الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ الطوفي - أَيْضا -: وَسَبقه إِلَى ذَلِك الْقَرَافِيّ، وَجَمَاعَة من الْعلمَاء، مِنْهُم: ابْن قَاضِي ابْن الْجَبَل، والبيضاوي، وشراحه، بِمَا يَقْتَضِي أَنه وفَاق يعْتَبر فِي إِجْمَاع كل فن قَول أَهله؛ إِذْ غَيرهم بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ عَامَّة. انْتهى.
وَهُوَ مُتَوَجّه، فعلى هَذَا يعْتَبر فِي إِجْمَاع كل فن، من فقه، وأصول، وَنَحْو، وطب، وَغَيرهَا قَول أَهله، وَهُوَ ظَاهر جدا.
قَوْله: {وَلَا كَافِرًا مُطلقًا} ، يَعْنِي: لَا يعْتد بقول الْكَافِر مُطلقًا، سَوَاء كَانَ متأولاً، وَهُوَ الْمُخطئ فِي الْأُصُول، أَو غَيره كالمرتد، وَنَحْوه لخُرُوج الْكل عَن الْملَّة فَلَا يتناولهم مُسَمّى الْأمة الْمَشْهُود لَهُم بالعصمة.
أما الْكَافِر الْأَصْلِيّ، وَالْمُرْتَدّ فَلَا نزاع بَين الْأمة أَن قَوْلهم لَا يعْتَبر فِي الْإِجْمَاع، وَلَو انْتهى إِلَى رُتْبَة الِاجْتِهَاد لما علم من اخْتِصَاص الْإِجْمَاع بِأمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم َ -.
مَحل الْخلاف فِي المبتدع إِذا كفرناه ببدعته
.
وتحرير القَوْل فِي ذَلِك: أَن عِنْد من كفره ببدعته لَا يعْتد بقوله فِي الْإِجْمَاع، وَمن لَا يكفره فَهُوَ عِنْده من المبتدعة الَّذين يحكم بفسقهم، وَهُوَ الْقسم الْآتِي بعد هَذِه الْمَسْأَلَة.
وَقطع بذلك الْعلمَاء مِنْهُم: ابْن الْحَاجِب، وَابْن مُفْلِح، وَابْن قَاضِي الْجَبَل، وَغَيرهم.
قَالَ الْمُوفق فِي " الرَّوْضَة ": لَا يعْتد بقول كَافِر سَوَاء كَانَ بِتَأْوِيل أَو بِغَيْر تَأْوِيل.
وَقَالَهُ الطوفي فِي " مُخْتَصره " وَزَاد: وَقيل: المتأول كالكافر عِنْد الْمُكَفّر دون غَيره.
وَلَا فَائِدَة فِي هَذَا القَوْل، وَلَا ثَمَرَة؛ إِذْ مَحل الْمَسْأَلَة فِي الْمَحْكُوم بِكُفْرِهِ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور: قَالَ أهل السّنة: لَا يعْتَبر فِي الْإِجْمَاع وفَاق الْقَدَرِيَّة، والخوارج، والرافضة.
وَقَالَ الصَّيْرَفِي: هَل يقْدَح خلاف الْخَوَارِج فِي الْإِجْمَاع؟ فِيهِ قَولَانِ.
قَوْله: {وَلَا فَاسق مُطلقًا} ، لَا يعْتد بقول الْفَاسِق مُطلقًا، سَوَاء كَانَ من جِهَة الِاعْتِقَاد أَو الْأَفْعَال.
فالاعتقاد كالرفض، والاعتزال، وَنَحْوهمَا، وَالْأَفْعَال كشرب الْخمر، وَالزِّنَا، والربا، وَالسَّرِقَة، وَنَحْوهَا.
هَذَا هُوَ الصَّحِيح، اخْتَارَهُ القَاضِي، وَابْن عقيل، وَالْأَكْثَر. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي، وَابْن السَّمْعَانِيّ: وَذهب إِلَيْهِ مُعظم الْأُصُولِيِّينَ.
وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ من الْحَنَفِيَّة: هَذَا الصَّحِيح عندنَا. قَالَ ابْن برهَان: هُوَ قَول كَافَّة الْفُقَهَاء والمتكلمين؟ وَتقدم قَرِيبا كَلَام الْأُسْتَاذ أبي مَنْصُور، والصيرفي. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يقبل قَوْله، وَلَا يُقَلّد فِي فَتْوَى، كالكافر، وَالصَّبِيّ.
وَعند أبي الْخطاب وَأبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَالْغَزالِيّ فِي " المنخول ":
يعْتد بقوله؛ لِأَن الْمعْصِيَة فِي الْفِعْل دون الِاعْتِقَاد، وَذَلِكَ لَا يزِيل اسْم الْإِيمَان.
وَنسب هَذَا القَوْل إِلَى إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَيْضا.
وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب فِي " مُخْتَصره "، وَنَصره.
وَكَذَا الْهِنْدِيّ، وَابْن الْعِرَاقِيّ، وَغَيرهم؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهد من الْأمة فتناولته الْأَدِلَّة بِخِلَاف الْكَافِر، وَالصَّبِيّ قَاصِر، وَلَا يلْزم من اعْتِبَار قَوْله فِي الْإِجْمَاع اعْتِبَار قَوْله مُنْفَردا.
{وَقيل: إِن ذكر مُسْتَندا صَالحا اعْتد بقوله} ، وَإِلَّا فَلَا، فَإِذا بَين مأخذه، وَكَانَ صَالحا للأخذ بِهِ اعتبرناه. قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ: وَلَا بَأْس بِهَذَا القَوْل وَهَذَا كُله فِي الْفَاسِق بِلَا تَأْوِيل، أما الْفَاسِق بِتَأْوِيل فمعتبر فِي الْإِجْمَاع كالعدل، انْتهى.
{وَقيل: يعْتَبر فِي نَفسه، اخْتَارَهُ أبي الْمَعَالِي} ، فَإِذا وَافق الْجَمَاعَة كَانَ الْإِجْمَاع حجَّة على الْكل، وَإِن خالفهم كَانَ الْإِجْمَاع حجَّة عَلَيْهِم، لَا عَلَيْهِ.
صرح بِهِ الْآمِدِيّ وَغَيره على هَذِه الصّفة.
وَقَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ فِي " شرح جمع الْجَوَامِع ": يَنْبَغِي أَن يكون الْأَمر بِالْعَكْسِ.
قلت: وَالَّذِي يظْهر أَن هَذَا خطأ؛ فَإِن الْعَكْس إِذا وَافق كَانَ حجَّة عَلَيْهِ لَا عَلَيْهِم، وَلَا قَائِل بِهِ، وتابع فِي ذَلِك أَصله، وَهُوَ " شرح الزَّرْكَشِيّ "، فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَنْبَغِي عَكسه، أَنه ينْعَقد إِجْمَاع غَيره عَلَيْهِ، وَلَا ينْعَقد إجماعه على غَيره. انْتهى.
فَقَوله: أخيراً وَلَا ينْعَقد إجماعه على غَيره سَهْو؛ لِأَنَّهُ إِذا انْعَقَد الْإِجْمَاع مَعَ مُوَافَقَته انْعَقَد على غَيره بِلَا نزاع، وَهُوَ وَالله أعلم إِنَّمَا أَرَادَ إِذا انْعَقَد الْإِجْمَاع لغيره، وَلم يُوَافق هُوَ أَنه يكون إِجْمَاعًا فِي حَقه أَيْضا، وَهَذَا مُتَوَجّه؟
وَأما هُوَ إِذا وَافق الْجَمَاعَة لَا ينْعَقد على غَيره، فَهَذَا غير مُسلم.
وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر ابْن الباقلاني، وَأَبُو بكر الرَّازِيّ الْحَنَفِيّ: لَا يعْتد فِي الْإِجْمَاع بقول الظَّاهِرِيَّة؛ بجحدهم الْقيَاس، وَعدم معرفتهم للمعاني.
وَقَالَ ابْن الصّلاح: ينظر فِيمَا قَالُوهُ، فَإِن لم يسغْ فِيهِ الِاجْتِهَاد لم يعْتد بِهِ، وَإِن سَاغَ فِيهِ الِاجْتِهَاد اعْتد بِهِ.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: قلت: وَفِي الِاعْتِدَاد بقول مجتهدي الظَّاهِرِيَّة أَقْوَال: الْمَنْع. اخْتَارَهُ أَبُو بكر الرَّازِيّ الْحَنَفِيّ.
وَالثَّانِي: الْجَوَاز، كغيرهم. وَالثَّالِث: الْفرق بَين مَا للِاجْتِهَاد فِيهِ مساغ وَغَيره، كتفريقهم فِي تنجيس المَاء بَين الْبَوْل فِيهِ، وصبه فِيهِ، فَيعْتَبر قَوْله فِي الأول دون الثَّانِي اخْتَارَهُ أَبُو عَمْرو ابْن الصّلاح.
قَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي: ترك اعْتِقَاده الْعَمَل بِبَعْض الْأَدِلَّة لَا يُخرجهُ عَن كَونه مُجْتَهدا، وَإِلَّا لزم أَن لَا يعْتَبر قَول من خَالف فِي الْمَرَاسِيل،
والعموم، وَأَن الْأَمر على الْوُجُوب، وَغير ذَلِك. انْتهى.
وَقَالَ الأبياري فِي " شرح الْبُرْهَان ": إِن كَانَت الْمَسْأَلَة مِمَّا يتَعَلَّق بالآثار، والتوقيف، وَاللَّفْظ اللّغَوِيّ وَلَيْسَ للْقِيَاس فِيهَا مجَال فَلَا يَصح أَن ينْعَقد الْإِجْمَاع دونهم إِلَّا على قَول من يرى أَن الِاجْتِهَاد قَضِيَّة وَاحِدَة لَا تتجزأ، وَإِن قُلْنَا بالتجزيء فَلَا يمْتَنع أَن يَقع النّظر فِي نوع هم فِيهِ محققون. انْتهى.
وَقَالَ القَاضِي الباقلاني أَيْضا، وَأَبُو الْمَعَالِي: لَا يعْتد بقول منكري الْقيَاس، فَدخل فِي هَذَا كل من أنكر الْقيَاس من الظَّاهِرِيَّة وَغَيرهم.
وَقيل: إِن كَانَ الْقيَاس جلياً، وَإِلَّا اعْتد بهم.
وَقَالَ أَيْضا أَبُو بكر الباقلاني، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَالْغَزالِيّ: لَا يعْتد بقول الْأَصَم.
وَهَذَا الْأَصَم هُوَ عبد الرَّحْمَن بن كيسَان، قَالَه ابْن الصّلاح وَغَيره.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي رده على الرافضي هُوَ عبد الرَّحْمَن بن كيسَان الْأَصَم المعتزلي من فضلائهم، وَله تَفْسِير، وَمن تلاميذه إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن علية.
ولإبراهيم هَذَا مناظرات فِي الْفِقْه وأصوله مَعَ الشَّافِعِي وَغَيره.