الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لمنع فِي الشَّاهِد، والمفتي، وَلَا يلْزم الْأُصُول - لما سبق - فِي إفادته الْعلم، وَإِلَّا نقل لقَضَاء الْعَادة فِيهِ بالتواتر، وَلَا التَّعَبُّد فِي الْإِخْبَار عَن الله بِلَا معْجزَة؛ لِأَن الْعَادة تحيل صدقه بِدُونِهَا وَلَا التَّنَاقُض بالتعارض؛ لِأَنَّهُ ينْدَفع بالترجيح أَو التَّخْيِير أَو الْوَقْف، ثمَّ قُولُوا بالتعبد، وَلَا تعَارض؛ وَلِأَن بِالْعَمَلِ بِهِ دفع ضَرَر مظنون فَوَجَبَ أخذا بِالِاحْتِيَاطِ وقواطع الشَّرْع نادرة فاعتبارها يعطل أَكثر الْأَحْكَام، وَالرَّسُول صلى الله عليه وسلم َ -
مَبْعُوث إِلَى الكافة، ومشافهتهم، وإبلاغهم بالتواتر مُتَعَذر فتعينت الْآحَاد
.
وَالْمُعْتَمد فِي ذَلِك: أَن نصب الشَّارِع علما ظنياً على وجوب فعل تكليفي جَائِز بِالضَّرُورَةِ.
ثمَّ إِن الْمُنكر لذَلِك إِن أقرّ بِالشَّرْعِ فتعبده بالحكم، والفتيا، وَالشَّهَادَة، وَالِاجْتِهَاد فِي الْقبْلَة، وَالْوَقْت وَنَحْوهَا من الظنيات ينْقض قَوْله: وَإِلَّا فَمَا ذَكرْنَاهُ قبل يُبطلهُ.
ثمَّ إِذا أقرّ بِالشَّرْعِ، وَعرف قَوَاعِده، ومبانيه وَافق، وَالله أعلم.
قَوْله: {وَلَا يجب} ، أَي: لَا يجب الْعَمَل بِهِ عقلا، وَهَذَا الصَّحِيح، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر.
وَاخْتَارَ القَاضِي فِي " الْكِفَايَة "، وَأَبُو الْخطاب، وَابْن سُرَيج،
والقفال، والصيرفي، وَأَبُو الْحُسَيْن المعتزلي: يجب عقلا لاحتياج النَّاس إِلَى بعض الْأَشْيَاء من جِهَة الْخَبَر، وَفِي ترك ذَلِك أعظم الضَّرَر؛ وَلِأَن الْعَمَل بِهِ يُفِيد دفع ضَرَر مظنون، فَكَانَ الْعَمَل بِهِ وَاجِبا.
وَتَقَدَّمت أَدِلَّة الْجَوَاز بِمَا يدْخل بَعْضهَا فِي أَدِلَّة الْوُجُوب، لَكِن الْبرمَاوِيّ نقل أَن بَعضهم اسْتغْرب النَّقْل عَن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة فِي الْوُجُوب عقلا، وَأجَاب عَن ذَلِك، وَأول كَلَامهم بِمَا يَقْتَضِي أَنهم لَا يوجبونه عقلا، وَنَقله أَيْضا عَن الإِمَام أَحْمد، وَاعْتذر عَنهُ بأعذار عدَّة.
قَوْله: {وَيجب الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد سمعا فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة عندنَا، وَعند أَكثر الْعلمَاء} - مَحل الْخلاف الْآتِي فِي وجوب الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة.
قَالَ القَاضِي: يجب عندنَا سمعا، وَقَالَهُ عَامَّة
الْفُقَهَاء، والمتكلمين، وَهُوَ الصَّحِيح الْمُعْتَمد عِنْد جَمَاهِير الْعلمَاء من السّلف وَالْخلف.
قَالَ ابْن الْقَاص: لَا خلاف بَين أهل الْفِقْه فِي قبُول خبر الْآحَاد، فأصحاب هَذَا القَوْل اتَّفقُوا على أَن الدَّلِيل السمعي دلّ عَلَيْهِ من الْكتاب، وَالسّنة، وَعمل الصَّحَابَة، ورجوعهم كَمَا ثَبت ذَلِك بالتواتر.
لَكِن الجبائي اعْتبر لقبوله شرعا أَن يرويهِ اثْنَان فِي جَمِيع طبقاته، أَو يعضد بِدَلِيل آخر كظاهر أَو انتشاره فِي الصَّحَابَة أَو عمل بَعضهم بِهِ، كَحَدِيث أبي بكر فِي تَوْرِيث الْجدّة؛ لِأَنَّهُ رد خبر الْمُغيرَة فِيهِ حَتَّى شهد
مَعَه مُحَمَّد بن سَلمَة، وَكَذَلِكَ عمر رد قَول أبي مُوسَى فِي الاسْتِئْذَان حَتَّى وَافقه أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ.
وَالْجَوَاب: إِنَّمَا فعلا ذَلِك تثبتاً فِي قَضِيَّة خَاصَّة؛ وَلذَلِك حكما فِي وقائع كَثِيرَة بأخبار الْآحَاد.
وَحكي عَن الجبائي أَيْضا؛ وَاخْتَارَهُ عبد الْجَبَّار المعتزلي: يعْتَبر لقبوله فِي الزِّنَا أَن يرويهِ أَرْبَعَة، فَلَا يحد بِخَبَر دَال على حد الزِّنَا [إِلَّا] أَن يرويهِ أَرْبَعَة قِيَاسا على الشَّهَادَة بِهِ.
وَالْجَوَاب: هَذَا قِيَاس مَعَ الْفَارِق؛ إِذْ بَاب الشَّهَادَة أحوط؛ وَلذَلِك أَجمعُوا على اشْتِرَاط الْعدَد فِيهِ.
وَمنع قوم من قبُول أَخْبَار الْآحَاد مُطلقًا، مِنْهُم: ابْن دَاوُد: وَبَعض
الْمُعْتَزلَة، وَبَعض الْقَدَرِيَّة، وَنسبه التَّاج السُّبْكِيّ إِلَى الظَّاهِرِيَّة.
وَكَذَلِكَ الرافضة، وناقضوا فأثبتوا تصدق عَليّ بِخَاتمِهِ فِي الصَّلَاة وَنِكَاح الْمُتْعَة، والنقض بِأَكْل لحم الْإِبِل، وَكلهَا إِنَّمَا ثَبت بِخَبَر الْآحَاد.
قَالَ ابْن الْقَاص: لَا خلاف بَين أهل الْفِقْه فِي قبُول خبر الْآحَاد، وَإِنَّمَا دفع بعض أهل الْكَلَام خبر الْآحَاد لعَجزه عَن السّنَن، زعم أَنه لَا يقبل مِنْهَا إِلَّا مَا تَوَاتر، بِخَبَر من [لَا] يجوز عَلَيْهِ الْغَلَط وَالنِّسْيَان، وَهَذَا ذَرِيعَة إِلَى إبِْطَال السّنَن فَإِن مَا شَرطه لَا يكَاد يُوجد إِلَيْهِ سَبِيل. انْتهى، وَهُوَ كَمَا قَالَ.