الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِجْمَاع، وَقَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -: "
أمتِي لَا تَجْتَمِع على ضَلَالَة " وانعقد الْإِجْمَاع.
وَخَالف ابْن عقيل وَغَيره، وَقَالُوا: الرِّدَّة تخرجهم عَن أمته؛ لأَنهم إِذا ارْتَدُّوا، لم يَكُونُوا مُؤمنين فَلم يتناولهم الْأَدِلَّة.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ يصدق بعد ارتدادهم أَن أمة مُحَمَّد ارْتَدَّت، وَهُوَ أعظم الْخَطَأ فَيمْتَنع
الْأَدِلَّة السمعية.
وَقيل: على هَذَا الْجَواب: إِن إِطْلَاق أمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم َ - عَلَيْهِم بالمجاز، وَالْأمة الْمَذْكُورَة فِي الْأَدِلَّة السمعية لم تتَنَاوَل إِلَّا من هُوَ من الْأمة حَقِيقَة فَانْدفع الْجَواب.
وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ: بِأَن ارتدادهم الَّذِي هُوَ أعظم الْخَطَأ هُوَ الْمُوجب لسلب اسْم الْأمة عَنْهُم حَقِيقَة فَزَالَ اسْم الْأمة عَنْهُم بعد الارتداد بِالذَّاتِ؛ لِأَن الْمَعْلُول مُتَأَخّر عَن الْعلَّة بِالذَّاتِ فَعِنْدَ حُصُول ارتدادهم صدق عَلَيْهِم اسْم الْأمة حَقِيقَة فتتناولهم الْأَدِلَّة السمعية، قَالَه الْأَصْفَهَانِي.
قَوْله: {وَيجوز اتِّفَاقهم على جهل مَا لم تكلّف بِهِ فِي الْأَصَح} ؛ لعدم الْخَطَأ بِعَدَمِ التَّكْلِيف، كتفضيل عمار على حُذَيْفَة، أَو عَكسه، وَنَحْوه؛ لِأَن ذَلِك لَا يقْدَح فِي أصل من الْأُصُول.
وَقيل: لَا يجوز اتفاقها على ذَلِك، وَإِلَّا كَانَ الْجَهْل سَبِيلا لَهَا فَيجب اتباعها فِيهِ وَهُوَ بَاطِل.
أُجِيب: بِمَنْع أَنه سَبِيل لَهَا؛ لِأَن سَبِيل الشَّخْص مَا يختاره من قَول أَو فعل، وَعدم الْعلم بالشَّيْء لَيْسَ من ذَلِك، أما مَا كلفوا بِهِ فَيمْتَنع جهل جَمِيعهم بِهِ، ككون الْوتر وَاجِبا أم لَا، وَنَحْوه.
قَالَ الْقَرَافِيّ: اخْتلفُوا هَل يَصح أَن يجمعوا على خطأ فِي مَسْأَلَتَيْنِ؟ كَقَوْل بَعضهم بِمذهب الْخَوَارِج، والبقية بِمذهب الْمُعْتَزلَة، وَفِي الْفُرُوع مثل أَن يَقُول الْبَعْض بِأَن العَبْد يَرث، وَيَقُول الْبَاقِي بِأَن الْقَاتِل عمدا يَرث، فَقيل: لَا يجوز؛ لِأَنَّهُ إِجْمَاع على الْخَطَأ، وَقيل: يجوز؛ لِأَن كل خطأ من هذَيْن الخطأين لم يساعد عَلَيْهِ الْفَرِيق الآخر، وَلم يُوجد فِيهِ إِجْمَاع.
ثمَّ قَالَ: تَنْبِيه: الْأَحْوَال ثَلَاثَة:
الْحَالة الأولى: اتِّفَاقهم على الْخَطَأ فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة، كإجماعهم على أَن العَبْد يَرث فَلَا يجوز ذَلِك عَلَيْهِم.
الثَّانِيَة: أَن يُخطئ كل فريق فِي مَسْأَلَة أَجْنَبِيَّة عَن الْمَسْأَلَة الْأُخْرَى، فَيجوز، فَإنَّا نقطع أَن كل مُجْتَهد يجوز أَن يُخطئ، وَمَا من مَذْهَب من الْمذَاهب إِلَّا وَقد وَقع فِيهِ مَا يُنكر وَإِن قل، فَهَذَا لَا بُد للبشر مِنْهُ.
الثَّالِثَة: أَن يخطئوا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فِي حكم الْمَسْأَلَة الْوَاحِدَة، مثل هَذِه الْمَسْأَلَة: فَإِن العَبْد وَالْقَاتِل كِلَاهُمَا يرجع إِلَى فرع وَاحِد، وَهُوَ مَانع الْمِيرَاث، فَوَقع الْخَطَأ فِيهِ كُله، فَمن نظر إِلَى اتِّحَاد الأَصْل منع، وَمن نظر إِلَى تعدد الْفَرْع أجَاز، فَهَذَا تَلْخِيص هَذِه الْمَسْأَلَة. انْتهى.
ومثلوا ذَلِك أَيْضا بِاتِّفَاق شطر الْأمة على أَن التَّرْتِيب فِي الْوضُوء وَاجِب، وَفِي الصَّلَاة الْفَائِتَة غير وَاجِب.
والفرقة الْأُخْرَى على عكس ذَلِك فِي الصُّورَتَيْنِ.
فَذهب الْأَكْثَر إِلَى الْمَنْع؛ لِأَن خطأهم فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا يخرجهم عَن أَن يَكُونُوا قد اتَّفقُوا على الْخَطَأ، وَلَو فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ منفي عَنْهُم، وَجوزهُ الْمُتَأَخّرُونَ؛ لِأَن الْمُخطئ فِي كل مَسْأَلَة بعض الْأمة، ومثار الْخلاف أَن المخطئين فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا كل الْأمة أَو بَعضهم.
قَوْله: {وَلَا إِجْمَاع يضاد إِجْمَاعًا، خلافًا للبصري} - أَعنِي: أَبَا عبد الله - ذهب الْجُمْهُور إِلَى أَنه إِذا انْعَقَد الْإِجْمَاع فِي مَسْأَلَة على حكم لَا يجوز أَن ينْعَقد بعده إِجْمَاع يضاده لاستلزامه تعَارض دَلِيلين قطعيين.
وَجوزهُ أَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ وَقَالَ: لَا امْتنَاع من تَخْصِيص بَقَاء كَون الْإِجْمَاع حجَّة قَطْعِيَّة بِمَا إِذا لم يطْرَأ عَلَيْهِ إِجْمَاع آخر، لَكِن لما أَجمعُوا على وجوب الْعَمَل بالمجمع عَلَيْهِ فِي جَمِيع الْأَعْصَار أمنا من وُقُوع هَذَا الْجَائِز، فاستفيد عدم الْجَوَاز من الْإِجْمَاع الثَّانِي دون الْإِجْمَاع الأول.
قَالَ الْقَرَافِيّ: لما قَالَ الْأَولونَ ككون أَحدهمَا خطأ لَا مُخَالفَة - وإجماعهم على الْخَطَأ غير جَائِز - لُزُوم كَون أَحدهمَا خطأ لَا يلْزم لاحْتِمَال أَن ينزل الله تَعَالَى نصوصاً بِتَقْدِيم الإجماعات بَعْضهَا على بعض بالمناسبة للقواعد، وَيكون ذَلِك مدْركا للترجيح فِي الْعَصْر الأول وَالثَّانِي.
قيل: هَذَا التجويز لم يَقع. انْتهى.
تَنْبِيه: نقل ابْن قَاضِي الْجَبَل أَن ابْن الْخَطِيب وَافق أَبَا عبد الله الْبَصْرِيّ على الْجَوَاز فَقَالَ: هَل يجوز انْعِقَاد الْإِجْمَاع بعد الْإِجْمَاع على خِلَافه؟ جوزه أَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ، وَابْن الْخَطِيب خلافًا للأكثرين. انْتهى.
قلت: لم نجد من نقل ذَلِك عَن الرَّازِيّ إِلَّا ابْن قَاضِي الْجَبَل، وأرباب مذْهبه أعلم بمقالته؛ إِذْ لَو كَانَ قَالَه لنقلوه وَلما خَفِي عَنْهُم.