المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌قَوْله: {فصل}   {يشْتَرك الْكتاب، وَالسّنة، وَالْإِجْمَاع فِي السَّنَد - وَيُقَال: الْإِسْنَاد، - التحبير شرح التحرير - جـ ٤

[المرداوي]

فهرس الكتاب

- ‌بَاب الْإِجْمَاع

- ‌قَوْله: {بَاب الْإِجْمَاع}

- ‌فَقَوله: {اتِّفَاق} : احْتِرَاز من الِاخْتِلَاف، فَلَا يكون إِجْمَاعًا مَعَ الِاخْتِلَاف وَسَيَأْتِي الْخلاف فِيمَا إِذا خَالف وَاحِد، أَو اثْنَان، أَو أَكثر محرراً مفصلا.وَالْمرَاد بالِاتِّفَاقِ: اتِّحَاد الِاعْتِقَاد، فَيعم الْأَقْوَال، وَالْأَفْعَال وَالسُّكُوت والتقرير، وَسَيَأْتِي حكم

- ‌اخْتَارَهُ أَبُو الْخطاب من أَصْحَابنَا، وَقطع بِهِ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَاخْتَارَهُ الْغَزالِيّ فِي " المنخول " وَصرح بِهِ أَبُو الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ فِي " الْمُعْتَمد "، وَتَبعهُ فِي " الْمَحْصُول ".قَالَ بعض أَصْحَابنَا: هُوَ قَول الْجُمْهُور

- ‌ لأَنا أمرنَا باتبَاعهمْ كم أمرنَا باتباعه

- ‌ فَلَا يرد عَلَيْهِ أَنه لَا يُوجد اتِّفَاقهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَأَنه لَا يطرد بِتَقْدِير عدم مُجْتَهد فِي عصر، اتّفقت عوامه على أَمر ديني، لكنه لَا ينعكس بِتَقْدِير اتِّفَاق الْمُجْتَهدين على أَمر عَقْلِي، أَو عرفي، إِلَّا أَن يكون كَمَا قيل: لَيْسَ إِجْمَاعًا عِنْده. انْتهى.قَوْله:

- ‌ وَبِأَن الْعلمَاء كالأعلام لَا سِيمَا الصَّحَابَة، وبالقطع بِتَقْدِيم النَّص الْقَاطِع على الظَّن.ورده بعض أَصْحَابنَا والآمدي: بِاتِّفَاق أهل الْكتاب على بَاطِل، وَلم نَعْرِف مستندهم من قَول مُتبع يقلدونه.وَنقض بعض أَصْحَابنَا والآمدي وَغَيرهم بِالْإِجْمَاع على أَرْكَان الْإِسْلَام

- ‌ أَو بمتابعتهم فِي الْإِيمَان، أَو الِاجْتِهَاد لَا ضَرُورَة إِلَيْهِ، فَلَا يقبل.وَلَيْسَ تبين الْهدى شرطا للوعيد بالاتباع بل للمشاقة؛ لِأَن إِطْلَاقهَا لمن عرف الْهدى أَولا؛ وَلِأَن تَبْيِين الْأَحْكَام الفروعية لَيْسَ شرطا فِي المشاقة، فَإِن من تبين لَهُ صدق الرَّسُول وَتَركه فقد

- ‌ قصد تَعْظِيم أمته، وَبَيَان عصمتها من الْخَطَأ، كالقطع بجود حَاتِم الطَّائِي، فَهُوَ متواترة معنى

- ‌ لما بعث معَاذًا إِلَى الْيمن قَالَ: " كَيفَ تقضي إِذا عرض لَك قَضَاء؟ " قَالَ: أَقْْضِي بِكِتَاب الله تَعَالَى، قَالَ: " فَإِن لم تَجِد؟ " قَالَ: فبسنة رَسُول الله

- ‌ لما يُرْضِي رَسُول الله ".وَفِي إِسْنَاده مَجْهُول، وَلَيْسَ بِمُتَّصِل

- ‌ معَاذًا إِلَى الْيمن) ، وَفِيه بعد الْكتاب: (بِمَا يقْضِي بِهِ نبيه) ثمَّ قَالَ: (أَقْْضِي بِمَا قضى الصالحون) ، ثمَّ قَالَ: (أؤم الْحق جهدي) ، فَقَالَ: " الْحَمد لله الَّذِي جعل رَسُول رَسُول الله

- ‌قَالُوا: كغيرهم من الْأُمَم قبل النّسخ.ورده أَبُو الْخطاب وَغَيره من أَصْحَابنَا، وَغَيرهم: بِأَنَّهُ لَا دَلِيل عَلَيْهِ.وَقَالَ ابْن عقيل: يحْتَمل أَن نقُوله: وَالْفرق بتطرق النّسخ على الْأُمَم، وتجدد الْأَنْبِيَاء.وَتَأْتِي هَذِه الْمَسْأَلَة قَرِيبا.قَوْله: {بِالشَّرْعِ}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌مَحل الْخلاف فِي المبتدع إِذا كفرناه ببدعته

- ‌ قَوْله: {فصل}

- ‌ أمننا من ذَلِك بقوله: " لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي ظَاهِرين على الْحق ".الثَّانِي: أَن سَعَة الأقطار بِالْمُسْلِمين، وَكَثْرَة الْعدَد، وَلَا يُمكن أحدا ضبط أَقْوَالهم، وَمن ادّعى هَذَا لم يخف على أحد كذبه. انْتهى.وَمُقْتَضَاهُ أَن الظَّاهِرِيَّة لَا يمْنَعُونَ الِاحْتِجَاج بِإِجْمَاع من

- ‌قَوْله: {فصل:}

- ‌ إِذا لم يُغير عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ لعلمه، فَأَما مسَائِل الِاجْتِهَاد فَهُوَ وَغَيره سَوَاء

- ‌ كَمَا تقدم. انْتهى.احْتج لمَالِك بِحَدِيث: " إِنَّمَا الْمَدِينَة كالكير تَنْفِي خبثها وينصع طيبها "، مُتَّفق عَلَيْهِ عَن جَابر.وَخطأ علمائها خبث، وَهُوَ منفي عَنْهُم فَبَقيَ الْحق فَوَجَبَ اتِّبَاعه، فَيكون حجَّة.وَأما قَوْله: " ينصع طيبها " فبالصاد وَالْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين من بعدِي، تمسكوا بهَا، وعضوا عَلَيْهَا بالنواجذ ". رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ، وَالْحَاكِم فِي " الْمُسْتَدْرك " وَقَالَ: على شَرطهمَا.وَالْمرَاد بالخلفاء هم الْأَرْبَعَة لقَوْله

- ‌ اقتدوا بالذين من بعدِي أبي بكر وَعمر " رَوَاهُ أَحْمد، وَابْن مَاجَه، وَالتِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حَدِيث حسن. وَابْن حبَان فِي " صَحِيحه ".ورد ابْن مُفْلِح وَغَيره: بِأَن " الْخُلَفَاء " عَام فَأَيْنَ دَلِيل الْحصْر، ثمَّ يدل على أَنه حجَّة أَو يحمل على تقليدهم فِي فتيا أَو إِجْمَاع لم

- ‌ أدَار عَلَيْهِم الكساء وَقَالَ: " هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي، وخاصتي، اللَّهُمَّ أذهب عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا " كَمَا تقدم ذكره.وَرُبمَا قَالَت الشِّيعَة إِن أهل الْبَيْت: عَليّ رضي الله عنه وَحده، كَمَا نَقله عَنْهُم أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي " شرح اللمع

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ على فعل أحد بِلَا دَاع كَمَا تقدم.قَالَ الْبَاجِيّ: هُوَ قَول أَكثر المالكيين، وَالْقَاضِي أبي الطّيب

- ‌ شخصا على فعل كَمَا تقدم.قَوْله: {وَإِن لم ينتشر} فَتَارَة يكون من صَحَابِيّ أَو من تَابِعِيّ، وَتارَة يكون من غَيرهمَا، فَإِن كَانَ أَحدهمَا {فَيَأْتِي ذَلِك فِي مَذْهَب الصَّحَابِيّ} مفصلا

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ وَأبي بكر، وَشطر من ولَايَة عمر) ؟ ! وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس.وَعَن الثَّانِي: أَنه خَالف السكوتي، ثمَّ هُوَ فعل.وَعَن الثَّالِث: بِأَنَّهُ خَالف فِي زَمَنه.وَاسْتدلَّ أَيْضا: بِأَنَّهُ اجْتِهَاد فساغ الرُّجُوع، وَإِلَّا منع الِاجْتِهَاد الِاجْتِهَاد. أُجِيب: لَا يجوز؛ إِذْ صَار

- ‌ أَو يَفْعَله حجَّة فِي حَيَاته، وَإِن احْتمل أَن يتبدل بنسخ عملا بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَإِذا رَجَعَ [بَعضهم] تبين أَنهم كَانُوا على خطأ لَا يقرونَ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ وَهُوَ بَاطِل؛ وَلِأَنَّهُ محَال عَادَة فكالواحد من الْأمة وَلَا عِبْرَة بمخالفة صَاحب النظام فِيهِ

- ‌ حجَّة فِي نَفسه وَهُوَ عَن دَلِيل هُوَ الْوَحْي، ثمَّ فَائِدَته سُقُوط الْبَحْث عَنَّا عَن دَلِيله وَحُرْمَة الْخلاف الْجَائِز قبله، وَبِأَنَّهُ يُوجب عدم انْعِقَاده عَن دَلِيل وَظهر للآمدي ضعف الْأَدِلَّة من الْجَانِبَيْنِ فَقَالَ: يجب أَن يُقَال: إِن أَجمعُوا عَن غير دَلِيل لم يكن إِلَّا حَقًا، فَجعل الْخلاف فِي

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ فِي أَي: مَكَان: ثمَّ أَجمعُوا على دَفنه فِي بَيت عَائِشَة؛ إِذْ الْخلاف لم يكن اسْتَقر.وَنقل الْهِنْدِيّ عَن الصَّيْرَفِي أَنه لَا يجوز.قَالَ الْبرمَاوِيّ: لَكِن الَّذِي فِي كتاب الصَّيْرَفِي ظَاهره يشْعر بموافقة الْجَمَاعَة؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي " اللمع ": إِن الْمَسْأَلَة

- ‌ ثمَّ اتِّفَاقهم سَرِيعا فيهمَا؛ لِأَن التَّمْثِيل بهما فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِد.وَقَالَ قوم: هُوَ إِجْمَاع لَا حجَّة.قَالَ الْبرمَاوِيّ: فَإِن كَانَ ذَلِك قبل اسْتِقْرَار الْخلاف فإجماع، وَكَذَا حجَّة خلافًا لقوم يَقُولُونَ: إِنَّه إِجْمَاع لَا حجَّة؛ وَلِهَذَا جمع ابْن الْحَاجِب بَينهمَا، وَهل ذَلِك

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ أمتِي لَا تَجْتَمِع على ضَلَالَة " وانعقد الْإِجْمَاع.وَخَالف ابْن عقيل وَغَيره، وَقَالُوا: الرِّدَّة تخرجهم عَن أمته؛ لأَنهم إِذا ارْتَدُّوا، لم يَكُونُوا مُؤمنين فَلم يتناولهم الْأَدِلَّة.وَأجِيب: بِأَنَّهُ يصدق بعد ارتدادهم أَن أمة مُحَمَّد ارْتَدَّت، وَهُوَ أعظم الْخَطَأ فَيمْتَنع

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ مُبينًا لمجمل، وَيحْتَاج إِلَى تحديده، فيصار إِلَى أقل مَا يُوجد، وَهَذِه كَمَا قَالَ الشَّافِعِي فِي أقل الْجِزْيَة: إِنَّه دِينَار؛ لِأَن الدَّلِيل قَامَ على أَنه لابد من تَوْقِيت، فَصَارَ إِلَى أقل مَا حُكيَ عَن النَّبِي

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌وَمعنى كَونه مَعْلُوما بِالضَّرُورَةِ أَن يَسْتَوِي خَاصَّة أهل الدّين، وعامتهم فِي مَعْرفَته حَتَّى يصير كالمعلوم بِالْعلمِ الضَّرُورِيّ فِي عدم تطرق

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ وَهُوَ لَيْسَ دَلِيلا لَا يُخَالف فِيهِ، يدل عَلَيْهِ قصَّة التلقيح حَيْثُ قَالَ: " أَنْتُم أعلم بِأُمُور دنياكم " وَالْمجْمَع عَلَيْهِ لَا يجوز خِلَافه، وَمَا ذَكرُوهُ من أُمُور الْحَرْب وَنَحْوهَا، إِن أَثم مُخَالف ذَلِك فلكونه شَرْعِيًّا وَإِلَّا فَلَا معنى لوُجُوب اتِّبَاعه. انْتهى

- ‌ والمنازع قَالَ: الْإِجْمَاع دَلِيل قَطْعِيّ، وَخبر الْوَاحِد دَلِيل ظَنِّي، فَلَا يثبت قَطْعِيا. انْتهى.وَقَالَ أَبُو الْخطاب، وَالْغَزالِيّ، وَبَعض الْحَنَفِيَّة، وَغَيرهم: لَا يثبت بِخَبَر الْوَاحِد؛ وَذَلِكَ لِأَن الْإِجْمَاع أصل فَلَا يثبت بِالظَّاهِرِ.ورد ذَلِك بِالْمَنْعِ.قَالُوا: الْإِجْمَاع

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ فِيهَا الْأَمر، وَالنَّهْي، والاستفهام، وأنواع التَّنْبِيه وَغير ذَلِك فَكيف تسمى كلهَا أَخْبَارًا؟فَيُقَال: أَخْبَار النَّبِي

- ‌ عَن حكم الله تَعَالَى فَأمره وَنَهْيه وشبههما هُوَ فِي الْحَقِيقَة خبر عَن حكم الله تَعَالَى.الثَّانِي: أَنَّهَا سميت أَخْبَارًا لنقل المتوسطين فهم يخبرون بِهِ عَمَّن أخْبرهُم إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى من أمره النَّبِي

- ‌ أَمر، وَنهى.الرَّابِعَة: ذكر الْقَرَافِيّ فروقاً بَين الْخَبَر والإنشاء:أَحدهَا: قبُول الْخَبَر الصدْق وَالْكذب بِخِلَاف الْإِنْشَاء.الثَّانِي: أَن الْخَبَر تَابع للمخبر [عَنهُ] فِي أَي زمَان كَانَ، مَاضِيا كَانَ أَو حَالا أَو مُسْتَقْبلا، والإنشاء متبوع لمتعلقه فيترتب عَلَيْهِ

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ فِي قَوْله: مُحَمَّد رَسُول الله، مَعَ عدم اعْتِقَاده، وَكذبه فِي نفي الرسَالَة مَعَ اعْتِقَاده، وَكثر فِي السّنة تَكْذِيب من أخبر يعْتَقد الْمُطَابقَة فَلم يكن، كَقَوْلِه

- ‌ وَخبر كل الْأمة؛ لِأَن الْإِجْمَاع حجَّة.فَكل وَاحِد من هَذِه الثَّلَاثَة علم بِالنّظرِ وَالِاسْتِدْلَال.وَاعْترض على الْإِجْمَاع: بِأَنَّهُ [إِن] أُرِيد أَنه حجَّة قَطْعِيَّة، كَمَا صرح بِهِ الْآمِدِيّ هُنَا فَهُوَ مُخَالف لقَوْله، وَقَول الْفَخر الرَّازِيّ أَنه ظَنِّي - كَمَا تقدم -؛ وَإِن أَرَادَ أَنه حجَّة

- ‌ الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم " فَإِن المُرَاد الَّذِي جمع كرم نَفسه وآبائه، وَكَذَلِكَ الصِّفَات الْوَاقِعَة فِي الْحُدُود كالإنسان حَيَوَان نَاطِق، فَإِن الْمَقْصُود الصّفة والموصوف مَعًا، وَلَو قصد إِخْبَار الْمَوْصُوف فَقَط لعسر. انْتهى

- ‌ كذب سعد ".وَفِي " صَحِيح مُسلم " قَول عبد حَاطِب لما جَاءَ يشكو على حَاطِب: (ليدخلن النَّار) ، فَقَالَ

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ أورد الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب " الْبَعْث

- ‌ لَيْسَ الْمخبر كالمعاين؟ " وكما يفرق بَين علم الْيَقِين وَعين الْيَقِين، ثمَّ هُنَا أَمر آخر وَهُوَ أَن من فسر الرُّؤْيَة فِي الْآخِرَة بِزِيَادَة الْعلم، وَكَذَلِكَ الْكَلَام، كَيفَ يُمكنهُ نفي التَّفَاوُت؟ انْتهى.قَالَ ذَلِك لما أورد شُبْهَة السمنية والبراهمة، واحتجاجهم بِوَجْهَيْنِ

- ‌ من كذب عَليّ مُتَعَمدا " الحَدِيث كَمَا تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ، وعَلى طرقه وعدتهم.والمعنوي: تغاير الْأَلْفَاظ مَعَ الِاشْتِرَاك فِي معنى كلي، كَحَدِيث الْحَوْض - أَعنِي حَوْض النَّبِي

- ‌وَمن الْمُخْتَلف فِيهِ: مَا زَاده الْمُوفق، والآمدي، وَابْن حمدَان: أَن يكون المخبرون عَالمين بِمَا أخبروا بِهِ، وَهُوَ ضَعِيف غير مُحْتَاج إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إِن أُرِيد علم جَمِيعهم فَبَاطِل؛ لِأَنَّهُ قد لَا يكون جَمِيعهم عَالمين، بل يكون بَعضهم ظَانّا وَمَعَ هَذَا يحصل الْعلم.وَإِن

- ‌ مَعَهم فِي الْقِسْمَة ثَمَانِيَة أسْهم لجَماعَة لم يحضروا فنزلوا منزلَة الْحَاضِرين.وَقيل: خَمْسمِائَة، حَكَاهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي " المسودة " عَن قوم وَلم نره لغيره

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ قَالَه

- ‌ وَلَا يُنكره - على مَا يَأْتِي، أَو بِحَضْرَة جمع يَسْتَحِيل تواطؤهم على الْكَذِب، وَنَحْوه.قَالَ الشَّيْخ موفق الدّين: الْقَرَائِن قد تفِيد الْعلم بِلَا إِخْبَار.قَوْله: {وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ} من أَصْحَابنَا وَغَيرهم: {لَو نَقله آحَاد الْأَئِمَّة الْمُتَّفق على عدالتهم، وَدينهمْ من طرق

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ وَلم يُنكر، دلّ على صدقه ظنا، فِي ظَاهر كَلَام أَصْحَابنَا، وَغَيرهم} ، قَالَه ابْن مُفْلِح، {وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيّ وَغَيره لتطرق الِاحْتِمَال} .لاحْتِمَال أَنه مَا سَمعه، أَو مَا فهمه، أَو أَخّرهُ لأمر يُعلمهُ، أَو بَينه قبل ذَلِك الْوَقْت وَنَحْوه.{وَقيل:} يدل على صدقه

- ‌ لم يبْعَث لبَيَان الدنيويات، قَالَه فِي " الْمَحْصُول

- ‌ بِالْقبُولِ كإخباره عَن تَمِيم الدَّارِيّ} فِي قصَّة الْجَسَّاسَة - وَهُوَ فِي " صَحِيح

- ‌ عَن الدَّجَّال فَقبله.{وَمِنْه: إِخْبَار شَخْصَيْنِ عَن قَضِيَّة يتَعَذَّر عَادَة تواطؤهما عَلَيْهَا، أَو على كذب وَخطأ} ، قَالَه ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله " مُقْتَصرا عَلَيْهِ من غير خلاف، وَالظَّاهِر أَنه من تَتِمَّة كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين؛ فَإِنَّهُ عقبه لكَلَامه وَلم نر هَذِه الْمَسْأَلَة فِي غير هَذَا

- ‌ بِالْجنَّةِ وَقد أخبر الله تَعَالَى فِي كِتَابه عَنْهُم بِأَنَّهُ رَضِي عَنْهُم، يعلمُونَ أَن الْإِمَامَة يَسْتَحِقهَا عَليّ رضي الله عنه ويكتمون ذَلِك فِيمَا بَينهم، وَيُوَلُّونَ غَيره، هَذَا من أمحل الْمحَال الَّذِي لَا يرتاب فِيهِ مُسلم، وَلَكِن هَذَا من بهت الرافضة عَلَيْهِم من الله مَا يسْتَحقُّونَ وَأَن

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ مَبْعُوث إِلَى الكافة، ومشافهتهم، وإبلاغهم بالتواتر مُتَعَذر فتعينت الْآحَاد

- ‌ ادرأوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ " وَفِي خبر الْوَاحِد شُبْهَة.وَعبارَة أبي الْحُسَيْن فِي هَذَا القَوْل الْمَنْع فِيمَا يَنْتَفِي بِالشُّبْهَةِ، وَذَلِكَ أَعم من أَن يكون حدوداً، أَو غَيرهَا.قَالَ: أَيْضا فَإِن الْكَرْخِي يقبله فِي إِسْقَاط الْحُدُود، وَلَا يقبله فِي إِثْبَاتهَا.وَأَجَابُوا عَن

- ‌ شَيْئا فارجعي حَتَّى أسأَل النَّاس، فَسَأَلَ النَّاس، فَقَالَ الْمُغيرَة: حضرت رَسُول الله

- ‌ بغرة عبد أَو أمة، فَقَالَ: لتأتين بِمن يشْهد مَعَك، فَشهد لَهُ مُحَمَّد بن مسلمة. مُتَّفق عَلَيْهِ. وَلأبي دَاوُد من حَدِيث طَاوُوس عَن عمر رضي الله عنه: (لَو لم نسْمع هَذَا لقضينا بِغَيْرِهِ) .وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، وَسَعِيد من حَدِيث طَاوُوس أَنه سَأَلَ عَن ذَلِك فَقَالَ: حمل ابْن

- ‌ كتب إِلَيْهِ أَن يُورث امْرَأَة أَشْيَم من دِيَة زَوجهَا، رَوَاهُ مَالك، وَأحمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَصَححهُ.وروى هَؤُلَاءِ أَن عُثْمَان أَخذ بِخَبَر فريعة بنت مَالك أُخْت أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن عدَّة الْوَفَاة فِي منزل الزَّوْج

- ‌ مسح على الْخُفَّيْنِ، فَسَأَلَ ابْن عمر أَبَاهُ عَنهُ، فَقَالَ: نعم، إِذا حَدثَك سعد عَن النَّبِي

- ‌ عَنْهَا، فتركتها.وَللشَّافِعِيّ، وَمُسلم عَن ابْن عمر: كُنَّا نخابر، فَلَا نرى بذلك بَأْسا، فَزعم رَافع أَن نَبِي الله

- ‌ بذلك؟ فَأَخْبَرته فَرجع زيد وَهُوَ يضْحك فَقَالَ لِابْنِ عَبَّاس: مَا أَرَاك إِلَّا صدقت. رَوَاهُ مُسلم.وَغير ذَلِك مِمَّا يطول.لَا يُقَال: أَخْبَار آحَاد فَيلْزم الدّور؛ لِأَنَّهَا متواترة كَمَا سبق فِي أَخْبَار الْإِجْمَاع، وَلَا يُقَال: يحْتَمل أَن عَمَلهم بغَيْرهَا؛ لِأَنَّهُ محَال عَادَة، وَلم

- ‌ بعث للْمصَالح، وَدفع المضار فَالْخَبَر تَفْصِيل لَهَا.رد: الْعقل لَا يحسن، ثمَّ لم يجب فِي الْعقلِيّ، بل هُوَ أولى، وَإِن

- ‌ فكاجتهاده، واختياره لَا يجوز، وَأَن بَقِيَّة أَصْحَابنَا القَاضِي، وَابْن عقيل: يجوز إِن أمكنه سُؤَاله أَو الرُّجُوع إِلَى التَّوَاتُر محتجين بِهِ فِي الْمَسْأَلَة.وَذكر القَاضِي، وَأَبُو الْخطاب الْمَسْأَلَة فِيمَا بعد، وجزما بِالْجَوَازِ خلافًا لبَعْضهِم اكْتِفَاء بقول السعاة وَغَيرهم

- ‌ لمن يُمكنهُ سُؤَاله مثل الحكم بِاجْتِهَادِهِ واختياره، أَنه لَا يجوز. وَالَّذِي ذكره بَقِيَّة أَصْحَابنَا القَاضِي وَابْن عقيل جَوَاز الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد لمن يُمكنهُ سُؤَاله أَو أمكنه الرُّجُوع إِلَى التَّوَاتُر محتجين بِهِ فِي الْمَسْأَلَة بِمُقْتَضى أَنه إِجْمَاع.وَهَذَا مثل قَول بعض أَصْحَابنَا: إِنَّه

- ‌قَوْله " {فصل}

- ‌ ولشرعه.وَمِنْهَا: الْبلُوغ عِنْد الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم من الْعلمَاء لاحْتِمَال كذب من لم يبلغ كالفاسق، بل أولى؛ لِأَنَّهُ غير مُكَلّف فَلَا يخَاف الْعقَاب

- ‌{وكالغيبة والنميمة على الْأَصَح} .اخْتلف فِي الْغَيْبَة والنميمة هَل هما من الصَّغَائِر، أَو من الْكَبَائِر

- ‌ فِي تَكْفِير الصَّلَوَات الْخمس وَالْجُمُعَة مَا بَينهمَا إِذا اجْتنبت الْكَبَائِر؛ إِذْ لَو كَانَ الْكل كَبَائِر لم يبْق بعد ذَلِك مَا يكفر بِمَا ذكر، وَفِي الحَدِيث الْكَبَائِر سبع وَفِي رِوَايَة تسع وعدوها، فَلَو كَانَت الذُّنُوب كلهَا كَبَائِر لما سَاغَ ذَلِك

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ قَالَ: " نضر الله امْرَءًا سمع منا حَدِيثا فحفظه حَتَّى يبلغهُ غَيره فَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ وَرب حَامِل فقه وَلَيْسَ بفقيه ". إِسْنَاده جيد، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَالتِّرْمِذِيّ، وَحسنه، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي وَأحمد بِإِسْنَاد جيد.وَقَوله

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ يحمل هَذَا الْعلم من كل خلف عدوله ينفون عَنهُ تَحْرِيف الْجَاهِلين وَإِبْطَال المبطلين وَتَأْويل الغالين " رَوَاهُ الْخلال، وَابْن عدي، وَالْبَيْهَقِيّ، وَله طرق.قَالَ مهنا لِأَحْمَد: كَأَنَّهُ مَوْضُوع، قَالَ: لَا، هُوَ صَحِيح. قلت: سمعته أَنْت؟ قَالَ: من غير وَاحِد.وَلقَائِل

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ أَنه بَال

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ فِي الْحَلَال وَالْحرَام شددنا فِي الْأَسَانِيد، وَإِذا روينَا عَن النَّبِي

- ‌ بِخِلَاف شَهَادَة الزُّور فاحتيج إِلَى الِاسْتِظْهَار فِي الشَّهَادَات، وَأَيْضًا فقد ينْفَرد الحَدِيث النَّبَوِيّ بِشَاهِد وَاحِد فِي المحاكمات؛ وَلِهَذَا يظْهر فِيمَا سبق فِي تَزْكِيَة الْوَاحِد فِي الرِّوَايَة أَنه لكَونه أحوط

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ يَقُول: " من مس ذكره أَو أثنييه أَو رفغيه فَليَتَوَضَّأ " قَالَ: فَذكر الْأُنْثَيَيْنِ والرفغ مدرج، إِنَّمَا هُوَ من قَول

- ‌ من غير تَبْيِين، بل دلّس ذَلِك كَانَ فعله حَرَامًا، وَهُوَ مَجْرُوح عِنْد الْعلمَاء غير مَقْبُول الحَدِيث، وَالله أعلم.قَوْله: {وَغَيره مَكْرُوه مُطلقًا} .هَذَا الْقسم الثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي لَا يضر، وَله صور:إِحْدَاهَا: أَن يُسمى شَيْخه فِي رِوَايَته باسم لَهُ غير مَشْهُور من كنية

- ‌ أَو رَوَاهُ الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه وَدَاوُد عَن الشّعبِيّ عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله عَن النَّبِي

- ‌قَوْله: {وَيَكْفِي إِمْكَان اللقي عِنْد مُسلم، وَحَكَاهُ عَن أهل الْعلم بالأخبار} .قَالَ ابْن مُفْلِح: وَهُوَ معنى مَا ذكره أَصْحَابنَا فِيمَا يرد بِهِ الْخَبَر وَمَا لم يرد.قَالَ ابْن رَجَب فِي آخر " شرح التِّرْمِذِيّ ": وَهُوَ قَول كثير من الْعلمَاء الْمُتَأَخِّرين، وَهُوَ ظَاهر كَلَام

- ‌ وَلم يَصح لَهُم سَماع مِنْهُ فرواياتهم عَنهُ مرسله، كطارق ابْن شهَاب وَغَيرهم، وَكَذَلِكَ من علم مِنْهُ أَنه مَعَ اللِّقَاء لم يسمع مِمَّن لقِيه إِلَّا شَيْئا يَسِيرا فروايته عَنهُ زِيَادَة على ذَلِك مُرْسلَة، كروايات ابْن الْمسيب عَن عمر فَإِن الْأَكْثَرين نفوا سَمَاعه مِنْهُ وَأثبت أَحْمد أَنه رَآهُ

- ‌ فَدلَّ كَلَام الإِمَام أَحْمد، وَأبي زرْعَة، وَأبي حَاتِم على أَن الِاتِّصَال لَا يثبت إِلَّا بِثُبُوت التَّصْرِيح بِالسَّمَاعِ

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ لَو أنْفق أحدكُم مثل أحد مَا بلغ مد أحدهم، وَلَا نصيفه

- ‌ خير الْقُرُون قَرْني " مُتَّفق عَلَيْهِمَا.وَقَالَ

- ‌فَإِن قيل: هَذِه الْأَدِلَّة دلّت على فَضلهمْ فَأَيْنَ التَّصْرِيح بِعَدَالَتِهِمْ؟قلت: من أثنى الله عَلَيْهِ بِهَذَا الثَّنَاء، لَا يكون عدلا؟} فَإِذا كَانَ التَّعْدِيل يثبت بقول اثْنَيْنِ من النَّاس فَكيف لَا تثبت الْعَدَالَة بِهَذَا الثَّنَاء الْعَظِيم من الله وَرَسُوله

- ‌ قَالَ كَذَا كَانَ ذَلِك كتعيينه باسمه لِاسْتِوَاء الْكل فِي الْعَدَالَة.وَقَالَ أَبُو زيد الدبوسي: بِشَرْط أَن يعْمل بروايته السّلف، أَو يسكتوا عَن الرَّد مَعَ الانتشار، أَو تكون مُوَافقَة للْقِيَاس، وَإِلَّا فَلَا يحْتَج بهَا.وَهَذَا ضَعِيف

- ‌ أَو رَآهُ يقظة حَيا، عِنْد الإِمَام أَحْمد، وَالْبُخَارِيّ} وَغَيرهمَا.لما تقرر أَن الصَّحَابَة رضي الله عنهم عدُول فلابد من بَيَان الصَّحَابِيّ من هُوَ، وَمَا الطَّرِيق فِي معرفَة كَونه صحابياً؟وَقد اخْتلف فِي تَفْسِير الصَّحَابِيّ على أَقْوَال منتشرة، الْمُخْتَار مِنْهَا مَا ذهب

- ‌ حَتَّى يدْخل الْأَعْمَى.وَقَوْلنَا: {يقظة} احْتِرَاز مِمَّن رَآهُ مناماً؛ فَإِنَّهُ لَا يُسمى صحابياً إِجْمَاعًا، وَهُوَ ظَاهر.وَقَوْلنَا: {حَيا} ، احْتِرَاز مِمَّن رَآهُ بعد مَوته: كَأبي ذُؤَيْب الشَّاعِر خويلد بن خَالِد الْهُذلِيّ؛ لِأَنَّهُ لما أسلم وَأخْبر بِمَرَض النَّبِي

- ‌ إِنَّه يبْعَث أمه وَحده " كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ.وَيخرج أَيْضا من رَآهُ وَهُوَ كَافِر ثمَّ أسلم بعد مَوته.وَقَوْلنَا: {وَلَو ارْتَدَّ ثمَّ أسلم وَلم يره وَمَات مُسلما} ، لَهُ مَفْهُوم ومنطوق، فمفهومه أَنه إِذا ارْتَدَّ فِي زمن النَّبِي

- ‌ قبل أَن يبْعَث فوعدته أَن آتيه بهَا فِي مَكَانَهُ، ونسيت، ثمَّ ذكرت بعد ثَلَاث فَجئْت فَإِذا هُوَ فِي مَكَانَهُ فَقَالَ: يَا فَتى لقد شققت عَليّ أَنا فِي انتظارك مُنْذُ ثَلَاث.ثمَّ لم ينْقل أَنه اجْتمع بِهِ بعد المبعث.وَدخل فِي قَوْلنَا: من لَقِي، من جِيءَ بِهِ إِلَى النَّبِي

- ‌ وآمنوا بِهِ، وَأَسْلمُوا وذهبوا إِلَى قَومهمْ منذرين.فَائِدَة: قَالَ بعض الْعلمَاء: خرج من الصَّحَابَة من رَآهُمْ النَّبِي

- ‌وَاشْترط ابْن حبَان فِي التَّابِعِيّ كَونه فِي سنّ يحفظ عَنهُ بِخِلَاف الصَّحَابِيّ فَإِن الصَّحَابَة قد اختصوا بِشَيْء لم يُوجد فِي غَيرهم

- ‌ أَو دَخَلنَا عَلَيْهِ، وَنَحْوه، لَكِن بِشَرْط أَن يعرف إِسْلَامه فِي تِلْكَ الْحَال واستمراره عَلَيْهِ.وَأما الْخفية فَكَمَا لَو ادّعى الْعدْل المعاصر للنَّبِي

- ‌ أحد، أَو حَال رُؤْيَته إِيَّاه، وَبَين مدعي طول الصُّحْبَة، وَكَثْرَة التَّرَدُّد فِي السّفر والحضر فَلَا يقبل ذَلِك مِنْهُ؛ لِأَن مثل ذَلِك يشْتَهر وينقل. انْتهى.وَهُوَ قَول حسن.قَوْله: {الثَّانِيَة: لَو قَالَ تَابِعِيّ عدل: فلَان صَحَابِيّ، لم يقبل فِي الْأَصَح} ، وَهُوَ ظَاهر كَلَامهم

الفصل: ‌ ‌قَوْله: {فصل}   {يشْتَرك الْكتاب، وَالسّنة، وَالْإِجْمَاع فِي السَّنَد - وَيُقَال: الْإِسْنَاد،

‌قَوْله: {فصل}

{يشْتَرك الْكتاب، وَالسّنة، وَالْإِجْمَاع فِي السَّنَد - وَيُقَال: الْإِسْنَاد، والمتن} - لما فَرغْنَا من الأبحاث الْمَخْصُوصَة بِكُل وَاحِد من الْأَدِلَّة الثَّلَاثَة، وَهِي: الْكتاب، وَالسّنة، وَالْإِجْمَاع، شرعنا فِي الأبحاث الْمُشْتَركَة بَين الثَّلَاثَة؛ فَلذَلِك قُلْنَا: ويشترك الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع فِي السَّنَد، وَالْمرَاد هُنَا مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الِاسْتِدْلَال بالأدلة، وَهِي: الْكتاب، وَالسّنة، وَالْإِجْمَاع، وَالْقِيَاس، وَالَّذِي تثبت [بِهِ] الثَّلَاثَة الأول السَّنَد.

وَاعْلَم أَن الْكَلَام فِي الشَّيْء إِنَّمَا يكون بعد ثُبُوته، ثمَّ يتلوه مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ من حَيْثُ دلَالَة الْأَلْفَاظ؛ لِأَنَّهُ بعد الصِّحَّة يتَوَجَّه النّظر إِلَى مَا

ص: 1693

دلّ عَلَيْهِ ذَلِك الثَّابِت، ثمَّ يتلوه مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ من حَيْثُ اسْتِمْرَار الحكم وبقاؤه، فَلم ينْسَخ، ثمَّ يتلوه مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الدَّلِيل الرَّابِع وَهُوَ الْقيَاس من بَيَان أَرْكَانه، وشروطه، وَأَحْكَامه؛ لِأَنَّهُ فرع على الثَّلَاثَة الأول.

قَالَ الْعَضُد: وَلَا شكّ أَن الطَّرِيق إِلَى الشَّيْء مقدم عَلَيْهِ وضعا، وَقَوْلنَا: يشْتَرك كَذَا فِي السَّنَد إِشَارَة إِلَى أَن المُرَاد بالثبوت صِحَة وصولها إِلَيْنَا لَا ثُبُوتهَا فِي نَفسهَا وَكَونهَا حَقًا.

إِذا علم ذَلِك فَالسَّنَد - وَيُقَال لَهُ أَيْضا: الْإِسْنَاد - هُوَ: الْإِخْبَار عَن طَرِيق الْمَتْن قولا أَو فعلا تواتراً أَو آحاداً، وَلَو كَانَ الْإِخْبَار بِوَاسِطَة مخبر آخر فَأكْثر عَمَّن ينْسب الْمَتْن إِلَيْهِ والمتن: هُوَ الْمخبر بِهِ.

وأصل السَّنَد فِي اللُّغَة: مَا يسند إِلَيْهِ، أَو مَا ارْتَفع من الأَرْض، وَأخذ الْمَعْنى الاصطلاحي من الثَّانِي أَكثر مُنَاسبَة؛ فَلذَلِك قَالَ ابْن طريف: أسندت الحَدِيث رفعته إِلَى الْمُحدث، فَيحْتَمل أَنه اسْم مصدر من

ص: 1694

اسند يسند، أطلق على الْمسند إِلَيْهِ، وَأَن يكون مَوْضُوعا لما يسند إِلَيْهِ.

والمسند - بِكَسْر النُّون -: من يروي الحَدِيث بِإِسْنَادِهِ، سَوَاء كَانَ عِنْده علم بِهِ، أَو لَيْسَ لَهُ إِلَّا مُجَرّد رِوَايَة.

وَأما مَادَّة الْمَتْن فَإِنَّهَا فِي الأَصْل رَاجِعَة إِلَى معنى الصلابة، وَيُقَال: لما صلب من الأَرْض متن، وَالْجمع متان، وَيُسمى أَسْفَل الظّهْر من الْإِنْسَان، والبهيمة متْنا وَالْجمع متون.

فالمتن هُنَا: مَا تضمنه الثَّلَاثَة من أَمر، وَنهي، وعام، وخاص، ومجمل، ومبين، ومنطوق، وَمَفْهُوم، وَنَحْوهَا.

قَوْله: {وَالْخَبَر يُطلق مجَازًا} ، من جِهَة اللُّغَة {على الدّلَالَة المعنوية،

ص: 1695

وَالْإِشَارَة الحالية} ، كَقَوْلِهِم: عَيْنَاك تُخبرنِي بِكَذَا، والغراب يخبر بِكَذَا.

وَقَالَ أَبُو الطّيب:

(وَكم لظلام اللَّيْل عنْدك من يَد

تخبر أَن المانوية تكذب)

قَوْله: {وَحَقِيقَة} ، أَي: يُطلق حَقِيقَة على الصِّيغَة.

قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: وَيُطلق حَقِيقَة على قَول مَخْصُوص؛ وَذَلِكَ لتبادر الْفَهم عِنْد الْإِطْلَاق إِلَى ذَلِك.

قَوْله: {وَهِي تدل بمجردها عَلَيْهِ} أَعنِي الصِّيغَة، تدل على كَونه خَبرا عِنْد القَاضِي أبي يعلى وَغَيره.

ص: 1696

وناقش ابْن عقيل القَاضِي فِي ذَلِك كَمَا يَأْتِي فِي الْأَمر والعموم، وَقَالَ: الصِّيغَة هِيَ الْخَبَر فَلَا يُقَال لَهُ صِيغَة، وَلَا هِيَ دَالَّة عَلَيْهِ.

وَاخْتَارَ كثير من أَصْحَابنَا مَا قَالَه القَاضِي وَقَالُوا: لِأَن الْخَبَر هُوَ اللَّفْظ وَالْمعْنَى، لَا اللَّفْظ فَقَط، فتقديره لهَذَا الْمركب جُزْء يدل بِنَفسِهِ على الْمركب، وَإِذا قيل: الْخَبَر الصِّيغَة فَقَط بَقِي الدَّلِيل هُوَ الْمَدْلُول عَلَيْهِ. انْتهى.

وَاخْتَارَهُ أَيْضا ابْن قَاضِي الْجَبَل، وَقَالَ: لِأَن الْأَمر وَالنَّهْي والعموم هُوَ اللَّفْظ وَالْمعْنَى جَمِيعًا، لَيْسَ هُوَ اللَّفْظ فَقَط، فتقديره لهَذَا الْمركب خبر يدل بِنَفسِهِ على الْمركب كَمَا تقدم.

وَقَالَت: {الْمُعْتَزلَة: لَا صِيغَة لَهُ، وَيدل اللَّفْظ عَلَيْهِ بِقَرِينَة} هِيَ قصد الْمخبر إِلَى الْإِخْبَار، كالأمر عِنْدهم.

ص: 1697

وَقَالَت {الأشعرية: هُوَ الْمَعْنى النَّفْسِيّ} .

وَقَالَ {الْآمِدِيّ: يُطلق على الصِّيغَة وعَلى الْمَعْنى، وَالْأَشْبَه لُغَة حَقِيقَة فِي الصِّيغَة} لتبادرها عِنْد الْإِطْلَاق.

قَوْله: {وَيحد عِنْد أَصْحَابنَا وَالْأَكْثَر} ، اخْتلف الْعلمَاء رحمهم الله فِي الْخَبَر هَل يحد أم لَا؟ على قَوْلَيْنِ:

أَحدهمَا: أَنه يحد، وَهُوَ قَول أَصْحَابنَا وَالْأَكْثَر، وَلَهُم فِيهِ حُدُود كَثِيرَة، قل أَن يسلم مِنْهَا حد من خدش:

ص: 1698

أَحدهَا: مَا قَالَه أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد "، وَابْن عقيل، وَابْن الْبَنَّا، وَأكْثر الْمُعْتَزلَة كالجبائية، وَأبي عبد الله الْبَصْرِيّ، وَعبد الْجَبَّار، وَغَيرهم أَنه فِي اللُّغَة:{كَلَام يدْخلهُ الصدْق وَالْكذب} .

وَنقض بِمثل: مُحَمَّد ومسيلمة صادقان.

وَبقول من يكذب دَائِما: كل أخباري كذب. فخبره لَا يدْخلهُ صدق، وَإِلَّا كذبت أخباره وَهُوَ مِنْهَا.

وَلَا كذب، وَإِلَّا كذبت أخباره مَعَ هَذَا وَصدق فِي قَوْله: كل أخباري كذب فيتناقض، وَيلْزم الدّور لتوقف معرفتهما على معرفَة الْخَبَر؛ لِأَن الصدْق: الْخَبَر المطابق، وَالْكذب: ضِدّه.

ص: 1699

وبأنهما متقابلان فَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي خبر وَاحِد، فَيلْزم امْتنَاع الْخَبَر، أَو وجوده مَعَ عدم صدق الْحَد، وبخبر الْبَارِي.

وَأجِيب عَن الأول: بِأَنَّهُ فِي معنى خبرين؛ لإفادته حكما لشخصين، لَا يوصفان بهما، بل يُوصف بهما الْخَبَر الْوَاحِد من حَيْثُ هُوَ خبر.

ورد: لَا يمْنَع ذَلِك من وَصفه بهما بِدَلِيل الْكَذِب فِي قَول الْقَائِل: كل مَوْجُود حَادث، وَإِن أَفَادَ حكما لأشخاص.

وَأجِيب: بِأَنَّهُ كذب؛ لِأَنَّهُ أضَاف الْكَذِب إِلَيْهِمَا مَعًا وَهُوَ لأَحَدهمَا، وَسلمهُ بَعضهم، وَلَكِن لم يدْخلهُ الصدْق.

وَأجِيب: بِأَن معنى الْحَد بِأَن اللُّغَة لَا تمنع القَوْل الْمُتَكَلّم بِهِ صدقت أَو كذبت.

ورد: بِرُجُوعِهِ إِلَى التَّصْدِيق والتكذيب وَهُوَ غير الصدْق وَالْكذب فِي

ص: 1700

الْخَبَر، وَقَوله: كل أخباري كذب إِن طابق فَصدق وَإِلَّا فكذب، وَلَا يَخْلُو عَنْهُمَا.

وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: يتَنَاوَل قَوْله مَا سوى هَذَا الْخَبَر؛ إِذْ الْخَبَر لَا يكون بعض الْمخبر.

قَالَ: وَنَصّ أَحْمد على مثله، وَلَا جَوَاب على الدّور، وَقد قيل: لَا تتَوَقَّف معرفَة الصدْق وَالْكذب على الْخَبَر لعلمهما ضَرُورَة.

وَأجِيب عَن الْأَخير وَمَا قبله: بِأَن الْمَحْدُود جنس الْخَبَر وَهُوَ قَابل لَهما كالسواد وَالْبَيَاض فِي جنس اللَّوْن.

ورد: لابد من وجود الْحَد فِي كل خبر، وَإِلَّا لزم وجود الْخَبَر دون حَده.

ص: 1701

وَأجِيب: الْوَاو وَإِن كَانَت للْجمع لَكِن المُرَاد الترديد بَين الْقسمَيْنِ تجوزاً، لَكِن يصان الْحَد عَن مثله.

وَالْحَد الثَّانِي: قَالَه القَاضِي فِي " الْعدة "، وَغَيره: إِن الْخَبَر كلما دخله الصدْق أَو الْكَذِب.

وَالْحَد الثَّالِث: قَالَه الْمُوفق فِي " الرَّوْضَة " غَيره: مَا يدْخلهُ {التَّصْدِيق أَو التَّكْذِيب} .

فَيرد عَلَيْهِمَا الدّور الْمُتَقَدّم، وَمَا قبل الدّور أَيْضا، وبمنافاة " أَو " للتعريف؛ لِأَنَّهَا للترديد؛ فَلهَذَا أَتَى الطوفي فِي " مُخْتَصره " وَغَيره بِالْوَاو وَهُوَ الْحَد الرَّابِع.

وَأجِيب: المُرَاد قبُوله فِي أَحدهمَا وَلَا تردد فِيهِ.

ص: 1702

قَالَ الْغَزالِيّ وَغَيره: التَّعْبِير بالتصديق والتكذيب أحسن من الصدْق وَالْكذب؛ لِأَن من الْخَبَر مَا لَا يحْتَمل الْكَذِب، كَقَوْلِنَا: مُحَمَّد رَسُول الله، وَمِنْه مَا لَا يحْتَمل الصدْق، كَقَوْلِنَا: مُسَيْلمَة صَادِق، مَعَ أَن كلا من المثالين يحْتَمل التَّصْدِيق والتكذيب؛ وَلذَلِك كذب بعض الْكفَّار الأول، وَصدق الثَّانِي.

وَفِيه نظر؛ فَإِن الْخَبَر من حَيْثُ هُوَ مُحْتَمل الصدْق وَالْكذب، وَفِي سُقُوط أحد الِاحْتِمَالَيْنِ فِي بعض الصُّور لعَارض لَا يُخرجهُ على ماهيته لذَلِك، وَأَيْضًا لِأَن التَّصْدِيق والتكذيب كَون الْخَبَر صدقا أَو كذبا، فتعريفه بِهِ دور. قَالَه الرَّازِيّ.

الْحَد الْخَامِس: قَالَه أَبُو الْحُسَيْن المعتزلي: إِن الْخَبَر {كَلَام يُفِيد بِنَفسِهِ نِسْبَة} ، والكلمة عِنْده كَلَام؛ لِأَنَّهُ حَده بِمَا انتظم من حُرُوف مسموعة متميزة، فَقَالَ: بِنَفسِهِ؛ ليخرج نَحْو: قَائِم، فَإِنَّهُ يُفِيد نِسْبَة إِلَى الضَّمِير بِوَاسِطَة الْمَوْضُوع، وَيرد النّسَب التقييدية: كحيوان نَاطِق، وَمثل:

ص: 1703

مَا أحسن زيدا.

قَالَ ابْن الْحَاجِب: وَمثل: قُم، وَنَحْوه؛ فَإِنَّهُ يُفِيد بِنَفسِهِ نِسْبَة الْقيام إِلَى الْمَأْمُور، أَو الطّلب إِلَى الْآمِر مَعَ أَنه قَالَ: هُوَ أقربها.

وَقَالَ الْآمِدِيّ: أخرجه بِنَفسِهِ، فَإِن الْمَأْمُور بِهِ وَجب بواسطتها استدعاء الْأَمر بِنَفسِهِ من طلب الْفِعْل.

الْحَد السَّادِس: قَالَه ابْن الْحَاجِب فِي " مُخْتَصره "، وَجَمَاعَة: هُوَ الْكَلَام الْمَحْكُوم فِيهِ بِنِسْبَة خارجية. قَالَ: وَيَعْنِي الْخَارِج عَن كَلَام النَّفس، فنحو: طلبت الْقيام، حكم بِنِسْبَة لَهَا خارجي بِخِلَاف " قُم ".

قَالَ الْأَصْفَهَانِي: وَيَعْنِي بالْكلَام مَا تضمن كَلِمَتَيْنِ بِالْإِسْنَادِ، فَيخرج عَنهُ الْكَلِمَة، والمركب الإضافي والمركب التقييدي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَاحِد

ص: 1704

مِنْهَا بِكَلَام، وَالْمرَاد بِالنِّسْبَةِ الخارجية الْأَمر الْخَارِج عَن كَلَام النَّفس الَّذِي تعلق بِهِ كَلَام النَّفس بالمطابقة واللامطابقة، وَيُسمى ذَلِك الْأَمر النِّسْبَة الخارجية، فَيدْخل فِي هَذَا التَّعْرِيف مثل: طلبت الْقيام فَإِنَّهُ قد حكم بِنِسْبَة لَهَا خارجي، وَهُوَ نِسْبَة طلب الْقيام إِلَى الْمُتَكَلّم فِي الزَّمَان الْمَاضِي، وَهَذِه النِّسْبَة خارجية عَن الحكم النَّفْسِيّ تعلق بهَا الحكم النَّفْسِيّ بالمطابقة واللامطابقة بِخِلَاف قُم، فَإِنَّهُ مُتَعَلق بالحكم النَّفْسِيّ وَلَيْسَ لَهُ تعلق خارجي. انْتهى.

قَالَ الْبرمَاوِيّ: الْخَبَر مَا لَهُ من الْكَلَام خَارج، أَي: لنسبته وجود خارجي فِي زمن غير زمن الحكم بِالنِّسْبَةِ. انْتهى.

وَقَالَ ابْن حمدَان فِي " الْمقنع ": هُوَ قَول يدل على نِسْبَة مَعْلُوم إِلَى مَعْلُوم، أَو سلبها عَنهُ، وَيحسن السُّكُوت عَلَيْهِ.

القَوْل الثَّانِي: إِن الْخَبَر لَا يحد، كالوجود والعدم.

وَلَهُم فِي تَعْلِيل عدم حَده مأخذان:

أَحدهمَا: أَن كَونه لَا يحد لعسره كَمَا تقدم فِي الْعلم فليعاود، فَإِنَّهُ مثله فِي ذَلِك.

ص: 1705

المأخذ الثَّانِي: قَالَه الرَّازِيّ فِي " الْمَحْصُول "، والسكاكي: إِن تصَوره ضَرُورِيّ؛ لِأَن كل أحد يعلم بِالضَّرُورَةِ أَنه مَوْجُود.

أَي: يعلم معنى قَوْله: (أَنه مَوْجُود) من حَيْثُ وُقُوع النِّسْبَة فِيهِ على وَجه يحْتَمل الصدْق وَالْكذب، وَهُوَ خبر خَاص، فمطلق الْخَبَر الَّذِي هُوَ جُزْء هَذَا الْخَبَر الْخَاص أولى أَن يكون ضَرُورِيًّا؛ وَلِأَن كل أحد يجد تَفْرِقَة بَين الْخَبَر وَالْأَمر وَغَيرهمَا ضَرُورَة، والتفرقة بَين شَيْئَيْنِ مسبوقة بتصورهما.

لَا يُقَال: الِاسْتِدْلَال دَلِيل أَنه غير ضَرُورِيّ؛ لِأَنَّهُ لَا يسْتَدلّ على ضَرُورِيّ؛ وَلِأَن كَون الْعلم ضَرُورِيًّا أَو نظرياً قَابل للاستدلال بِخِلَاف الِاسْتِدْلَال على حُصُول الْخَبَر ضَرُورَة؛ فَإِنَّهُ منَاف لضَرُورَة الْخَبَر.

ورد الدَّلِيل الأول: بِأَن الْمُطلق لَو كَانَ جُزْءا لزم انحصار الْأَعَمّ فِي الْأَخَص وَهُوَ محَال.

ص: 1706

فَإِن قيل: مُشْتَركَة فِيهِ بَين جزئياته - أَي: أَنه مَوْجُود فِيمَا تَحْتَهُ - فَكَانَ جُزْءا من مَعْنَاهَا [رد] لَيْسَ معنى كَونه مُشْتَركَة فِيهِ هَذَا، بل بِمَعْنى أَن حد الطبيعة الَّتِي عرض لَهَا أَنَّهَا كُلية مُطلقَة مُطَابقَة لحد مَا تحتهَا من الطبائع الْخَاصَّة.

وَلِأَنَّهُ لَيْسَ كل عَام جُزْءا من معنى الْخَاص؛ لِأَن الْأَعْرَاض الْعَامَّة خَارِجَة عَن مَفْهُوم مَعْنَاهُ، كالأبيض وَالْأسود بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا تَحْتَهُ من معنى الْإِنْسَان أَو نَحوه.

ورد الدَّلِيل الأول أَيْضا: بِأَنَّهُ لَا يلْزم من حُصُول الْعلم بالْخبر تصَوره، أَو تقدم تصَوره؛ لِأَن الْعلم الضَّرُورِيّ بالثبوت لَا يسْتَلْزم الْعلم بالتصور؛ لتغاير التَّصَوُّر والثبوت، وَمَعَ عدم تلازم تصور الْخَاص وثبوته لم يلْزم تصور الْمُطلق مِنْهُ.

ص: 1707

ورد هَذَا: بِأَنَّهُ لم يدع أَن حُصُول الْخَبَر تصَوره، بل الْعلم بِحُصُول تصَوره وَلَا يُمكن مَنعه.

ورد الدَّلِيل الثَّانِي: بِأَنَّهُ لَا يلْزم سبق تصور أَحدهمَا بطرِيق الْحَقِيقَة، فَلم تعلم حقيقتهما، ثمَّ يلْزم أَن لَا يحد الْمُخَالف الْأَمر وَقد حَده؛ وَلِأَن حقائق أَنْوَاع اللَّفْظ من خبر وَأمر وَغَيرهمَا مَبْنِيَّة على الْوَضع والاصطلاح؛ وَلِهَذَا لَو أطلقت الْعَرَب الْأَمر على الْمَفْهُوم من الْخَبَر الْآن أَو عَكسه لم يمْتَنع، فَلم تكن ضَرُورِيَّة.

قَالَ الْمحلي: كل من الْعلم وَالْخَبَر والوجود والعدم قيل: ضَرُورِيّ فَلَا حَاجَة إِلَى تَعْرِيفه، وَقيل: لعسر تَعْرِيفه. انْتهى.

وَيَأْتِي فِي الْأَمر: هَل يشْتَرط فِي الْخَبَر الْإِرَادَة كالأمر أم لَا؟

قَوْله: {وَغير الْخَبَر إنْشَاء وتنبيه} قد علم أَن للْكَلَام أنواعاً فلابد من

ص: 1708

من بَيَانهَا، وَالْفرق بَينهَا ليحصل الِاسْتِدْلَال بهَا على المُرَاد، وَلِلنَّاسِ فِي تقسيمه طرق، فَمنهمْ من يقسمهُ إِلَى: خبر، وإنشاء، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قدمنَا؛ لِأَنَّهُ إِن احْتمل الصدْق وَالْكذب فَهُوَ الْخَبَر، وَإِلَّا فَهُوَ الْإِنْشَاء.

وَذَلِكَ الْإِنْشَاء إِمَّا طلب أَو غَيره، وَهُوَ الْمَشْهُور باسم الْإِنْشَاء، والطلب إِمَّا أَمر أَو نهي أَو اسْتِفْهَام، نَحْو: قُم، وَلَا تقعد، وَهل عنْدك أحد؟

وَقد ذكر من الْإِنْشَاء: الْأَمر، وَالنَّهْي، والاستفهام، وَالتَّمَنِّي، والترجي، وَالْقسم، والنداء.

وَظَاهر قَوْلنَا: وَغير الْخَبَر إنْشَاء وتنبيه، أَن الْإِنْشَاء هُوَ التَّنْبِيه، وتابعنا فِي ذَلِك ابْن مُفْلِح، وتابع ابْن مُفْلِح ابْن الْحَاجِب؛ وَلِهَذَا قَالَ الْأَصْفَهَانِي فِي " شرح الْمُخْتَصر ": لم يفرق المُصَنّف بَين الْإِنْشَاء والتنبيه، وَقَالَ بَعضهم: الْكَلَام الَّذِي لَا يحْتَمل الصدْق وَالْكذب يُسمى إنْشَاء، فَإِن دلّ بِالْوَضْعِ على طلب الْفِعْل يُسمى أمرا، وَإِن دلّ على طلب الْكَفّ عَن الْفِعْل

ص: 1709

يُسمى نهيا، وَإِن دلّ على طلب الإفهام يُسمى استفهاماً، وَإِن لم يدل بِالْوَضْعِ على طلب يُسمى تَنْبِيها، ويندرج فِيهِ التمنى، والترجي، وَالْقسم، والنداء. انْتهى.

وَقَالَهُ أَيْضا القَاضِي عضد الدّين فِي " شرح الْمُخْتَصر "، وَيَأْتِي لَفظه بعد قَوْله: وَغير الطّلب إنْشَاء، وَذكر فِي " جمع الْجَوَامِع " أَيْضا أَن الْإِنْشَاء والتنبيه مُتَرَادِفَانِ.

قَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ فِي " شَرحه ": وهما لفظان مُتَرَادِفَانِ، سمي بالتنبيه؛ لِأَنَّك نبهت بِهِ على مقصودك، وسمى بالإنشاء؛ لِأَنَّك ابتكرته من غير أَن يكون مَوْجُودا قبل ذَلِك فِي الْخَارِج من قَوْله تَعَالَى:{إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء} [الْوَاقِعَة: 35] ، ويندرج فِيهِ التَّمَنِّي، والترجي، وَالْقسم، والنداء.

وَالْفرق بَين الترجي وَالتَّمَنِّي: أَن الترجي لَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الْمُمكن بِخِلَاف التَّمَنِّي فَإِنَّهُ يسْتَعْمل فِي الْمُمكن والمستحيل، تَقول: لَيْت الشَّبَاب يعود، وَلَا تَقول: لَعَلَّ الشَّبَاب يعود. انْتهى.

ص: 1710

وَقَالَ الْبرمَاوِيّ فِي " شرح منظومته ": التَّنْبِيه قسم بِرَأْسِهِ غير الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة، تَحْتَهُ أَقسَام: أَحدهَا: الْعرض، نَحْو: أَلا تنزل عندنَا؟ والتحضيض، نَحوه: هلا تنزل عندنَا؟ وَهُوَ أَشد وأبلغ من الْعرض، وَالتَّمَنِّي [نَحْو] : لَيْت الشَّبَاب يعود والرجاء، نَحْو:{فَعَسَى الله أَن يَأْتِي بِالْفَتْح} [الْمَائِدَة: 52] .

وَاسْتغْنى بِذكر الترجي عَن الإشفاق، وَهُوَ مَا يكون فِي الْمَكْرُوه، وَرُبمَا توسع بِإِطْلَاق الترجي على الْأَعَمّ، وَقد اجْتمعَا فِي قَوْله تَعَالَى:{وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خير لكم وَعَسَى أَن تحبوا شَيْئا وَهُوَ شَرّ لكم} [الْبَقَرَة: 216] فَهَذِهِ الْأَرْبَعَة وَهِي: الْعرض والتحضيض وَالتَّمَنِّي والترجي لَيْسَ طلبا صَرِيحًا، بل إِيمَاء إِلَى الطّلب، فَهِيَ شَبيه بِالطَّلَبِ الصَّرِيح، ولكونه لَيْسَ طلبا بِالْوَضْعِ جعله قوم، كالبيضاوي قسيماً لَهُ بِحَيْثُ قَالَ: إِن الْكَلَام إِمَّا أَن يُفِيد طلبا بِالْوَضْعِ، وَهُوَ الْأَمر وَالنَّهْي، والاستفهام، أَو لَا، فَمَا لَا يحْتَمل الصدْق وَالْكذب تَنْبِيه وإنشاء ومحتملهما الْخَبَر.

وَكَذَا عبر فِي " جمع الْجَوَامِع "، وَلكنه لَا يعرف مِنْهُ مَا يتَمَيَّز بِهِ التَّنْبِيه من الْإِنْشَاء وَلَا كَونه فِيهِ طلبا مَا، على أَن البيانيين يطلقون عَلَيْهِ اسْم

ص: 1711

الطّلب فيجعلون الطّلب أمرا ونهياً واستفهاماً وتنبيهاً. انْتهى.

قلت: قد صرح الْعِرَاقِيّ - كَمَا تقدم - أَن الْإِنْشَاء والتنبيه مُتَرَادِفَانِ، وَهُوَ ظَاهر الْكِتَابَيْنِ اللَّذين ذكرهمَا المُصَنّف.

وَقَالَ ابْن الْحَاجِب - كَمَا تقدم -: وَيُسمى غير الْخَبَر إنْشَاء وتنبيهاً.

وَتقدم كَلَام الْأَصْفَهَانِي، وَالْقَاضِي عضد الدّين.

قَوْله: {وَصِيغَة عقد وَفسخ وَنَحْوهَا إنْشَاء} الصَّحِيح من مَذْهَبنَا، وَمذهب أَكثر الْعلمَاء: أَن صِيغَة الْعُقُود والفسوخ وَنَحْوهَا إنْشَاء، وَهُوَ الَّذِي يقْتَرن مَعْنَاهُ بِوُجُود لَفظه، نَحْو: بِعْت، واشتريت، وأعتقت، وَطلقت، وفسخت، وَنَحْوهَا مِمَّا يشابه ذَلِك مِمَّا تستحدث بِهِ الْأَحْكَام فَهِيَ أَخْبَار فِي الأَصْل بِلَا شكّ، وَلَكِن لما اسْتعْملت فِي الشَّرْع فِي معنى الْإِنْشَاء

ص: 1712

اخْتلف فِيهَا: هَل هِيَ بَاقِيَة على أَصْلهَا من الْإِخْبَار أَو نقلت؟

فأصحابنا، وَالْأَكْثَر على الثَّانِي، وَالْحَنَفِيَّة على الأول على معنى الْإِخْبَار عَن ثُبُوت الْأَحْكَام، فَمَعْنَى قَوْلك: بِعْتُك: الْإِخْبَار عَمَّا فِي قَلْبك، فَإِن أصل البيع هُوَ التَّرَاضِي، فَصَارَ بِعْت وَنَحْوهَا لفظا دَالا على الرضى بِمَا فِي ضميرك، فَيقدر وجودهَا قبل اللَّفْظ للضَّرُورَة، وَغَايَة ذَلِك أَن يكون مجَازًا وَهُوَ أولى من النَّقْل.

وَدَلِيل الْأَكْثَر: أَنه لَو كَانَ خَبرا لَكَانَ إِمَّا عَن مَاض، أَو حَال، أَو مُسْتَقْبل، والأولان باطلان لِئَلَّا يلْزم أَن لَا يقبل الطَّلَاق وَنَحْوه التَّعْلِيق؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي توقف شَيْء لم يُوجد على مَا لم يُوجد،

ص: 1713

والماضي وَالْحَال قد وجدا لَكِن قبُوله التَّعْلِيق إِجْمَاع، والمستقبل يلْزم مِنْهُ أَن لَا يَقع بِهِ شَيْء؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة (سَأُطلقُ) وَالْغَرَض خِلَافه، إِلَى غير ذَلِك من أدلته.

وَأَيْضًا: لَا خَارج لَهَا، وَلَا تقبل صدقا، وَلَا كذبا، وَلَو كَانَت خَبرا لما قبلت تَعْلِيقا لكَونه مَاضِيا؛ وَلِأَن الْعلم الضَّرُورِيّ قَاطع بِالْفرقِ بَين: طلقت إِذا قصد بِهِ الْوُقُوع، وَطلقت إِذا قصد بِهِ الْإِخْبَار.

وَقَالَ القَاضِي من أَصْحَابنَا: هِيَ إِخْبَار فِي الْعُقُود.

{وَلنَا وَجه أَن (طَلقتك) كِنَايَة} .

قَالَ ابْن مُفْلِح فِي " فروعه ": وَقيل: طَلقتك كِنَايَة، فَيتَوَجَّه عَلَيْهِ أَن يحْتَمل الْإِنْشَاء وَالْخَبَر، وعَلى الأول هُوَ إنْشَاء، وَذكر القَاضِي فِي مَسْأَلَة الْأَمر: أَن الْعُقُود الشَّرْعِيَّة بِلَفْظ الْمَاضِي إِخْبَار، وَقَالَ شَيخنَا - يَعْنِي الشَّيْخ

ص: 1714

تَقِيّ الدّين -: هَذِه الصِّيَغ إنْشَاء من حَيْثُ إِنَّهَا هِيَ الَّتِي أَثْبَتَت الحكم، وَبهَا تمّ، وَهِي إِخْبَار لدلالتها على الْمَعْنى الَّذِي فِي النَّفس. انْتهى.

قَوْله: {وَلَو قَالَه لرجعية طلقت فِي الْأَصَح} أَعنِي على القَوْل الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر؛ لِأَنَّهُ إنْشَاء للطَّلَاق، فعلى هَذَا لَا يقبل قَوْله: أَنه أَرَادَ الْإِخْبَار.

وَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهَا لَا تطلق، وَكَأَنَّهُ يَعْنِي أَنه قصد الْإِخْبَار عَن الطَّلَاق الْمَاضِي، {وَلَو ادّعى طَلَاقا مَاضِيا توجه لنا خلاف} كالمسألة الَّتِي قبلهَا وَغَيرهَا.

فَإِن قَوْله: طَلقتك يحْتَمل أَنه إِخْبَار عَن الطَّلَاق الْمَاضِي الَّذِي كَانَ أوقعه، فَلم يَقع عَلَيْهَا غَيره، لَكِن الظَّاهِر أَنه إنْشَاء، وَهُوَ الْمُتَعَارف بَين النَّاس، وَهَذَا الْمَشْهُور فِي الْمَذْهَب.

ص: 1715

قَوْله: {وَأشْهد، إنْشَاء تضمن إِخْبَارًا، وَقيل: إِخْبَار، وَقيل: إنْشَاء} ، فَإِذا قَالَ الشَّاهِد: أشهد بِكَذَا، فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال:

أَحدهَا - وَهُوَ الْمُخْتَار -: إِنَّهَا إنْشَاء تضمن الْخَبَر بِمَا فِي النَّفس.

وَالثَّانِي: إِنَّهَا إِخْبَار مَحْض، وَهُوَ ظَاهر كَلَام أهل اللُّغَة.

قَالَ ابْن فَارس فِي " الْمُجْمل ": الشَّهَادَة خبر عَن علم.

وَقَالَ الرَّازِيّ: قَوْله: (أشهد) إِخْبَار عَن الشَّهَادَة وَهِي الحكم الذهْنِي الْمُسَمّى كَلَام النَّفس.

وَالثَّالِث: إِنَّهَا إنْشَاء، وَإِلَيْهِ ميل الْقَرَافِيّ؛ لِأَنَّهُ لَا يدْخلهُ تَكْذِيب شرعا، وَأما قَوْله تَعَالَى:{وَالله يشْهد إِن الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ}

ص: 1716

[المُنَافِقُونَ: 1] فراجع إِلَى تسميتهم ذَلِك شَهَادَة؛ لِأَنَّهَا مَا واطأ فِيهَا الْقلب اللِّسَان، وَإِنَّمَا اختير الأول لاضطراب النَّاس فِي ذَلِك، فَقَائِل بِأَنَّهَا إِخْبَار - كَمَا فِي كتب اللُّغَة -، وَقَائِل بِأَنَّهَا إنْشَاء؛ لِأَنَّهُ لَا يدْخلهُ تَكْذِيب شرعا، فالقائل بالثالث، رأى كلا من الْقَوْلَيْنِ لَهُ وَجه فَجمع بَينهمَا بِأَن قَالَ: ذَلِك يضمن إِخْبَارًا.

وَقَالَ الكوراني: إِن أردْت تَحْقِيق الْمَسْأَلَة فاسمع لما أَقُول: اعْلَم أَنا قد قدمنَا أَن دلَالَة الْأَلْفَاظ إِنَّمَا هِيَ على الصُّور الذهنية الْقَائِمَة بِالنَّفسِ، فَإِن أُرِيد بالْكلَام الْإِشَارَة إِلَى أَن النِّسْبَة الْقَائِمَة بِالنَّفسِ مُطَابقَة لأخرى خارجية فِي أحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة فَالْكَلَام خبر، سَوَاء كَانَت تِلْكَ الخارجية قَائِمَة بِالنَّفسِ أَيْضا كعلمت وظننت، أَو بِغَيْرِهِ كخرجت وَدخلت، وَإِن لم يرد مُطَابقَة تِلْكَ النِّسْبَة الذهنية لأخرى خارجية فَالْكَلَام إنْشَاء، فَإِذا قَالَ الْقَائِل: أشهد بِكَذَا، لَا يشك أحد فِي أَنه لم يقْصد أَن تِلْكَ النِّسْبَة الْقَائِمَة بِنَفسِهِ تطابق نِسْبَة أُخْرَى فِي أحد الْأَزْمِنَة، بل مُرَاده الدّلَالَة على مَا فِي نَفسه

ص: 1717

من ثُبُوت هَذِه النِّسْبَة، مثل: اضْرِب وَلَا تضرب فَهُوَ إنْشَاء مَحْض، وَلَا يرجع الصدْق وَالْكذب إِلَيْهِ، وَكَون الْمَشْهُود بِهِ خَبرا لَا يُخرجهُ عَن كَونه إنْشَاء مَحْضا؛ لِأَن تِلْكَ النِّسْبَة مُسْتَقلَّة بِحكم وأطرافه، وَهَذِه أُخْرَى كَذَلِك، وَلَو كَانَ كَون الشَّيْء متضمناً لآخر يُخرجهُ عَن كَونه مَحْض ذَلِك الشَّيْء لم يبْق إنْشَاء مَحْض قطّ؛ إِذْ قَوْلك: اضْرِب، مُتَضَمّن لِقَوْلِك: الضَّرْب مِنْك مَطْلُوب، أَو أطلب مِنْك، وَهَذَا مِمَّا لَا يَقُول بِهِ عَاقل. انْتهى.

وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي " شرح جمع الْجَوَامِع ": وَاعْلَم أَن نقل الْمذَاهب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة هَكَذَا لَا يُوجد مجموعاً، وَإِنَّمَا هُوَ مفرق فِي كَلَام الْأَئِمَّة بالتلويح. انْتهى.

قَوْله: {وَقيل: غير الْخَبَر طلب وإنشاء} . قَالَه جمع من الْعلمَاء، ويرون بِأَن الْإِنْشَاء لَيْسَ فِيهِ الطّلب بل قسيمه؛ لِأَن الْمَطْلُوب مستدعى الْحُصُول فِي الْمُسْتَقْبل، والإنشاء مَدْلُوله يحصل فِي الْحَال، وَلَفظ الْإِنْشَاء سَبَب لوُجُود مَعْنَاهُ، وَلَفظ الطّلب لَيْسَ سَببا لوُجُود مَعْنَاهُ، وَإِن أُرِيد بالإنشاء إِحْدَاث شَيْء لم يكن فَالْكل إنْشَاء؛ لِأَن الْخَبَر إِحْدَاث الْإِخْبَار بِهِ وَلَا قَائِل

ص: 1718

بذلك، فعلى هَذَا إِن طلب بِالْوَضْعِ تَحْصِيل فعل أَو ترك فَأمر وَنهي، نَحْو: قُم، وَلَا تقعد - كَمَا تقدم -، وَإِن طلب إعلاماً بِشَيْء لَا لتَحْصِيل فعل وَلَا ترك فَهُوَ اسْتِفْهَام، وَمَا أحسن مَا عبر عَنهُ البيانيون فَقَالُوا فِي الْأَمر وَالنَّهْي: إنَّهُمَا طلب مَا هُوَ حَاصِل فِي الذِّهْن أَن يحصل فِي الْخَارِج، وَفِي الِاسْتِفْهَام الْعَكْس - أَي: طلب مَا فِي الْخَارِج أَن يحصل فِي الذِّهْن.

قَوْله: {وَغَيره} ، أَي: غير الطّلب إنْشَاء، وَهُوَ: عرض، وتحضيض، وتمن، وترج، وَقسم، ونداء.

قَالَ القَاضِي عضد الدّين فِي " شرح الْمُخْتَصر ": غير الْخَبَر مَا لَا يشْعر بِأَن لمدلوله مُتَعَلقا خارجياً، ويسميه المُصَنّف تَنْبِيها وإنشاء، ويندرج فِيهِ الْأَمر، وَالنَّهْي، وَالتَّمَنِّي، والترجي، وَالْقسم، والنداء، والاستفهام. والمنطقيون يقسمونه إِلَى مَا يدل على الطّلب لذاته، إِمَّا للفهم، وَهُوَ الِاسْتِفْهَام، وَإِمَّا لغيره وَهُوَ الْأَمر، وَالنَّهْي، وَإِلَى غَيره، ويخصون التَّنْبِيه والإنشاء بالأخير مِنْهُمَا، ويعدون مِنْهُ التَّمَنِّي، والترجي، وَالْقسم، والنداء، وَبَعْضهمْ

ص: 1719

يعد التَّمَنِّي، والنداء من الطّلب. انْتهى.

وَكَلَام المناطقة مُوَافق لِلْقَوْلِ الَّذِي حكيناه قبل.

قَوْله: {وَقيل غير الْخَبَر طلب فَقَط} . من الْعلمَاء من قسم الْكَلَام إِلَى خبر، وَطلب كَمَا قَالَ ابْن مَالك فِي كافيته:

(قَول مُفِيد طلبا أَو خَبرا

هُوَ الْكَلَام كاستمع وسترى)

وَكَأَنَّهُ رأى أَن الْإِنْشَاء فرع عَن الْخَبَر فيكتفي بِذكر الْخَبَر أَو غير ذَلِك.

فَوَائِد: إِحْدَاهَا: الطّلب مَا يُفِيد بِذَاتِهِ احْتِرَازًا عَمَّا يُفِيد باللازم

ص: 1720

أَو بِالْقَرِينَةِ نَحْو: أَنا أطلب مِنْك أَن تُخبرنِي بِكَذَا، أَو أَن تسقيني مَاء، أَو أَن تتْرك الْأَذَى، وَنَحْوه، فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ دَالا على الطّلب لَكِن لَا بِذَاتِهِ، بل هَذِه إخبارات لازمها الطّلب، وَلَا يُسمى الأول استفهاماً، وَلَا الثَّانِي أمرا، وَلَا الثَّالِث نهيا لذَلِك.

وَكَذَا قَوْله: أَنا عطشان، كَأَنَّهُ قَالَ: اسْقِنِي، فَإِن هَذَا طلب بِالْقَرِينَةِ لَا بِذَاتِهِ، وَرُبمَا عبر عَن هَذَا الْقَيْد بِكَوْنِهِ بِالْوَضْعِ، وَرُبمَا عبر عَنهُ بِمَا يفِيدهُ إِفَادَة أولية، وَالْكل صَحِيح، وَالله أعلم.

الثَّانِيَة: الْخَبَر مُشْتَمل على مَحْكُوم عَلَيْهِ، ومحكوم بِهِ، ويعبر عَنهُ البيانيون بِمُسْنَد إِلَيْهِ، ومسند ويعدونه إِلَى مُطلق الْكَلَام.

والمناطقة يسمون الْخَبَر قَضِيَّة لما فِيهَا من الْقَضَاء بِشَيْء على شَيْء، ويسمون الْمقْضِي عَلَيْهِ مَوْضُوعا، والمقضي بِهِ يسمونه مَحْمُولا، لِأَنَّك تضع الشَّيْء وَتحمل عَلَيْهِ حكما، ويقسمون الْقَضِيَّة إِلَى طبيعية وَهِي: مَا حكم فِيهَا بِأحد أَمريْن من حَيْثُ هُوَ على الآخر، من حَيْثُ هُوَ لَا بِالنّظرِ إِلَى

ص: 1721

أَفْرَاده، نَحْو: الرجل خير من الْمَرْأَة، وَنَحْو: المَاء مرو، وَغير الطبيعية وَهِي: الَّتِي قصد الحكم فِيهَا على مشخص فِي الْخَارِج لَا على الْحَقِيقَة من حَيْثُ هِيَ، ثمَّ ينظر فَإِن حكم فِيهَا على جزئي معِين سميت شخصية، نَحْو: زيد قَائِم، أَو لَا على معِين، فَإِذا ذكر فِيهَا سور الْكل أَو الْبَعْض فِي نفي أَو إِثْبَات سميت محصورة، نَحْو: كل إِنْسَان كَاتب بِالْقُوَّةِ، وَبَعض الْإِنْسَان كَاتب بِالْفِعْلِ، وَنَحْو: لَا شَيْء أَو وَاحِد من الْإِنْسَان بجماد، وَلَيْسَ بعض الْإِنْسَان بكاتب بِالْفِعْلِ، أَو بعض الْإِنْسَان لَيْسَ كَذَلِك.

وَإِن لم يكن للقضية سور وَالْمرَاد الحكم فِيهَا على الْأَفْرَاد لَا على الْحَقِيقَة من حَيْثُ هِيَ سميت مُهْملَة، نَحْو: الْإِنْسَان فِي خسر، وَالْحكم فِيهَا على بعض ضَرُورِيّ، فَهُوَ المتحقق، وَلَا يصدق عَلَيْهَا كُلية، لَكِن إِذا كَانَ فِيهَا " أل " كَمَا فِي " الْإِنْسَان كَاتب " يُطلق عَلَيْهَا ابْن الْحَاجِب وَغَيره كثيرا أَنَّهَا كُلية نظرا إِلَى إِفَادَة " أل " الْعُمُوم، فَهِيَ مثل " كل "، وَإِن لم يكن ذَلِك من اصْطِلَاح المناطقة.

ص: 1722