الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: {فصل}
{أَصْحَابنَا وَالْأَكْثَر يجوز إِحْدَاث دَلِيل آخر، زَاد القَاضِي: من غير أَن يقْصد بَيَان الحكم بِهِ بعد ثُبُوته} ؛ لِأَنَّهُ قَول عَن اجْتِهَاد غير مُخَالف إِجْمَاعًا؛ لأَنهم لم ينصوا على فَسَاد غير مَا ذَكرُوهُ، أَيْضا وَقع كثيرا وَلم يُنكر؛ وَلِأَن الشَّيْء قد يكون عَلَيْهِ أَدِلَّة كَثِيرَة.
وَقيل: لَا يجوز؛ لِأَنَّهُ اتِّبَاع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ.
رد: لَا يخفى فَسَاد ذَلِك؛ لِأَن الْمَطْلُوب من الْأَدِلَّة أَحْكَامهَا، لَا أعيانها فعين الحكم بَاقٍ، وَأَيْضًا المُرَاد مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ وَإِلَّا لزم الْمَنْع فِيمَا حدث بعدهمْ.
قَالُوا: لَو كَانَ مَعْرُوفا لأمروا بِهِ، لقَوْله تَعَالَى:{تأمرون بِالْمَعْرُوفِ} [آل عمرَان: 110] .
رد: لَو كَانَ مُنْكرا لنهوا، لقَوْله:{وتنهون عَن الْمُنكر} [آل عمرَان: 110] .
قَالُوا: لَو كَانَ حَقًا كَانَ الْعُدُول عَنهُ خطأ.
رد: للاستغناء عَنهُ.
وَفصل ابْن حزم وَغَيره بَين أَن يكون الْمُحدث نصا آخر لم يطلع عَلَيْهِ الْأَولونَ فَيمْتَنع، أَو لَا، فَلَا يمْتَنع.
وَحكى صَاحب " الكبريت الْأَحْمَر " قولا رَابِعا الْوَقْف.
وَذهب ابْن برهَان إِلَى قَول خَامِس بالتفصيل بَين الدَّلِيل الظَّاهِر فَلَا يجوز إِحْدَاث غَيره، وَبَين الْخَفي فَيجوز لجَوَاز اشتباهه على الْأَوَّلين.
قَوْله: {وَكَذَا إِحْدَاث عِلّة، ذكره أَبُو الْخطاب، والموفق، والطوفي، وَغَيرهم} ، بل عَلَيْهِ الْأَكْثَر، بِنَاء على جَوَاز تَعْلِيل
الحكم الْوَاحِد بعلتين على مَا يَأْتِي - وَهُوَ الصَّحِيح - فِي بَاب الْقيَاس.
وَقيل: لَا يجوز أَيْضا بِنَاء - أَيْضا - على منع الحكم بعلتين؛ لِأَن علتهم مَقْطُوع بِصِحَّتِهَا، فَفِيهِ دَلِيل على فَسَاد غَيرهَا.
وَقَالَ القَاضِي من أَصْحَابنَا: إِن ثَبت الحكم بعلة، فَهَل يجوز للصحابة تَعْلِيله بِأُخْرَى؟
قيل: يجوز، كالدليل مَعَ عدم تنافيهما.
وَمن النَّاس: من منع لإبطال الْفَائِدَة، كالعقلية.
قَالَ عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي: الْعلَّة إِن كَانَت بِحكم عَقْلِي لم يجز إِحْدَاث عِلّة أُخْرَى؛ لِأَن الحكم الْعقلِيّ لَا يُعلل بعلتين.
قَوْله: {وَكَذَا إِحْدَاث تَأْوِيل} ، يَعْنِي: يجوز إِحْدَاث تَأْوِيل آخر {مَا لم يكن فِيهِ إبِْطَال الأول} ، وَذكر الْآمِدِيّ الْجَوَاز عَن الْجُمْهُور، وَتَبعهُ بعض أَصْحَابنَا.
قَالَ ابْن مُفْلِح: كَذَا قَالَ.
وَقيل: لَا يجوز إحداثه وَاخْتَارَهُ القَاضِي عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي، قَالَ: لِأَن الْآيَة - مثلا - إِذا احتملت مَعَاني، وَأَجْمعُوا على تَأْوِيلهَا بأحدها صَار كالإفتاء فِي حَادِثَة تحْتَمل أحكاماً بِحكم فَلَا يجوز أَن يؤول بِغَيْرِهِ، كَمَا لَا يُفْتى بِغَيْر مَا أفتوا بِهِ.
وَقَالَ ابْن مُفْلِح: وَمنعه بَعضهم.
{قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: لَا يحْتَمل مَذْهَبنَا غير هَذَا، وَعَلِيهِ الْجُمْهُور} .
قَالَ ابْن مُفْلِح: {وَمرَاده دفع تَأْوِيل أهل الْبدع الْمُنكر عِنْد السّلف} . انْتهى.
وَذَلِكَ كَمَا أَنه لَا يجوز إِحْدَاث مَذْهَب ثَالِث كَذَلِك لَا يجوز إِحْدَاث تَأْوِيل؛ وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ فِيهَا تأوي لآخر لكلفوا طلبه كَالْأولِ.
قَالَه أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد "، وَاقْتصر على ذكر الْقَوْلَيْنِ وتعليلهما من غير نصر أَحدهمَا.
لَا يرفع الْخلاف، وَلَا يكون إِجْمَاعًا؛ لِأَن مَوته لَا يكون مسْقطًا لقَوْله فَيبقى.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: هُوَ قَول عَامَّة أَصْحَابنَا.
قَالَ سليم الرَّازِيّ: هُوَ قَول أَكْثَرهم، وَأكْثر الأشعرية.
وَكَذَا قَالَه ابْن السَّمْعَانِيّ، وَنَقله ابْن الْحَاجِب عَن الْأَشْعَرِيّ.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَإِلَيْهِ ميل الشَّافِعِي وَمن عباراته الرشيقة: الْمذَاهب
لَا تَمُوت بِمَوْت أَرْبَابهَا. وَنَقله ابْن الباقلاني عَن جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين، وَاخْتَارَهُ.
وَقَالَ: {أَبُو الْخطاب، وَأكْثر الْحَنَفِيَّة، وَأَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ، والرازي، وَأَتْبَاعه} ، وَغَيرهم، مِنْهُم: الْحَارِث المحاسبي، والإصطخري، وَابْن خيران، والقفال الْكَبِير، وَابْن الصّباغ.
وَنَقله فِي " الْمقنع " عَن أبي حنيفَة، وَنَقله الكيا عَن الجبائي وَابْنه، وَأبي عبد الله الْبَصْرِيّ.
وَحَكَاهُ ابْن مُفْلِح عَن الْمُعْتَزلَة.
وَحَكَاهُ الباقلاني عَن الْأَشْعَرِيّ: يجوز أَن يكون حجَّة وإجماعاً ويرتفع الْخلاف، وَاخْتَارَهُ الْمُتَأَخّرُونَ.
وَقيل: إِجْمَاع ظَنِّي.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: قيل: وَالْحق فِي الْمَسْأَلَة أَنه إِجْمَاع ظَنِّي، لَا قَطْعِيّ، وَإِلَيْهِ يُشِير كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ.
وَفِي كتاب " تَقْوِيم الْأَدِلَّة " لأبي زيد الدبوسي عَن الْحَنَفِيَّة: أَنه من أدنى مَرَاتِب الْإِجْمَاع.
وَقيل: يكون حجَّة وَلَيْسَ بِإِجْمَاع، نَقله ابْن الْقطَّان عَن قوم، وَأَنَّهُمْ قَالُوا: وَجه الحجية أَن لهَؤُلَاء مزية على أُولَئِكَ لانفرادهم فِي عصر، فَهُوَ الْمُعْتَبر، قَالَ: وَلَيْسَ بِشَيْء.
وَقيل: لَيْسَ بِإِجْمَاع، وَلَا حجَّة، أَعنِي على القَوْل بِالْجَوَازِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ حجَّة لتعارض الإجماعان، وَأَيْضًا لم يحصل اتِّفَاق الْأمة؛ لِأَن فِيهِ قولا مُخَالفا؛ لِأَن القَوْل لَا يَمُوت [بِمَوْت] صَاحبه، وَأَيْضًا لَو كَانَ حجَّة فَإِن موت بعض الصَّحَابَة الْمُخَالفين للباقين الْقَائِلين بقول وَاحِد يُوجب ذَلِك، أَي: إِجْمَاعًا هُوَ حجَّة؛ وَذَلِكَ لِأَن البَاقِينَ كل الْأمة الْأَحْيَاء فِي ذَلِك الْعَصْر، وَهُوَ الْمُعْتَبر؛ إِذْ لَا عِبْرَة بِالْمَيتِ، وَاللَّازِم بَاطِل اتِّفَاقًا.
وَأجَاب عَنْهَا كلهَا القَاضِي عضد الدّين فِي " الشَّرْح "، وَغَيره فليعاود.
وَعند جمَاعَة من الْعلمَاء: أَن ذَلِك مُمْتَنع، وَحَكَاهُ الْآمِدِيّ عَن الإِمَام أَحْمد، والأشعري، واختياره يمْتَنع، نَقله ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله " بَعْدَمَا ذكر الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلين فَدلَّ أَن هَذَا غير القَوْل الأول.
وَابْن الْحَاجِب لم يذكر عَن الإِمَام أَحْمد والأشعري وَجَمَاعَة غير الِامْتِنَاع وَعَدَمه تبعا للآمدي، وَالظَّاهِر أَن ابْن مُفْلِح ذكر النَّقْل الثَّانِي طَريقَة أُخْرَى فِي صفة حِكَايَة الْخلاف، وَهُوَ أولى وأوضح.
وَوجه ذَلِك: أَن الْقَائِل بالْقَوْل الأول أَجمعُوا على جَوَاز الْأَخْذ بِكُل مِنْهُمَا، وَالْقَائِل بالْقَوْل الثَّانِي يمنعهُ فَامْتنعَ لِئَلَّا يلْزم تخطئة الْأَوَّلين؛ لِأَن كَون الْحق فِي أَخذه، وَتَركه مَعًا محَال.
رد بِأَن الْإِجْمَاع الأول مَمْنُوع؛ لِأَن أحد الْقَوْلَيْنِ خطأ، وَلَا إِجْمَاع على خطأ، ثمَّ هُوَ إِجْمَاع بِشَرْط عدم إِجْمَاع ثَان، ثمَّ الأول إِجْمَاع على أَحدهمَا، وَالثَّانِي يُوَافق مُقْتَضَاهُ.
رد الأول بِإِصَابَة كل مُجْتَهد، وَالثَّانِي بِإِطْلَاق الْأمة، وَلم يشْتَرط، ثمَّ يلْزم الشَّرْط مَعَ إِجْمَاعهم على قَول وَاحِد، كَمَا يَقُوله أَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ المعتزلي، وَالثَّالِث باستلزامه وَامْتِنَاع الْأَخْذ بالْقَوْل الآخر.
قَالُوا: يمْتَنع ذَلِك عَادَة.
رد بِمَنْعه وَقد عرف وَجه الأول.
وَقَالُوا: لَو كَانَ حجَّة لَكَانَ موت فريق وَبَقَاء الآخر أَو بعضه إِجْمَاعًا؛ لأَنهم كل الْأمة.
أجَاب أَبُو الْخطاب وَغَيره: بالتزامه ثمَّ الْفرق، وَقَالَهُ الْأَكْثَر بمخالفة أهل الْعَصْر بِخِلَاف مَسْأَلَتنَا.
وَاحْتج الثَّانِي بأدلة الْإِجْمَاع.
رد بِالْمَنْعِ لتحَقّق الْمَاضِي لَا من سيوجد.
تَنْبِيه: هَل وَقع مثل ذَلِك أم لَا؟
الظَّاهِر فِي حد الْخمر وُقُوعه.
وَقَالَ ابْن الْحَاجِب: الْحق أَنه بعيد إِلَّا فِي الْقَلِيل، أَي: إِذا كَانَ الْمُخَالف فِي الأَصْل قَلِيلا كاختلافهم فِي بيع أم الْوَلَد، ثمَّ زَالَ باتفاقهم على الْمَنْع، وكاختلافهم فِي نِكَاح الْمُتْعَة، ثمَّ أَجمعُوا على الْمَنْع.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَهَذَا إِنَّمَا يَصح التَّمْثِيل بِهِ لما سَيَأْتِي فِي الصُّورَة الثَّانِيَة: إِن يَخْتَلِفُوا على قَوْلَيْنِ، ثمَّ يرجع أحد الْفَرِيقَيْنِ إِلَى قَول الآخر.