَهُوَ كَاف، وَإِلَّا فَفِيهِ تَجْوِيز الْإِجْمَاع بِلَا دَلِيل، ثمَّ لَا نسلم عدم الشَّرْط؛ فَإِن الْكَلَام مَفْرُوض فِي نزاع مجتهدين متأخرين لإِجْمَاع سَابق.
رد الأول: بِأَن الْإِجْمَاع إِن احْتَاجَ إِلَى مُسْتَند فقد يكون قِيَاسا.
وَالثَّانِي: مُشكل جدا، قَالَه الْآمِدِيّ.
وَاخْتَارَ أَبُو الْخطاب أَن مُرَاد الْآيَة: فِيمَا لَا نعلم أَنه خطأ، وَإِن ظنناه رددناه إِلَى الله وَرَسُوله.
وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تفَرقُوا} [آل عمرَان: 103] وَخلاف الْإِجْمَاع تفرق، وَالنَّهْي عَن التَّفَرُّق لَيْسَ فِي الِاعْتِصَام للتَّأْكِيد وَمُخَالفَة الظَّاهِر، وتخصيصه بهَا قبل الْإِجْمَاع لَا يمْنَع الِاحْتِجَاج بِهِ، وَلَا يخْتَص الْخطاب بالموجودين زَمَنه صلى الله عليه وسلم َ -؛ لِأَن التَّكْلِيف لكل من وجد مُكَلّفا كَمَا سبق.
وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُنْتُم خير أمة
…
.} [آل عمرَان: 110] ، فَلَو اجْتَمعُوا على بَاطِل كَانُوا قد اجْتَمعُوا على مُنكر لم ينهوا عَنهُ، ومعروف لم يؤمروا بِهِ، وَهُوَ خلاف مَا وَصفهم الله بهم؛ وَلِأَنَّهُ جعلهم أمة وسطا، أَي: عُدُولًا، وَرَضي بِشَهَادَتِهِم مُطلقًا.
وعَلى ذَلِك اعتراضات وأجوبة يطول الْكتاب بذكرها. وَعَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ مَرْفُوعا " إِن الله تَعَالَى أجاركم من ثَلَاث
خلال: أَن لَا يَدْعُو عَلَيْكُم نَبِيكُم فَتَهْلكُوا جَمِيعًا، وَأَن لَا يظْهر أهل الْبَاطِل على أهل الْحق، وَأَن لَا تجتمعوا على ضَلَالَة " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَعَن ابْن عمر مَرْفُوعا: " لَا تَجْتَمِع هَذِه الْأمة على ضَلَالَة أبدا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ.
وَعَن أنس مَرْفُوعا: " إِن أمتِي لَا تَجْتَمِع على ضَلَالَة، فَإِذا رَأَيْتُمْ الِاخْتِلَاف فَعَلَيْكُم بِالسَّوَادِ الْأَعْظَم الْحق وَأَهله " رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَابْن أبي عَاصِم.
وَعَن أبي ذَر مَرْفُوعا: " عَلَيْكُم بِالْجَمَاعَة، فَإِن الله تَعَالَى لم يجمع أمتِي إِلَّا على هدى " رَوَاهُ أَحْمد.
وَعَن أبي ذَر مَرْفُوعا: " من فَارق الْجَمَاعَة شبْرًا فقد خلع ربقة الْإِسْلَام من عُنُقه " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد.
وَلَهُمَا عَن مُعَاوِيَة مَرْفُوعا: " أَن هَذِه الْأمة: سَتَفْتَرِقُ على ثَلَاث وَسبعين - يَعْنِي مِلَّة - ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّار وَوَاحِدَة فِي الْجنَّة، وَهِي الْجَمَاعَة ".
وَعَن ابْن عمر مَرْفُوعا: " إِن الله لَا يجمع أمتِي - أَو قَالَ - أمة مُحَمَّد على ضَلَالَة، وَيَد الله على الْجَمَاعَة، وَمن شَذَّ شَذَّ فِي النَّار " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ.
وَعَن أبي بصرة الْغِفَارِيّ مَرْفُوعا: سَأَلت الله أَن لَا يجمع أمتِي على ضَلَالَة فَأَعْطَانِيهَا " رَوَاهُ أَحْمد.
وَعَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: " من رأى من أميره شَيْئا يكرههُ فليصبر؛ فَإِنَّهُ من فَارق الْجَمَاعَة شبْرًا فَمَاتَ فميتته جَاهِلِيَّة ".
وَعَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: " من خرج من الطَّاعَة وَفَارق الْجَمَاعَة فَمَاتَ مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة " مُتَّفق عَلَيْهِ.
وَعَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا: " ثَلَاث لَا يغل عَلَيْهِنَّ قلب مُسلم: إخلاص الْعَمَل لله، والنصيحة للْمُسلمين، وَلُزُوم جَمَاعَتهمْ " رَوَاهُ الشَّافِعِي
وَلأَحْمَد مثله.
وَعَن ثَوْبَان مَرْفُوعا: " لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي ظَاهِرين على الْحق، لَا يضرهم من خذلهم حَتَّى يَأْتِي أَمر الله وهم كَذَلِك ".
وَفِي حَدِيث جَابر: " إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ".
وَفِي حَدِيث جَابر بن سَمُرَة: " حَتَّى تقوم السَّاعَة " رَوَاهُ مُسلم.
وَعَن ابْن عمر مَرْفُوعا: " عَلَيْكُم بِالْجَمَاعَة، وَإِيَّاكُم والفرقة، فَإِن الشَّيْطَان مَعَ الْوَاحِد، وَهُوَ من الِاثْنَيْنِ أبعد، من أَرَادَ بحبوحة الْجنَّة فليلزم الْجَمَاعَة ".