الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَلَامه فِي " الْمُغنِي "، وَالصَّحِيح من الْمَذْهَب أَن الكذبة الْوَاحِدَة لَا تقدح؛ للْمَشَقَّة وَعدم دَلِيله.
وَذكر ابْن عقيل فِي الشَّهَادَة فِي " الْفُصُول ": أَنه ظَاهر مَذْهَب أَحْمد وَعَلِيهِ جُمْهُور أَصْحَابه. قَالَ ابْن عقيل: وَقِيَاس بَقِيَّة الصَّغَائِر عَلَيْهَا بعيد؛ لِأَن الْكَذِب مَعْصِيّة فِيمَا تحصل بِهِ الشَّهَادَة وَهُوَ الْخَبَر. انْتهى.
وَلِهَذَا الْمَعْنى جزم بِهِ القَاضِي فِي الشَّهَادَة وَالْخَبَر للْحَاجة إِلَى صدق الْمخبر فَهُوَ أولى بِالرَّدِّ مِمَّا يُسمى فَاسِقًا.
{وَأخذ هُوَ وَأَبُو الْخطاب} من هَذِه الرِّوَايَة {أَنَّهَا كَبِيرَة} كشهادته بالزور، وَكذبه على النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -،
{وكالغيبة والنميمة على الْأَصَح} .
اخْتلف فِي الْغَيْبَة والنميمة هَل هما من الصَّغَائِر، أَو من الْكَبَائِر
؟
وَالصَّحِيح من الْمَذْهَب أَنَّهُمَا من الْكَبَائِر، وَقدمه ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله " وَهُوَ ظَاهر مَا قدمه فِي " فروعه ".
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: لَا خلاف أَن الْغَيْبَة من الْكَبَائِر.
وَقيل: من الصَّغَائِر، اخْتَارَهُ جمَاعَة من أَصْحَابنَا، مِنْهُم صَاحب " الْفُصُول "، و " الغنية "، و " الْمُسْتَوْعب ".
قَوْله: {والكذبة الْوَاحِدَة فِي الحَدِيث تقدح فَلَا تقبل رِوَايَته وَإِن تَابَ} . نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد، وَقَالَ: لَا تقبل مُطلقًا.
وَقَالَهُ القَاضِي أَبُو يعلى وَغَيره من أَصْحَابنَا، وَغَيرهم.
قَالَ القَاضِي لِأَنَّهُ زنديق، فَتخرج تَوْبَته على تَوْبَته وَفَارق الشَّهَادَة؛ لِأَنَّهُ قد يكذب فِيهَا لرشوة أَو تقرب إِلَى أَرْبَاب الدُّنْيَا.
وَقَالَ ابْن عقيل: هَذَا فرق بعيد؛ لِأَن الرَّغْبَة إِلَيْهِم بأخبار الرَّجَاء أَو الْوَعيد غَايَته الْفسق.
وَظَاهر كَلَام جمَاعَة من أَصْحَابنَا أَن تَوْبَته تقبل.
وَقَالَ كثير من الْعلمَاء - مِنْهُم أَبُو بكر الشَّامي -: لَكِن فِي غير مَا كذب فِيهِ، كتوبته فِيمَا أقرّ بتزويره.
{وَقبلهَا الدَّامغَانِي} الْحَنَفِيّ فِيهِ - أَيْضا -، قَالَ: لِأَن ردهَا لَيْسَ بِحكم، ورد الشَّهَادَة حكم.
قَالَ القَاضِي أَبُو يعلى: سَأَلت أَبَا بكر الشَّامي عَنهُ فَقَالَ: لَا يقبل خَبره فِيمَا رد وَيقبل فِي غَيره اعْتِبَارا بِالشَّهَادَةِ.
قَالَ: وَسَأَلت قَاضِي الْقُضَاة الدَّامغَانِي، فَقَالَ: يقبل حَدِيثه الْمَرْدُود وَغَيره بِخِلَاف شَهَادَته إِذا ردَّتْ ثمَّ تَابَ لم تقبل تِلْكَ خَاصَّة، قَالَ: لِأَن هُنَاكَ حكما من الْحَاكِم بردهَا فَلَا ينْقض، ورد الْخَبَر مِمَّن روى لَهُ لَيْسَ بِحكم. انْتهى.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: وَهَذَا يتَوَجَّه لَو رددنا الحَدِيث لفسقه، بل يَنْبَغِي أَن يكون هُوَ الْمَذْهَب، فَأَما إِذا علمنَا كذبه فِيهِ فَأَيْنَ هَذَا من الشَّهَادَة؟ فنظيره أَن يَتُوب من شَهَادَة زور ويقر فِيهَا بالتزوير. انْتهى.
قَوْله: {وَلم يفرق أَصْحَابنَا وَغَيرهم فِي الصَّغَائِر} ، بل أطْلقُوا فَظَاهره أَنه لَا فرق؛ بل ذكر أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد " التطفيف مِنْهَا، وَاعْتبر التّكْرَار.
وَقَالَ الْآمِدِيّ وَمن وَافقه: إِن مثل سَرقَة لقْمَة، والتطفيف بِحَبَّة، وَاشْتِرَاط أَخذ الْأُجْرَة على سَماع الحَدِيث يعْتَبر تَركه كالكبائر بِلَا خلاف.
قَالَ ابْن مُفْلِح: كَذَا قَالَ، وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي اشْتِرَاط أَخذ الْأُجْرَة: لَا يكْتب عَنهُ الحَدِيث، وَلَا كَرَامَة.
وَقَالَهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَأَبُو حَاتِم.
قَالَ القَاضِي: هُوَ على الْوَرع؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهد.
وَقَالَ أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد ": هَذَا غلط؛ لِأَنَّهُ أَكثر دناءة من الْأكل على الطَّرِيق.
يُؤَيّد مَا ذكره نقل أبي الْحَارِث: هَذِه طعمة سوء.
وَحمله ابْن عقيل على أَنه فرض كِفَايَة، قَالَ:{فَإِن قطعه عَن شغله فكنسخ حَدِيث، ومقابلته خلافًا للحنفية} .
قَالَ ابْن مُفْلِح وَغَيره: وَيعْتَبر ترك مَا فِيهِ دناءة وَترك مُرُوءَة كأكله فِي السُّوق بَين النَّاس الْكثير، وَمد رجلَيْهِ أَو كشف رَأسه بَينهم، وَالْبَوْل فِي الشوارع، واللعب بالحمام، وصحبة الأرذال، والإفراط فِي المزح؛ لحَدِيث أبي مَسْعُود البدري:" إِذا لم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا شِئْت " رَوَاهُ البُخَارِيّ.
أَي: صنع مَا شَاءَ فَلَا يوثق بِهِ، لَكِن يعْتَبر تكْرَار ذَلِك كالصغائر، وَمن ذَلِك من صَنعته دنيئة عرفا، وَلَا ضَرُورَة كحجام، وزبال، وقراد، لَكِن الصَّحِيح لَا يقْدَح إِذا حسنت طريقتهم لحَاجَة النَّاس إِلَيْهَا.
وَقيل: تقدح، وَكَذَا حائك، وحارس، ودباغ.
وَتعْتَبر هَذِه الشُّرُوط للشَّهَادَة، وَلَا يعْتَبر للرواية غير ذَلِك فَتقبل رِوَايَة عبد وَغَيره على مَا يَأْتِي.
قَوْله: {فَائِدَة:
نفى الْأُسْتَاذ، والباقلاني، وَابْن فورك، والقشيري، والسبكي، الصَّغَائِر، وَجعلُوا الْكل كَبَائِر} .
قَالَ الْبرمَاوِيّ: القَوْل بانقسام الذَّنب إِلَى صغائر وكبائر عَلَيْهِ الْجُمْهُور.
وَقَالَ الْأُسْتَاذ، وَالْقَاضِي أَبُو بكر ابْن الباقلاني، وَابْن الْقشيرِي: إِن جَمِيع الذُّنُوب كَبَائِر. وَنَقله ابْن فورك عَن الأشعرية، وَاخْتَارَهُ نظرا إِلَى من عصى الله عز وجل.