الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رد: بِأَن الْإِجْمَاع لم يكن حجَّة فِي زَمَنه صلى الله عليه وسلم َ -.
قَالُوا: كغيرهم من الْأُمَم قبل النّسخ.
ورده أَبُو الْخطاب وَغَيره من أَصْحَابنَا، وَغَيرهم: بِأَنَّهُ لَا دَلِيل عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن عقيل: يحْتَمل أَن نقُوله: وَالْفرق بتطرق النّسخ على الْأُمَم، وتجدد الْأَنْبِيَاء.
وَتَأْتِي هَذِه الْمَسْأَلَة قَرِيبا.
قَوْله: {بِالشَّرْعِ}
، أَي: دلَالَة كَون الْإِجْمَاع حجَّة قَاطِعَة بِالشَّرْعِ فَقَط، وَذَلِكَ للدلالة الْوَارِدَة من الْكتاب وَالسّنة فِي ذَلِك كَمَا تقدم ذكره، وَبَيَانه فِي الْمَسْأَلَة الَّتِي قبلهَا.
وَهَذَا عَلَيْهِ أَكثر الْعلمَاء، وَقطع بِهِ كثير مِنْهُم.
وَقيل: وَالْعقل أَيْضا، أَعنِي أَن دلَالَة كَون الْإِجْمَاع حجَّة قَاطِعَة تحصل بِالْعقلِ أَيْضا.
قَالَ الْمجد فِي " المسودة ": دلَالَة كَون الْإِجْمَاع حجَّة هُوَ الشَّرْع، وَقيل: الْعقل أَيْضا.
نثبت حجَّته إِمَّا بِالسَّمْعِ، وَإِمَّا بِالْعقلِ، والسمع إِمَّا الْكتاب وَإِمَّا السّنة، وَتثبت السّنة بالتواتر الْمَعْنَوِيّ، وَثُبُوت بَعْضهَا، وَبِأَن الْعَادة وَالدّين يمنعاه من تَصْدِيق مَا لم يثبت، وَمن مُعَارضَة القواطع بِمَا لَيْسَ بقاطع، وَالْعقل إِمَّا الْعَادة الطبيعية وَإِمَّا دين السّلف الشَّرْعِيّ الْمَانِع من الْقطع بِمَا لَيْسَ بِحَق، انْتهى.
وَيُؤْخَذ هَذَا من كَلَام ابْن الْحَاجِب، وَابْن مُفْلِح، وَغَيرهمَا، حَيْثُ بحثوا أَنه يَسْتَحِيل عَادَة اجْتِمَاع مثل هَذَا الْعدَد الْكثير من الْعلمَاء الْمُحَقِّقين على قطع فِي حكم شَرْعِي من غير اطلَاع على دَلِيل قَاطع فَوَجَبَ تَقْدِير نَص قَاطع فِيهِ كَمَا تقدم.
قَوْله: {وَلَا يعْتَبر فِيهِ قَول مَعْصُوم} عِنْد أَئِمَّة الْإِسْلَام المقتدى بهم، وَخَالف فِي ذَلِك الرافضة فاشترطوه.
وخلافهم ملغي لَا اعْتِبَار بِهِ، بل الْمَعْصُوم لَا يُوجد فِي غير الْأَنْبِيَاء، فَعَلَيْهِم لعنة الله وَالْمَلَائِكَة أَجْمَعِينَ، وَذَلِكَ بِنَاء مِنْهُم على زعمهم أَن
لَا يجوز خلو الزَّمَان عَن مَعْصُوم.
وَلَو تنزلنا وَسلمنَا ذَلِك فالحجة إِنَّمَا هِيَ فِي قَول الْمَعْصُوم لَا فِي الْإِجْمَاع فَلَا حَاجَة إِلَى الْإِجْمَاع مَعَ قَول الْمَعْصُوم.
قَوْله: {لَيْسَ إِجْمَاع الْأُمَم الخالية حجَّة عِنْد الْمجد وَالْأَكْثَر، وَخَالف الْأُسْتَاذ} وَجمع.
{وَقَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي: إِن كَانَ سندهم قَطْعِيا، وَإِلَّا الْوَقْف} ، والطوفي: إِن كَانَ سَنَد إجماعنا عقلياً، وَإِلَّا الْوَقْف. ووقف الباقلاني مُطلقًا.
اخْتلف الْعلمَاء فِي هَذِه الْمَسْأَلَة:
فَذهب الْمجد من أَصْحَابنَا، وَالْأَكْثَر: أَن إِجْمَاع الْأُمَم الْمَاضِيَة لَيْسَ بِحجَّة.
وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَقَالَ: هَذَا قَول الْأَكْثَرين. وَصرح بِهِ الْآمِدِيّ وَغَيره وَخَالف أَبُو إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ وَبَعض الشَّافِعِيَّة وَغَيرهم، وَقَالُوا: كَانُوا حجَّة قبل النّسخ.
قَالَ ابْن عقيل: يحْتَمل أَن نقُوله: وَالْفرق لكَون النّسخ يتَطَرَّق على الْأُمَم بتجدد الْأَنْبِيَاء، كَمَا تقدم عَنهُ.
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إِلَى آخِره، قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: إِن كَانَ سندهم قَطْعِيا فحجة، أَو ظنياً فالوقف.
وَقَالَ الطوفي فِي " شَرحه ": وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إِن قطع أهل الْإِجْمَاع من
كل أمة بقَوْلهمْ فَهُوَ حجَّة؛ لاستناده إِلَى قَاطع فِي الْعَادة، وَالْعَادَة لَا تخْتَلف باخْتلَاف الْأُمَم، وَإِلَّا كَانَ مُسْتَنده مظنوناً وَالْوَجْه الْوَقْف.
قَالَ الطوفي: قَوْله أقرب إِلَى الصَّوَاب، ثمَّ قَالَ: وَالْمُخْتَار فِي الْمَسْأَلَة؛ إِن كَانَ مُسْتَند الْإِجْمَاع فِي هَذِه الْأمة عقلياً فَلَا يخْتَلف، وَإِن كَانَ مُسْتَند هَذِه الْأمة سمعياً فالوقف فِي إِجْمَاع غَيرهَا من الْأُمَم؛ إِذْ لم يبلغنَا الدَّلِيل السمعي على أَن إِجْمَاعهم حجَّة فنثبته، وَلَا يلْزم من عدم بُلُوغ ذَلِك عدم وجوده فننفيه. انْتهى.
وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني بِالْوَقْفِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لست أَدْرِي كَيفَ الْحَال؟ يَعْنِي: هَل كَانَ إِجْمَاعهم حجَّة أَو لَا؟
تَنْبِيه: لهَذِهِ الْمَسْأَلَة الْتِفَات إِلَى أصلين:
أَحدهمَا: شرع من قبلنَا هَل هُوَ شرع لنا أم لَا؟ على مَا يَأْتِي.
الثَّانِي: أَن حجية الاجماع ثَابِتَة بِمَاذَا؟ إِن قُلْنَا بِالْقُرْآنِ أَو بِالنِّسْبَةِ فَلَا يدْخل غير هَذِه الْأمة من الْأُمَم فِي ذَلِك.
وَإِن قُلْنَا: دَلِيله أَنه يَسْتَحِيل فِي الْعَادة اجْتِمَاع مثل هَذَا الْعدَد الْكثير من الْعلمَاء الْمُحَقِّقين على قطع فِي حكم شَرْعِي من غير اطلَاع على دَلِيل قَاطع فَوَجَبَ فِي كل إِجْمَاع تَقْدِير نَص قَاطع فِيهِ مَحْكُوم بتخطئة مخالفه، كَمَا تقدم
فِي اسْتِدْلَال ابْن الْحَاجِب وَغَيره بذلك، فَلَا يخْتَص ذَلِك بِهَذِهِ الْأمة.
ثمَّ لَو سلم أَنه حجَّة فَالْكَلَام فِي الْإِجْمَاع الَّذِي يسْتَدلّ بِهِ فِي شرعنا، وَذَلِكَ إِن وَقع. وَإِن قُلْنَا إِن شرعهم شرع لنا فَمن أَيْن يعرف وينقل إِلَيْنَا؟