الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: {فصل}
{لَا يعْتَبر قَول الْعَامَّة} فِي الْإِجْمَاع عِنْد الْعلمَاء، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمُعْتَمد عَلَيْهِ سَوَاء كَانَت مسَائِله مَشْهُورَة أَو خُفْيَة، فَلَا اعْتِبَار لمخالفتهم، وَلَا بموافقتهم، وَإِنَّمَا يعْتَبر قَول الْمُجْتَهدين فَقَط.
واعتبره قوم مُطلقًا، فَقَالُوا: لابد من موافقتهم حَتَّى يصير إِجْمَاعًا.
واعتبره قوم فِي الْمسَائِل الْمَشْهُورَة، كَالْعلمِ بِوُجُود التَّحْرِيم بِالطَّلَاق الثَّلَاث، وَأَن الْحَدث فِي الْجُمْلَة ينْقض الطَّهَارَة، وَأَن الْحيض يمْنَع أَدَاء الصَّلَاة، ووجوبها، وَنَحْوهَا دون الْمسَائِل الْخفية، كدقائق الْفِقْه.
إِذا علم ذَلِك فَاخْتَلَفُوا فِي معنى ذَلِك:
فَقَالَ الْآمِدِيّ: إِن قيام الْحجَّة يفْتَقر إِلَى وفاقهم.
وَحَكَاهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيره عَن الباقلاني، وغلطوا ناقله.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَالْقَوْل بِاعْتِبَارِهِ.
حَكَاهُ ابْن الصّباغ، وَابْن برهَان عَن بعض الْمُتَكَلِّمين، وَنَقله الإِمَام، وَابْن السَّمْعَانِيّ، والهندي عَن القَاضِي الباقلاني، وَكَذَا قَالَ ابْن الْحَاجِب: إِن ميل القَاضِي إِلَى اعْتِبَاره، أَي: الْمُقَلّد.
لَكِن إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي " مُخْتَصر التَّقْرِيب ": يَقْتَضِي أَن القَاضِي لَا يعْتَبر خلافهم وَلَا وفاقهم.
وَفَسرهُ فِي " جمع الْجَوَامِع ": أَن مَعْنَاهُ أَن الْأمة أَجمعت لَا افتقار كَلَام الْحجَّة إِلَيْهِم. وَخَالفهُ الْآمِدِيّ وَغَيره كَمَا تقدم قبل.
وَالَّذِي فِي " التَّقْرِيب " تَحْرِير الْخلاف على وَجه آخر، فَإِن الْقَائِل بِعَدَمِ اعْتِبَار الْعَامَّة قَالَ لقَوْله تَعَالَى: " فسئلوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} [النَّحْل: 43]، [الْأَنْبِيَاء: 7] ، وَنَحْوه فَرد الْعَوام إِلَى قَول الْمُجْتَهدين.
وَالْقَائِل باعتبارهم قَالَ: إِن قَول الْأمة إِنَّمَا كَانَ حجَّة لعصمتها من الْخَطَأ، فَلَا يمْتَنع أَن تكون الْعِصْمَة للهيئة الاجتماعية من الْكل، فَلَا يلْزم ثُبُوتهَا للْبَعْض.
فَقَالَ الباقلاني مَا حَاصله: أَن الْخلاف يرجع إِلَى إِطْلَاق الِاسْم يَعْنِي أَن الْمُجْتَهدين إِذا أَجمعُوا هَل يصدق أَن الْأمة أَجمعت وَيحكم بِدُخُول الْعَوام فيهم تبعا أَو لَا؟
فَعنده لَا يصدق، وَإِن كَانَ ذَلِك [لَا يقْدَح] فِي حجيته، وَهُوَ خلاف لَفْظِي؛ لِأَن مخالفتهم لَا تقدح فِي الْإِجْمَاع قطعا.
وَتبع ابْن الباقلاني كثير من الْمُتَأَخِّرين على أَن الْخلاف لَفْظِي رَاجع إِلَى التَّسْمِيَة.
لَكِن أَبُو الْحُسَيْن فِي " الْمُعْتَمد " نقل عَن قوم أَن الْإِجْمَاع لَا يحْتَج بِهِ إِلَّا مَعَ وفَاق الْعَامَّة. انْتهى.
وَحكى القَاضِي عبد الْوَهَّاب، وَابْن السَّمْعَانِيّ أَنه يعْتَبر فِي الْإِجْمَاع على عَام، وَهُوَ مَا لَيْسَ بمقصور على الْعلمَاء وَأهل النّظر، كالمسائل الْمَشْهُورَة بِخِلَاف دقائق الْفِقْه.
قيل: وَبِهَذَا التَّفْصِيل يَزُول الْإِشْكَال، وَيَنْبَغِي تَنْزِيل إِطْلَاق المطلقين عَلَيْهِ.
وَخص القَاضِي الباقلاني الْخلاف بالخاص، وَقَالَ: لَا يعْتَبر خلاف الْعَام اتِّفَاقًا وَجرى عَلَيْهِ الرَّوْيَانِيّ فِي " الْبَحْر ".
تَنْبِيه:
قَوْلنَا: لَا يعْتَبر قَول الْعَامَّة أولى من قَول الْمُقَلّد؛ لِأَن الْعَاميّ أَعم من أَن يكون مُقَلدًا أَو لَا، فالتعبير بِهِ أولى لشُمُوله.
قَوْله: {وَلَا من عرف الحَدِيث فَقَط، أَو اللُّغَة، أَو علم الْكَلَام، وَنَحْوه} ، كعلم الْعَرَبيَّة، والمعاني، وَالْبَيَان، والتصريف؛ لِأَنَّهُ من جملَة المقلدين فَلَا تعْتَبر مخالفتهم. قَوْله:{وَكَذَا من عرف الْفِقْه فَقَط} فِي مَسْأَلَة فِي أُصُوله، أَو أصُول
الْفِقْه فِي مَسْأَلَة فِي الْفِقْه.
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد الإِمَام أَحْمد، وَأَصْحَابه، وَأكْثر الْعلمَاء؛ لأَنهم أَيْضا من جملَة المقلدين؛ لِأَن من شَرط الْإِجْمَاع اتِّفَاق الْمُجْتَهدين، فَمن لم يكن من الْمُجْتَهدين فَهُوَ من المقلدين؛ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَة بَينهمَا.
فعلى هَذَا لَا يعْتَقد بقوله، وَلَا بِخِلَافِهِ.
وَقيل: بِاعْتِبَار كل من الطَّائِفَتَيْنِ: الْفُقَهَاء والأصوليين لما فِي كل مِنْهُمَا من الْأَهْلِيَّة الْمُنَاسبَة للفنين لتلازم العلمين، وَهُوَ قوي.
وَقيل: يعْتَبر قَول الأصولي فِي الْفِقْه دون الفروعي فِي الْأُصُول؛ لِأَنَّهُ أقرب إِلَى مَقْصُود الِاجْتِهَاد دون عَكسه، اخْتَارَهُ الباقلاني. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَهُوَ الْحق.
وَقيل: عَكسه، فَيعْتَبر قَول الفروعي فِي الْأُصُول دون الأصولي فِي الْفُرُوع؛ لِأَنَّهُ أعرف بمواضع الِاتِّفَاق وَالِاخْتِلَاف.
قَوْله: {وَكَذَا من فَاتَهُ بعض شُرُوط الِاجْتِهَاد} ، يَعْنِي: لَا اعْتِبَار بقوله فِي الْإِجْمَاع؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ من الْمُجْتَهدين.
وَمعنى هَذَا لِابْنِ عقيل وَغَيره، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْوَاضِح: لم يعْتد بقول من لم يكن مُجْتَهدا كَامِلا. قَالَ الْمجد: من أحكم أَكثر أدوات الِاجْتِهَاد، وَلم يبْق لَهُ إِلَّا خصْلَة أَو خصلتان، اتّفق الْفُقَهَاء والمتكلمون على أَنه لَا يعْتد بِخِلَافِهِ خلافًا للباقلاني.
وَقَالَ الطوفي فِي " مُخْتَصره ": أما قَول الأصولي غير الفروعي وَعَكسه، والنحوي فِي مَسْأَلَة مبناها النَّحْو، كَمَسْأَلَة مسح الرَّأْس المبنية على أَن الْبَاء للإلصاق، أَو للتَّبْعِيض، ومسائل الشَّرْط وَالْجَزَاء، وَالِاسْتِثْنَاء وَنَحْوه، فَفِي اعْتِبَار قَوْلهم الْخلاف فِي تجزيء الِاجْتِهَاد، وَالْأَشْبَه اعْتِبَار قَول الأصولي والنحوي فَقَط لتمكنهما من دَرك الحكم بِالدَّلِيلِ، وَالْمَسْأَلَة اجتهادية. وَالصَّحِيح أَن الِاجْتِهَاد يتَجَزَّأ على مَا يَأْتِي بَيَانه.